الأمصال.. للقادرين ولا عزاء للفقراء
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
فى خطوة تزيد من معاناة ملايين المصريين، أعلنت وزارة الصحة عن زيادة فى أسعار الأمصال واللقاحات الإضافية، مما يهدد بتحويل حياة أصحاب الأمراض المزمنة إلى جحيم حقيقى، يأتى هذا القرار فى ظل الارتفاعات الكبيرة فى تكاليف الرعاية الصحية، مما يزيد من معاناة المواطنين ويضاعف من أعبائهم المالية.
قد تؤدى الزيادة فى أسعار التطعيمات الوقائية إلى تحويل العلاج الوقائى إلى رفاهية يصعب على الفقراء وأسر الطبقة المتوسطة تحمّل تكاليفها.
وفى هذا السياق، أصدر وزير الصحة، الدكتور خالد عبدالغفار، قرارًا بزيادة أسعار الأمصال فى الوحدات والمراكز الصحية، مشيرًا إلى أن أسعار التطعيمات الوقائية لعام 2024 ستكون على النحو التالي::
الحمى الصفراء: 450 جنيهًا.
الالتهاب السحائي: 300 جنيه.
الإنفلونزا الموسمية: 170 جنيهًا.
الكوليرا: 80 جنيهًا.
شلل الأطفال: 80 جنيهًا.
التطعيم ضد الالتهاب الكبدى الفيروسى بي: يتراوح بين 100 إلى 1000 جنيه بحسب الفئة والمكان.
وقد شمل القرار تطعيمات خاصة للفئات المعرضة لخطر الوخز، مثل العاملين بالمستشفيات، حيث وصلت تكلفة المصل ضد الالتهاب الكبدى الفيروسى بى فى المستشفيات الخاصة إلى 1000 جنيه للفيال. كما تم تحديد أسعار التطعيمات للأشخاص الراغبين فى السفر، حيث تتراوح الأسعار بين 150 إلى 300 جنيه للمصريين وغير المصريين.
هذه الزيادة فى الأسعار تثير القلق وحالة من الغضب بين المواطنين، الذين يعتبرون أن هذه الزيادات قد تجعل الحصول على الرعاية الصحية الوقائية أمرًا صعبًا، خاصة
فى وقت يعانى فيه الملايين من الظروف الاقتصادية القاسية، أصبح الحصول على أبسط أشكال العلاج أمرًا مستحيلًا. وأصبح القرار يضرب بعرض الحائط حقوق المواطنين فى الرعاية الصحية، ويضعهم أمام خيارين: إما تحمل التكاليف أو المخاطرة بصحتهم.»
أصحاب الأمراض المزمنة
فاطمة شابة فى الثلاثينات تعانى من مرض الذئبة الحمراء، وهو أحد أمراض المناعة الذاتية التى تهاجم أجهزة المناعة أنسجة الجسم السليمة. وقد أكد لها الطبيب أن اللقاحات ضرورية حتى للمرضى الذين يعانون من أمراض مناعية ذاتية، وأن الحماية من الأمراض المعدية مثل الإنفلونزا والالتهاب الرئوى ستكون أفضل من تجنب اللقاحات، ومع ذلك متوترة فى البداية، لكن الطبيب طمأنها وشرح لها أن التطعيمات التى تحتوى على فيروسات ميتة أو أجزاء من الفيروسات تكون آمنة عمومًا للمصابين بالأمراض المناعية. بعد تلقيها لقاح الإنفلونزا ولقاح الالتهاب الرئوى، شعرت ببعض الأعراض الجانبية الخفيفة مثل ألم فى مكان الحقن وارتفاع طفيف فى درجة الحرارة، لكنها لم تواجه أى مضاعفات خطيرة.
و بعد الزيادة فى أسعار التطعيمات، بدأت فاطمة تشعر بالقلق من أنها قد لا تكون قادرة على تحمل تكاليف اللقاحات بجانب تكاليف العلاج، مما قد يعرّض صحتها للخطر. هذا الارتفاع فى الأسعار زاد من عبئها النفسى، حيث أنها أصبحت فى حالة من التردد بين تلقى التطعيمات الضرورية والحفاظ على ميزانيتها الشخصية.
