عمير العشيت

alashity4849@gmail.com

أتطرقُ في هذا الموضوع المُهم من منظور العرض والطلب في سوق العمل والآثار الديمغرافية المترتبة عليه، ذلك أن هذا الملف مازال الشغل الشاغل لدى الجميع ومتصدرا سلم أولويات الحكومة والرأي العام؛ وهو متجدد باستمرار نتيجة تدفق آلاف من المخرجات التعليمية التراكمية سنوياً على وزارة العمل ومنصات البرنامج الوطني للتشغيل، مطالبة بالاستحقاق الوطني المتعلق بالتوظيف والمستمد من ديباجية النظام الأساسي للدولة، والذي نص في الفصل الثالث من المادة (15) على أن "العمل حق وشرف، ولكل مواطن الحق في ممارسة العمل الذي يختاره في حدود القانون".

أما الأعداد المسجلة وغير المسجلة فضخمة، وقائمة الانتظار مطولة والعمر يمضي ولا ينتظر صاحبه، ونزيف الأموال التي تصرف على الطلبة من الباحثين عن عمل لا يتوقف، ويكاد لا يخلو منزل من وجود أكثر من باحث عن عمل يتمنى أي وظيفة تكفل له العيش الكريم حتى لو كان على حساب تخصصاته العلمية. ويبدو أن ملف الباحثين عن عمل بات لُغزًا مُحيرًا دون غيره من الملفات الوطنية، كلغز مثلث برمودا الذي حير العلماء في اختفاء السفن والطائرات بشكل مفاجئ في أعماق البحار والمحيطات. والغريب أن مفردات هذه الظاهرة تتزايد سنة بعد سنة نتيجة المخرجات العلمية السنوية وثقل كاهل ولي الأمر من التزامات ومصروفات، وبالتالي فإن بقاء هذا الملف المُعمِّر على حاله، سيؤثر- لا محالة- على التوازن في التركيبة الديمغرافية للسكان في السنوات القادمة، نتيجة عزوف الشباب عن الزواج، بسبب عدم توفر دخل شهري لأسرهم وستنجُم عنه آثار اقتصادية على التنمية الوطنية التي تفقد سنويًا مليارات الريالات المحولة خارج البلاد بواسطة العمالة الوافدة.

لقد تفضل حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم- حفظه الله ورعاه- بالتأكيد على ملف تشغيل الباحثين عن عمل بأنه ذو أولوية وطنية، وانه يأتي على سلم أولويات الحكومة، إلى جانب وجود البرنامج الوطني للتشغيل الذي يعد من اهم البرامج الوطنية في هذا الشأن، إلّا أن التحديات والصعوبات ما زالت تمثل حائط صد قويًا لهذا الملف، على الرغم من الجهود الكبيرة التي تُبذل من وزارة العمل لاحتوائه، وإصدار العديد من القوانين واللوائح حول ولكن دون جدوى.

الأرقام ما زالت مرتفعة والوظائف شحيحة، رغم البيانات التي تُنشر بين الفينة والأخرى حول توظيف الباحثين، إلّا أنَّ الأغلب يتم قبولهم في القطاعات العسكرية والأمنية.

كما إن الوظائف المحظورة من قبل وزارة العمل والمخصصة للعمالة الوطنية، لم تفلت من قبضة العمالة الوافدة التي تمارس أنشطتها بمنتهى الحرية؛ كأنشطة مكاتب إدخال البيانات وغيرها والتي بدأت تمارسها في المنازل ولا تحتاج إلى تصريحات من الجهات المعنية، ولا الى استئجار مكاتب، ولا تطالهم لجان التفتيش، بعد أن فتحت بعض المؤسسات الخدمية تطبيقاتها على الهواء مباشرة بحجة تسهيل الإجراءات، وهذا الأمر يحتاج إلى إعادة النظر لدى الجهات المعنية، نظرًا لتأثر شريحة كبيرة من المواطنين العاملين بهذا الوضع، والبعض منهم أغلق نشاطه وانضم الى قافلة الباحثين عن عمل والمسرحين.. وهذا يعني أن إقبال الشباب على الأعمال الحرة لا يعود عليهم بمنفعة حقيقية لكسب الرزق ما دامت الضوابط الرادعة مفقودة. 

