بعد 33 عاماً على اعتقاله في سجون سورية آخرها سجن "صيدنايا" سيئ السمعة بريف دمشق، روى اللبناني سهيل حموي أنه "كان يتنفس العذاب يوميا" ولم يكن لديه أي أمل في العودة إلى بلده، إلا أنه اليوم بين أحضان وطنه وأهله، بعدما سقط نظام الأسد في سوريا.

 

حموي وهو أول لبناني يصل بلاده بعد تحريره مع لبنانيين آخرين (غير محدد عددهم بعد) من المعتقلات التابعة للنظام السوري، قال في مقابلة مع الأناضول :"لم يكن لدي أي أمل بالخروج من السجن والعودة إلى وطني وبيتي".

 

ووفقًا لتقارير دولية، يقع سجن صيدنايا العسكري الذي يوصف بـ"المسلخ البشري" على بُعد 30 كم من دمشق، وأصبح بعد مارس/ آذار 2011 مركزًا لاعتقال المتظاهرين السلميين وعناصر المعارضة العسكرية.

 

وتشير التقارير إلى أن الآلاف تم قتلهم بشكل منظم وسري داخل السجن، حيث نفذ النظام إعدامات جماعية بدون محاكمات بين عامي 2011 و2015، بمعدل يصل إلى 50 شخصًا في الأسبوع.

 

كما توضح التقارير أن النظام احتجز المعتقلين في ظروف لا إنسانية، وعرضهم للتعذيب الممنهج، وحرمهم من الغذاء والماء والرعاية الطبية.

 

وفجر الأحد، دخلت فصائل المعارضة السورية العاصمة دمشق وسيطرت عليها مع انسحاب قوات النظام من المؤسسات العامة والشوارع، لينتهي بذلك عهد دام 61 عاما من حكام نظام حزب البعث الدموي و53 سنة من حكم عائلة الأسد.

 

وبدأت معارك بين قوات النظام السوري وفصائل معارضة في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في محافظتي حلب وإدلب اللتين سيطرت عليهما الفصائل، ثم مدن حماة ودرعا والسويداء وحمص وأخيرا دمشق.

 

** عذاب ويأس

 

اعتقل حموي على يد عناصر استخبارات الجيش السوري عام 1991 بتهمة الانتماء إلى حزب "القوات اللبنانية" المعروف بمعارضته للوجود السوري في لبنان، وهو بين مئات اللبنانيين المفقودين في السجون السوريين، وفقاً لمنظمات حقوقية لبنانية.

 

قال حموي: "كنت محكوما بالمؤبد في سجن صيدنايا، وها أنا عدت اليوم إلى نفس المنزل الذي اعتقلت منه في بلدتي شكا (شمال لبنان) على يد عناصر من المخابرات السورية قبل 33 عاماً".

 

وروى الأسير اللبناني المحرر معاناة 3 عقود من الاعتقال، تنقّل خلالها بين سجن عنجر (شرق لبنان) الذي كان تحت إدارة النظام السوري آنذاك، مروراً بسجنين في دمشق واللاذقية، وصولاً إلى سجن صيدنايا ذائع الصيت.

 

وأضاف: "خلال فترات الاعتقال كنت في السجن الانفرادي على مدى 15 عاماً، قبيل نقلي إلى سجن صيدنايا حيث أصبحت في زنزانة جماعية".

 

** خروج سريع

 

وحول ظروف الاعتقال، قال حموي: "كل ما عشته وتنفسته من لحظة الاعتقال هناك كان عذابا.. شعور ممزوج باليأس والحرمان، ولم يكن لدي أي أمل أنني سأخرج من المعتقل مجدداً".

 

وتابع: "لم يكن هناك أي زيارات وكان التواصل ممنوعا بتاتا مع الأهل والأقارب، وأعتقد أنه كان هناك تقصير في الإعلام لعكس مأساتنا".