أهمية اللقاحات
ومن جانبها أكدت الدكتورة هالة عدلى حسين، رئيسة الشركة المصرية لخدمات الدم «فاكسيرا» سابقًا، أن السبب الرئيسى لزيادة أسعارها هو ارتفاع سعر الدولار.
وأوضحت أن التطعيمات تعد وسيلة فعّالة وآمنة لحماية الإنسان، خصوصًا الأطفال، من العديد من الأمراض.
وليس لها بدائل أخرى ولا تقل أهمية عن الطعام والشراب من حيث الأولوية، وأكدت أن قائمة التطعيمات الإجبارية تختلف من دولة لأخرى بناءً على عدة عوامل، منها مدى انتشار المرض وفرص التعرض له، توافر العلاج، والمضاعفات المحتملة، بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية المتعلقة بقدرة الدولة على تحمل تكلفة التطعيمات لجميع الأطفال.
ومن الطبيعى أن الدولة تضع استراتيجيات لتوزيع التطعيمات بناءً على الأولويات الصحية، ويعتمد ذلك على مدى خطورة الأمراض ومدى انتشارها. فمثلًا، التطعيم ضد شلل الأطفال يُعتبر أولوية فى الدول التى تواجه خطر انتشار هذا المرض، وكذلك التطعيم ضد السحائى فى مناطق يتزايد فيها خطر الإصابة بهذا المرض، والهدف من هذه الأولويات هو توفير حماية أكبر للشرائح الأكثر عرضة للخطر، مثل الأطفال وكبار السن أو الأشخاص ذوى المناعة الضعيفة، وبالتالى تقليل انتشار الأمراض المهددة للحياة.
وفى مصر، كما هو الحال فى العديد من الدول، يُطلب من الأطفال تلقى مجموعة من التطعيمات فى مواعيد محددة من الولادة حتى عمر السنتين، حيث توفر وزارة الصحة هذه التطعيمات مجانًا. ومع ذلك، أشارت الدكتورة هالة عدلى إلى ضرورة إضافة بعض التطعيمات غير الإجبارية التى تعتبر ضرورية لحماية الأطفال من بعض الأمراض.
مثل تطعيم الروتا يعد من أهم التطعيمات الموصى بها من قبل منظمة الصحة العالمية، حيث يساهم فى الوقاية من الفيروس المسؤول عن الإسهال الحاد بين الأطفال. ورغم أن تطعيم الروتا ليس إلزاميًا فى مصر، إلا أنه متاح فى العديد من المراكز الطبية وأطباء الأطفال.
وأضافت أن فيروس الروتا يتسبب سنويًا فى ملايين حالات الإسهال، ويحتاج أكثر من مليونى طفل إلى العلاج فى المستشفيات، مما يؤدى إلى وفاة نحو 453 ألف طفل دون سن الخامسة على مستوى العالم. وبناءً على ذلك، فإن معظم أطباء الأطفال يوصون بتطعيم الأطفال ضد فيروس الروتا للحد من مخاطره الصحية الكبيرة.
وأشارت عدلى إلى أن هناك لقاحًا وقائيًا متاحًا ضد فيروس الورم الحليمى البشرى، الذى يعد السبب الرئيسى لسرطان عنق الرحم، وهو يوفر الحماية لكل من الرجال والنساء. وأوضحت أن اللقاح يُعطى للفئة العمرية بين 9 و15 سنة على جرعتين تفصل بينهما ستة أشهر، بينما يحتاج من هم فوق الـ15 عامًا إلى ثلاث جرعات، حيث تُعطى الجرعة الثانية بعد شهرين من الأولى، وآخر جرعة بعد ستة أشهر.
وأشارت إلى أن هذا اللقاح لا يقتصر على الوقاية من سرطان عنق الرحم فقط، بل يحمى أيضًا من أنواع أخرى من السرطانات المرتبطة بفيروس الورم الحليمى، مثل سرطان العضو الذكرى، الحلق، والمهبل.