الجميع يعلم أن العالم يتجه إلى تكتلات وتحالفات اقتصادية واسعة وبعيدة كل البعد عن نطاق مسار حسابات الدولة الواحدة ونسفت الكثير من البرامج الوطنية كتوظيف مواطنيها، وبدأت المصالح بين الدول ومؤسساتها الاقتصادية مشتركة ومرتبطة بمنظومة العرض والطلب بحيث لا يُمكن الاستغناء عنها، وهذه حقيقة فرضت نفسها على الجميع، وبالتالي نلاحظ أغلب الدول فتحت كافة أبوابها  للشركات العالمية والعمل فيها؛ سواء بالشراكة أو الاستثمار وفي المقابل سمحت لها بقبول شروطها المتعلقة بمصالحها الاستراتيجية كتوظيف العمالة الوافدة لاعتبارات الأجر والمؤهلات الفنية والخبرة وهذا واقع يتعايش معه الجميع.. إلّا أن ملف الباحثين عن عمل وآثاره الديمغرافية يظل الهاجس الأكبر، ولا بُد من إيجاد حلول حقيقية تلامس الواقع، وعلى رأسها توفير مصدر دخل شهري مؤقت للباحثين عن عمل، ليكون عونًا لهم على العيش الكريم ومنه يتحقق التوازن الديمغرافي لاحقًا، ونأمل أن تدخل هذه المنفعة في نطاق صندوق الحماية الاجتماعية، شأنها شأن المنافع الاجتماعية التي حسَّنت أوضاع كثير من الأُسر.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وزير التعليم العالي: بنك المعرفة المصري يطلق أكاديمية شباب الباحثين لدعم قدرات الباحثين

أطلق بنك المعرفة المصري أكاديمية شباب الباحثين، كخطوة استراتيجية لدعم الباحثين في بداية مسيرتهم الأكاديمية والبحثية، وإعدادهم للمساهمة بفاعلية في تطوير البحث العلمي والتعليم العالي محليًا ودوليًا.

ويُعد بنك المعرفة المصري أكبر مكتبة رقمية ومنصة بحثية وطنية، حيث يوفر موارد وأدوات أكاديمية عالمية للباحثين والمعلمين والطلاب. وتأتي الأكاديمية الجديدة لتعزز رسالته من خلال توفير فرص منظمة لبناء القدرات موجهة خصيصًا للباحثين الناشئين في الجامعات والمعاهد البحثية المصرية.

وفي هذا السياق، أكد الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، أن الأكاديمية تمثل استثمارًا وطنيًا لإعداد جيل جديد من العلماء القادرين على الابتكار والمنافسة على المستويين الإقليمي والدولي، مشددًا على أهمية تزويد الباحثين الشباب بالمعرفة الحديثة والمهارات العملية اللازمة لتعزيز مكانة مصر العلمية والبحثية.

تم تطوير أكاديمية شباب الباحثين بالتعاون مع مؤسسة كلاريفيت، الشركة العالمية الرائدة في مجال معلومات وتحليلات البحوث، بما يضمن دمج أفضل الممارسات الدولية مع أولويات التنمية الوطنية المصرية. واستفاد تصميم البرنامج من خبرات كلاريفيت في قواعد بيانات الاستشهادات وتقييم البحوث والنشر الأكاديمي، مع التركيز على الكتابة العلمية، علم القياسات البيبليوغرافية، وتعزيز ظهور الباحثين.

