لا مشاعر في سوريا تعلو على فرحة الإطاحة بنظام الأسد. لكن صور الاحتفالات القادمة من هناك لا تخفي التحديات الكبيرة التي تفرض نفسها على السلطات الجديدة.

فقد ترك الأسد سوريا في وضع قاتم مقسم جغرافيا بحسب نفوذ الفصائل والقوى العسكرية المختلفة.

خرائط سيطرة معقدة
ترث المعارضة السورية خرائط سيطرة غاية في التعقيد.

صحيح أن الفصائل استطاعت في ظرف أيام قليلة استعادة مساحات واسعة من قبضة النظام السوري، إلا أن جغرافيا شاسعة ما زالت خارج سيطرتها.

وتغيرت خرائط السيطرة في سوريا كثيرا في الأعوام الـ13 الماضية. وإذا كان سقوط نظام الأسد، وحّد السوريين على نطاق واسع، إلا أن البلاد ما زالت مقسمة إلى مناطق نفوذ عدة.

ورغم أن المعارضة وزعت نفوذها في أيام قليلة ليشمل معظم مساحة البلاد، بما في ذلك كبريات المدن، خصوصا حلب ودمشق، إلا أن نحو ثلث مساحة سوريا ما زال تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي باتت عمليا القوة العسكرية الثانية محليا.

وهنا، لابد من الإشارة إلى أن "قسد" تبسط سيطرتها على مناطق استراتيجية تصنف ضمن ما يطلق عليه "سوريا المفيدة"، لأنها الأغنى بالثروات لتوفرها على أكبر حقوق النفط والغاز.

ورغم عوامل القوة المتاحة لـ"قسد"، إلا أن  الباحث السوري في مركز جسور، وائل علوان، يؤكد أن "قسد خسرت الكثير بعد سقوط النظام، لأنها كانت في تلاحم عضوي مع النظام، الذي سهل سيطرتها على أغلب المناطق التي تخضع لنفوذها في شمال سوريا". ويفسر علوان هذه الخسارة كذلك بعامل آخر أساسي يتمثل في أن "قسد" كانت بمثابة "وكيلة للنظام". 

وإذا كانت الأنظار تركز على مواقف "قسد" بالنظر إلى قوتها وأهمية مناطق سيطرتها، فإن مهمة السلطات الجديدة في سوريا تبدو أسهل من حيث التعامل مع باقي التنظيمات والجماعات المسلحة التي لا تتبنى مواقف متطرفة أو لها سجل عدائي تجاه المعارضة السورية.

وفي هذا الإطار، يذهب وائل علوان إلى أنه "لا بديل عن إدماجها في جيش وطني موحد، مرجحا في تصريحات خاصة لـ"عربي21" أن يتم هذا الأمر تدريجيا مدفوعا بتوجه القوى الدولية نحو ضمان استقرار المنطقة عبر الحل السياسي في سوريا.

وعلى هذا الأساس، لا يستبعد أن يستغرق تشكيل "جيش واحد لكل سوريا وقتا". وعلاقة بالدور الدولي في تعبيد الطريق إلى جيش سوري موحد، لم يستبعد علوان أن تحاول إيران تجاوز انحسار نفوذها في سوريا بالإقدام على دعم أكبر لسلطة حزب العمال الكردستاني وعبره "قسد" المرتبطة به بشكل قوي.

أما باقي التنظيمات المسلحة المصنفة إرهابيا أو ليست في وئام مع المعارضة السورية، فإن مكافحتها قد يسلتزم إطلاق عمليات عسكرية بما في ذلك بقايا تنظيم "داعش" أو "حراس الدين".

الانقسام واقع
لا يعكس تشظي خرائط سوريا بين نفوذ جهات عدة سنوات من المعارك والاقتتال، بل يكشف أيضا عن انقسام سياسي وطائفي تبدو مهمة إنهاء الرهان الأول للسلطات الجديدة. غير أن هذا الانقسام لا يرقى إلى تقسيم لأن "سوريا وحدة جغرافية واقتصادية وتربطها وشائج مجتمعية تجعل تقسميها مستحيلا"، بحسب الباحث والمحلل السياسي باسل معراوي، الذي أكد في تصريحات لـ"عربي21"، أن تضخيم مخاطر التقسيم "دعاية" أطلقها نظام الأسد والداعمون له من أجل تقديم نظامه وشخصه مركزا شرعيا ضامنا للوحدة والاستقرار.

