معنى أن تبقى في قلب المقاومة
تاريخ النشر: 10th, December 2024 GMT
ثمّة معايير كثيرة يمكن اللجوء إليها لتحديد الموقف من الحدث الكبير. هناك من يبتعد قائلاً إن ما جرى أمر يخصّ السوريين ولا شأن لنا بهم. وهناك من يجد في الانقلاب الذي جرى فرصة لتحسين أوضاعه في سوريا أو في جوارها. فيما يوجد أيضاً من عليه استشعار الخطر نتيجة التغييرات الجوهرية التي جرت.
كل فريق يقيس الأمر وفق ثوابته.
ولأن الأمر على هذا النحو، ماذا يفترض بنا نحن، أبناء تيار المقاومة الشاملة للاحتلال الإسرائيلي والهيمنة الامريكية في المنطقة، أن نفعل وأن نقول حول ما جرى؟
منذ 76 عاماً، طرأت تغييرات هائلة على بلداننا وعلى بلدان العالم. لكن ما بقي ثابتاً، وبقوة، هو الطاغية الامريكي، وذراعه الشريرة إسرائيل. ورغم كل ما أصاب العرب، فإن فكرة وفعل المقاومة ضد الاحتلال والهيمنة ظلّا في حالة نمو مطّرد. ونتائج المواجهة المندلعة منذ بدء طوفان الأقصى، تؤكد لنا أن المقاومة تبقى الخيار الوحيد في مواجهة آلة القتل الجاثمة في جوارنا.
باختصار شديد، كنا ولا نزال وسنبقى في قلب تيار المقاومة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل. ولأننا كذلك، فإن موقفنا من أي تطور يحصل في بلادنا، يرتبط دائماً بحجم انعكاسه على المقاومة. ولأن الصورة واضحة تماماً، فإن النقاش حول ما جرى في سوريا لن يستقيم بفعل تطورات لا تزال في بدايتها. وحتى طموح الشعب السوري بدولة أفضل، يبقى رهن ما سيقع من تطورات، حيث لا تنفع التصريحات ولا حتى الحملات الإعلامية في توفير الأجوبة الحقيقية. وهذا الشعب الذي أُنهك بفعل أمور كثيرة، لن تحل مشاكله ساعات الانقلاب الكبير. والأسئلة ستبقى تطلّ برأسها كل صباح، حول من سيمسك بالقرار السياسي والأمني والاقتصادي في البلاد، وأي سياسة خارجية أو دفاعية ستعتمدها السلطة الجديدة، وأي نظام سيُعتمد لإدارة شؤون الأفراد وأحوالهم، وأي آلية ستعيد اللحمة إلى بلد انقسم على نفسه سياسياً واقتصادياً وطائفياً وإثنياً، ومن يمكنه تبديد هواجس الجماعات السورية بعدما ظهرت على حقيقتها في العقد الأخير؟
سيكون هناك الكثير مما ننتظره في سوريا، وسيكون الشعب السوري أمام فترة طويلة للتكيّف مع الواقع الجديد. وسنشهد هزّات ارتدادية للزلزال الكبير الذي حصل. لكنّ المشكلة، وهي الحقيقة القاسية، أن الأمر لن يكون متروكاً للسوريين وحدهم، بل سيحضر معهم، كل العالم، القريب منه والبعيد. وسيفرك الناس عيونهم كل صباح سائلين عن الحلم بما هو أفضل.
فيما يتعلق بنا في لبنان، كانت سوريا على الدوام في قلب المشهد اللبناني. وليس الأمر مقتصراً على وجوه سياسية وأمنية وعسكرية، بل لكون سوريا كانت ولا تزال في قلب النموذج الاقتصادي اللبناني. وللسوريين، من الأغنياء والفقراء على حد سواء، حصتهم في هذا النموذج. لكنّ الجماعات اللبنانية التي عملت جميعها مع الحكم في سوريا، قبل البعث وبعده، تنظر إلى ما يجري اليوم من زاوية ما يهمّها. ولا يحتاج السوريون إلى من يوضح لهم أن خصوم بشار الأسد من اللبنانيين لا يهتمون أصلاً لحقوق المواطنين السوريين. كما يعرف السوريون جيداً، رجال أعمال أو عمالاً أو طلاباً وحتى فنانين، أنماط العنصرية اللبنانية المَقيتة ضدهم، وهي عنصرية لا تقتصر على طائفة لبنانية معينة، بل تشمل كل الطوائف، حتى ولو أن بين خصوم الأسد من ينظر إلى ما جرى على أنه فرصة له للنيل من خصومه في لبنان.
