دبلوماسية الدولار التي نحتاج إليها
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
في خضم الدوامة الأخيرة من الأخبار السياسية، حدث تطور مهم لمستقبل الأموال العامة المدعومة تكنولوجيا. أثناء قمة مجموعة البريكس في قازان، روسيا، كشف بنك التسويات الدولية عن انسحابه من مشروع مبادرة الأصول الرقمية والمدفوعات.
بدأ تصور هذه المبادرة في عام 2022 كدار مقاصة للعملات الرقمية للبنوك المركزية، وقد عملت على ترسيخ عمل بنك التسويات الدولية نحو نظام تسوية عالمي بين البنوك لربط عملات البنوك المركزية الرقمية خارج سيطرة أي حكومة منفردة.
سلطت وكالات الاستخبارات الأمريكية الضوء لفترة طويلة على هذه المقايضة عندما حذرت من دول مارقة تبني آليات تسوية بديلة مقاوِمة للعقوبات أو تستخدم أصولا افتراضية لتسهيل التجارة الثنائية (بين روسيا والصين على سبيل المثال). في قازان، لم يُـخـف زعماء مجموعة البريكس جهودهم الرامية إلى إنشاء نظام مالي جديد والتخلص من الدولار، على نحو يردد صدى دعوات روسية قديمة لإنشاء عملة موحدة لمجموعة البريكس تعتمد على تقنية سلاسل الكتل لتحصين التجارة ضد العقوبات الغربية.
السؤال غير المريح الذي يواجه صناع السياسات الغربيين هو ما إذا كانت رؤيتهم لاقتصاد رقمي لا تحده حدود ويكرس القيم الغربية ربما تُـخدَم بشكل أفضل حقا من خلال نموذج تقوده الدولة حيث تحتل البنوك المركزية مركز الصدارة وتنظم التجارة على المستوى فوق الوطني. برغم كل شيء، كان النظام الذي يقوده القطاع الخاص ويتولى القطاع العام تحكيمه هو القاعدة على مدار السنوات الثمانين الأخيرة. كانت الأموال الخاصة الوسيطة هي التي تُـصَـدِّر القواعد والأعراف الغربية، وأدى ذلك إلى إنشاء حصن مالي يتجاوز حدود أعضاء حلف شمال الأطلسي وترسيخ العقوبات الأمريكية وتدابير مكافحة غسل الأموال في العمل المصرفي الدولي والتجارة العالمية. حملت البنوك والشركات المتعددة الجنسيات الدولارات إلى كل ركن من أركان الكوكب تقريبا، وعملت في الوقت ذاته كمبعوثين للعملة الأمريكية والنظام المالي الأمريكي. لعقود من الزمن، أحبط هذا النظام غاسلي الأموال، والدول الراعية للإرهاب، وتجار المخدرات، وغيرهم من المجرمين، ودفعهم إلى إيجاد أساليب أكثر إبداعا للتهرب.
لكن التبني السريع من جانب القوى المارقة لأشكال غير منظمة من الأموال الرقمية أدى إلى تنشيط المناقشات ــ بين كل من دول البريكس والزعماء الغربيين ــ حول إصلاح البنية المالية العالمية القائمة. وليس من المستغرب أن تكون دول البريكس في طليعة مشاريع مثل mBridge، نظرا لقدرتها على قلب نظام بريتون وودز القائم. ولكن بدلا من التهرب من mBridge والمشاريع التجريبية الناجحة لخطوط التجارة العالمية والمدفوعات الجديدة، ينبغي للقادة الغربيين أن يفكروا في كيفية تحقيق أقصى استفادة منها.
وكما خدمت خطوط التمويل الدولية القديمة أهداف السياسة الغربية، فإن الخطوط الرقمية الجديدة قادرة على تحقيق ذات الأهداف. فمع إثبات mBridge بالفعل أن تكنولوجيا سلاسل الكتل قادرة على ربط الاقتصاد العالمي من خلال معاملات بسرعة الإنترنت، فإن السؤال الوحيد الآن هو كيفية إيجاد التوازن الصحيح بين المشاركة العامة والخاصة.
