البوابة نيوز:
2025-01-11@09:07:03 GMT

سوريا الحضارة والرصاص والدم

تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

 خابت التوقعات، وفشلت النظرية التي تذهب إلى صعوبة انتصار تنظيم مهما كانت قوته على الدولة.. سوريا الجريحة منذ سنوات نزفت آخر نقطة من دمها، وجاءت هيئة تحرير الشام التي هي في أصلها جبهة النصرة المدرجة على قوائم الإرهاب العالمية، وفي نيولوك جديد يظهر أبو محمد الجولاني بعد أن استعاد اسمه القديم أحمد الشرع.

كل المقدمات التي رأيناها في الأيام الماضية كانت تقول إن نهاية النظام السوري قد اقتربت وجاء اجتماع وزراء الخارجية حول آستانا وكأنه كلمة السر ليركب بشار الأسد الطائرة ويغادر دمشق.. هذا الانهيار السريع المتوالي يجعلنا نلتفت إلى مصرنا الغالية ونفتح عيوننا جيداً على الحدود وعلى الداخل وعلى الخارج.. مصر التي دخلت إلى الربيع العربي مبكراً وخرجت منه سالمة سوف تحث الخطى لتبقى النموذج الفريد في الوحدة والتماسك.

 سوريا المتنوعة باتت الآن في خطر حقيقي، رغم كل التطمينات التي تصدر عن الجولاني ومن معه إلا أن التركيبة السورية تضم أكراداً وعلويين ودروز، وسوف نسمع في الأيام القادمة عن السني والشيعي والمسيحي وتنفرط مسبحة سوريا التي عاشت رغم كل الصعوبات سواء من نظام الحكم أو من التدخلات الخارجية، ولكنها عاشت كدولة كبيرة موحدة.

لذلك سوف تلعب أجهزة مخابرات الدنيا بكل جدية من أجل تنفيذ مخطط التقسيم، أمريكا موجودة هناك بجنودها بحجة محاربة داعش، روسيا أيضاً حاضرة منذ سنوات لحماية النظام السوري وكذلك إيران، أما الدولة التي هي المحرك الرئيسي لإسقاط النظام السوري فهي تعيش الآن مخدرة من نشوة الانتصار المؤقت الذي حققته عن طريق توابعها في جبهة النصرة، ولكنها لا تعرف أن براميل البارود المتفجرة التي تتشكل الآن في سوريا لن يجعلها في مأمن من المشاكل.

المستقبل الغامض ينتظر هذا البلد العربي الكبير، وهجوم الإرهابيين على دمشق لم يكن مفاجأة لأن تقدمهم من محافظة إلى أخرى لم يكن تحت جنح الظلام.. أبو محمد الجولاني الذي ظهر على شاشة السي إن إن  بوجه البهلوان السياسي، هو ذاته صاحب القلب الإرهابي القاتل، الرجل الذي رضع التطرف من كل التنظيمات الدموية من داعش إلى القاعدة إلى الانفصال عنها وتأسيس جبهة النصرة ثم غير إسمها إلى فتح الشام ثم يهرب  من مصطلح فتح الشام لارتباطه بالتاريخ الإسلامي ليختار لفظ تحرير الشام وكأنه ثوري وكأن سوريا تحت الاستعمار.

الكارثة جاءت في توقيت عجيب، إدارة جديدة لأمريكا، أصدقاء سوريا في إيران تحت الضغط الغربي بعد خسارتها ذراعها القوي متمثلا في حزب الله، روسيا أنهكتها حرب أوكرانيا ومؤامرات حلف الناتو، صارت سوريا المحاصرة من سنوات وحيدة، تزداد جراحها وتزداد المطامع لتقسيمها والانتهاء من دولة عاشت بحلمها العروبي والقومي.

المؤكد أن هناك أخطاء متراكمة منذ عشرات السنين ساهمت في تفجر الأوضاع على كل شبر في الأراضي السورية.. كل هذا مفهوم وقابل للمناقشة.

