لجريدة عمان:
2025-01-11@10:30:21 GMT

ماذا يملأ الفراغ في سوريا بعد سقوط نظام الأسد؟

تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT

تبدو لوهلة صفة «التاريخي» مبررة لوصف الإطاحة بنظام بشار الأسد بعد أكثر من خمسين عاما من الحكم الاستبدادي، وثلاثة عشر عاما من الحرب الأهلية المتقطعة وما أحدثته من معاناة. شعب سوريا مبتهج، أو الغالبية منه. ويحق لهم أن ينعموا بهذه اللحظة. فهم يستحقونها. وهي تذكرنا بالاحتفالات التي رافقت سقوط صدام حسين في العراق ومعمر القذافي في ليبيا، غير أن لنا في هذه الذكريات نذيرا وخطرا.

فالنذير لأن هذه الفرحة قد تتحول عما قريب إلى عبرات، والتحرر إلى قمع يتجدد، إذا ما أدى السقوط المفاجئ إلى تحول الهياكل الكريهة لكن المستقرة نسبيا إلى فوضى لا يمكن احتواؤها. والخطر يتمثل في أن الفراغ السياسي والعسكري التالي سوف يشهد منافسة من فاعلين لا يهتمون بالعدالة أو المصالحة، وإنما بالسلطة والانتقام. والانتقام في سوريا طبق يقدَّم ساخنا، وقد رجع الآن إلى قائمة الأطعمة.

يمكن أن نتعقب جذور حملة الإطاحة بالأسد وصولا إلى درعا في جنوب غرب سوريا التي شهدت ثورة شعبية في 2011. وفي هذا السياق، فإن نجاح جماعة «هيئة تحرير الشام المقاتلة» في الزحف من قاعدتها في إدلب بشمال غرب سوريا إلى العاصمة دمشق يمثل نهاية مناسبة: فهي ثورة شعبية قام بها الشعب من أجل الشعب. لكن ليس بوسع أحد الآن أن يخبرنا بشكل المستقبل السوري الذي يتصوره قائد (هيئة تحرير الشام) أبو محمد الجولاني، الجهادي ذي العلاقات السابقة بالقاعدة المطلوب للاعتقال والذي أعاد تصوير نفسه باعتباره زعيم تحرير وطني. وجماعة (هيئة تحرير الشام) لها سجل في انتهاكات حقوق الإنسان والحكم الاستبدادي في إدلب.

يتردد أن كثيرًا من السوريين تدفقوا تحت لواء هيئة تحرير الشام بينما كانت قوات الجولاني تتجه جنوبا. لكن جماعات أخرى، مختلفة الأغراض والمصالح، تتحرك بسرعة لاستغلال الأزمة. وتتضمن تحالفا من الميليشيات القومية بقيادة الأكراد في الشمال الشرقي ـ أي قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، والفصائل المتمردة المدعومة من تركيا والمعروفة مجتمعة باسم الجيش الوطني السوري، وجماعات المعارضة في الجنوب، التي تتحد على كراهية الأسد لكن قد لا يجمعها ما هو أكثر.

هل بوسع الفسيفساء السورية السابقة على الحرب ـ أي سوريا العلمانية، متعددة الأعراق والأديان، المتسامحة تسامحا استثنائيا ـ أن تلملم أجزاءها مرة أخرى؟ هل الجولاني رجل مناسب لزعامة أمة؟ من سواه قد يحول دون تشظي سوريا أرضا وسياسة؟ ما من إجابة بعد لدى أحد على هذه الأسئلة. فقد أعلن رئيس وزراء النظام محمد غازي جلالي أنه ـ خلافا للأسد ـ باق في منصبه ومستعد للعمل مع المتمردين. وهي كلمات شجاعة، فعسى ألا تكون كلماته الأخيرة.

فالتحديات المقبلة عصيبة حقا. لقد أدت الحرب الأهلية إلى مصرع ما يزيد على ثلاثمائة ألف شخص، برغم أن بعض التقديرات تضاعف هذا الرقم. ويعتقد أن قرابة مائة ألف شخص مفقودون أو مختفون قسرا منذ 2011. فأين هم؟ تبدأ الآن المحاسبة المروعة. نصف السكان ـ قرابة اثني عشر مليون شخص - نازحون. وعشرات الآلاف معتقلون دون محاكمة، وتعرضوا للتعذيب وإساءة المعاملة. وسجونهم تفرغ الآن، مما يبعث موجة من الغاضبين المصابين بجراح جسدية ونفسية وانتقامية إلى مجتمع مدمر ومختل بالفعل. وقد يعود ملايين اللاجئين من تركيا والأردن إلى ديارهم بأعداد غفيرة. لذلك تلوح كوارث إنسانية وأمنية في الأفق.

