داليا عبدالرحيم تكتب: سوريا سيناريوهات ضبابية ومصير إقليمي غامض
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
لمن يتعجبون من دخول إسرائيل سريعًا على خط الأزمة في سوريا والإعلان الواضح عن نواياها سريعًا لماذا هذا التعجب؟ فإسرائيل لم تدخل دائرة الصراع السورى اليوم، هى من الأساس مَن صنعت هذا الصراع وحليفتها أمريكا، فكما كان بن لادن بالأمس صناعة أمريكية، فالجولاني اليوم البديل وإن كان ثائرًا حقا فليذهب إلى الجولان التي تُدنسها إسرائيل كل يوم أو يحرر ما أخذته اليوم بعد أن كان قد حرره الجيش السوري بدمه في ١٩٧٣.
لا تنعتوا الثورة ولا تُدنِّسوها بوصف مَن لا دين لهم ولا موقف بالثوار والثائرين.. لسنا دعاة قمع ولا نحن ضد التغيير، ولكن بخيارات الشعوب حتى وإن كان بالسلاح ف هوشي منه في فيتنام وبن بيلا في الجزائر رفعا السلاح وقادا ثورات مسلحة، ويوجد من الأمثلة الكثير ولكنها الأفكار يا سادة، فهؤلاء كانوا يؤمنون بمفهوم الدولة الوطنية ولكن دعاة الفوضى والتكفير والأجندات لا يؤمنون بذلك، ولنا معهم في مصر تجربة تُدرس في التاريخ، هل تتذكرون مقولة انتهي عصر الصناديق الزجاجية - الانتخابات- وهنا نتحدث عن الإخوان - النموذج الكيوت من الجولاني- سوريا دخلت نفقًا مظلما أتمنى أن يخيب ظني في ذلك وإسرائيل تحقق أهدافها واحدًا تلو الآخر، والآن علينا أن نجلس ونشاهد ونترقب ومن ثَمَّ نتعامل مع واقع مرير يستوجب الحذر وسط إقليم مضطرب.
فتمدد هذه الجماعات لم يقتصر على سوريا، بل يشكّل تهديدًا للدول المجاورة، هذا التهديد الإقليمي لا محالة سوف يدفع المجتمع الدولي إلى التدخل تحت مظلة مكافحة الإرهاب، كما حدث مع التحالف الدولي ضد داعش. هذا التدخل الدولي لم ولن يكون خاليًا من المصالح السياسية، فهو جزء من خطة أوسع لإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط بما يخدم القوى الكبرى، من خلال تفتيت الدول إلى كيانات أصغر على أسس طائفية وعرقية، ما يُعيد رسم الخريطة السياسية للمنطقة، ويُعزِّز الهيمنة الخارجية عليها، هذا بالإضافة إلى الديناميكيات المعقدة للجماعات المسلحة المتطرفة التي شاركت في السيطرة على سوريا، ويبرز مدى تشابك العلاقات بين هذه الجماعات على الرغم من تباين خلفياتها. هيئة تحرير الشام تبدو في صدارة هذه القوى، حيث تعمل على توسيع نفوذها من خلال السيطرة المباشرة أو التحالفات مع جماعات أخرى مثل فيلق الشام وأحرار الشام. اللافت هو أن معظم هذه المجموعات تعمل ضمن "غرفة عمليات الفتح المبين"، مما يعكس تنسيقًا مركزيًا في العمليات العسكرية تحت مظلة هيئة تحرير الشام، على الرغم من الخلافات الأيديولوجية والتاريخية التي قد تفصل بعضها عن البعض.
هذه الجماعات، رغم خلفياتها المتباينة، تمكنت من إيجاد قواسم مشتركة في السعي وراء النفوذ والسيطرة الجغرافية، كما في العمليات العسكرية السابقة مثل "درع الفرات" و"غصن الزيتون". هذه التحالفات المؤقتة تؤكد الطبيعة البراجماتية لهذه التنظيمات، حيث تضع المصالح السياسية والعسكرية فوق الأيديولوجيا.