أما غير المفهوم فهو الصمت الدولي وهو يرى إرهابيين يتقدمون على الأرض، ليس الصمت فقط على هؤلاء، ولكن صمت المجتمع الدولي أيضا عن تلك الدولة التي وفرت للمسلحين احتياجاتهم من الأسلحة المتطورة، المجتمع الدولي ليس غبياً فهو يعرف خطورة الإرهاب المسلح وقد اكتوى بنيرانه عشرات المرات، ولنا في تفجيرات أبراج أمريكا بالطائرات في أحداث سبتمبر المثل المضيء، كان تنظيم القاعدة صناعتهم وعاد عليهم بالنار والدم.

الآن يسكتون عن سقوط سوريا ويتكلمون عن الصراع باعتباره صراعاً سنياً شيعياً، بينما الحقيقة هي أن الإرهاب لا دين له، وأن النار سوف تلتهم الجميع.

لم يشفع الإرث الحضاري الكبير لسوريا كي تنجو من مهلكة الفصائل والتدخلات الأجنبية في شئونها، كما فشلت دولة المخابرات في حماية نظامها، دروس قاسية نشهدها بعيوننا ونسأل عن جدوى البديهيات وكيف يتم التغافل عنها، لذلك بدأت المقال بقولي أن ما شهدناه في الأيام القليلة الماضية لم يكن مفاجأة، كان معروفا ولم يتقدم أحد للإنقاذ.

الموقف المصري جاء معبراً عن ما يدور في وجدان الشعب المصري، الموقف باختصار وحسب بيان وزارة الخارجية يدعو إلى ضرورة احترام السيادة السورية ووحدة وسلامة الأراضي السورية، ودعم مؤسساتها الوطنية وأهمية حماية المدنيين.

لذلك نحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى إلى حلول عربية شجاعة تحبط المخطط المرسوم لتقسيم سوريا وتواجه بوضوح الفكر المتطرف و تحاسب صناعه.

لدينا فى المنطقة العربية من المشكلات ما يكفينا، لدينا مشاكل في التعليم والصحة والبنية الأساسية وصارت المنطقة حملاً ثقيلاً على مسار التقدم العلمي، لا ينقصنا الجولاني ولا من يأتمر بأمرهم رغم النيولوك الجديد لأن الحقيقة هي أنه بدأ حياته إرهابياً وسوف تنتهي حياته وهو أكثر من ذلك، صارت بين يديه دولة اسمها سوريا وسوف يلعب بها كما يشاء في تصدير أوهامه.

يبقى لنا أن نقول إن الله حمى مصر وتم إنقاذها من سيناريو مشابه لما يحدث في سوريا الآن.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: سوريا الجولاني تحرير الشام

إقرأ أيضاً:

هل تضع الثورة السورية حدا لمذابح الإخوان المسلمين؟

نشأنا وعشنا ثلثي قرن على أخبار مذابح الإخوان المسلمين وفروعهم القُطرية، وشاركت كل الأنظمة العربية القومية منها والليبرالية (الثورية منها والرجعية) في هذه المذابح على طول الرقعة العربية. كانت مذابح منظمة متشابهة في ترتيبها وتبريراتها وتقوم على سردية متطابقة (الإخوان تنظيم خياني وإجرامي زرعه الاستعمار لتخريب الأوطان). وكانت سردية قابلة للبلع لو حققت الأنظمة، الرجعية منها والتقدمية، ما أعلنته من تنمية اقتصادية واجتماعية وحررت الأرض المحتلة طبقا للشعارات، لكن انكشاف الوضع السوري بعد نظام البعث أعاد تجلية الصورة.

هذه الأنظمة ومن كل مشاريعها المعلنة لم تتقن ولم تتفق إلا في مهمة مركزية واحدة؛ تصفية تيار الإخوان بمختلف مسمياته القُطرية. لقد فشلت كل الأنظمة في كل مهامها إلا مهمة تصفية التيار الإسلامي، لكنها الآن تسقط تباعا ويظهر وجه الإخوان من جديد. لقد عاش التيار رغم المذابح أكثر من قاتليه وهو يبدو حيا ومتماسكا وربما يتأهل للقيادة من جديد، وتقع عليه الآن مهمة إنجاز التنمية والتحرير وبناء الديمقراطية من الصفر، فهل يثبت التيار قوة فعلية وينجز وقد أنهت الثورة السورية المذابح المنهجية؟

