هكذا تركها الأسد.. تعرف إلى خارطة النفوذ العسكري والسياسي في سوريا
تاريخ النشر: 10th, December 2024 GMT
لا مشاعر في سوريا تعلو على فرحة الإطاحة بنظام الأسد. لكن صور الاحتفالات القادمة من هناك لا تخفي التحديات الكبيرة التي تفرض نفسها على السلطات الجديدة.
فقد ترك الأسد سوريا في وضع قاتم مقسم جغرافيا بحسب نفوذ الفصائل والقوى العسكرية المختلفة.
خرائط سيطرة معقدة
ترث المعارضة السورية خرائط سيطرة غاية في التعقيد.
وتغيرت خرائط السيطرة في سوريا كثيرا في الأعوام الـ13 الماضية. وإذا كان سقوط نظام الأسد، وحّد السوريين على نطاق واسع، إلا أن البلاد ما زالت مقسمة إلى مناطق نفوذ عدة.
ورغم أن المعارضة وزعت نفوذها في أيام قليلة ليشمل معظم مساحة البلاد، بما في ذلك كبريات المدن، خصوصا حلب ودمشق، إلا أن نحو ثلث مساحة سوريا ما زال تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي باتت عمليا القوة العسكرية الثانية محليا.
وهنا، لابد من الإشارة إلى أن "قسد" تبسط سيطرتها على مناطق استراتيجية تصنف ضمن ما يطلق عليه "سوريا المفيدة"، لأنها الأغنى بالثروات لتوفرها على أكبر حقوق النفط والغاز.
ورغم عوامل القوة المتاحة لـ"قسد"، إلا أن الباحث السوري في مركز جسور، وائل علوان، يؤكد أن "قسد خسرت الكثير بعد سقوط النظام، لأنها كانت في تلاحم عضوي مع النظام، الذي سهل سيطرتها على أغلب المناطق التي تخضع لنفوذها في شمال سوريا". ويفسر علوان هذه الخسارة كذلك بعامل آخر أساسي يتمثل في أن "قسد" كانت بمثابة "وكيلة للنظام".
وإذا كانت الأنظار تركز على مواقف "قسد" بالنظر إلى قوتها وأهمية مناطق سيطرتها، فإن مهمة السلطات الجديدة في سوريا تبدو أسهل من حيث التعامل مع باقي التنظيمات والجماعات المسلحة التي لا تتبنى مواقف متطرفة أو لها سجل عدائي تجاه المعارضة السورية.
وفي هذا الإطار، يذهب وائل علوان إلى أنه "لا بديل عن إدماجها في جيش وطني موحد، مرجحا في تصريحات خاصة لـ"عربي21" أن يتم هذا الأمر تدريجيا مدفوعا بتوجه القوى الدولية نحو ضمان استقرار المنطقة عبر الحل السياسي في سوريا.
وعلى هذا الأساس، لا يستبعد أن يستغرق تشكيل "جيش واحد لكل سوريا وقتا". وعلاقة بالدور الدولي في تعبيد الطريق إلى جيش سوري موحد، لم يستبعد علوان أن تحاول إيران تجاوز انحسار نفوذها في سوريا بالإقدام على دعم أكبر لسلطة حزب العمال الكردستاني وعبره "قسد" المرتبطة به بشكل قوي.
أما باقي التنظيمات المسلحة المصنفة إرهابيا أو ليست في وئام مع المعارضة السورية، فإن مكافحتها قد يسلتزم إطلاق عمليات عسكرية بما في ذلك بقايا تنظيم "داعش" أو "حراس الدين".
الانقسام واقع
لا يعكس تشظي خرائط سوريا بين نفوذ جهات عدة سنوات من المعارك والاقتتال، بل يكشف أيضا عن انقسام سياسي وطائفي تبدو مهمة إنهاء الرهان الأول للسلطات الجديدة. غير أن هذا الانقسام لا يرقى إلى تقسيم لأن "سوريا وحدة جغرافية واقتصادية وتربطها وشائج مجتمعية تجعل تقسميها مستحيلا"، بحسب الباحث والمحلل السياسي باسل معراوي، الذي أكد في تصريحات لـ"عربي21"، أن تضخيم مخاطر التقسيم "دعاية" أطلقها نظام الأسد والداعمون له من أجل تقديم نظامه وشخصه مركزا شرعيا ضامنا للوحدة والاستقرار.