واستكمل الحديث الدكتور امجد حداد استشارى الحساسية والمناعة قائلا أن الدولة تولى أهمية كبيرة لتوفير التطعيمات اللازمة للحماية من الأمراض الخطيرة التى قد تؤدى إلى الوفاة أو الإعاقة. وأوضح أن هذه التطعيمات تشمل أمراضًا مثل شلل الأطفال، الالتهاب الكبدى، الدرن، النكاف، والحصبة الألمانية، بالإضافة إلى التطعيمات التى تُعطى فى المدارس وحملات شلل الأطفال والحصبة.
وأشار الدكتور حداد إلى أن هذه التطعيمات تُقدم بشكل مجانى تمامًا للمواطنين، فى إطار حرص الدولة على حماية صحة المجتمع، حيث يتم تصنيف الأمراض وفقًا لخطورتها. ولفت إلى أن بعض الأمراض، رغم ندرتها فى التسبب بالوفاة، مثل الجدرى المائى، الأنفلونزا الموسمية، والمكورات الرئوية، وسرطان عنق الرحم، يمكن أن تُدرج ضمن منظومة التطعيمات المجانية حسب شدة المرض وخطورته.
وأضاف أنه من خلال هذه المبادرات تسعى الدولة إلى الحد من انتشار الأمراض وتعزيز المناعة الجماعية فى المجتمع، وإنه لا يوجد قلق من تأثير العزوف عن التطعيمات على انتشار الأمراض أو تفشى الأوبئة، موضحًا أن التطعيمات الإلزامية التى تقدمها الدولة فى الوحدات الصحية هى الأساس فى الوقاية من الأوبئة والسيطرة عليها.
واستكمل الحديث دكتور وجدى جرجس استشارى الاطفال وحديث الولادة أن التطعيمات هى الوسيلة المثلى للوقاية من الأمراض، حيث يعمل اللقاح على تحفيز الجهاز المناعى لإنتاج أجسام مضادة ضد الجراثيم، مما يعزز قدرة الجسم على مقاومة الأمراض فى المستقبل. وأضاف أن هناك نوعين من المناعة: المناعة الطبيعية، التى توفرها آليات دفاع الجسم مثل الجلد والأغشية المخاطية، والمناعة المكتسبة، التى يتم اكتسابها بعد التعرض للجراثيم أو من خلال اللقاحات.
وأوضح التطعيمات تعد من أبرز إنجازات الطب الحديث، حيث ساهمت بشكل كبير فى القضاء على العديد من الأمراض المعدية القاتلة مثل الجدرى، التيتانوس، وشلل الأطفال، بالإضافة إلى تقليص عدد الحالات المصابة بأمراض مثل السعال الديكى، الحصبة، والالتهاب الكبدى (B).
وأشار جرجس إلى زيادة انتشار الفيروسات التنفسية فى الفترة الحالية، والتى تشمل الإنفلونزا، الفيروس التنفسى الغدى، ونزلات البرد. واوضح أن هذا الانتشار يعد ظاهرة طبيعية تحدث مع تغير الفصول. ودعا المواطنين إلى ضرورة اتخاذ التدابير الوقائية، مثل ارتداء الكمامات وتجنب المخالطة المباشرة مع المصابين بنزلات البرد والإنفلونزا. كما أكد على أهمية الراحة وتناول السوائل فى حالة الإصابة، مع ضرورة استشارة الطبيب قبل تناول الأدوية.
مشيرا إلى أن لقاح الإنفلونزا يعد من أهم اللقاحات التى يجب أخذها سنويًا، نظرًا لتغير تركيبته كل عام لتواكب الفيروسات الأكثر انتشارًا وخطورة فى الموسم الحالى. وأشارت إلى أن اللقاح آمن تمامًا لجميع الفئات العمرية، بدءًا من الأطفال فى سن 6 أشهر.
وعرض جرجس المضاعفات المحتملة للتطعيمات، والأعراض الجانبية الشائعة مثل احمرار فى موقع الحقن، ارتفاع الحرارة، وبكاء مستمر تكون مؤقتة وعادة ما تختفى سريعًا موضحًا أن الأعراض الجانبية للقاح لا ضرر منها ولا خوف، وهى رد فعل طبيعى للجهاز المناعى للجسم عند دخول جسم غريب له، وتزول من تلقاء نفسها ولا تحتاج إلى طبيب.