لا يدخل في اهتمامي الآن وهنا تقييم مشروع الإخوان المسلمين الفكري والسياسي، كما لا ننسب لهم كل الثورة السورية التي نجحت، بل هو مكون منها قد لا يكون مؤثرا ولكن لا يمكن نفي مشاركتهم في الثورة
الإخوان أحياء بعد

لا يدخل في اهتمامي الآن وهنا تقييم مشروع الإخوان المسلمين الفكري والسياسي، كما لا ننسب لهم كل الثورة السورية التي نجحت، بل هو مكون منها قد لا يكون مؤثرا ولكن لا يمكن نفي مشاركتهم في الثورة. لذلك نُخرج المقال من منطقة الدعاية السياسية للتيار ومن منطقة الاستهانة بدوره، ونقف أمام سؤالين مهمين موجهين لمن حارب الإخوان بلا هوادة: الأول لماذا لم يندثر التيار رغم المذابح التي تعرض لها في كل قُطر وظل يعود باسمه أو بمسميات مختلفة طيلة حياة الدولة العربية الحديثة (للتذكير ولد التيار منذ قرن أي قبل ولادة الدويلات العربية كلها)، والثاني لماذا كانت تصفية التيار تحظى بالدعم الغربي المطلق لكل نظام عربي مارس مذابح في حقهم، سواء كان قوميا تقدميا/صمود وتصدي أو رجعيا، ملكيا أو جمهوريا)؟

هذا اللقاء المريب بين الأنظمة والغرب الاستعماري وربيبته الصهيونية ظل باستمرار شهادة براءة من العمالة والخيانة التي وصمت بها الأنظمة التيار الإسلامي من المغرب إلى العراق، وظل يجمع لهم أنصار ومتعاطفون. (غني عن القول أن هناك تيارات وشخصيات وطنية حرة وديمقراطية من خارج التيار لم تشارك في المذابح لصالح الغرب والكيان الصهيوني، وقد وصمت بالإخوانية لمجرد أنها لم تشارك في المذابح).

فشل الأنظمة في إنجاز التنمية والديمقراطية وتحرير الأرض المحتلة أنتج تعاطفا أكبر مع التيار، وخاصة بعد حرب الطوفان التي قادها فصيل لا يخفي أصله الإخواني وإن اختلف معهم في الوسيلة النضالية.

الصورة تتضح أكثر؛ ثلثا قرن من التكاذب باسم التحرير والتنمية انتهت في سوريا بفضيحة نظام يمكن وصفه بالأكثر كذبا من كل الأنظمة. وخرج الإخوان من تحت ركام البراميل أحياء ولهم صوت ورجال، ويمكن أن يكونوا شركاء حكم في أكثر المواقع إستراتيجية لناحية معركة التحرير والتنمية.

بقية عناصر الصورة تكملها الحالة التركية التي لم ينشأ فيها تيار إخواني صرف، لكن التيار الإسلامي فيها ظهر وقاوم الانقلابات منذ الأتاتوركية وانتصر وحقق نجاحات في التنمية وبناء الديمقراطية، وحوّل تركيا إلى قوة إقليمية تحدث الغرب بندية وتشارك في تخطيط مصير المنطقة وربما العالم أيضا. وتبدو الآن في موقع الراعي الحامي لتيار الإخوان و(الإسلام السياسي عامة) في المنطقة العربية، وقد تقوم بمهمة قيادة كل التيار في اتجاه التجربة الأردوغانية.

الإخوان أمام محنة السلطة

الثورة السورية أعلنت نهاية عذابات الإخوان المسلمين في سوريا، حيث تعرض التيار أكثر من كل فصيل إلى التصفية، فلا نظير لما فعل نظام البعث بتيار الإخوان في سوريا. إنهم ليسوا وحدهم الآن في سوريا، ولكنهم مكون رئيسي سنعرف وزنه في أول صندوق انتخابي تعد به الثورة السورية. ونظن أن بقية الفروع الإخوانية في بقية الأقطار تنظر بغبطة لما حصل في سوريا ونراها تفكر في توسيع الحالة السورية، ونعتقد أن الأنظمة التي عاشت من قمع الإخوان وقبضت من الغرب ثمن تصفيتهم على مدى ثلثي قرن، تفكر الآن في التوقف عن مواصلة المذابح وتعيد حساباتها مع التيار الإسلامي. هنا نتوقع إنهاء المذابح المنهجية في حق التيار بالمصالحات أو بالمناورات أو بالاستيعاب التدريجي.

