الاقتصاد نيوز - متابعة

العملات ليست مجرد أدوات للتبادل الاقتصادي، إنما هي رموز تحمل في طياتها تاريخ الأمم وهويتها وتعكس صورها وتصميماتها المختلفة رسائل سياسية وثقافية عميقة تسعى الدول من خلالها إلى توثيق ذاكرتها الجمعية.

في سوريا، ومع سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، يُثار التساؤل حول مصير العملة السورية التي تحمل صورته،  من فئة الألفي ليرة، التي تمثل رمزًا لنظامٍ حكم سوريا لعقود.

تصميم العملات يحمل دلالات تتجاوز الجوانب الفنية لتصبح جزءًا من السياسة والاقتصاد والتاريخ في آنٍ واحد ففي دول كثيرة تُستخدم العملات لتخليد شخصيات تاريخية أو لتكريس رموز وطنية تعبر عن هوية الدولة واستقلالها. 

العملة تتحول في بعض الأنظمة إلى أداة لفرض هيمنة الحاكم ورمز لتكريس شخصيته كأيقونة للدولة، كما فعلت عائلة الأسد.

ومن ثم، فإن العملة صارت رمزاً للنظام السابق وللمرحلة التي يحاول الشعب تجاوزها، ما سيدفع أي حكومة جديدة إلى مهمة إعادة تصميم العملة كجزء من عملية أوسع لإعادة بناء الهوية الوطنية وتأكيد بداية عهد جديد. وهذا ليس أمرًا غريبًا بل هو نهج اتبعته دول عديدة في التاريخ عندما مرت بمراحل انتقالية كما حدث في العراق بعد سقوط صدام حسين أو في دول الاتحاد السوفيتي السابق بعد تفككه، على سبيل المثال.

وفيما لم تتضح بعد الخطوات الفعليّة التالية فيما يخص "تصميم العملة"، حرص مصرف سوريا المركزي -بعد يوم واحد من سقوط النظام- على التأكيد على أن العملة المعتمدة في التداول في سوريا هي الليرة السورية بكافة فئاتها، ولم يتم سحب أي فئة من التداول.

وبناءً على ذلك، فإن العملة التي تحمل صورة الأسد مع باقي العملات لا تزال متداولة ولم يُتخذ قرار بشأنها بعد. في الوقت الذي أكد فيه المصرف أنه وجه كافة شركات الصرافة والحوالات الداخلية بضرورة الالتزام بتسليم الحوالات لمستحقيها بالليرة السورية وفق القرارات النافذة الناظمة لهذا الموضوع.

ويعد تغيير العملة "قراراً سياسياً" في المقام الأول، بحسب وزير التجارة السوري وحماية المستهلك، لؤي المنجد، في تصريحات إعلامية له.

وبحلول يوم الاثنين 9 كانون الأول، يتداول الدولار بـ 17 ألف ليرة في دمشق، وفي حلب يصل إلى 18 ألفاً.

وشهدت سوريا قبيل سنوات قليلة واقعة مثيرة لتغيير تصميم العملة وتحديداً فئة الألف ليرة، وذلك عندما طرح البنك المركزي في شهر يوليو/ تموز من العام 2015، ورقة نقدية جديدة في حينها من فئة 1000 ليرة سورية.

كانت تلك الفئة تحمل صورة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، ومع التغيير حلّت مكانها صورة مدرج مدينة بصرى الشام الأثرية. وللمفارقة كانت تلك المدينة قد وقعت -قبيل نحو شهرين من إصدار العملة- تحت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة.

أثارت تلك العملة حينها انتقادات في صفوف مؤيدي النظام السوري، الذين أطلقوا حملة على منصات التواصل داعية لإعادة صورة الأسد. وسط تفسيرات وتأويلات مختلفة حينها لذلك التغيير.

وفي حزيران من العام الماضي، أضاف مصرف سوريا المركزي تعديلات محدودة على تصميم الأوراق النقدية من فئة 5 آلاف ليرة سورية لتعزيز المزايا الأمنية، عبر تكبير حجم الرقم 5000 وطباعته طباعة نافرة.

المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز

كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار

إقرأ أيضاً:

“تأملات تحليلية” حول حالة سوريا ما بعد الأسد

 

فتَح السقوط المفاجئ والسريع لنظام بشار الأسد الباب أمام عشرات التحليلات لسيناريوهات المستقبل السوري، ومناقشة التحديات التي تواجهها هيئة تحرير الشام في إدارتها المرحلة الانتقالية. ووسط المادة التحليلية شديدة الثراء والمتدفقة عبر العديد من المنابر الإعلامية والبحثية المختلفة، يمكن الزَعم -على الأقل من المنظور الشخصي- أن الندوة التي عقدَتها في القاهرة مؤسسة كيميت بطرس غالي للسلام، التي يترأسها السيد ممدوح عباس، مساء يوم الأربعاء 22 يناير 2025، تضمّنت نقاشاً مختلفاً ومفيداً. وتعود فائدة الندوة لكونها تعامَلَت مع المفاتيح الأساسية اللازمة لفهم ما يحدث في سوريا، فهذا الفهم لا غنى عنه لأي عملية تتعلّق باستشراف معالِم المستقبل.

كما أن فائدة هذه الندوة تنبع بلا شك من غنى المنصة وتنوّع خلفيات المتحدثين، ما بين ذوي الخبرة المباشرة في التعامل مع الحالة السورية، وبين ذوي الخلفية الأكاديمية سواء من المحيطين بالشؤون العربية، أم من أبرز المتخصصين في الشأن الأمريكي. يضاف إلى ذلك أن التنوع في الآراء داخل قاعة الندوة هو جزء لا يتجزأ من تنوع الرؤى داخل الوطن العربي وخارجه حول حاضر سوريا ومستقبلها، وهذا التنوع مفيد بدوره؛ لأنه يسمح بالنظر للموضوع من أكثر من زاوية، ويساعد على بناء صورة أقرب ما تكون للصورة المتكاملة. وفي هذا الإطار يمكن بلورة أهم التساؤلات التي دار حولها النقاش.

هل جاء النظام ليبقى؟

هل جاء النظام القائم حالياً في سوريا ليبقى، أم أنه كان ضرورياً للتخلّص من حكم آل الأسد فلما سقط انتهت الحاجة إليه؟ كان هناك اتجاهان، اتجاه يقول ببقاء النظام؛ لأنه يحقق مصالح معظم القوى الدولية والإقليمية من قبيل: التخلّص من النفوذ الروسي والإيراني، ومهادنة إسرائيل ربما تمهيداً للتطبيع معها، وإخراج سوريا عسكرياً من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي وإخراج الجيش السوري من المعادلة السياسية لحكم الداخل. أما الاتجاه الآخر فكان يتحفّظ على الأخذ بسيناريو واحد لمستقبل سوريا في ظل النظام الحالي، فالبقاء محتمل لكنه محفوف بالمخاطر بالنظر إلى كمّ التناقضات بين مصالح القوى المنسوب إليها الحرص على بقاء النظام. فمن جهة، ترحّب إسرائيل بزوال حكم الأسد لكنها تخشى من الحكام الجدد وتؤدي دوراً في الضغط لاستمرار العقوبات الاقتصادية على نظامهم، ومن جهة أخرى تستفيد الدول العربية من كسر شوكة إيران وتقليص نفوذها الإقليمي، لكن خروج إيران تماماً من المشهد وانفراد تركيا وإسرائيل بالهيمنة على المنطقة ليس في صالح العرب.

هذا التضارب في المصالح بين الأطراف، ولدى كل طرف على حدة له عدة نتائج، ومنها على سبيل المثال، مفاقمة التوتر بين تركيا وإسرائيل بخصوص القضية الكردية في ظلّ وجود توجه إسرائيلي ثابت لدعم انفصال الأكراد. والوضع على هذا النحو يربك صانع القرار الأمريكي بخصوص مسألة الانسحاب أو عدم الانسحاب من سوريا، وفي داخل القاعة كان هناك من رأى أن الولايات المتحدة لن تنسحب من سوريا؛ لأن هناك ضغوطاً داخلية على إدارة ترامب للبقاء، وهناك في المقابل من رأى أن الولايات المتحدة ستخرج من سوريا؛ لأنها تراها غير مفيدة، أو لنقل ليست لها أولوية. هذا التعقيد الشديد في الوضع السوري جعلني أستعيد تشبيهاً عبقرياً للسفير محمد إدريس أورده في مقال بجريدة الشروق المصرية، شبّه فيه سوريا بالعربة المحمّلة بعناصر متناقضة لا يمكن مواصلة السير بها جميعاً والا انفجرَت العربة، فأي العناصر/المصالح إذن سيتم التخلص منها لتخفيف الحمولة، وبأي ترتيب وبأي مستوى من الأمان يمكن للعربة أن تتقدّم بعدها؟