ويمثل التدخل الأجنبي المدمر - وهو محور قصة سوريا منذ بدء الحرب - تهديدا حقيقيا آخر إذا ما انهارت الأمور. إذ يمثل إسقاط الأسد هزيمة كبيرة لراعييه الرئيسيين، أي روسيا وإيران. لقد دخل فلاديمير بوتين سوريا في عام 2015 بعد أن تراجع الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما، معليا أولوية مكافحة الإرهاب على دعم القوى المؤيدة للديمقراطية. ونجحت قاذفات القوات الجوية الروسية، بجانب الحرس الثوري الإيراني، في إبقاء الأسد في السلطة. وكانت مكافأة بوتين هي إنشاء قواعد عسكرية وزيادة النفوذ. وكل هذا أصبح الآن معرضا للخطر.

بالنسبة لإيران، ليس الانهيار السوري إلا أحدث الحلقات في سلسلة من الانتكاسات المرتبطة برد إسرائيل على الهجمات التي شنتها حماس في السابع من أكتوبر 2023. فإضعاف إسرائيل لحزب الله في لبنان، وهو الحليف الرئيسي لطهران فيما يسمى بـ«محور المقاومة» في المنطقة، حرم الأسد من دعامة مهمة أخرى وجعل موقف إيران أكثر ضعفا. ويقال إن السفارة الإيرانية في دمشق تتعرض للهجوم، وأن دبلوماسييها فروا. ومع ذلك، لن تستسلم روسيا أو إيران. وسوف تسعيان إلى صياغة النظام الجديد لصالحهما، بغض النظر عن الأفضل للشعب السوري. ويمكن أن يقال مثل ذلك في حق إسرائيل التي قامت مرارا ـ في حملتها على حماس وغيرها من حلفاء إيران ـ بقصف ما تقول إنه أهداف لإيران وحزب الله في دمشق وأماكن أخرى في سوريا. وترى طهران لإسرائيل يدا في سقوط الأسد. ورغم أن ذلك قد لا يكون متعمدا، فمن المؤكد أن إسرائيل ــ متبعةً قانون العواقب غير المقصودة ــ قد ساعدت في تقويض بنيانه. والآن ينتابها شعور بالقلق من وجود دولة فاشلة على حدودها تسيطر على أسلحة الأسد الكيميائية، فضلا عن تجدد محتمل لتهديد جهادي إسلامي.

وبالحديث عن الأهداف الذاتية، يأتي رجب طيب أردوغان، رئيس تركيا، في الصدارة. فمن المعتقد أنه أعطى هيئة تحرير الشام الضوء الأخضر لشن هجومها بعد أن رفض الأسد محاولاته لإنشاء منطقة عازلة حدودية داخل سوريا. وأردوغان شديد الانشغال بـ«التهديد» الكردي من شمالي سوريا والعراق. فقد يرسل الآن مزيدا من القوات لتعبر الحدود. ولكن هل كان يعتزم حقا سحق النظام وإثارة الفوضى في أنحاء سوريا؟ لعل أردوغان يستطيع أن يوضح كيف يخدم هذا مصالح تركيا.

ما لم نصدق نظريات المؤامرة القاتمة، فقد فوجئت الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا بالأحداث مثلما فوجئ بها الأسد. وهذا في حد ذاته فشل استخباراتي مثير للقلق، ولكن سجل الغرب طوال الحرب السورية لم يكن إلا فشلا طويلا ومخزيا. فقد بدا أن هذه الحرب هي الأشد معاناة، والأكبر في النزوح الجماعي، وجرائم الحرب، والاستعمال غير المشروع للأسلحة الكيميائية وغيرها من الأهوال. والواقع أن تدخلات الغرب العرضية ــ من قبيل قصف دونالد ترامب لمرة واحدة في عام 2017 لمنشآت عسكرية سورية بعد هجوم بالأسلحة الكيماوية في خان شيخون بإدلب ــ قد تمت بهدف إراحة الضمير الجمعي أكثر مما تمت لإحداث تغيير حقيقي. والآن يلعب الغرب دور المتفرج مرة أخرى ــ برغم أن التهديد الذي يشكله فشل الدولة تهديد ملح. ويقول ترامب في غطرسة: «هذه ليست معركتنا».

