تحولات السياسة الإقليمية.. كيف تؤثر التسويات الجديدة على الوضع في سوريا؟
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
تتجه الأنظار نحو الأزمات المتصاعدة في سوريا وفلسطين، حيث تتبنى جامعة الدول العربية موقفاً سلميا يهدف إلى تعزيز الحوار والتسامح كسبيل للتغلب على التحديات، في ظل الظروف الحرجة التي تمر بها سوريا، تبرز أهمية التنسيق العربي لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي والمخاطر الإقليمية.
سوريا تشكل حكومتها بعد سقوط الاسد مصر تدين استيلاء إسرائيل على المنطقة العازلة مع سوريا والمواقع القيادية المجاورة لها
يأتي ذلك في وقت يستعد فيه المندوب الفلسطيني لعقد اجتماع وزاري عربي للتأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني، مما يعكس الحاجة الملحة للعمل الجماعي في سبيل تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة.
الجامعة العربية : سوريا تواجه خطر التدخلات الأجنبية وضرورة الوحدة الوطنية
وأكدت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية أنها تتابع التطورات المتسارعة في سوريا ببالغ الاهتمام، حيث تعتبر هذه المرحلة واحدة من أخطر الفترات في تاريخ البلاد الحديث.
وأوضحت الجامعة أن الوضع الراهن يتطلب من جميع السوريين تعزيز مفاهيم التسامح والحوار، مع ضرورة صون حقوق جميع مكونات المجتمع السوري، ووضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. كما دعت إلى التحلي بالمسؤولية وضبط السلاح للحفاظ على الأرواح والمقدرات، والعمل على استكمال عملية الانتقال السياسي بشكل سلمي وشامل وآمن.
وشددت الأمانة العامة على أهمية الحفاظ على وحدة أراضي سوريا وسيادتها، ورفض التدخلات الأجنبية بجميع أشكالها، مؤكدةً أن هذه العناصر تظل محورية في الإجماع العربي حيال سوريا ويجب الدفاع عنها.
"العكلوك" يطالب بتفعيل قرارات القمة ضد إسرائيل
وفي إطار متصل، دعا السفير الفلسطيني في الجامعة العربية، مهند العكلوك، إلى عقد اجتماع وزراء الخارجية بناءً على طلب الرئيس محمود عباس، حيث حصل الاجتماع على تأييد 15 دولة عربية. خلال الاجتماع التحضيري الذي عُقد على مستوى المندوبين، تم مناقشة مشروع قرار يهدف إلى تنفيذ قرارات القمة العربية الإسلامية المشتركة التي عُقدت في الرياض، مع التأكيد على ضرورة عدم ترك تلك القرارات حبرًا على ورق.
وطالب العكلوك بتجميد عضوية إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبتفعيل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لإلزام إسرائيل بوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات، مشددًا على أن العدوان الإسرائيلي يُعتبر اعتداءً على الأمن القومي العربي. كما تم مناقشة إدراج المنظمات الإرهابية الإسرائيلية على قوائم الإرهاب الوطنية ومقاطعة إسرائيل اقتصاديًا.
الديك : القاهرة لها دور كبير المرحلة الجديدة
ومن جانبه قال المحلل الفلسطيني الدكتور حسين الديك، الخبير في الشأن الدولي، إن سوريا تدخل مرحلة جديدة بعد سقوط النظام القائم منذ 54 عاماً. واعتبر الديك أن هذا النظام، الذي مارَسَ انتهاكات جسيمة ضد شعبه والمدنيين، قد انتهى، مما يفتح الأبواب أمام مرحلة جديدة قد تكون واعدة.
الدكتور حسين الديكوأشار إلى أن هذه المرحلة، حتى الآن، لا تُظهر أي عمليات انتقام، حيث طلبت المعارضة السورية من رئيس الوزراء السابق الاستمرار في إدارة شؤون الدولة والحكومة إلى حين تشكيل حكومة جديدة أو هيئة انتقالية.
وفي ظل تراجع ما يُعرف بـ "جبهة المقاومة"، توقع الديك أن تكون التحركات والمواقف الدولية في صالح الدول الأكثر اعتدالاً في المنطقة، مثل المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات. وأوضح أن سوريا مقبلة على مرحلة من التسويات السياسية والاستقرار النسبي بعد سقوط نظام بشار الأسد.
كما أشار إلى التراجع الإيراني والأحداث التي شهدتها المقاومة في لبنان، مما ترك تأثيرات واضحة على الوضع في سوريا. واعتبر أن المرحلة الحالية تمثل تحولاً حقيقياً، حيث يبدو أن الأطراف الدولية ستتوحد نحو تحقيق الاستقرار والهدوء في الدولة السورية.