وأضاف أن الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالإنفلونزا الموسمية هم الأطفال وكبار السن فوق 65 عامًا، لذلك فإنهم يجب أن يكونوا فى المقدمة للحصول على اللقاح. وأوضح إن أفضل توقيت للحصول على لقاح الإنفلونزا الموسمية هو الوقت الحالى، مشيرا إلى أن فعالية اللقاح تبدأ بعد الحصول عليه مباشرة، إذ يعمل على تعزيز الجهاز المناعى للجسم حتى نهاية فصل الشتاء.
وأشار على أهمية التطعيمات الإضافية مثل تطعيم فيروس الروتا، الذى يحمى الأطفال من النزلات المعوية الخطيرة، وتطعيم المكورات الرئوية، الذى يقى من أمراض مثل الالتهاب الرئوى والتسمم الدموى.
وشدد استشارى الأطفال وحديثى الولادة على أن الحرمان من التطعيم يمثل تجاهلًا لحق الطفل فى الاستفادة من التقدم العلمى والطبى الذى ساهم فى حماية الأجيال من الأمراض الخطيرة، مؤكدًا أن التطعيمات هى الوسيلة الأكثر أمانًا وفاعلية لحماية الأطفال من المخاطر الصحية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ارتفاع الأسعار مرضى المناعة الامصال جنیه ا
إقرأ أيضاً:
مراكش… نداء علمي لمواجهة الأمراض المعدية بابتكار وذكاء اصطناعي
احتضنت مدينة مراكش، اليوم السبت، فعاليات المؤتمر الثالث والعشرين لجمعية محاربة الأمراض المعدية، تحت شعار “الابتكارات والتحديات الراهنة في مجال الأمراض المعدية”، بمشاركة أطباء وباحثين وأخصائيين ومسؤولين مؤسساتيين من المغرب وخارجه.
وشكل هذا الحدث العلمي منصة للنقاش وتبادل الخبرات حول أبرز التطورات في تشخيص ومعالجة الأمراض المعدية، خاصة في ظل التحولات الصحية العالمية التي فرضها سياق ما بعد الجائحة.
وأكد المشاركون خلال اللقاء على أهمية تسخير الذكاء الاصطناعي والبيانات العلمية الحديثة لاستشراف المخاطر الصحية وتعزيز قدرات المنظومة الصحية الوطنية، مشددين على ضرورة الاستثمار في البحث والتكوين المستمر لمواجهة الطفرات المتكررة للعوامل المسببة للأمراض.
وفي كلمته بالمناسبة، أشاد الكاتب العام لقطاع التعليم العالي والبحث العلمي، محمد خلفاوي، بهذه المبادرة العلمية، مؤكداً على دور البحث التطبيقي في الوقاية من الأمراض الناشئة وضرورة توحيد الجهود بين الجامعات والمستشفيات ومراكز البحث لتقديم حلول تتماشى مع خصوصيات الوضع الوبائي في المغرب، داعياً إلى دعم الباحثين الشباب في هذا المجال الحيوي.
من جهته، أبرز رئيس جمعية محاربة الأمراض المعدية وعميد كلية الطب والصيدلة بمراكش، البروفيسور سعيد الزوهير، أن هذا المؤتمر يشكل محطة سنوية مهمة لتعزيز مجتمع علمي وطني قادر على التصدي للتحديات المرتبطة بالأمراض المعدية، وعلى رأسها مقاومة المضادات الحيوية وبروز أمراض جديدة وتطور تقنيات المراقبة الوبائية.
وشدد المتدخلون على ضرورة بناء منظومة وطنية للبحث موجهة نحو الابتكار البيوطبي، تقوم على تثمين الكفاءات المحلية وتيسير الولوج إلى التمويل، مع اقتراح تطوير بنوك حيوية، ومنصات لليقظة الصحية، وبرامج متخصصة في التكوين المستمر.
وتضمن برنامج المؤتمر عدداً من الورشات الموضوعاتية والجلسات العامة، تناولت مواضيع مثل: استخدام الذكاء الاصطناعي في مكافحة الأمراض المعدية، أدوات التشخيص الجزيئي السريع، استراتيجيات التلقيح ضد الفيروسات الناشئة، والإدماج التدريجي للمضادات الحيوية الجديدة في المنظومة الصحية المغربية.