لجريدة عمان:
2025-02-11@08:10:35 GMT

ماذا بعد بشار الأسد؟

تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT

مع الانهيار المفاجئ لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، تقلص دور إيران في الشرق الأوسط، في غزة ولبنان والآن سوريا. لكن ملء الفراغ الناتج عن السلطة في جميع أنحاء الشرق الأوسط سيكون تحديًا عاجلًا ومعقدًا.

قبل 14 شهرًا فقط، كانت إسرائيل مذعورة ومتوترة بعد أن اندفع مقاتلو حماس عبر سياج غزة. الآن، أعداء إسرائيل في جميع أنحاء المنطقة إما ماتوا أو فروا.

كانت تلك العملية تحمل عصرًا جديدًا من عدم الاستقرار الإقليمي والاضطرابات.

فر الأسد من دمشق إلى موسكو يوم الأحد، تاركًا عاصمته لسيطرة تمرد مجاهدين مدعومين من تركيا يسمى هيئة تحرير الشام. أخبرتني مصادر عربية يوم الأحد أن هيئة تحرير الشام كانت تؤمِّن مقر المخابرات السورية في دمشق وتحاول احتواء العنف في العاصمة. ولكن مع تحرير آلاف السوريين فجأة من سنوات التعذيب، سوف يكون هناك شوق للانتقام. وتحاول القوى الإقليمية العربية تثبيت عملية الانتقال. كانت هذه القوى تحاول إقناع الأسد منذ أشهر بالانفصال عن إيران والانضمام إلى الحضن العربي. ولكن الأسد تردد لفترة طويلة وتخلى عنه حلفاؤه السابقون في نهاية المطاف. «في النهاية، لم يقاتل الجيش السوري، ولم تظهر إيران وروسيا»، كما ذكر ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية يتمتع بخبرة واسعة في المنطقة.

أخيرًا، «سقط نظام الأسد»، هكذا قال الرئيس جو بايدن يوم الأحد. وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن الإطاحة بالرئيس المدعوم من موسكو وطهران هي «خطوة استراتيجية ضخمة في الاتجاه الصحيح»، كما قال أحد مسؤولي الإدارة. كانت الولايات المتحدة تسعى إلى استبدال الأسد، من خلال وسائل علنية وسرية، منذ عام 2011.

ومع ذلك، وكما حذر بايدن، فإن هذا يجلب «لحظة من المخاطرة وعدم اليقين» للمنطقة.

لقد انخفضت الفوضى في دمشق يوم الأحد بقرار هيئة تحرير الشام بالسماح لرئيس الوزراء السوري الحالي برئاسة حكومة مؤقتة، بحماية هيئة تحرير الشام، كما أخبرني مسؤول كبير في إدارة بايدن. وقالت الجماعة إنها تنوي الحفاظ على المؤسسات الإدارية الحكومية الحالية، بما في ذلك الجيش. ومن المؤكد أن هذا من شأنه أن يسهل عملية الانتقال.

بدا أن قطر تقود الجهود العربية لإنشاء حكومة انتقالية تحت رعاية الأمم المتحدة. وأكد بيان قطري يوم الأحد على «ضرورة الحفاظ على المؤسسات الوطنية ووحدة الدولة لمنعها من الانزلاق إلى الفوضى».

وحث القطريون على تنفيذ قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التي صدرت منذ سنوات التي تدعو إلى تشكيل حكومة سورية جديدة تضم أعضاء من النظام والمعارضة. ولكن في الوقت الحالي، تشكل سوريا فسيفساء عنيفة، حيث تسيطر الجماعات المدعومة من تركيا على غرب سوريا حتى دمشق، وتسيطر ميليشيا كردية مدعومة من الولايات المتحدة على الشمال الشرقي وجماعات مدعومة من الأردن تهيمن على الجنوب.

لا شك أن الولايات المتحدة وروسيا ستقومان بدور دبلوماسي في تشكيل مستقبل سوريا، ولكن اللاعبين الإقليميين هم من سيحددون مستقبل سوريا. وأشار المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية إلى أنه «سابقًا كانت القوى الكبرى هي من يقرر ما سيحدث بعد ذلك. ولكن ليس بعد الآن. سواء كان ذلك للأفضل أو الأسوأ، فإن الأمر متروك الآن لإسرائيل وتركيا والسعوديين والإمارات العربية المتحدة والأردن».