على صعيد أوسع، توقع الديك أن نشهد انفراجات في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مما قد يؤدي إلى تقدم في الحلول المستقبلية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: سوريا وفلسطين جامعة الدول العربية تعزيز الحوار أهمية التنسيق العربي مواجهة الاحتلال الإسرائيلي فی سوریا
إقرأ أيضاً:
عبادة الشخصية في الأنظمة العربية: سوريا نموذجاً
إلى حد هذا اليوم لم يقدم نظام عربي واحد نموذجا منفتحا على شعبه للمشاركة السياسية في إدارة الحكم والمؤسسات، والسماح بالتعددية الحزبية والقبول بمعارضتها، والفصل الفعلي بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وضمان صحافة حرة تحفظ حق حرية الرأي والتعبير، بل في مجملها اعتمدت على الشخصنة في رأس النظام، والعمل بمنهجية في ترسيخ عبادة شخصية الحاكم «الملهم»، «الفذ»، «القائد»، حتى لو كان مستواه الدراسي شهادة ثانوية، أو أقل من ذلك، ووصل إلى رأس السلطة عن طريق انقلاب عسكري.
وقد أثبتت كل هذه الأنظمة فشلها الذريع في بناء الدولة والمجتمع، لأن الدولة كانت تتمركز بشخص الحاكم، والحاكم فقط، أو بعبارة أخرى كما يقال: الدولة أنا، وأنا الدولة، «فمن أنتم؟» هذا النمط من الحكم من مظاهره صور الحاكم وتماثيله التي تملأ ساحات المدن وزواياها المعتمة والمنيرة، وبروز الجيش كقوة ردع صارمة لكل من تسول له نفسه التعرض للذات الحاكمة، تضاف إليها مؤسسة مخابراتية ترصد أنفاس الناس، وتطلعاتهم، ولو تمكنت لتسللت إلى أحلامهم، والأمثلة الفاقعة في الماضي القريب شوهدت في أكثر من دولة عربية شهدت سقوط أنظمتها، وقتل قادتها «الملهمون»، الذين كانوا يعتبرون أنفسهم محصنين من السقوط. ولم يتعظوا من أسلافهم ممن شابهوهم (هتلر ألمانيا، موسوليني إيطاليا، ماركوس الفلبين، بينوشيه تشيلي، باتيستا كوبا) ومنهم المثال السوري.
بدايات الشخصنة
لم يمر نظام واحد على سوريا بعد الاستقلال، وصلت فيه عبادة الشخصية إلى حد التأليه، فخلال الفترات القصيرة التي حكمت فيها أنظمة تعتمد على الانتماءات الحزبية وتاريخها النضالي ضد الاستعمار، والوصول إلى السلطة سلميا عبر انتخابات رئاسية، وبرلمانية (حكومات شكري القوتلي، وهاشم الأتاسي، وناظم القدسي)، لم تعتمد سياسة الشخصنة، واستخدام قوة الجيش الفارطة لتثبيت حكمها، وربما كان هذا السبب لعدم استمرارها، وتطوير التجربة الديمقراطية الوليدة بسبب الانقلابات العسكرية عليها (انقلاب حسني الزعيم، وسامي الحناوي، وفوزي سلو، وأديب الشيشكلي، تم اغتيال ثلاثة منهم ونجا فوزي سلو).
وأول ظهور للشخصنة، وعبادة الشخصية بدأ مع مشروع الوحدة المصرية السورية، وتخلي شكري القوتلي عن الحكم في سوريا للرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي كان من شروطه لقبول مشروع الوحدة، أن يتسلم السلطة دون أن ينازعه فيها أحد، وحلّ كل الأحزاب، واعتماد سياسة الحزب الواحد (الاتحاد القومي) ومنع الصحف الخاصة، وإنشاء نظام مخابراتي (برئاسة عبد الحميد السراج). (فاوضه في ذلك مجموعة من الضباط السوريين برئاسة عفيف البزري دون علم الرئيس شكري القوتلي والحكومة الشرعية برئاسة خالد العظم)، فخلال ثلاث سنوات من الوحدة (1958ـ 1961)، كانت شخصية جمال عبد الناصر طاغية في العالم العربي بشكل عام وفي سوريا بشكل خاص.
لكن الجيش السوري الذي تم تهميش ضباطه، وحزب البعث «القومي» الذي أجبره عبد الناصر على حل نفسه، ووجد المشروع القومي لعبد الناصر منافسا له وطاغيا عليه، عمل حزب البعث المتغلغل في الجيش على إنهاء تجربة الوحدة بانقلاب عسكري (عبد الكريم النحلاوي، حيدر الكزبري) وعادت سوريا إلى حكم الأحزاب الذي لم يدم طويلا (حكومة ناظم القدسي 1961ـ 1963)، فقام الجيش مرة أخرى بانقلاب عسكري، وبرز حزب البعث كمخطط ومنفذ لهذا الانقلاب (في مواجهة للشرعية الدستورية، «بالثورية» (الانقلابية) والتي أعطت لنفسها صفة «ثورة 8 آذار»)، الذي كان من منفذيه ما سمي باللجنة العسكرية المؤلفة من الضباط (حافظ الأسد، محمد عمران، صلاح جديد، محمد المير، عبد الكريم الجندي).