وعلى النقيض من ذلك، يرى وائل علوان أن وحدة سوريا لم تعد متحققة منذ 2015، "بل إن استعادتها حلم"، ويؤكد أن التقسيم حاصل وليس سيناريو مفترضا وأن التحدي الآن أمام السوريين هو كيفية إنهاء حالة التقسيم الموجودة، الذي لن يتم دون بلورة حل سياسي مُرضي لجميع الأطراف المحلية والخارجية" على حد تعبيره.

وهنا تحديدا، يلتقي مع باسل معراوي الذي يشدد على أهمية العامل الدولي في الحيلولة دون تقسم سورية. إذ يفترض معراوي أن "المصلحة الإقليمية تقتضي الحفاظ على وحدة سوريا لتجنب مخاطر الإرهاب والفوضى وتهريب المخدرات، والتي لن تسلم منها دول الجوار بما فيها "إسرائيل" والجوار الأوروبي".


ملامح الدولة الجديدة 
ورغم الواقع المعقد سياسيا وعسكريا، فقد عادت رياح الحرية تحمل معها حلم إقامة دولة وطنية عادلة تسع كل السوريين. وإن كان من المكبر الحديث عن ملامح الدولة الجديدة حسب الباحث وائل علوان، إلا أنها قد تتجه إلى اعتماد نظام الحكم البرلماني أو الشبه الرئاسي، في حين لا يحبذ النظام الرئاسي الذي يثير مخاوف كثيرة بسبب ارتباطه عادة بالمركزية والديكتاتورية.

  وفي حين يتوقع المحلل السياسي باسل معراوي مرحلة انتقالية في أفق بناء دولة مدنية ديموقراطية يتساوى فيها كل السوريين، يؤكد على "أهمية أن تكون هوية الدولة عربية إسلامية ببعدها الحضاري والتاريخي المتناسب مع أغلبية السوريين". وفي الوقت نفسه، يشدد معراوي، في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، على "ضرورة احتواء الخلاف السياسي تحت مظلة المؤسسات والحوار السياسي الذي تنخرط فيه كل الأطراف، وفق برامج تقدمها أحزاب جديدة تؤمن بالتداول السلمي للسلطة بعيدا عن الطائفية والصراع الإثني والإيديولوجي".

كما أن سوريا الجديدة تواجه تحديات جسيمة مرتبطة ببناء المؤسسات، بعد إرث ثقيل خلفه حكم شمولي عائلي، لم ينجح في ترسيخ مؤسسات سياسية وقانونية حقيقية، في مقابل تعزيزه للمركزية والولاء للأشخاص، وتمزيق النسيج الاجتماعي للبلاد عبر تأجيج مشاعر الطائفية، بحسب معراوي.
 
إلا أن الباحث وائل علوان يرى أن هذه التحديات وإن كانت صعبة، فهي "ليست أصعب من وجود نظام الأسد على رأس الحكم، وهو التحدي الذي تغلب عليه السوريون، في أفق تجاوز باقي التحديات، ولعل أكبرها السقوط المفاجئ للنظام والذي بعثر أوراق القوى الإقليمية والدولية التي لم تبلور بعد السيناريوهات الممكنة والتدابير التي تضمن مصالحهم في المنطقة". كما أن المعارضة السورية تمتلك سلاحا قويا لكسب رهان هذه التحديات لعب دورا أساسيا في الإطاحة بنظام الأسد سريعا، وفقاً لباسل معراوي. ويتعلق الأمر بـ"الخطاب التصالحي" الذي اعتمدته المعارضة أثناء "زحفها نحو دمشق" التي مكنها من تحقيق انتصار سريع، حيث تجنبت النهج الانتقامي من حاضنة النظام خاصة الطائفة العلوية التي بدورها لم تنخرط في القتال، وهو ما يعتبره معراوي "مؤشرا جيدا للمستقبل". 


الوجود العسكري الأجنبي
سقط بشار الأسد وفرّ إلى روسيا أحد حلفائه الرئيسيين، لكن القوات الروسية ما زالت في سوريا. ورغم أن حليفته الثانية إيران أجلت مستشاريها العسكريين ودبلوماسيين قبيل انهيار النظام السوري، إلا أن المليشيات التابعة لها باقية وقد تشكل تحديا كبيرا أمام السلطات الجديدة، فضلا عن حزب الله اللبناني الذي دخل على ملف الأزمة السورية لمساعدة الأسد في إجهاض الثورة.