ولا جدوى أيضا من النظر إلى الجيران العرب في الخليج طلبا للمساعدة في هذه اللحظة الحرجة.. فقبل أكثر قليلا من عام، نجح الأسد في تحطيم حالة النبذ الدولية لبلده في قمة جامعة الدول العربية في الرياض. إذ قوبل بحفاوة من القيادة السعودية وآخرين. وكانت الرسالة غير الدبلوماسية كثيرا هي أن الأسد قد عاد. وأعيد تأهيله. ويمكن أن يتعامل معه العالم مرة أخرى، وهذا خطأ. أما الآن فتقع على عاتق الشعب السوري مهمة إنقاذ سوريا التي لن ينقذها غيره.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هیئة تحریر الشام

إقرأ أيضاً:

لماذا لم يعد معظم النازحين واللاجئين السوريين رغم سقوط الأسد؟

شمال سوريا- بعد شهر على سقوط نظام الأسد في سوريا لا تزال عودة اللاجئين السوريين من الدولة المجاورة تركيا والنازحين داخليا تبدو خجولة وأدنى من سقف التوقعات، إذ تحكم هذه العودة عوامل اقتصادية وأمنية في الدرجة الأولى تتعلق بالسكن والخدمات والتعليم والاستقرار الأمني.

وتسود حالة من عدم اليقين لدى مئات الآلاف من اللاجئين والنازحين السوريين بشأن جدوى العودة الحالية، ولا سيما أن نسبة كبيرة منهم ممن فقدوا منازلهم في الحرب التي أنهكت سوريا على مدار 14 عاما، كما يشكل تأمين الدخل التحدي الأبرز لتأمين المصاريف اليومية.

وداخل إحدى مقاهي غازي عنتاب جنوبي تركيا يجادل اللاجئ السوري حسام دروبي صديقه محمد بأن العودة إلى البلاد في الوقت الحالي ليست مناسبة، بسبب الانقطاع المستمر للماء والكهرباء وعدم استقرار الوضع المعيشي والأمني.

ويقول دروبي متحدثا للجزيرة نت إن "من المبكر العودة إلى سوريا، والأفضل على الأقل الانتظار 6 أشهر إلى عام حتى تتضح الأمور وتعود الخدمات وتتمكن الحكومة الجديدة من العمل على كافة الأصعدة خدمة للأهالي".

وأضاف أن المخاوف التي تنتابه من العودة هي فقدان منزله في مدينة حلب شمالي سوريا جراء القصف الذي طالها خلال عام 2016، مشيرا إلى أن برميلا متفجرا سقط على البناء وأصبح مدمرا بشكل شبه كامل ويحتاج إلى إعادة إعمار.

إعلان

ولفت دروبي إلى أنه غير قادر على استئجار منزل في حلب في حال عودته، مؤكدا أن أسعار الإيجارات في المدينة تضاعفت بشكل غير مسبوق منذ سقوط نظام الأسد وبدء عودة الأهالي من نازحين ولاجئين إليها للاستقرار، ومنهم من محافظات وبلدات سورية أخرى.

يفضل أغلبية اللاجئين السوريين الانتظار والتريث في العودة إلى حين استقرار الأحوال (الجزيرة) أحلاهما مر

وغير بعيد عن مدينة غازي عنتاب وعلى الطرف المقابل في الشمال السوري تبدو مخيمات النازحين السوريين دون تغييرات بحجم حدث سقوط الأسد، إذ تبدو حالة انعدام الاحتياجات الأساسية من وقود التدفئة والغذاء المناسب مستمرة وتشكل تحديا لا يعرف حلا.

ويجبر استمرار حالة الدمار وفقدان الخدمات في معظم مدن وبلدات أرياف إدلب وحلب وحماة شمالي سوريا -والتي ينحدر منها النازحون القاطنون في المخيمات- الآلاف على البقاء في الخيام الباردة.