الشرع.. براغماتي أم أيديولوجي؟

هل عندما نتناول شخصية أبو محمد الجولاني/أحمد الشرع، فإننا نكون إزاء شخصية براغماتية خلعَت رداء السلفية الجهادية، وباتت مستعدة للتغيّر وبدأَت في ذلك فعلاً، أم نحن على العكس من ذلك إزاء شخصية أيديولوجية وفيّة لقناعاتها الفكرية مع القيام بتغييرات تكتيكية لا استراتيجية لكسب الرأي العام العالمي؟ اتفق الحضور رغم اختلاف توجهاتهم على صعوبة إجابة السؤال؛ لأنه لا توجد سوابق لحركات تنتمي إلى السلفية الجهادية انتقلَت إلى حركة مدنية ونبذَت التطرف. لكن أصحاب الرأي المتفائل بنجاح التجربة استندوا إلى خبرتهم في التعامل مع الجولاني/الشرع على مدار عشر سنوات، وكيف أنه “تحدّى” تنظيمّي داعش والقاعدة، وأنهى نفوذ إيران وروسيا في سوريا، وها هو يقدّم الآن تطمينات لدول جواره بأنه لن يكون مصدراً لتهديد أمنهم.

أما أصحاب الرأي الحذر في التعامل مع الوضع الجديد في سوريا، فإنهم استشهدوا بتجربة سقوط الموصل على يد داعش في عام 2014، وتجربة دخول الحوثيين إلى صنعاء في العام نفسه. وأضافوا أنه إذا كانت دولة داعش المزعومة سقطَت في العراق نتيجة التدخل العسكري الدولي؛ ومن ثم لم تتوفّر فرصة لاختبار احتمالات تطورها في المستقبل، فإن دولة الحوثيين غير المعترف بها دولياً والمستمرة رغم التدخل العسكري من الخارج أيضاً لم تغيّر توجهاتها قيد أنملة، وقامت بأدلجة سياستها الداخلية وصعّدت ضد جوارها العربي وهددَت الملاحة الدولية. وحذّر هؤلاء من أثر الفراشة على باقي الدول العربية في حال لم يتأكّد التحوّل الفكري للجولاني/الشرع، واعتبروا أن الدولة الأقرب لاستقبال هذا الأثر هي على الأرجح ليبيا، بالنظر إلى حجم تعقيداتها الداخلية، وتناقض مصالح القوى الإقليمية والدولية بخصوصها، والأهم هو وجود محاولة سابقة لإقامة دولة داعشية في إقليم برقة.

ومن الأمور المهمة التي لفَتَ النقاش السابق النظر إليها حول ما هو التكتيكي، وما هو الاستراتيجي في التغيّر الفكري للجولاني/الشرع، ذلك الأمر المتعلّق بالدور الدولي في إعداد المسرح السوري للتطور الذي آل إليه في ديسمبر 2024. وذلك أن حديث كبيرة المستشارين بإحدى المنظمات الدولية المعروفة، عن تواصلها مع الجولاني/الشرع طيلة عقد كامل من الزمان، وخبرتها الجيّدة بصفاته الشخصية، وعلى رأسها ثقته الكبيرة في نفسه، إنما يفتحان المجال لسؤال كبير حول ما إذا كان نموذج الإسلام السياسي هو النموذج الذي راهنَت عليه وما تزال بعض القوى الدولية لمستقبل المنطقة، وتصوّرها إمكانية نقل هذا النموذج من مربع التطرف إلى مربع الاعتدال عن طريق الاشتغال على تجهيز بعض رموزه. وعندما طرح أحد الحاضرين سؤالاً وجيهاً حول التقائها الشرع بينما كانت جماعته مصنّفة إرهابية، ردّت بأن التقاءه لأغراض بحثية لا يخضع للعقوبات الدولية!