وإذا كانت القوات الروسية تتمركز أساسا في قاعدتي حميميم وطرطوس اللتين أكد الكرملين تواصله مع المعارضة بشأنهما، فإن موسكو لها عشرات المواقع العسكرية أيضا دون إغفال شرطتها العسكرية التي نشرتها في عدد من المدن، علما بأن موسكو اختارت لأسباب دينية بالأساس أن تتألف شرطتها في سوريا من عناصر مسلمين من الشيشان.

ولا يقتصر الوجود العسكري الأجنبي في سوريا على حلفاء الأسد. فبعد تصاعد قوة تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، تدخلت الولايات المتحدة لقيادة تحلف دولي لمحاربة التنظيم. كما تمتلك واشنطن قواعد بها جنود في شرق البلاد.  من جهتها، شنت تركيا أربع عمليات عسكرية بعضها ضد "داعش"، والبعض الآخر استهدف القوات الكردية التي تعتبرها أنقرة خطرها على أمنها القومي وتصنف بعضها منظمات إرهابية.

ويجزم الباحث وائل علوان بأن القوات الأجنبية في سوريا باقية على الأقل إلى حين اتضاح شكل الحل السياسي، لأن "هذه القوات لن تغادر سوريا دون أن تضمن وجود فاعلين محليين يضمنون مصالحها الأمنية والعسكرية لاحقا"، وهذا من الأسباب التي تجعل "الحاجة إلى بلورة حل سياسي ملحة جدا خاصة وأن القرار الأممي 2254 يبقى عامّا، ويثير الكثير من الإشكالات والخلافات، ويفتقد لآليات التنفيذ فعاّلة".

وفي الاتجاه نفسه، يرى الباحث والمحلل السياسي باسل معراوي أن القرار 2254 الذي أقره مجلس الأمن منذ قرابة تسع سنوات لم يعد صالحا كإطار شرعي دولي لبلورة حل سياسي في سوريا، لأن الظروف كلها تغيرت، واختلفت موازين القوة بعد سيطرت المعارضة وإسقاط النظام. ومن هذا المنطق، يتوقع معراوي أن "عملية التغيير في سوريا الجديدة ستكون شاملة ووفق رؤية الثورة السورية" على حد تعبيره.  

وفي سياق القوات الأجنبية، لا يمكن إغفال وجود جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي لم يكتف بالبقاء في المناطق الذي يحتلها في الجولان السوري من 1967، بل نفذ عمليات توغل بري في الجنوب السوري، معلنا سيطرته على مناطق منها جبل الشيخ تزامناً مع شن غارات على عشرات المواقع في سوريا.

ويبدو أن وجود عدة جيوش نظامية في مناطق مختلفة وتوسع الاحتلال الإسرائيلي في قضم الأراضي السورية، إضافة إلى خطر بقايا "داعش" والمليشيات المسلحة، يطرح تحديات كبيرة أمام سوريا الجديدة ويشكل اختبارت حقيقيا لقدرة فصائل المعارضة على بسط سيطرتها العسكرية على عموم البلاد. وفي هذا السياق، يؤكد الباحث والمحلل السياسي باسل معراوي لـ"عربي 21"، أن "هذه المرحلة أصعب من مرحلة إسقاط الأسد، لأن اختبار البناء دائما أصعب من الهدم". 

صورة اجتماعية وحقوقية قاتمة
وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، تتنظر الدولة القادمة في سوريا، أعباء اجتماعية وحقوقية ثقيلة، حيث أسرفت سنوات الحرب عن نزوح أكثر من 12 مليون سوري، يعيش أكثر من 4.1 ملايين منهم في مخيمات النزوح المكتظة شمال سوريا، ونصفهم على الأقل نزحوا مرة واحدة على الأقل منذ بداية النزاع، حسب ما وثقته منظمة "هيومن رايتس وتش". 

من جهتها، وثقت الشبكة السورية لخقوق الإنسان 196 حالة احتجاز تعسفي بينهم 9 أطفال خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم بسوريا، متهمة المليشيات المحلية المرتبطة بقوات النظام بتنفيذ العديد منها، في حين تقدر الشبكة في حصيلتها عام 2020 أن 150 ألف شخص إما قبعوا في مراكز الاعتقال أو السجون أو كانوا ضحايا حالات اختفاء قسري.