ومع ذلك، فإن هذا التكاتف يثير قلقًا دوليًا متزايدًا بسبب الطبيعة المتطرفة لهذه الجماعات وتأثيرها السلبي على استقرار المنطقة ومستقبل سوريا الذي أؤمن تمامًا بأنه بيد شعبها وحده يحددون مصير بلدهم وحدهم وفق خياراتهم التي أتمنى أن تكون حقا خياراتهم وليست مفروضة عليهم بفعل الواقع والتدخلات والتشابكات الحادثة على الأرض.
والقلق كل القلق الآن على الوضع الإقليمي الملتهب الذي سيذوق مرارته وتوابعه جميعا لا أحد في مأمن من هذه الفوضي الخلاقة التي أصبحت واقعًا، وأخذت شرعيتها بقوة السلاح الذي سيرفع في وجوهنا جميعًا بما في ذلك داعميهم ومموليهم الآن غدًا بعد غدٍ ليس بعيدًا سينقلب السحر على الساحر، ونعيد من جديد ذات السيناريو وهكذا، فالآن أصبحت كل السيناريوهات مفتوحة والقادم مفزع.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الإعلامية داليا عبدالرحيم سوريا هذه الجماعات
إقرأ أيضاً:
منال الشرقاوي تكتب: صوت الإذاعة مجد لا يخبو
في 13 فبراير من كل عام، يحتفل العالم بيوم الإذاعة العالمي، ذلك الاختراع العجيب الذي تسلل إلى البيوت والعقول، حاملاً معه الأخبار، الحكايات، والأغنيات، قبل أن يصبح رفيق السفر وأُنس الوحدة.
الساعة تقترب من الخامسة والنصف مساءً، اليوم هو 31 مايو 1934، والهواء يحمل شيئًا جديدًا، شيئًا سيغيّر شكل الزمن القادم. صوت المذيع أحمد سالم يشق الصمت:
"هنا القاهرة.. الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية". لم يكن مجرد إعلان رسمي، بل كان ميلادًا لصوت سيصبح رفيق الأيام والليالي، ينساب من أجهزة الراديو في المقاهي والبيوت، ليحمل الأخبار والأغنيات وأحلام الوطن. كان ذلك بداية عهد جديد، لكن الحكاية لم تبدأ هنا…
لنعود بالزمن أكثر، إلى الأيام التي لم يكن فيها صوتٌ يعبر الهواء، إلى اللحظة التي وُلدت فيها الفكرة قبل أن تتحول إلى واقع.
في أواخر القرن التاسع عشر، كان العالم على موعد مع اختراع سيغيّر كل شيء، حتى الطريقة التي يسمع بها الناس الأخبار والقصص. عام 1895، نجح جولييلمو ماركوني في إطلاق أول إشارة بث لاسلكي، ليبدأ عصرٌ جديد حيث تنتقل الأخبار عبر الأثير، لا تحتاج إلى ورق ولا تنتظر ساعي البريد. مع دخول القرن العشرين، تحولت الإذاعة إلى أداة حاسمة، -خصوصًا- في زمن الحروب. خلال الحربين العالميتين، أصبحت سلاحًا استُخدم في الدعاية والمراسلات العسكرية، بينما كانت الجماهير مشدودة إلى أصوات المذيعين بانتظار الأخبار المصيرية.
ثم جاءت العشرينيات، وكان لابد من أن تتخذ الإذاعة مكانها الحقيقي في قلب كل متابع. تلك البوابة الواسعة على العالم، التي تحمل الأخبار، تنقل الموسيقى، وتخلق لحظات من السحر بين المستمع وصوت لا يراه، لكنه يشعر به كأنه يجلس إلى جواره تمامًا. وهكذا، ولدت الإذاعة كصوت لا يُنسى، وكتقنية ستظل تجد طريقها في كل زمن، مهما تغيرت الوسائل والأدوات.