تعميق الشخصنة
يعتبر انقلاب 8 آذار، أول النفق الطويل المظلم لتاريخ سوريا الحديث، بدأ في فرض الأحكام العرفية وقانون الطوارئ، ففي الفترة ما بين 1963 و1970، تمت عملية تطويف الجيش السوري، وعمليات التصفية في الصراع على السلطة، فالتف العلويون على الضابطين حافظ الأسد ومحمد عمران (بعد تصفية محمد عمران، وتحييد الآخرين)، والضباط السنة حول الرئيس أمين الحافظ، وانتهت المواجهة بانقلاب 1966 الذي قاده سليم حاطوم، وترأسه صلاح جديد تحت مسمى حركة 23 شباط، وتم طرد مؤسسي حزب البعث القومي (ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار الذي تم اغتياله في باريس)، وسجن أمين الحافظ قبل أن يهرب إلى العراق. ولم يتبق في الميدان سوى صلاح جديد، وحافظ الأسد، الأول يسيطر على الحزب والثاني يسيطر على الجيش بعد أن تولى منصب وزير الدفاع، وانتهى الصراع بين الاثنين، خاصة بعد هزيمة حرب 67 والبلاغ رقم 66 الذي أصدره الأسد للجيش السوري بالانسحاب الطوعي من الجولان، بحجة أن القنيطرة تم احتلالها من قبل إسرائيل (ولم يكن صحيحا) ما أثار صدمة كبيرة للشعب السوري، (ولا تزال نتائج ما سمي بالنكسة تعاني منها سوريا حتى اليوم، فقد ضمت إسرائيل جزءا من الجولان وهي تتوسع فيه حاليا). ولم تتم مساءلة الأسد، أو محاكمته، بل قام هو بآخر انقلاب في سوريا تحت مسمى «الحركة التصحيحية»، وأمر بسجن رفيقه صلاح جديد (الذي توفي بعد قضاء 28 سنة في السجن).
الأسد إلى الأبد
منذ 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 1970 ولغاية 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 هي الفترة التي سيطرت فيها عائلة الأسد على الحكم في سوريا. وهي أسوأ حقبة تمر على السوريين، وسوريا في تاريخها.
فمع حافظ الأسد بدأ عهد عبادة الشخصية بأبشع صورها، وقد استمد شرعية حكمه من استفتاءات شعبية ملفقة، وبرلمان معين، ودعم حزب البعث «القائد»، وجبهة وطنية تقدمية من مجموعة أحزاب من صنعه تسبح بحمده، وتدور في فلكه، واتحادات عمالية ومهنية تبصم بالولاء له، وتنقية الجيش من الضباط القدامى المشكوك في ولائهم، وتعزيزه بضباط جدد جلهم من الطائفة العلوية، وترسيخ الطائفية والمذهبية، واستحداث 14 جهاز مخابرات تحصي أنفاس السوريين، وبناء السجون، ومنها سجن صيدنايا الرهيب «المسلخ البشري»، وتدجين الجيل الجديد بخطاب البعث عبر منظمة «طلائع البعث»، و»شبيبة الثورة»، والسيطرة التامة على وسائل الإعلام، واعتماد عبارة (سوريا الأسد) في الخطاب السياسي والإعلامي السوري، وإطلاق اسم الأسد على كل المرافق، والبنى التحتية والثقافية، نشر صوره في كل مكان، مع تماثيل في كل ساحات المدن السورية.
وهذه جميعها تدفع باتجاه عبادة الشخصية، وتخطتها بالنسبة لحالة الأسد، إلى حالة مرضية وصلت إلى حد التأليه، وكل من يواجه النظام فمصيره القتل، أو التعذيب، أو ارتكاب المجازر، كما حصل في سجن تدمر، ومدينة حماة، ثم تم تحويل سوريا إلى جمهورية وراثية من الأب المؤسس حافظ الذي حكمها ثلاثة عقود، إلى الوريث بشار الذي حكمها عقدين ونيف بعقلية لا تختلف عن مورثه، بل أسوأ بكثير، فالشعار المعتمد في عهده.
وبعد انطلاق الثورة كان «الأسد أو نحرق البلد»، وهذا ما حصل بعد أن جلب كل الميليشيات الأجنبية، والقوات الروسية لإنقاذ نظامه، ففتك بالشعب حتى بالسلاح الكيماوي، وشرد نصف الشعب السوري، وأودى بسوريا إلى ما هي عليه من تدمير عمراني، واجتماعي، وثقافي، واقتصادي، يحتاج لسنين طويلة لإعادة سوريا إلى ما كانت عليه قبل نصف قرن ونيف، ولكن كغيرة من الطغاة لم يتعظ إلى أن واجه سقوطه بفرار من شعبه إلى موسكو، وشاهد بأم عينيه كيف سقطت تماثيل أبيه، ومزقت صوره وداستها الأقدام، وهي تحتفل في 8 ديسمبر بيوم النصر.
القدس العربي