كما نبهت لجنة تحقيق أممية، في وقت سابق، إلى أن تخريب البنية التحتية خلال الحرب إلى صعوبة الوصول الرعاية الصحية والكهرباء والتعليم والنقل العام والمياه والصرف الصحي، كما تزيد معاناة ذوي الإعاقة والأمراض المزمنة، من بينهم حالات نساء وأطفال يعانون من تلك الإصابات منذ 2019 دون أن يحصلوا على العلاج. وحسب اللجنة نفسها فإن السوريين في جميع أنحاء البلاد واجهوا مشقّات بسبب النقص الحاد في الوقود وارتفاع أسعار المواد الغذائية.

كل هذه الأوضاع وما خلفته من آثار اجتماعية وحقوقية جسيمة، تعتبر إرثا ثقيلا من النظام السابق يضع السلطة القادمة في سوريا أمام تحديات معقدة، واختبار صعب لا بد من تجاوزه لبناء دولة سورية تعيد كرامة السوريين وحقوقهم التي أُهدرت على مر السنين الماضية، في سياق داخلي وإقليمي شديدي التعقيد.


المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سوريا الأسد النظام سوريا الأسد النظام الجولاني المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المعارضة السوریة نظام الأسد فی سوریا إلا أن

إقرأ أيضاً:

معاناة مشتركة بين أبناء فلسطين والجولان على أطراف دمشق

دمشق- بجوار تجمّع الذيابية -حيث يقيم سوريون من أبناء الجولان المحتل- يتقاسم أبناء فلسطين اللاجئون المعاناة والمصير المشترك ذاته، فيقيمون في مخيم الحسينية الذي يعد حاليا أكبر المخيمات الفلسطينية من حيث عدد السكان في سوريا، وقد أنشئ عام 1982.

وكان مخيم اليرموك في دمشق أكبر المخيمات الفلسطينية بسوريا، ولكن بعد اندلاع الثورة السورية تعرّض لدمار كبير وتهجير على يد النظام المخلوع وداعميه، وهو الآن شبه خالٍ.

ويقع تجمّع الذيابية (يطلق اسم التجمع على المناطق التي نزح إليها أبناء الجولان داخل سوريا) على بعد 15 كيلومترا جنوب العاصمة دمشق، ويقيم فيه أبناء الجولان المحتل الذين نزحوا عام 1967 بسبب الحرب التي نشبت بين إسرائيل وسوريا، إذ طلب الجيش السوري بقيادة وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد من أهالي مرتفعات الجولان الخروج من القرى بحجة محاربة جيش الاحتلال الإسرائيلي، ووعدهم بأنهم سيعودون بعد أسبوع.

لكن انقضى أسبوع تلو الآخر، وانقضت الأشهر والسنوات، وكانت تلك الوعود "مواعيد عرقوب"، فلا تحررت مرتفعات الجولان، ولا عاد إليها أبناؤها حتى هذه اللحظة، فصار لسان حالهم يقول "وما مواعيده إلا الأباطيل".

بستان "الحافي" الفاصل بين بلدة السيدة زينب وتجمّع الذيابية (الجزيرة) انعدام الخدمات

لا يلحظ الزائر لمخيم الحسينية وتجمّع الذيابية أي فروق ثقافية أو اجتماعية أو خدمية بينهما، إذ ينتمي أبناء المخيم والتجمع إلى بيئة جغرافية متجاورة متشابهة في العادات والتقاليد، ولا يفصل بين مرتفعات الجولان وفلسطين إلا حدود رسمتها اتفاقية سايكس بيكو.

هذا التجاور وهذا التشابه انتقلا مع النازحين من الجولان واللاجئين من فلسطين الذين نزلوا أحياء في أطراف دمشق وسكنوا إلى جوار بعضهم مثلما حدث بين مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين وتجمّع الحجر الأسود لأبناء الجولان، فكانت معاناة النزوح واللجوء واحدة، وكانت ممارسات نظام الأسد المخلوع نحوهما متشابهة، وبالتالي كان مصير المخيم والتجمع مصيرا مشتركا.

تعرضت تجمعات أبناء الجولان ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في ريف دمشق للتهميش من قبل النظام المخلوع، مما أنتج واقعا معيشيا صعبا زاد معاناة النازحين واللاجئين الذي أُخرجوا من ديارهم.