ووفق فريق "منسقو استجابة سوريا"، عاد نحو 52 ألفا من النازحين في المخيمات بالشمال السوري إلى مناطقهم الأصلية منذ سقوط نظام الأسد من أصل قرابة مليوني نازح.

ويؤكد النازح المنحدر من معرة النعمان بريف إدلب أحمد السعيد أن منزله في المدينة غير صالح للسكن على الإطلاق، مشيرا إلى أن أغلبية الأهالي لم يرجعوا للسكن فيها رغم توقف الحرب وسقوط نظام بشار الأسد.

ويقول السعيد في حديث للجزيرة نت إن البعض يستغرب من بقاء الأهالي في الخيام هنا، لكنها تبقى أحلى الأمرّين وأفضل من العيش في منازل مدمرة بلا جدران وسقوف، عدا عن انعدام الخدمات من ماء وكهرباء وأسواق.

أما النازحة من مدينة عندان في ريف حلب آمنة درغام والمقيمة في مدينة إدلب فتحدثت عن أن مسقط رأسها أشبه بمدينة أشباح، فقد اعتصر قلبها الألم لدى زيارتها أخيرا لمشاهدة منزلها، بسبب مناظر الدمار وحجم السرقات التي تعرضت لها المدينة.

إعلان

وتشير درغام في حديث للجزيرة نت إلى أن المدينة شأنها شأن معظم المدن والبلدات السورية تحتاج إلى جهود جبارة بهدف إعادة الإعمار والحياة إليها، الأمر الذي يشجع السكان على العودة والاستقرار مجددا، مؤكدة أن أحدا لن يعود للسكن في هذا الظرف المأساوي.

سوريون يعودون من تركيا إلى بلادهم من معبر باب الهوى الحدودي (الجزيرة) إعادة الإعمار

وتواجه الإدارة الجديدة في سوريا أعباء كبرى تتمثل في تسيير أعمال الحكومة وبسط الأمن وإعادة هيكلة الجيش مع دمج الفصائل المسلحة وحصر السلاح بيد الدولة، فضلا عن تحديات تأمين الطاقة والمياه وأجور العاملين.

ويرى المحلل الاقتصادي عبد السلام العمر أن من المبكر الحديث عن عملية إعادة الإعمار في سوريا، قبل أن تتمكن الإدارة الجديدة من حسم ملفات أكثر أهمية وآنية تتعلق بإنهاء أي وجود لفلول النظام البائد التي قد تعكر صفو البلاد والحكم.

ويقول العمر في حديث للجزيرة نت إن ما تتجه إليه الإدارة الجديدة في سوريا والحكومة هو حل مشكلة الطاقة والمياه واستقرار سعر الصرف، باعتبارها احتياجات أساسية يومية للسكان لا يمكن أن تنتظر أو أن يتم استبدالها.

وأشار إلى أن عملية إعادة الإعمار تحتاج إلى دعم أممي وعربي قد يرتبط برفع قريب للعقوبات الدولية عن سوريا، مما يفسح المجال للشركات وأصحاب رؤوس الأموال بالدخول إلى السوق السورية وبدء مرحلة جديدة في بناء بلد أنهكته الحرب.

مقالات مشابهة

  • بعد سقوط نظام بشار.. الموز يرسم الابتسامة على وجه السوريين
  • رسالة مؤثرة من شابين سوريين عاشا في المملكة ويزوران سوريا لأول مرة .. فيديو
  • اجتماع أميركي أوروبي في روما لتقييم الوضع بسوريا بعد سقوط نظام الأسد
  • لماذا لم يعد معظم النازحين واللاجئين السوريين رغم سقوط الأسد؟
  • بعد شهر من سقوط نظام الأسد..وفد بحريني يبحث في سوريا العلاقات بين البلدين
  • مسعى حثيث لاستقطاب سوريا لخدمة المصالح الأوروبية بعد سقوط نظام الأسد.. فيديو
  • بعد شهر من الحرية.. ماذا يريد السوريون أن يسألوا الأسد؟
  • ردود حذرة ومتأنية.. ماذا يعني سقوط الأسد لدول الخليج؟
  • مغردون: لا خوف بعد الآن في مطار دمشق الدولي
  • سقوط الأسد صفحة طويت وفتحت أخرى بالحرية والأمل