الانعزاليون يهوون «لعبة الحسابات الخاطئة» ويرون في سقوط الأسد فرصة جديدة لكسر خصومهم في لبنان في هذه النقطة بالتحديد، يعود مجانين لبنان إلى «لعبة الحسابات الخاطئة». وتشير ردود الفعل الأولية إلى أنهم لم يتعلموا من دروس الماضي. بل يسيرون بأقدامهم، نحو دوامة جديدة من الرهانات، التي قد تتسبب بخراب كل شيء. وإذا كان خصوم الأسد، يعتقدون بأن سقوطه سيشكل فرصة للنيل من المقاومة في لبنان، فهؤلاء، مرة أخرى، يفكّرون بطريقة خاطئة، إذ يعتقدون بأن المقاومة في لبنان استمدّت قوتها من نظام الأسد. ولذلك، يراهنون اليوم على أن أي حكم جديد في سوريا، معادٍ للمقاومة وحزبها الأبرز في لبنان، سيسمح لهم بفرض أجندتهم السياسية داخلياً.
ستُحرق أيام كثيرة قبل معرفة حقيقة الوجهة الجديدة لسوريا في لبنان. لكنّ احتمال أن ترفع أميركا العقوبات عن سوريا، وتسمح للدول العربية بالاستثمار فيها من جديد، لن يكون كرمى لعيون من يعتقد بأنه ثار من أجل حقوقه المدنية. فالشرط الامريكي الذي وُضع على الأسد لا يزال على الطاولة، وفي حال قبل الحكم الجديد به، فيعني أن عليه التخلي فعلاً لا قولاً عن قضية فلسطين، ولن تبادر أميركا إلى أي خطوة ما لم تتأكد من أن الحكم الجديد سيعلن خروج سوريا من الصراع العربي – الإسرائيلي أولاً، ثم الانضمام إلى التحالف المواجه لإيران وحلفاء المقاومة في لبنان وفلسطين.
سنسمع الكثير عن الوعود حول حقوق الأفراد، وحول العيش بعيداً عن الحروب، وعن حرية التعبير والاعتقاد والتصرف السياسي، لكننا سنسمع أكثر عن عقبات سببها متطلبات المرحلة الانتقالية، والظروف الطارئة التي تحول دون تحقيق المطالب الآن. كما سنسمع عن السلطة الحازمة بحجة منع انهيار البلاد، والحاجة أولاً إلى إسقاط الحواجز بين الأقليات والأكثريات السياسية أو الطائفية أو الاثنية. وسنجد السوريين منخرطين في نقاش كبير، لكنّ الخوف يسكنهم، خشية نقلهم سريعاً من مرحلة العمل على تغيير النظام، إلى مرحلة الصراع على بناء النظام الجديد.
المهم، بالنسبة إلينا، ليس بقاء الأسد أو سقوطه، المهم هو أن سوريا، ستبقى مكاناً قائماً في الجغرافيا كما في التاريخ، والأهم هو أن السوريين سيظلون يعيشون معنا وإلى جانبنا، وسنجد أنفسنا نحتاج إليهم في أمور كثيرة، كما يمكن لنا أن نفيدهم في أمور كثيرة أيضاً. لكنّ الأساس، هو في هوية الواقف عند الأبواب الكبيرة، سامحاً للناس بالعبور والتواصل مع الآخرين.