وعلى النقيض من ذلك، يرى وائل علوان أن وحدة سوريا لم تعد متحققة منذ 2015، "بل إن استعادتها حلم"، ويؤكد أن التقسيم حاصل وليس سيناريو مفترضا وأن التحدي الآن أمام السوريين هو كيفية إنهاء حالة التقسيم الموجودة، الذي لن يتم دون بلورة حل سياسي مُرضي لجميع الأطراف المحلية والخارجية" على حد تعبيره.
وهنا تحديدا، يلتقي مع باسل معراوي الذي يشدد على أهمية العامل الدولي في الحيلولة دون تقسم سورية. إذ يفترض معراوي أن "المصلحة الإقليمية تقتضي الحفاظ على وحدة سوريا لتجنب مخاطر الإرهاب والفوضى وتهريب المخدرات، والتي لن تسلم منها دول الجوار بما فيها "إسرائيل" والجوار الأوروبي".
ملامح الدولة الجديدة
ورغم الواقع المعقد سياسيا وعسكريا، فقد عادت رياح الحرية تحمل معها حلم إقامة دولة وطنية عادلة تسع كل السوريين. وإن كان من المكبر الحديث عن ملامح الدولة الجديدة حسب الباحث وائل علوان، إلا أنها قد تتجه إلى اعتماد نظام الحكم البرلماني أو الشبه الرئاسي، في حين لا يحبذ النظام الرئاسي الذي يثير مخاوف كثيرة بسبب ارتباطه عادة بالمركزية والديكتاتورية.
وفي حين يتوقع المحلل السياسي باسل معراوي مرحلة انتقالية في أفق بناء دولة مدنية ديموقراطية يتساوى فيها كل السوريين، يؤكد على "أهمية أن تكون هوية الدولة عربية إسلامية ببعدها الحضاري والتاريخي المتناسب مع أغلبية السوريين". وفي الوقت نفسه، يشدد معراوي، في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، على "ضرورة احتواء الخلاف السياسي تحت مظلة المؤسسات والحوار السياسي الذي تنخرط فيه كل الأطراف، وفق برامج تقدمها أحزاب جديدة تؤمن بالتداول السلمي للسلطة بعيدا عن الطائفية والصراع الإثني والإيديولوجي".
كما أن سوريا الجديدة تواجه تحديات جسيمة مرتبطة ببناء المؤسسات، بعد إرث ثقيل خلفه حكم شمولي عائلي، لم ينجح في ترسيخ مؤسسات سياسية وقانونية حقيقية، في مقابل تعزيزه للمركزية والولاء للأشخاص، وتمزيق النسيج الاجتماعي للبلاد عبر تأجيج مشاعر الطائفية، بحسب معراوي.
إلا أن الباحث وائل علوان يرى أن هذه التحديات وإن كانت صعبة، فهي "ليست أصعب من وجود نظام الأسد على رأس الحكم، وهو التحدي الذي تغلب عليه السوريون، في أفق تجاوز باقي التحديات، ولعل أكبرها السقوط المفاجئ للنظام والذي بعثر أوراق القوى الإقليمية والدولية التي لم تبلور بعد السيناريوهات الممكنة والتدابير التي تضمن مصالحهم في المنطقة". كما أن المعارضة السورية تمتلك سلاحا قويا لكسب رهان هذه التحديات لعب دورا أساسيا في الإطاحة بنظام الأسد سريعا، وفقاً لباسل معراوي. ويتعلق الأمر بـ"الخطاب التصالحي" الذي اعتمدته المعارضة أثناء "زحفها نحو دمشق" التي مكنها من تحقيق انتصار سريع، حيث تجنبت النهج الانتقامي من حاضنة النظام خاصة الطائفة العلوية التي بدورها لم تنخرط في القتال، وهو ما يعتبره معراوي "مؤشرا جيدا للمستقبل".
الوجود العسكري الأجنبي
سقط بشار الأسد وفرّ إلى روسيا أحد حلفائه الرئيسيين، لكن القوات الروسية ما زالت في سوريا. ورغم أن حليفته الثانية إيران أجلت مستشاريها العسكريين ودبلوماسيين قبيل انهيار النظام السوري، إلا أن المليشيات التابعة لها باقية وقد تشكل تحديا كبيرا أمام السلطات الجديدة، فضلا عن حزب الله اللبناني الذي دخل على ملف الأزمة السورية لمساعدة الأسد في إجهاض الثورة.