إسلاميو سوريا في موقع يتجاذبه تياران: الأردوغانية (العدالة والتنمية) أو تيار العمل السياسي تحت سقف الديمقراطية وقبول التعايش مع المختلف دون فرض الإسلام عليه (في عقلية أسلمة وإعادة الفتح)، وهي تجربة قدمت نتائج جعلت حتى المسيحي التركي يصوت لأردوغان في ردهات كثيرة، كما قدمت نتائج تنموية لا يمكن الاستهانة بها، وتيار إسلام سعودي نصمه بالتيار الشريعي
نهاية محن العذاب فتح باب محن السلطة انطلاقا من سوريا. هنا يبدأ الاختبار الحقيقي للإخوان المسلمين ومن ناصرهم أو لمن يشارك في ذبحهم؛ هل يتجهون إلى استنساخ التجربة التركية فينجزون التنمية والديمقراطية أم تستوعبهم التجربة السعودية بخطابها الشريعي الذي يحمل الناس إلى تدين مظاهر غير مشغول؟

إسلاميو سوريا في موقع يتجاذبه تياران: الأردوغانية (العدالة والتنمية) أو تيار العمل السياسي تحت سقف الديمقراطية وقبول التعايش مع المختلف دون فرض الإسلام عليه (في عقلية أسلمة وإعادة الفتح)، وهي تجربة قدمت نتائج جعلت حتى المسيحي التركي يصوت لأردوغان في ردهات كثيرة، كما قدمت نتائج تنموية لا يمكن الاستهانة بها، وتيار إسلام سعودي نصمه بالتيار الشريعي ينشغل بإسلام شعائري يقيس طول اللحية بالقبضة والإصبع، ويبني على تكفير القول بالديمقراطية ومن ذلك فقه طاعة أولي الأمر قبل طاعة الله ورسوله، ولا يضع التنمية وتحرير فلسطين ضمن أجندته بل يراود التطبيع ويساوم به.

في ردهات كثيرة من عمر تيار الإخوان وخاصة بعد هروبهم الكبير من مذابح الناصرية تسلل إسلام الشعائر إلى تفكير الإخوان، وساقتهم السعودية إلى تحالفاتها الخاصة (الأمريكية أساسا) فحاربوا بشبابهم في كل حروب السعودية. ونظن أن هذه المرحلة تركت آثارها في الفكر والسلوك.

نتوقع في كواليس الثورة وجود هذا التجاذب العميق بين التيارين، وليس لدينا علم بالاتجاه الغالب لذلك سنبقى في منطقة التوقعات حتى يحين أوان الصندوق الانتخابي، ولكن هنالك ما يشبه اليقين أن عصر المذابح قد توقف في سوريا وقد يشمل بقية الأقطار التي توجد فيها تطبيقية إخوانية.

مقالات مشابهة

  • الغرب يحذر سوريا من تعيين متطرفين أجانب في الجيش
  • سلطة وحكومة الجولاني في سوريا تفرض حذراً إقليمياُ أبرزها الإمارات التي تتبع سياسة التريث
  • الاتحاد الأوروبي يتجه إلى تخفيف العقوبات على سوريا بشكل تدريجي
  • هل تضع الثورة السورية حدا لمذابح الإخوان المسلمين؟
  • خطط إسرائيلية لإنشاء منطقة نفوذ عميقة داخل سوريا.. صدمة من تعامل الغرب مع الجولاني
  • خبير في شئون الحركات الإسلامية: سوريا على شفى نزاعات داخلية بين الجولاني وأتباعه «فيديو»
  • سامح عيد: سوريا على شفى نزاعات داخلية بين الجولاني وأتباعه
  • تفجيرات طائفية في سوريا.. قتلى من الطائفة العلوية ومخاوف من الفتنة
  • تاركاً القرار لترمب .. بايدن يبقي تصنيف قادة سوريا الجدد كإرهابيين
  • واشنطن متخوفة من تولي مقاتلين أجانب وجهاديين مناصب بوزارة الدفاع السورية