 

وعن خروجه من الاعتقال، قال: "كنا نعلم أن هناك أحداثاً في الخارج لكننا لم نكن نتوقع الخروج بهذه السرعة من السجن".

 

وأردف: "سمعت طلقات نارية ولم أعلم من الذي أخرجني، مشيت حوالي 15 كلم سيراً على الأقدام قبل أن يقلّني أحدهم إلى لبنان".

 

** معتقلون ومختفون قسرا

 

وأفادت وكالة الإعلام اللبنانية الرسمية في وقت سابق الاثنين، أن "حموي هو من أوائل الأسرى الذين عادوا إلى لبنان، في خطوة أثارت الأمل بعودة باقي المفقودين والمعتقلين اللبنانيين".

 

وخلال فترة الوجود السوري في لبنان التي استمرت 29 عاما (1976-2005)، اعتُقل عدد من اللبنانيين ونُقلوا إلى السجون السورية لأسباب عدة، بينها الانتماء إلى أحزاب معارضة لهذا الوجود، أو الاشتباه في التعاون مع جهات "معادية" للنظام السوري آنذاك.

 

إضافة إلى ذلك، تعرّض بعض اللبنانيين للاختفاء القسري دون معرفة الأسباب الحقيقية وراء اعتقالهم، لا سيما في فترة الحرب اللبنانية الأهلية (1975 – 1990).

 

وفي فترات سابقة، أفرج نظام الأسد عن لبنانيين معتقلين لديه على دفعتين، الأولى عام 1998 شملت 121 لبنانيا، والثانية عام 2000 شملت 54 لبنانيا، لكن جمعيات لبنانية قالت إنه ما زال مئات اللبنانيين موجودين في السجون السورية، فيما نفت دمشق ذلك.

 

ووفق جمعية "المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية" (غير حكومية) فإن عدد اللبنانيين "المختفين قسرا" في السجون السورية يبلغ 622.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: السجون السوریة سجن صیدنایا فی السجون

إقرأ أيضاً:

سيطرة “إسرائيل” على سوريا.. مقدّمة لحرب ضدّ إيران

في ما بدا جلياً أنه مخطّط إسرائيلي تركي أمريكي لإسقاط الرئيس بشار الأسد، قامت مجاميع مسلحة مكونة من عشرات الآلاف المدرّبة والمدعومة من قبل تركيا وأوكرانيا و«إسرائيل» بالهجوم على الجيش السوري انطلاقاً من إدلب باتجاه حلب، لتُتبعه بعد ذلك بالتوجّه إلى حماة وحمص التي توقّف عندها القتال بشكل مريب ليتمّ الإعلان بعدها عن انسحاب الجيش السوري من القتال وتسليم العاصمة السورية لهذه الجماعات المسلحة.
وقد تلى ذلك قيام «الجيش» الصهيوني بهجوم جوي كاسح، أدى إلى ضرب كلّ المطارات والقواعد العسكرية للجيش السوري وغيرها من المرافق، ليتمّ بعدها تقدّم بري باتجاه دمشق لإقفال طريق دمشق بيروت.
بعض المؤشرات تفيد بأنّ ما يجري في سوريا قد لا يكون نهاية المطاف، بل قد يكون مقدّمة للانطلاق نحو العراق ومنها إلى إيران، وفي هذا الإطار كتب مايك ويتني مقالاً في 1 ديسمبر، أي قبل أسبوع من سقوط نظام الرئيس الأسد، بعنوان «بالنسبة لنتنياهو، الطريق إلى طهران يمرّ عبر دمشق».
وبالنسبة للكاتب فإنّ سوريا تشكّل جزءاً لا غنى عنه من خطة «إسرائيل» الطموحة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، حيث تعتبر قلب المنطقة وتعمل كجسر بري حاسم لنقل الأسلحة والجنود من إيران إلى حلفائها، فضلاً عن كونها المركز الجيوسياسي للمقاومة المسلحة للتوسّع الإسرائيلي.
ويرى الكاتب أنه من أجل الهيمنة الحقيقية على المنطقة، يتعيّن على «إسرائيل» أن تطيح بالحكومة في دمشق وتضع نظاماً دمية لها شبيهاً بأنظمة الأردن ومصر، وبما أن نتنياهو استطاع إقناع واشنطن بدعم مصالح «إسرائيل» من دون قيد أو شرط، فلا يوجد وقت أفضل من الآن لإحداث التغييرات التي من المرجّح أن تحقّق خطة «تل أبيب» الشاملة.
وعلى هذا فإنّ بنيامين نتنياهو شنّ حربه البرية من الجنوب لخلق حرب على جبهتين من شأنها أن تقسم القوات السورية إلى نصفين، بالتنسيق مع هجوم الجماعات المسلحة من الشمال. وبعد الإطاحة بالأسد، وهو ما تنبّأ به ويتني، فإنّ حلم «إسرائيل» بفرض هيمنتها الإقليمية بات قاب قوسين أو أدنى، خصوصاً في ظلّ تعهّد ترامب بإعطاء الضوء الأخضر لشنّ حرب ضدّ إيران كجزء من صفقة مقايضة مع اللوبيات التي أوصلته إلى البيت الأبيض.
وفيما اعتبر الكاتب أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الوحيد الذي كان قادراً على وقف مفاعيل هذا المخطّط بتقديم الدعم اللازم للرئيس الأسد للصمود في مواجهته، إلا أنّ ما جرى كان معاكساً تماماً، إذ أنّ روسيا اختارت أن تتوصّل إلى تسوية مع تركيا، لحقن الدماء عبر دفع الأسد إلى القبول بتسليم السلطة.
لكنّ مراقبين اعتبروا أنّ هذا شكّل خطأ في الحسابات الاستراتيجية وقعت فيه روسيا، يماثل الخطأ الذي وقعت فيه قبل عقد من ذلك التاريخ حين تخلّت عن الزعيم الليبي معمر القذافي.
واعتبر محللون إسرائيليون أنّ سقوط الأسد شكّل ضربة استراتيجية لروسيا هي الأقوى التي تتعرّض لها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، إذ أنّ هذا سيؤدّي إلى إضعاف حضورها في الشرق الأوسط بشكل كبير، ولن تستعيض روسيا عن خسارتها لسوريا بكسب ودّ الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أو مصر.
والجدير ذكره أن الرئيس الأسد نفسه وقع في أخطاء استراتيجية قاتلة حين اختار الابتعاد نسبياً عن إيران ومحاولة التقارب مع أبو ظبي والرياض للحصول منهما على مساعدات اقتصادية لترميم وضعه الاقتصادي المهترئ، لكنه وبعد سنوات من محاولات فاشلة فإنه لم يحصل على أي شيء مما كان يأمله، وقد أدى هذا الخطأ الاستراتيجي إلى أنه عند بدء هجوم الجماعات المسلحة عليه من الشمال فإن وضع جيشه ميدانياً كان معرى في ظلّ تقليص أعداد المستشارين الإيرانيين وقوات حليفة لهم في الميدان السوري، وبما أنّ التجربة أثبتت أن الدعم الجوي لا يغيّر مجريات الميدان، فإن هجوم الجماعات المسلحة جاء بالنسبة للأسد في وقت قاتل.