وإذا كانت القوات الروسية تتمركز أساسا في قاعدتي حميميم وطرطوس اللتين أكد الكرملين تواصله مع المعارضة بشأنهما، فإن موسكو لها عشرات المواقع العسكرية أيضا دون إغفال شرطتها العسكرية التي نشرتها في عدد من المدن، علما بأن موسكو اختارت لأسباب دينية بالأساس أن تتألف شرطتها في سوريا من عناصر مسلمين من الشيشان.
ولا يقتصر الوجود العسكري الأجنبي في سوريا على حلفاء الأسد. فبعد تصاعد قوة تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، تدخلت الولايات المتحدة لقيادة تحلف دولي لمحاربة التنظيم. كما تمتلك واشنطن قواعد بها جنود في شرق البلاد. من جهتها، شنت تركيا أربع عمليات عسكرية بعضها ضد "داعش"، والبعض الآخر استهدف القوات الكردية التي تعتبرها أنقرة خطرها على أمنها القومي وتصنف بعضها منظمات إرهابية.
ويجزم الباحث وائل علوان بأن القوات الأجنبية في سوريا باقية على الأقل إلى حين اتضاح شكل الحل السياسي، لأن "هذه القوات لن تغادر سوريا دون أن تضمن وجود فاعلين محليين يضمنون مصالحها الأمنية والعسكرية لاحقا"، وهذا من الأسباب التي تجعل "الحاجة إلى بلورة حل سياسي ملحة جدا خاصة وأن القرار الأممي 2254 يبقى عامّا، ويثير الكثير من الإشكالات والخلافات، ويفتقد لآليات التنفيذ فعاّلة".
وفي الاتجاه نفسه، يرى الباحث والمحلل السياسي باسل معراوي أن القرار 2254 الذي أقره مجلس الأمن منذ قرابة تسع سنوات لم يعد صالحا كإطار شرعي دولي لبلورة حل سياسي في سوريا، لأن الظروف كلها تغيرت، واختلفت موازين القوة بعد سيطرت المعارضة وإسقاط النظام. ومن هذا المنطق، يتوقع معراوي أن "عملية التغيير في سوريا الجديدة ستكون شاملة ووفق رؤية الثورة السورية" على حد تعبيره.
وفي سياق القوات الأجنبية، لا يمكن إغفال وجود جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي لم يكتف بالبقاء في المناطق الذي يحتلها في الجولان السوري من 1967، بل نفذ عمليات توغل بري في الجنوب السوري، معلنا سيطرته على مناطق منها جبل الشيخ تزامناً مع شن غارات على عشرات المواقع في سوريا.
ويبدو أن وجود عدة جيوش نظامية في مناطق مختلفة وتوسع الاحتلال الإسرائيلي في قضم الأراضي السورية، إضافة إلى خطر بقايا "داعش" والمليشيات المسلحة، يطرح تحديات كبيرة أمام سوريا الجديدة ويشكل اختبارت حقيقيا لقدرة فصائل المعارضة على بسط سيطرتها العسكرية على عموم البلاد. وفي هذا السياق، يؤكد الباحث والمحلل السياسي باسل معراوي لـ"عربي 21"، أن "هذه المرحلة أصعب من مرحلة إسقاط الأسد، لأن اختبار البناء دائما أصعب من الهدم".
صورة اجتماعية وحقوقية قاتمة
وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، تتنظر الدولة القادمة في سوريا، أعباء اجتماعية وحقوقية ثقيلة، حيث أسرفت سنوات الحرب عن نزوح أكثر من 12 مليون سوري، يعيش أكثر من 4.1 ملايين منهم في مخيمات النزوح المكتظة شمال سوريا، ونصفهم على الأقل نزحوا مرة واحدة على الأقل منذ بداية النزاع، حسب ما وثقته منظمة "هيومن رايتس وتش".
من جهتها، وثقت الشبكة السورية لخقوق الإنسان 196 حالة احتجاز تعسفي بينهم 9 أطفال خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم بسوريا، متهمة المليشيات المحلية المرتبطة بقوات النظام بتنفيذ العديد منها، في حين تقدر الشبكة في حصيلتها عام 2020 أن 150 ألف شخص إما قبعوا في مراكز الاعتقال أو السجون أو كانوا ضحايا حالات اختفاء قسري.