الباحث الاجتماعي إبراهيم محمد: 95% من أهالي المخيم والتجمع تحت خط الفقر (الجزيرة)

 

بدوره، أشار الباحث الاجتماعي إبراهيم محمد في حديث للجزيرة نت عن الوضع المعيشي السيئ الذي يعيشه أهالي الذيابية والحسينية إلى أن 95% من الأهالي تحت خط الفقر.

إعلان

ويقول الباحث إن التجمع والمخيم بحاجة إلى مؤسسات تنموية وصحية وإغاثية ومراكز لمكافحة المخدرات وتعبيد الطرق وتوفير الكهرباء.

ويؤكد محمد على ضرورة المحافظة على "الوضع القانوني للفلسطينيين باعتبارهم بحكم السوريين من أجل الحفاظ على حق العودة وإعطائهم حق التملك الذي حرمهم منه النظام البائد".

بدورها، تشتكي فرح (20 عاما) -وهي طالبة في كلية الحقوق- في حديثها للجزيرة نت من المعاناة التي كان يعيشها ويعيشها حاليا طلاب التجمع والمخيم بسبب الظروف الدراسية الصعبة، فلا كهرباء متوفرة (حصة البلدة والمخيم من الكهرباء ساعة في النهار وساعة في الليل)، وفي الشتاء تزداد المعاناة بسبب البرد الشديد الذي لم تكن تتوفر له مادة المازوت، وإذا توفرت فأسعارها خيالية.

وإذا قرر أحدهم استخدام الغاز للتدفئة -تواصل الطالبة- فسيضيع راتبه كله (ما يقارب 30 دولارا) مقابل أسطوانة غاز لا تدوم أكثر من شهر، وللحصول عليها يتطلب الأمر انتظار الدور عبر البطاقة الذكية التي أصدرتها حكومة النظام المخلوع.

ورغم عدم توفر إمكانيات جيدة لدراسة الطلاب فإن فرح استطاعت تجاوز المرحلة الثانوية، ثم التحقت بكلية الحقوق، ونالت المركز الأول في السنتين الأولى والثانية.

نزوح متكرر

يقف الشاب حارث (33 عاما) على سطح منزل عائلته مستذكرا كلمات جده الراحل قبل 20 سنة (قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011).

كان الجد يقف في المكان ذاته، ويخبره أن هناك خلف ذلك الجبل (جبل الشيخ) "قريتنا في الجولان على حدود فلسطين، بدي (أريد) إياك تصير طيارا وتحرر الجولان".

ويقول حارث "بعد اندلاع الثورة السورية هاجمتنا مليشيات طائفية اتخذت من البلدة المجاورة "السيدة زينب" مقرا لها.

اضطر حارث إلى النزوح مع جده عام 2012 الذي كان قد حكى له عن نزوح 1967، وكيف أوقفهم الجيش الإسرائيلي ليطلق عليهم النار، ولكنهم نجوا.

إعلان

ويتابع أنه نزح إلى بلدة تطل على الذيابية، فكان يخرج مع جده إلى سطح البناء، فيشير له إلى بيت نزوحه الأول، قبل أن يحرق البيت ويموت جده حزنا وكمدا.

مجازر وانتهاكات

تقع الذيابية والحسينية بجوار بلدة السيدة زينب التي يقع فيها مقام السيدة زينب، فكانت تستقطب الزوار من الطائفة الشيعية من مختلف أنحاء العالم، خاصة من إيران.

ويقول أبو محمد (70 عاما) "قبل استلام حافظ الأسد الحكم في سوريا كنا نعيش مع الطوائف كلها بسلام، وكان الناس في الجولان من مختلف الأعراق والأديان والمذاهب، وفيما بعد حاول نظام الأسد تفريق الشعب، وبعد اندلاع الثورة ظهر خطاب وممارسات طائفية، فأخرجتنا من بيوتنا وأحرقتها واعتقلت شبابنا".

وعن التضييق الذي كانت تمارسه حواجز النظام المخلوع والمليشيات، يقول الشاب عثمان (34 عاما) "أنشأت المليشيات السواتر الترابية والحواجز العسكرية حول بلدتنا، كانت تسمح للمقيمين فقط بالدخول إلى البلدة، أما الذين لا يملكون بطاقة إقامة في البلدة فيضعون هوياتهم الشخصية عند الحواجز العسكرية، كنا نعيش حياة مليئة بالخوف على نسائنا وأبنائنا وأنفسنا".