وأكد الرئيس المنتخب دونالد ترامب على عدم الاهتمام بدور أمريكي في سوريا، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي يوم السبت، والذي أكد فيه: «هذه ليست معركتنا... لا تتورطوا!» وفي منشور يوم الأحد، اقترح ترامب أنه بعد التخلي عن الأسد، يجب على الرئيس الروسي فلاديمير بوتن التفاوض على إنهاء المذبحة في أوكرانيا. لقد كتب ترامب: «أعرف فلاديمير جيدًا. هذا هو وقته للتحرك. يمكن للصين أن تساعد. العالم ينتظر»!

إن التحول الذي دام عشرة أيام في سوريا له أصداء لثلاثة أحداث أخرى، كل منها يحمل درسًا خاصًا به. أولاً، تذكرنا سرعة زوال الأسد بانهيار الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة في أفغانستان. حدث سقوط كابول بعد تسعة أيام فقط من خسارة أول عاصمة إقليمية أفغانية بيد طالبان. عندما يشعر الجيش بالتخلي عنه وإحباطه، من قبل الولايات المتحدة في أفغانستان وروسيا وإيران في سوريا، فإنه لا شك في انهياره.

الدرس الثاني هو الدفعة السريعة لحماس عبر سياج غزة ونجاحها في اقتحام الكيبوتسات والقواعد العسكرية الإسرائيلية القريبة في 7 أكتوبر 2023. مثل حماس، كانت هيئة تحرير الشام مدربة ومجهزة تجهيزًا جيدًا، مع قدرات هجومية سريعة لم يتخيلها المدافعون أبدًا. من الواضح أن تركيا قامت بدور كبير في سوريا، كما فعلت قطر بعلاقاتها الطويلة الأمد مع قيادة هيئة تحرير الشام.

وهناك درس ثالث نتعلمه من الوضع في العراق، والذي يظهر الفوضى التي قد تلي تغيير النظام. فعندما أطاحت الولايات المتحدة بصدام حسين في بغداد في عام 2003، أشعلت شرارة الصراع العرقي والإقليمي الذي لا يزال مستمرًا حتى يومنا هذا. وعلى نحو مماثل، دمرت إسرائيل القوة العسكرية لحماس في غزة. ولكن هذا القطاع أصبح الآن منطقة منكوبة، دون أي أمل قريب في وجود حكم مستقر.

وهناك حقيقة مشؤومة مفادها أنه منذ بدأت الانتفاضة السورية في عام 2011، كانت الجماعات الجهادية أقوى الفصائل العسكرية. وقد أدركتُ مدى قوتهم في المعارضة بنفسي بشكل مباشر في أكتوبر 2012، عندما تسللت إلى سوريا لتقديم تقارير عن الأيام الأولى للانتفاضة التي انتصرت أخيرًا يوم الأحد.

وفي اليوم الذي وصلت فيه إلى حلب كانت ميليشيا معارضة موالية للغرب تقاتل جيش الأسد. ومع تساقط القذائف على بعد بضع مئات من الأمتار، سألت أحد القادة العلمانيين عما إذا كانت جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة القوي، تقاتل إلى جانب قواته. بالطبع، قال وهو يشير إلى مقرهم على بعد مبنى واحد. «إنهم أفضل المقاتلين».

إن هيئة تحرير الشام، التي تقود المعركة التي أطاحت بالأسد للتو، هي امتداد للمجموعة التي عرفتها قبل 12 عامًا. وكما أخبرني مسؤول كبير في الإدارة يوم الأحد، إلى جانب ابتهاج البيت الأبيض بزوال الأسد، هناك اعتراف بأن «لدينا مشكلة مكافحة الإرهاب».

في الشرق الأوسط، لا يوجد بصيص أمل يخلو من غيوم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة هیئة تحریر الشام یوم الأحد فی سوریا

إقرأ أيضاً:

سيطرة “إسرائيل” على سوريا.. مقدّمة لحرب ضدّ إيران

في ما بدا جلياً أنه مخطّط إسرائيلي تركي أمريكي لإسقاط الرئيس بشار الأسد، قامت مجاميع مسلحة مكونة من عشرات الآلاف المدرّبة والمدعومة من قبل تركيا وأوكرانيا و«إسرائيل» بالهجوم على الجيش السوري انطلاقاً من إدلب باتجاه حلب، لتُتبعه بعد ذلك بالتوجّه إلى حماة وحمص التي توقّف عندها القتال بشكل مريب ليتمّ الإعلان بعدها عن انسحاب الجيش السوري من القتال وتسليم العاصمة السورية لهذه الجماعات المسلحة.
وقد تلى ذلك قيام «الجيش» الصهيوني بهجوم جوي كاسح، أدى إلى ضرب كلّ المطارات والقواعد العسكرية للجيش السوري وغيرها من المرافق، ليتمّ بعدها تقدّم بري باتجاه دمشق لإقفال طريق دمشق بيروت.
بعض المؤشرات تفيد بأنّ ما يجري في سوريا قد لا يكون نهاية المطاف، بل قد يكون مقدّمة للانطلاق نحو العراق ومنها إلى إيران، وفي هذا الإطار كتب مايك ويتني مقالاً في 1 ديسمبر، أي قبل أسبوع من سقوط نظام الرئيس الأسد، بعنوان «بالنسبة لنتنياهو، الطريق إلى طهران يمرّ عبر دمشق».
وبالنسبة للكاتب فإنّ سوريا تشكّل جزءاً لا غنى عنه من خطة «إسرائيل» الطموحة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، حيث تعتبر قلب المنطقة وتعمل كجسر بري حاسم لنقل الأسلحة والجنود من إيران إلى حلفائها، فضلاً عن كونها المركز الجيوسياسي للمقاومة المسلحة للتوسّع الإسرائيلي.
ويرى الكاتب أنه من أجل الهيمنة الحقيقية على المنطقة، يتعيّن على «إسرائيل» أن تطيح بالحكومة في دمشق وتضع نظاماً دمية لها شبيهاً بأنظمة الأردن ومصر، وبما أن نتنياهو استطاع إقناع واشنطن بدعم مصالح «إسرائيل» من دون قيد أو شرط، فلا يوجد وقت أفضل من الآن لإحداث التغييرات التي من المرجّح أن تحقّق خطة «تل أبيب» الشاملة.
وعلى هذا فإنّ بنيامين نتنياهو شنّ حربه البرية من الجنوب لخلق حرب على جبهتين من شأنها أن تقسم القوات السورية إلى نصفين، بالتنسيق مع هجوم الجماعات المسلحة من الشمال. وبعد الإطاحة بالأسد، وهو ما تنبّأ به ويتني، فإنّ حلم «إسرائيل» بفرض هيمنتها الإقليمية بات قاب قوسين أو أدنى، خصوصاً في ظلّ تعهّد ترامب بإعطاء الضوء الأخضر لشنّ حرب ضدّ إيران كجزء من صفقة مقايضة مع اللوبيات التي أوصلته إلى البيت الأبيض.
وفيما اعتبر الكاتب أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الوحيد الذي كان قادراً على وقف مفاعيل هذا المخطّط بتقديم الدعم اللازم للرئيس الأسد للصمود في مواجهته، إلا أنّ ما جرى كان معاكساً تماماً، إذ أنّ روسيا اختارت أن تتوصّل إلى تسوية مع تركيا، لحقن الدماء عبر دفع الأسد إلى القبول بتسليم السلطة.
لكنّ مراقبين اعتبروا أنّ هذا شكّل خطأ في الحسابات الاستراتيجية وقعت فيه روسيا، يماثل الخطأ الذي وقعت فيه قبل عقد من ذلك التاريخ حين تخلّت عن الزعيم الليبي معمر القذافي.
واعتبر محللون إسرائيليون أنّ سقوط الأسد شكّل ضربة استراتيجية لروسيا هي الأقوى التي تتعرّض لها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، إذ أنّ هذا سيؤدّي إلى إضعاف حضورها في الشرق الأوسط بشكل كبير، ولن تستعيض روسيا عن خسارتها لسوريا بكسب ودّ الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أو مصر.
والجدير ذكره أن الرئيس الأسد نفسه وقع في أخطاء استراتيجية قاتلة حين اختار الابتعاد نسبياً عن إيران ومحاولة التقارب مع أبو ظبي والرياض للحصول منهما على مساعدات اقتصادية لترميم وضعه الاقتصادي المهترئ، لكنه وبعد سنوات من محاولات فاشلة فإنه لم يحصل على أي شيء مما كان يأمله، وقد أدى هذا الخطأ الاستراتيجي إلى أنه عند بدء هجوم الجماعات المسلحة عليه من الشمال فإن وضع جيشه ميدانياً كان معرى في ظلّ تقليص أعداد المستشارين الإيرانيين وقوات حليفة لهم في الميدان السوري، وبما أنّ التجربة أثبتت أن الدعم الجوي لا يغيّر مجريات الميدان، فإن هجوم الجماعات المسلحة جاء بالنسبة للأسد في وقت قاتل.