كما نبهت لجنة تحقيق أممية، في وقت سابق، إلى أن تخريب البنية التحتية خلال الحرب إلى صعوبة الوصول الرعاية الصحية والكهرباء والتعليم والنقل العام والمياه والصرف الصحي، كما تزيد معاناة ذوي الإعاقة والأمراض المزمنة، من بينهم حالات نساء وأطفال يعانون من تلك الإصابات منذ 2019 دون أن يحصلوا على العلاج. وحسب اللجنة نفسها فإن السوريين في جميع أنحاء البلاد واجهوا مشقّات بسبب النقص الحاد في الوقود وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
كل هذه الأوضاع وما خلفته من آثار اجتماعية وحقوقية جسيمة، تعتبر إرثا ثقيلا من النظام السابق يضع السلطة القادمة في سوريا أمام تحديات معقدة، واختبار صعب لا بد من تجاوزه لبناء دولة سورية تعيد كرامة السوريين وحقوقهم التي أُهدرت على مر السنين الماضية، في سياق داخلي وإقليمي شديدي التعقيد.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سوريا الأسد النظام سوريا الأسد النظام الجولاني المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المعارضة السوریة نظام الأسد فی سوریا إلا أن
إقرأ أيضاً:
من هو أحمد العودة الذي يُهدّد زعامة أحمد الشرع في سوريا؟
نبّهت صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية إلى وجود شخصيات قوية من المُقاتلين السوريين تُنافس مكانة قائد العمليات العسكرية في سوريا أحمد الشرع، وتحظى بدعم دولي خاصة مع تشكيلها عائقاً ضدّ جماعات جهادية مُقاتلة، وهو ما قد يُعرّض وحدة البلاد للخطر.
وسلّطت اليومية الفرنسية الضوء بشكل خاص على أحمد العودة كشخصية أساسية لا يبدو أنّها تميل إلى مبايعة السلطة الجديدة التي تأسست في دمشق بعد الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول) كخطوة أولى على طريق توحيد سوريا.Syrie : qui est Ahmad al-Audeh, l’autre homme fort qui pourrait mettre en danger l’union du pays ?
➡️ https://t.co/1WqLiNKoVU pic.twitter.com/MQ0NKRbWFT
ومن أجل ترجمة الكلمات إلى أفعال، تباهى العودة في 4 يناير (كانون الثاني) 2025 بتنظيم عرض كبير لقواته- التي يُقدّر عددها بحوالي 7000 رجل، كثير منهم ضباط سابقون في الجيش السوري- وذلك ما بين مدينة درعا، قاعدته الرئيسية، ومدينة إزرع التي تبعد 80 كم جنوب دمشق. ولا شك أنّ أحمد الشرع قد تلقى الرسالة من "حليفه"، لكن إلى متى؟ تقول "لوباريزيان".
8. On January 4, 2025, Al-Awda showcased his military strength with a significant parade between Bosra ash-Sham, his main base, and Izra, this a week after HTS marched its forces to Umayyad Sq, and was seen as a signal to Al-Shara’a’s newly formed defense ministry highlighting… pic.twitter.com/7GzViASak0
— Rami Jarrah (@RamiJarrah) January 6, 2025 خطر تقسيم سوريا ورأى الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي رونان تيزوريير، في ذلك نذير صراع ناشئ داخل القوى التي تولّت السلطة في سوريا بعد سقوط الأسد. واعتبر أنّ العودة يُمثّل تهديداً مُحتملاً يُمكن أن يؤدي إلى تقسيم سوريا بشكل دائم، كما يتفق العديد من المراقبين الإقليميين، باعتبار أنّ هذا الرجل القوي هو المُنافس الرئيسي لزعيم البلاد الجديد أحمد الشرع.ويُواصل العودة القائد السابق لأحد فصائل الجيش السوري الحر في درعا، إرسال إشارات عدم الثقة تجاه قائد القوات القادمة من شمال سوريا أحمد الشرع. ووصف مُراقبون العودة بالمُقاتل ذي المظهر المقلق، والذي غيّر ولاءاته عدّة مرات في السنوات الأخيرة، اعتماداً على اتجاهات رياح القوة، وهو معروف بعلاقاته الجيدة مع روسيا.