في لبنان، الأغبياء من العنصريين الذين يكرهون كل ما هو آتٍ من سوريا سيظلون على غبائهم، ولا يبدو أنهم سيتغيّرون، لكنهم سيجدون أنفسهم قريباً في موقع المُحبط من التغيير الذي جرى، وسيعودون من جديد إلى لحنهم الانعزالي عن المحيط، خصوصاً بعدما سقطت من أيديهم ذريعة النظام، إذ إن هؤلاء لا يعرفون معنى أن يكون لبنان في علاقات تفاعلية وطبيعية مع سوريا، بل تقودهم فوقيتهم إلى الاعتقاد بأن في مقدورهم إدارة السوريين بحسب ما يعتقدون بأنه الأفضل؟
مع كل ما سبق، فإن التحدي الجدّي المطروح أمامنا، خصوصاً بعد انهيار نظام الأسد في دمشق، هو نفسه التحدّي الذي يقوم في وجهنا منذ قيام إسرائيل، ومن لا يقف برهة واحدة، أمام مشهد الوحش الموجود بالقرب منا. هو الوحش الذي يواصل قتل الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، ويحاول أن يفرض بالنار شكل وقف الحرب في لبنان، والذي بادر فور الإعلان عن سقوط الأسد، إلى شن أعنف غارات على سوريا منذ حرب العام 1973، وحيث يريد أن يبقي سوريا مسرحا لعمله الأمني والعسكري، بعدما باشر توسيع احتلاله لمناطق قريبة من الجولان، وحيث سرع العمل في خطة إقامة «دويلة مذهبية يكون لها قيادتها في داخل الكيان المحتل، ولها امتداداتها صوب لبنان أيضا…
إن السعي إلى بناء دولة طبيعية في سوريا، هو مطلب بديهي، لكن من المعيب بعد كل ما عشناه في هذه المنطقة، أن نركض خلف وهم إن استقلال بلادنا ممكن من دون التصدي لإسرائيل ومن خلفها أمريكا،
بهذا المعنى، فإن شيئاً لن يتغيّر في معنى أن تكون باقياً في قلب تيار المقاومة من دون تردّد.
رئيس تحرير جريدة الأخبار اللبنانية
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
قصة ابن الشيخ القرضاوي الذي قررت لبنان تسليمه للإمارات
اتخذ مجلس الوزراء اللبناني قرارا بترحيل الشاعر والناشط المصري المعارض عبد الرحمن القرضاوي المطلوب من القاهرة وأبوظبي، إلى الإمارات، وفق ما أعلنه وزير الإعلام اللبناني زياد مكاري الثلاثاء عقب جلسة للحكومة.
وقال مكاري إن القرضاوي "سوف يرحل إلى الإمارات... اتخذ القرار بترحيله إلى الإمارات" خلال الجلسة.
وأفاد مصدر حكومي لبناني بأن القرار "يستند إلى مذكرة التوقيف الصادرة عن مجلس وزراء الداخلية العرب الذي يلزم لبنان بتلبية الطلب الإماراتي لكون لبنان عضواً في هذا المجلس وموقع على اتفاقياته".
ووفق المصدر سيسلم نجل الداعية الراحل المقرب من جماعة الإخوان المسلمين يوسف القرضاوي "مجددا إلى جهاز الأمن العام اللبناني، المكلّف بالتنسيق مع الجهات الأمنية في الإمارات للاتفاق على موعد التسليم".
ولاقى القرار رفضًا واسعًا وتضامناً مع القرضاوي.
وكانت كل من مصر والإمارات قدمتا ملفي استرداد للقرضاوي إلى الحكومة اللبنانية مطلع كانون الثاني/يناير، كما أفاد مصدر قضائي.
ويطلب الملف الإماراتي استرداد القرضاوي بسبب فيديو سجله خلال زيارته للمسجد الأموي في دمشق، وفق المصدر.
ويشير المصدر إلى أن الفيديو تضمن ما اعتبرته أبوظبي "تحريضا على دولة الإمارات وزعزعة الاستقرار فيها". وكان القرضاوي قد حذر في الفيديو السوريين من "التحديات الشريرة التي يخطط لها العالم أجمع وعلى رأس المخططين والمتآمرين أنظمة الخزي العربي في الإمارات ومصر".
وتم استجواب الناشط المصري الأسبوع الماضي بحضور محاميه بشأن ملف الاسترداد الوارد من الإمارات، وفق المصدر.
وكانت السلطات اللبنانية أوقفت الشاعر والناشط السياسي "القرضاوي"، نجل العلامة الراحل يوسف القرضاوي الذي يحمل الجنسية التركية بتاريخ ٢٩ ديسمبر/كانون الأول2024، فور وصوله إلى لبنان عبر معبر المصنع الحدودي عائدا من سوريا، بناء على مذكرة توقيف صادرة عن السلطات المصرية، في إطار حكم قضائي يقضي بسجنه لمدة 3 سنوات.