ما الذي يفرضه الأمر الواقع؟

أما وأننا قد صرنا في سوريا إزاء أمر واقع، فما هو الدور المطلوب أولاً من السوريين، وثانياً من الدول العربية، وثالثاً من الأمم المتحدة؟ نبدأ بالدور السوري حيث نجد أنه كانت هناك مطالبة للمجتمع المدني السوري في الخارج والداخل بأن يتحمّل مسؤوليته في إنجاح التجربة. ولفت البعض الانتباه إلى أن الجالية السورية في الولايات المتحدة استطاعت بالفعل أن تنظّم نفسها وتضغط من أجل رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، وأن العديد من المنابر السورية تتوزّع على عدد من الدول العربية والغربية وحضورها ضروري في المشهد السياسي خصوصاً عند بدء الحوار الوطني، وهذا يتطلّب منها أن تبادر بمدّ جسور التواصل بين بعضها بعضاً. أما المجتمع المدني في الداخل، فعلى الرغم من أن فرص حركته محدودة مقارنةً بنظيره الخارجي؛ فإن هناك من رأى أن هذا المجتمع استطاع أن يفرض رأيه في مسائل مهمة، ومنها إجبار السلطة على التراجع عن تعديل المناهج التعليمية، وحَمل السلطة على تصويب أحد التصريحات الرسمية التي تشكك في أهلية المرأة لاعتلاء منصّة القضاء؛ ومن ثم فرغم التضييق الملحوظ في الداخل؛ فإنه ما زالت توجد مساحة متاحة أمام المجتمع المدني للتحرّك.

نأتي للدور العربي، وهنا طُرحت وجهتا نظر مختلفتان، أما وجهة النظر الأولى فإنها ترى ضرورة اللحاق بركب تطبيع العلاقات مع سلطة الأمر الواقع، وعدم ترك فراغ تملؤه دول الجوار كما سبق أن حدث مع العراق في عام 2003. وأما وجهة النظر الثانية فإنها تطالب بالاقتراب الحذر من هذه السلطة لحين اتضاح حقيقة مواقفها وترجمة وعودها النظرية إلى سياسات على أرض الواقع. ومن أبسط وأطرف التعليقات التي قيلت تعزيزاً لوجهة النظر الثانية، أن من المهم قبل الوقوف في طابور الجمعية (يقصد طابور تطبيع العلاقة مع سوريا) أن نعرف ماذا تبيع الجمعية بالضبط (يقصد ما إذا كانت تبيع أوهاماً أم تنفذ التزاماتها الشفهية).

وعندما نصل إلى دور الأمم المتحّدة، تم التركيز على أهمية هذا الدور مع أهمية الالتفات لعناصر ثلاثة أساسية، أحدها هو مراعاة حساسية سلطة الأمر الواقع في سوريا من دور الأمم المتحدة عموماً، ومن موقفها من هيئة تحرير الشام، التي خرج منها حكّام سوريا الجدد خصوصاً. والثاني هو صرف النظر عن فكرة المبعوثين الأمميين لسوريا، التي ثبت عدم جدواها، والثالث هو مساعدة الحكام الجدد على إدارة المرحلة الانتقالية من خلال التدريب والدعم اللوجستي بالنظر إلى محدودية خبرتهم بالعمل السياسي، على أساس أن إدارة مدينة إدلب تختلف اختلافاً جذرياً عن إدارة دولة بحجم وأهمية وتنوّع سوريا.

ما زالت التطورات في سوريا تحتاج إلى المزيد من التأمل والتحليل، فالحالة جديدة والسوابق منعدمة، ومن المهم الانتقال من حديث الحقبة الماضية عن سوريا المفيدة إلى مواصلة الحديث المفيد عن مستقبل سوريا في الحقبة الراهنة.

” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”


مقالات مشابهة

  • كيف أفشل بشار الأسد عرضاً غير مسبوق للتفاوض مع واشنطن؟
  • سوريا.. قتلى من الأمن إثر اشتباكات مع فلول الأسد في ريف حماه
  • ماذا تريد إسرائيل من سوريا؟
  • سوريا.. وصول ناقلة تحمل أكثر من 30 ألف طن من مادة المازوت (صور)
  • حكايات المندسين والفلول في سوريا
  • جيش الاحتلال : 22 طائرة شاركت بالهجوم على جنوب سوريا
  • سوريا.. ضبط 250 ألف حبة كبتاغون في ريف درعا الشمالي
  • اغتيال السفير السوري المنشق نور الدين اللباد وشقيقه في درعا.. فيديو
  • “تأملات تحليلية” حول حالة سوريا ما بعد الأسد
  • من يتحمل مسؤولية ما يحدث في سوريا؟