3. While his association with Russia and Iran was seen as a pragmatic move to maintain influence in the region Al-Awda essentially benefited Assad and his allies, against Syrians who opposed the Assad regime, and through an agreement allowed both Russia and Iran to place Daraa… pic.twitter.com/mQKOtyX3Lf
— Rami Jarrah (@RamiJarrah) January 6, 2025 ويُثير أحمد العودة جدلاً لأنّ القوات الروسية التي دعمت الأسد، أشرفت في عام 2018 على صفقة سمحت لقوات النظام السوري باستعادة السيطرة نظرياً على محافظة درعا، لكن بدعم من قوات أحمد العودة الذي تمكّن لذلك من السماح لمجموعته المُقاتلة بالاحتفاظ بأسلحتها، وفي الواقع، دعم نظام الرئيس السابق بشار الأسد.وبينما يُنظر إلى ارتباطه بروسيا وحليفتها إيران على أنه خطوة عملية كانت تهدف إلى الحفاظ على نفوذه في المنطقة، فقد اعتبر الكثير من السوريين ذلك خيانة لشعبه. أوّل من دخل دمشق في بداية ديسمبر (كانون الأول) 2024، وبينما كانت القوات المُناهضة للأسد بقيادة الشرع تتقدّم نحو دمشق، قامت "هيئة تحرير الشام"، التي تتولى زعامة السلطة الآن، بتشكيل عسكري تحالف مناسب مع قوات "غرفة العمليات الجنوبية" بقيادة العودة الذي فكّ تحالفه مع روسيا ونظام الأسد، حاشداً قواته لاختراق العاصمة. وفي 7 من الشهر الماضي وصلت قواته إلى أطراف المدينة، وفي اليوم التالي دخلت دمشق أولاً قبل قوات الشرع.
وانتشر رجال أحمد العودة، الذين يُمكن التعرّف عليهم من خلال عماماتهم المربوطة حول رؤوسهم، حول البنك المركزي السوري وفي عدّة أحياء بالعاصمة. ويتهمهم البعض بنهب المؤسسة المصرفية الوطنية. وقال قائد عسكري سوري "لقد حدثت الفوضى لكننا تمكّنّا خلال فترة وجيزة من السيطرة على المؤسسات الحيوية لضمان حمايتها".
#Syrie : qui est Ahmad al-Audeh (Ahmed al-Awda), l’autre homme fort qui pourrait mettre en danger l’union du pays ? https://t.co/IdN2FvVEyh cc @ThomasPierret
— Ronan Tésorière aka Ron T. (@RonTesoriere) January 8, 2025 وأضاف المتحدث باسم القوات الجنوبية أنّ رجاله قاموا لفترة من الوقت بتوفير الأمن لعدّة سفارات عربية، واصطحبوا دبلوماسيين متمركزين في دمشق إلى فندق كبير في العاصمة كملجأ لهم. كما شجّعوا على المرور الآمن للدبلوماسيين إلى الحدود السورية مع الأردن. دور استراتيجي للعودة وفي هذا السياق المُشتعل، التقى العودة بالزعيم الجديد للبلاد، أحمد الشرع، في 12 ديسمبر (كانون الأول) خلال اجتماع بين مُناهضي الأسد، لكنّه لم يُشارك في الاجتماع الذي ترأسه الأخير في 25 من الشهر نفسه مع قادة عدّة مجموعات مسلحة أخرى قالوا إنهم قبلوا حلّها.وبالنسبة للمُتخصصين في شؤون المنطقة، فإنّ للعودة موقع ضروري في المشهد السياسي المستقبلي للبلاد، خاصة أنّ لديه علاقات دولية كبيرة، ويرى فيه البعض "رافعة استراتيجية مهمة"، كما يؤكد توماس بيريت، الباحث المتخصص في الشأن السوري في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي.
وعلى المستوى الإقليمي، يُمكن أن يُمثّل العودة قوة مُضّادة حقيقية، وأن يكون على رأس كيان مستقل يتمتع بحكم شبه ذاتي إذا كانت القوة المركزية في دمشق ضعيفة للغاية. ويُمكن للاعبين الدوليين الرئيسيين بعد ذلك أن يندفعوا إلى دعمه، خاصة أنّ العودة شكّل دائماً عائقاً أمام المُتمرّدين الإسلاميين منذ عام 2014، وفق بيريت.