من جانبها، أوضحت الدكتورة جينا الفقي، القائم بأعمال رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا والمشرف العام على بنك المعرفة المصري، أن الأكاديمية تهدف إلى تطوير الكفاءات الأكاديمية الأساسية للباحثين في بداية مسيرتهم، بما يسهم في تعزيز مساهمتهم في البحث العلمي والتعليم العالي على المستويين الوطني والدولي، مشيرة إلى أن البرنامج التدريبي يجمع بين المحتوى النظري والتدريب التطبيقي بشكل يواكب احتياجات منظومة التعليم العالي والبحث العلمي في مصر.

تستهدف الأكاديمية تدريب ما يصل إلى 1500 باحث من مختلف الجامعات والمعاهد المصرية عبر برنامج دراسي شامل متعدد الوحدات يغطي جوانب البحث العلمي كافة، بما يعزز من قدراتهم الأكاديمية ويؤهلهم لتحقيق تأثير ملموس في مؤسساتهم.

يغطي البرنامج التدريبي سبعة مجالات رئيسية تشمل كتابة المخطوطات البحثية، مع تقديم إرشادات حول الكتابة العلمية واختيار الدوريات وإدارة عملية النشر، إلى جانب كتابة طلبات التمويل وفقًا للمعايير الوطنية والدولية، وتحكيم البحوث بما يتضمن التدريب على أخلاقيات وتقنيات التقييم البحثي. كما يشمل تطوير مهارات التدريس الجامعي من خلال استراتيجيات قائمة على الأدلة، وتنمية مهارات التعاون مع الصناعة عبر بناء شراكات وإدارة حقوق الملكية الفكرية، بالإضافة إلى تعزيز مهارات التواصل البحثي مع مختلف الفئات، وبناء ملفات الباحثين الرقمية، إلى جانب وضع استراتيجيات فعالة للتعاون الأكاديمي والبحثي الدولي.

ويتضمن البرنامج ورش عمل متخصصة، وعمليات محاكاة تدريسية، وأنشطة عملية مثل تحكيم البحوث والعروض الأكاديمية وتخطيط المشاريع التعاونية، بما يضمن تطبيق المهارات المكتسبة على أرض الواقع.

تؤكد الأكاديمية أهمية التكامل مع الموارد الوطنية، وفي مقدمتها بنك المعرفة المصري، وتسعى إلى إكساب الباحثين الشباب رؤية مهنية واضحة ومعرفة أكاديمية متعمقة تمكنهم من الإسهام الفعلي في بناء النظام البيئي البحثي المصري، وتعزيز التأثير المؤسسي محليًا ودوليًا.

مقالات مشابهة

  • الجبهة الوطنية: عمال مصر حجر الزاوية في النهضة
  • السلطات بالخرطوم تشرع في إزالة ونظافة أكبر البؤر التي كانت تستخدمها المليشيا للمسروقات والظواهر السالبة
  • الجبهة الوطنية تناقش استراتيجيتها لخدمة العمل السياسي والاجتماعي والتنموي
  • مايكروسوفت: رئيس وكلاء الذكاء الاصطناعي وظيفة مستقبلية جديدة ستكون من نصيب الجميع
  • وزير التعليم العالي: بنك المعرفة المصري يطلق أكاديمية شباب الباحثين لدعم قدرات الباحثين
  • التعليم العالي: بنك المعرفة المصري يطلق أكاديمية شباب الباحثين لتعزيز اقتصاد المعرفة
  • الأجور.. التوظيف والحماية.. المنظمة الوطنية للصحافيين الجزائريين ترفع إنشغالاتها للوزارة
  • إطلاق أكاديمية شباب الباحثين ببنك المعرفة المصري لدعم الباحثين وتعزيز اقتصاد المعرفة
  • المؤسسة الوطنية للنفط: الحقول والموانئ مستقلة.. والإنتاج مستمر رغم التحديات
  • أبوزريبة يناقش احتياجات هيئة السلامة الوطنية بالمنطقة الشرقية والواحات