قد تكون الإجابة بسيطة بشكل مخادع: البديل الأكثر وعدا لرؤية البريكس هو الحفاظ على البنية القائمة ولكن تحديث الخطوط التي توزع الدولار واليورو والجنيه الإسترليني. في الوقت الحالي، لا يزال نحو 90% من تدفقات النقد الأجنبي بالدولار، لكن أحدث تقييم صادر عن مجلس الاستقرار المالي للمدفوعات عبر الحدود يؤكد أن نظام العملة الورقية القديم الهش والبطيء والمكلف يحتاج إلى ترقية. ومع ارتفاع تكاليف مدفوعات المستهلكين عبر الحدود، يتلخص سلاح أمريكا غير السري لمعالجة أوجه القصور في النظام ومواجهة طموحات خصومها ببساطة في تبني الدولارات الرقمية المنظمة والسماح للقطاع الخاص بمواصلة ما كان يفعله. ولكن هل يستطيع صناع السياسات الغربيون مضاهاة حماس قادة مجموعة البريكس للتحول الرقمي واتخاذ خطوات لتنظيم الدولارات الرقمية؟ إذا كان الأمر كذلك، فإن إحدى أولى خطواتهم ينبغي أن تكون إنشاء هيكل تنظيمي للأموال الرقمية الخاصة في هيئة عملة مستقرة بالدولار، والتي تحظى بالفعل بالدعم من الحزبين في مجلس الشيوخ الأمريكي ومجلس النواب.
إن تدوين معيار أمريكي للاستخدام الآمن والسليم والمنظم للدولارات الرقمية ــ سواء كانت صادرة عن مصادر عامة أو خاصة ــ من شأنه أن يشكل استجابة رسمية جديرة بالثقة في نظر أولئك الذين يريدون تسليط الضوء على المقايضة بين استخدام الدولار والمشاركة في الاقتصاد الرقمي. على النقيض من ذلك، قد يُـفضي تجاهل العواقب التكنولوجية المترتبة على mBridge والترميز إلى خسارة استراتيجية كبرى. فالدولار يتجه ببطء نحو تمثيل أكثرية فقط، وليس أغلبية، من التسويات العالمية. وأستعير هنا كلمات كارستينز الثاقبة في عام 2022: «دعونا نضمن أن نظامنا المالي يَـبني على سبل حوكمة المال القائمة، ويخدم المصلحة العامة، ويعمل بالتعاون مع القطاع الخاص».
أندرو جالوتشي مسؤول سابق في مجال التمويل غير المشروع والاقتصاد الكلي في وزارة الخزانة الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية، وهو مدير الإستراتيجية التنظيمية في شركة سيركل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التسویات الدولیة مجموعة البریکس
إقرأ أيضاً:
إيران تؤكد أن رسالة ترامب في الطريق إليها عبر دولة عربية
أكد وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي، اليوم الأربعاء، أنّ رسالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الطريق إلى طهران عبر دولة عربية.
وقال عراقجي في تعليقات نقلها التلفزيون الإيراني، إن "رسالة ترامب إلى الجمهورية الإسلامية ستُسلم إلى طهران قريبا عن طريق دولة عربية".
وكان المرشد الإيراني المرشد الإيراني علي خامنئي، قد علّق على الرسالة المرتقبة للرئيس الأمريكي ترامب، من أجل التفاوض بشأن المشروع النووي الإيراني.
وقال خامنئي يوم السبت الماضي، إن "طهران لن تتفاوض تحت ضغط من أي دولة تمارس البلطجة"، وذلك بعد يوم من إعلان ترامب أنه أرسل رسالة إلى أعلى سلطة في إيران للتفاوض على "اتفاق نووي".
وجاءت أقوال خامنئي رغم النفي الإيراني بشأن تلقي أي رسائل من الرئيس الأمريكي، وذكرت البعثة الدائمة لطهران لدى الأمم المتحدة في نيويورك أنها "لم تتلق أي رسالة من ترامب".
وفي مقابلة سابقة، قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي إنه: "طالما استمرت سياسة الضغوط القصوى والتهديدات الأمريكية، فلن ندخل في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة".
وصرّح ترامب خلال مقابلة مع قناة "فوكس بيزنس" أن "هناك طريقتين للتعامل مع إيران: عسكريا، أو إبرام اتفاق"، لمنع طهران من امتلاك أسلحة نووية.
وتابع ترامب: "قلت إنني آمل أن تتفاوض، لأن الأمر سيكون أفضل كثيرا لإيران"، معتقدا أنهم "يريدون الحصول على تلك الرسالة. البديل الآخر هو أن نفعل شيئا، لأنه لا يمكنك السماح بسلاح نووي آخر".
وجاءت تصريحات ترامب في الوقت الذي تزيد فيه إدارته، من الضغوط على طهران من خلال العقوبات الاقتصادية المتجددة، وتدابير الإنفاذ التي تستهدف صادرات النفط الإيرانية.
وتحدث وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت الأسبوع الماضي، عن حملة "الضغط الأقصى" المحدثة للإدارة، قائلا إن الهدف هو دفع اقتصاد إيران إلى حافة الهاوية من خلال تشديد القيود على تجارتها النفطية.
وقال بيسنت إن "جعل إيران مفلسة مرة أخرى سيمثل بداية لسياسة العقوبات المحدثة لدينا"، مسلطا الضوء على تأثير العقوبات الأمريكية على الريال الإيراني، الذي فقد نصف قيمته في الأشهر الستة الماضية.