والجدير ذكره أنّ هذه العملية المدعومة من الولايات المتحدة و»إسرائيل» والقاعدة وتركيا ضدّ سوريا، باستخدام وكلاء ومجموعات مختلفة، تمّ التخطيط لها منذ فترة طويلة من أجل تحويل قوات الجيش السوري وزعزعة استقرارها وإرهاقها، والسماح لـ «إسرائيل» بالدخول من الجنوب، ومنع تدفّق الأسلحة إلى حزب الله من إيران إلى العراق وسوريا ثم لبنان.
هذا يجعلنا نستنتج أنّ الحرب الإسرائيلية على لبنان ستتواصل، وأنّ مفاوضات وقف إطلاق النار بين لبنان و»إسرائيل» ما هي إلا ملهاة من قبل «تل أبيب» لتنهي فيها عملية تموضعها على طريق بيروت دمشق لتقطع هذه الطريق من الجهة السورية وتمهّد لحملة جوية كثيفة على حزب الله، بذرائع تحمّل الحزب مسؤولية خرق اتفاق وقف إطلاق النار.
وهنا لن تحتاج «إسرائيل» إلى التغلغل البري في لبنان، بل إنها ستعتمد على الجماعات المسلحة التي سيطرت على العاصمة السورية لتقوم بالمهمة عنها عبر التغلغل إلى بيئات شكّلت حاضنات لهذه الجماعات في منطقة عنجر والبقاع الأوسط، وأجزاء من البقاع الغربي، وأيضاً في شمال لبنان انطلاقاً من تل كلخ إلى سهل عكار فمدينة طرابلس.
وقد ينطوي ذلك على مخاطر للدفع باتجاه تغيير ديمغرافي يؤدي إلى تهجير قسم كبير من الشيعة إلى العراق وتهميش الباقين منهم في لبنان، ليتمّ تقاسم النفوذ بين المسيحيين من جهة والسنة من جهة أخرى مع تأدية الدروز دور الموازن في العلاقة بين الطرفين، علماً أنه ستكون لـ «إسرائيل» الدالة الكبرى عليهم بعد احتلالها لجنوب سوريا وإدخالها دروز الجولان وجبل العرب تحت مظلتها.
من هنا فإنّ «إسرائيل» ستكون هي المهيمن على لبنان عبر تحالفها مع أطراف مسيحية تربطها بها علاقات تاريخية من جهة، ومع السنة في لبنان عبر الدالة التي سيمارسها عليهم الحكم السني في دمشق، مع تشكيل الدروز للكتلة الأكثر فاعلية في موازنة وضع النظام اللبناني الذي سيكون تحت القبضة الإسرائيلية.
ويرى المراقبون أنّ وقف إطلاق النار المؤقت، سيمنح «إسرائيل» الوقت للتعافي لأنها ضعيفة، والوقت لوضع استراتيجية مع الإدارة الأمريكية الجديدة التي ستكون الأكثر صهيونية في تاريخ الولايات المتحدة، أما بالنسبة لتركيا، فهي ستستغلّ ذلك لضمّ شمال سوريا في إطار مطالبتها بمدينة حلب.
لهذا فإنّ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان كان مستعدّاً حتى للتنسيق مع جماعة قسد والاعتراف لها بسيطرتها على شرق سوريا.
أستاذ تاريخ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

مقالات مشابهة

  • حرس الحدود السوري ينشر قواته على الحدود مع لبنان
  • حرس الحدود السوري ينتشر على الحدود مع لبنان ويضبط أسلحة ومخدرات
  • سيطرة “إسرائيل” على سوريا.. مقدّمة لحرب ضدّ إيران
  • الشرع: آلاف المتطوعين ينضمون إلى الجيش السوري الجديد بعد الإطاحة بـ"نظام الأسد"
  • محلل لبناني: الحكومة الجديدة تشكلت خارج الصندوق السياسي التقليدي
  • لبحث عملية إعادة الإعمار والقروض المدعومة.. لقاء لبناني-قطري
  • مصدر ديبلوماسي عربي: على اللبنانيين حسم خياراتهم لتتلاقى مع المتغيرات
  • زيارة مرتقبة للرئيسين السوري واللبناني إلى الكويت قريبًا
  • نواف سلام: الحكومة الجديدة تسعى لإعادة الثقة بين اللبنانيين والدولة
  • الرئيس السوري يستقبل مدير عام منظمة حظر الأسلحة الكيميائية