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ارتكب النظام المخلوع وداعموه مجزرة في التجمع حصلت خلال الفترة من 22 إلى 26 سبتمبر/أيلول 2012، إذ طوقت قوات جيش النظام البلدة وبدأت بقصفها بشكل عنيف وعشوائي بالمدفعية والدبابات والرشاشات الثقيلة، وسقط إثر هذا القصف عدد كبير من القتلى والجرحى من المدنيين من أبناء البلدة، ثم اقتحمت في 26 يونيو/حزيران2012 البلدة وقتلت عددا من أبنائها، وتجاوز عدد ضحايا البلدة في تلك الفترة 107 شهداء من المدنيين، وفق المصدر ذاته.

انتشار المخدرات

كما هو الحال في المناطق التي كان يسيطر عليها نظام الأسد المخلوع تنتشر المخدرات بين شباب ومراهقي مخيم الحسينية وتجمّع الذيابية، إلى درجة انتشارها في المدارس.

إعلان

وعن ذلك يقول أحمد (50 عاما) إنه أجبر ابنته المجتهدة في مدرستها (الصف التاسع المتوسط) على ترك المدرسة بعد انتشار مادة الكبتاغون بين طالبات المدرسة وسهولة الحصول عليها.

ويضيف أن أسعار هذه المادة أصبحت أرخص من قطعة البسكويت، وكان النظام يغض الطرف عن انتشارها بين المراهقين.

وبحسب الباحث الاجتماعي إبراهيم محمد، فإنه "خلال فترة سيطرة النظام المخلوع على المنطقة انتشرت المخدرات بشكل واسع بمساعدة الفرقة الرابعة (كان يقودها ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري المخلوع) والأمن العسكري، وقبل سقوط النظام كان بيع المخدرات بشكل شبه علني في الشوارع، والذين يتم اعتقالهم يخرجون بعد مدة قصيرة"، وهذا يدل على تعمّد النظام نشر هذه المواد.

وتقول مريم (40 عاما) -التي استشهد زوجها في معتقلات النظام المخلوع- إن الناس هنا يعيشون حياة بؤس وفقر، لكننا نريد مراكز صحية لمعالجة الشباب المدمنين على المخدرات، فإذا تخلصنا منها فإننا نتخلص من السرقة والمشاكل العائلية بين الأبناء والآباء.

ضحايا مشتركون

يصف أبناء التجمع والمخيم الذين قابلتهم الجزيرة نت نظام الأسد المخلوع بأنه "بائع الجولان" و"متاجر" بالقضية الفلسطينية على مدار عقود، وبالتالي فإنهم ضحايا مشتركون زاد نظام الأسد مأساة تهجيرهم عن أرضهم.

همشت مناطقهم وانتشرت المخدرات بين أبنائهم، بالإضافة إلى الاعتقالات التي تعرّض لها أبناء المخيم والتجمع بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، وكذلك من التهجير الإجباري والإخفاء القسري.

ويتفقون على أنه بسقوط النظام المخلوع فإن الأسوأ قد مضى، وأنه كما كان الألم مشتركا فإن الأمل أيضا مشترك.

مقالات مشابهة

  • أسماء الأسد.. إيما التي لم تكن تهتم بالشرق الأوسط
  • تركيا ومهمة ملء الفراغ العسكري الإيراني في سوريا
  • عن المعارضة والاصطفاف والمعارك الآمنة
  • معاناة مشتركة بين أبناء فلسطين والجولان على أطراف دمشق
  • إليكم السبب الذي قد يؤدي إلى رفض طلبكم نحو هذه الدولة الأوروبية
  • الكشف عن أبرز البنود التي تحوي المشروع الوطني الذي قدمته القوى السياسية
  • الخارجية السودانية تدعو المجتمع الدولي لدعم خارطة الطريق التي طرحتها قيادة الدولة
  • الخارجية تدعو المجتمع الدولي لدعم خارطة الطريق التي طرحتها قيادة الدولة
  • تعرف على محور نتساريم الذي سينسحب منه الاحتلال
  • البخيتي: النظام السعودي تجاوز التطبيع إلى التحالف العسكري والاقتصادي مع الكيان الصهيوني