لم يكن في مصر، آنذاك، شيء اسمه "إذاعة رسمية". كانت هناك محاولات متفرقة، محطات أهلية تبث بجهود فردية في عشرينيات القرن العشرين، لكنها لم تكن أكثر من أصوات متقطعة في الأثير، لا نظام يحكمها ولا دولة تتبناها. لكن في مساء يوم 31 مايو 1934، تغير كل شيء. انطلقت الإذاعة المصرية الرسمية بصوت المذيع أحمد سالم.
في البداية، كانت الإذاعة تحت جناح شركة "ماركوني" البريطانية، لكنها لم تكن لتبقى كذلك للأبد. انتهى العقد في 30 مايو 1944، وكان على الإذاعة أن تشق طريقها وحدها، بلا وصاية. وجاء عام 1947 ليشهد لحظة تمصيرها، فلم تعد مجرد صدى لصوت الآخرين، بل صارت صوت مصر الحقيقي، بلكنته الواضحة وموسيقاه الخاصة.
وفي الخمسينيات، مع صعود جمال عبد الناصر، لم تعد الإذاعة مجرد وسيلة ترفيه، بل أصبحت سلاحًا. من "صوت العرب"، خرجت الكلمات التي أشعلت الحماسة في قلوب المستمعين، تخطت حدود القاهرة، وصلت إلى كل بيت عربي يحلم بالخلاص من الاستعمار، تحولت إلى منبر للثورة، إلى أداة تعبئة، إلى صوت لا يمكن كتمه.
واليوم، رغم كل ما تغير، لا يزال هناك من يفتح الراديو في الصباح، ليسمع صوتًا يعرفه جيدًا. الإذاعة ليست مجرد موجات أثيرية تتردد بين السماء والأرض، بل هي ذاكرة الزمن. منذ نشأتها، كانت صوتًا للشعوب وسلاحًا في المعارك. إنها تشبه ذلك الحكيم العجوز الجالس أمام دكان في حارة مصرية قديمة، يشرب الشاي بالنعناع ويتابع الدنيا وهي تتغير من حوله. صحيح أن الناس لم يعودوا يجتمعون حول الراديو كما كانوا يفعلون قديمًا، وصحيح أن الشاشات الملونة سرقت الأبصار، لكن هناك دائمًا من يفضل الإنصات إلى صوت مألوف دون الحاجة إلى صورة.
في عالم يركض بلا توقف، تظل الإذاعة ملاذًا لمن يريد أن يهرب من إدمان النظر إلى الشاشات، لمن يفضل أن يغلق عينيه ويترك الصوت يقوده في رحلة بلا حدود. لم تعد تخرج فقط من أجهزة الراديو العتيقة، بل تسللت إلى الهواتف، إلى الإنترنت، عادت في شكل "بودكاست" يجذب جيلًا جديدًا لم يعرف انتظار المذيع، لكنه ما زال يبحث عن الحكاية. ربما لم تعد الإذاعة هي الخيار الأول، وربما أصبح حضورها خافتًا، لكنها لم تنتهِ. فقد أثبتت أن الصوت وحده قادر على أن يسافر عبر الأزمان، أن ينساب في القلوب، أن يصنع الأنس.
وفي اليوم العالمي للإذاعة، نرفع القبعة، لهذا الصوت العابر للأجيال، لهذا الصديق
الوفي، الذي ما زال يهمس في أذاننا:
"أنا هنا.. لم أرحل بعد."
كل عام والإذاعة بخير، وكل عام ومستمعوها أوفياء لصوتها الدافئ.. ذاك الصوت الذي يأتيك حين تظن أن كل شيء قد سكن، يحكي لك، يربت على قلبك. لا يفرض نفسه، لكنه حاضر، يعرف اسمك، "عزيزي المستمع"، كما لو كان رفيقًا قديمًا لم ينشغل عنك يومًا .. رفيق لا يمل الانتظار.