والجدير ذكره أنّ هذه العملية المدعومة من الولايات المتحدة و»إسرائيل» والقاعدة وتركيا ضدّ سوريا، باستخدام وكلاء ومجموعات مختلفة، تمّ التخطيط لها منذ فترة طويلة من أجل تحويل قوات الجيش السوري وزعزعة استقرارها وإرهاقها، والسماح لـ «إسرائيل» بالدخول من الجنوب، ومنع تدفّق الأسلحة إلى حزب الله من إيران إلى العراق وسوريا ثم لبنان.
هذا يجعلنا نستنتج أنّ الحرب الإسرائيلية على لبنان ستتواصل، وأنّ مفاوضات وقف إطلاق النار بين لبنان و»إسرائيل» ما هي إلا ملهاة من قبل «تل أبيب» لتنهي فيها عملية تموضعها على طريق بيروت دمشق لتقطع هذه الطريق من الجهة السورية وتمهّد لحملة جوية كثيفة على حزب الله، بذرائع تحمّل الحزب مسؤولية خرق اتفاق وقف إطلاق النار.
وهنا لن تحتاج «إسرائيل» إلى التغلغل البري في لبنان، بل إنها ستعتمد على الجماعات المسلحة التي سيطرت على العاصمة السورية لتقوم بالمهمة عنها عبر التغلغل إلى بيئات شكّلت حاضنات لهذه الجماعات في منطقة عنجر والبقاع الأوسط، وأجزاء من البقاع الغربي، وأيضاً في شمال لبنان انطلاقاً من تل كلخ إلى سهل عكار فمدينة طرابلس.
وقد ينطوي ذلك على مخاطر للدفع باتجاه تغيير ديمغرافي يؤدي إلى تهجير قسم كبير من الشيعة إلى العراق وتهميش الباقين منهم في لبنان، ليتمّ تقاسم النفوذ بين المسيحيين من جهة والسنة من جهة أخرى مع تأدية الدروز دور الموازن في العلاقة بين الطرفين، علماً أنه ستكون لـ «إسرائيل» الدالة الكبرى عليهم بعد احتلالها لجنوب سوريا وإدخالها دروز الجولان وجبل العرب تحت مظلتها.
من هنا فإنّ «إسرائيل» ستكون هي المهيمن على لبنان عبر تحالفها مع أطراف مسيحية تربطها بها علاقات تاريخية من جهة، ومع السنة في لبنان عبر الدالة التي سيمارسها عليهم الحكم السني في دمشق، مع تشكيل الدروز للكتلة الأكثر فاعلية في موازنة وضع النظام اللبناني الذي سيكون تحت القبضة الإسرائيلية.
ويرى المراقبون أنّ وقف إطلاق النار المؤقت، سيمنح «إسرائيل» الوقت للتعافي لأنها ضعيفة، والوقت لوضع استراتيجية مع الإدارة الأمريكية الجديدة التي ستكون الأكثر صهيونية في تاريخ الولايات المتحدة، أما بالنسبة لتركيا، فهي ستستغلّ ذلك لضمّ شمال سوريا في إطار مطالبتها بمدينة حلب.
لهذا فإنّ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان كان مستعدّاً حتى للتنسيق مع جماعة قسد والاعتراف لها بسيطرتها على شرق سوريا.
أستاذ تاريخ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

مقالات مشابهة

  • هل انتهت القومية العربية بسقوط بشار الأسد؟
  • الخارجية الروسية: مستمرون في دعم سوريا ونتوقع تطور العلاقات في المستقبل
  • سيطرة “إسرائيل” على سوريا.. مقدّمة لحرب ضدّ إيران
  • إلغاء مسيرة قافلة عسكرية روسية في سوريا بعد تدخل وزارة الدفاع
  • النسيان يتهدد آلاف السوريين ببريطانيا بعد تجميد طلبات لجوئهم
  • مدبّر مجزرة التضامن.. "صقر" نظام الأسد يثير الغضب في سوريا
  • قصف من سوريا باتجاه لبنان.. ماذا عن الهرمل؟
  • كيف تبدو أسعار العقارات في سوريا بعد سقوط نظام الأسد؟
  • شقيقة زوجة ماهر الأسد تكشف مكان وجوده وتفضح أسرار خطيرة عن حياة بشار .. فيديو
  • شقيقة زوجة ماهر الأسد: عشنا بالرياض أجمل سنوات حياتنا وترفض الحديث عن بشار .. فيديو