الجزيرة:
2024-12-15@16:42:23 GMT

المبادرة التركية لحل الأزمة الأوكرانية (2-2)

تاريخ النشر: 17th, August 2023 GMT

المبادرة التركية لحل الأزمة الأوكرانية (2-2)

التطورات الميدانية التصعيدية المتلاحقة بين روسيا وأوكرانيا بدأت تتخذ الأيام الأخيرة منحى مقلقا، ينذر بخروج الأمور عن سيطرة الطرفين، مما يجعلهما أكثر استعدادا للتعامل مع أي مبادرات وساطة جديدة تأخذ بعين الاعتبار مطالبهما ومصالحهما.

هذا الأمر يعزز الفرصة أمام تركيا للتحرك بمبادرتها لإيقاف الحرب وإيجاد الحل المناسب للأزمة، ويدعو الحكومة التركية إلى التعجيل بالتحرك لتقديم هذه المبادرة.

فما الأسس التي من المفترض أن تقوم عليها المبادرة كي تتجنب الفشل الذي منيت به المبادرات السابقة؟ وما البنود المتوقعة فيها؟ وما ضمانات نجاحها؟

أسس المبادرة التركية

تطرقنا في المقال السابق إلى المسؤولية التاريخية التي تحتم على تركيا القيام بمبادرة بناءة لإيقاف الحرب الروسية على أوكرانيا، وإيجاد حل مناسب للأزمة، وعددنا أوجه المصالح التركية من وراء القيام بذلك، كما استعرضنا المبادرات السابقة وأسباب فشلها. ولكي تحظى المبادرة التركية بفرصة أكبر من سابقاتها للنجاح في إيقاف الحرب وحل الأزمة، وقبل الحديث عن البنود التي يمكن أن تشتمل عليها هذه المبادرة، فإن على تركيا مراعاة الأسس التالية التي ستحدد بدورها طبيعة هذه البنود، وأبرز هذه الأسس ما يأتي:

مراعاة التخوفات الأمنية الروسية من التهديد الغربي لها بقيادة الولايات المتحدة، التي تنتشر قواتها وقواعدها العسكرية التقليدية والنووية على طول الحدود الغربية مع روسيا. مراعاة المطالب الروسية التي تسببت في الحرب، والمتعلقة بجعل أوكرانيا دولة محايدة بين روسيا الاتحادية وأوروبا، ومنعها من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، إذ تعتبر أوكرانيا أكبر دولة أوروبية بمساحة إجمالية تتجاوز 600 ألف كيلومتر مربع. وبانضمام كييف إلى الناتو، لن يبقى لاكتمال الطوق الأوروبي حول الحدود الغربية لروسيا سوى حليفتها بيلاروسيا، فبقية الدول الأوروبية الحدودية مع روسيا جميعها أعضاء في حلف الناتو، وهي لاتفيا وإستونيا والنرويج وفنلندا. مراعاة المطالب الروسية بجعل أوكرانيا دولة منزوعة السلاح، بحيث لا تشكل أي تهديد عسكري لروسيا في المستقبل، عن طريق حدودها المشتركة مع روسيا، التي تتجاوز 1500 كيلومتر مربع. وكانت أوكرانيا قد ورثت بعد تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1992 جيشا قوامه أكثر من 700 ألف جندي، لتصبح صاحبة ثاني أكبر جيش على مستوى أوروبا. مراعاة المطالب الروسية بالاعتراف بضم شبه جزيرة القرم ومقاطعتي لوغانسك ودونيتسك إلى روسيا. مراعاة المطالب الروسية بإنهاء حالة التهميش والعزلة التي تمارسها ضدها الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، والتي لا تأخذ في الاعتبار أهميتها بوصفها دولة عظمى، سبق أن شكلت القطب الدولي الثاني المنافس للولايات المتحدة لأكثر من 40 عاما. مراعاة المطالب الأوكرانية بالاعتراف الروسي بها كدولة مستقلة كاملة السيادة على أراضيها المعترف بها دوليا. مراعاة المطالب الأوكرانية بحقها في اتخاذ القرارات السيادية التي تحقق مصالحها الوطنية، من دون أي تدخل خارجي. مراعاة المطالب الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، بضرورة احترام روسيا للنظام الدولي القائم على القواعد، والكف عن التصرفات التي تزعزع استقرار أوروبا. الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الحرب ليست روسية أوكرانية فحسب، بل روسية أميركية من جهة، وروسية أوروبية من جهة أخرى، وأي مبادرة لحل الأزمة لا بد من أن تشمل الطرفين الأميركي والأوروبي.

وتعتبر هذه الأسس مرتكزات جوهرية تنطلق منها بنود أي مبادرة دولية تريد النجاح في إيجاد سبيل لإيقاف الحرب وإيجاد حل نهائي للأزمة، وإلا فإن الفشل مصيرها كما حدث مع سابقاتها.

تنقسم البنود المقترحة للمبادرة إلى 3 مستويات متتابعة زمنيا: الأول إعلان المبادئ، والثاني المسار الروسي الأوكراني، والثالث المسار الروسي الغربي

بنود المبادرة

عديد من الخبراء والمنظمات والمراكز البحثية الغربية المحايدة قدموا مقترحات موضوعية لحل الأزمة تعالج الأسس السابقة، مثل مركز "المصلحة الوطنية" (The National Interest) الأميركي، والمعهد الأميركي للسلام (USIP)، وهي مقترحات على درجة عالية من الأهمية، ويمكن البناء عليها أو الاستفادة منها لوضع مبادرة قابلة للنجاح في حل الأزمة، إذا ما توفر لها القبول والدعم الدوليان. ويمكن تلخيص أبرز هذه البنود في ما يأتي:

الإيقاف الفوري للحرب الدائرة في جميع جبهات القتال. اعتماد الحوار والتفاوض سبيلا وحيدا لحل النزاع الدائر. تقسيم المبادرة إلى 3 مستويات متتابعة زمنيا: الأول: إعلان مبادئ توافق فيه الأطراف على الإيقاف الفوري للقتال في جميع الجبهات، وتؤكد صدق النوايا، واعتماد الحوار والتفاوض كسبيل وحيد لحل الأزمة واستعادة السلام والاستقرار، وعلى أن بنود المبادرة تحتاج إلى كثير من النقاش حول التفاصيل التي تحقق مصالح ورضا الطرفين، وأنه لن يتسنى لهما التوصل إلى حل دون تقديم تنازلات صعبة، ولكنها ليست أصعب من نتائج الحرب الدائرة البشرية واللوجستية. الثاني: مسار المفاوضات الروسية الأوكرانية بإشراف الأمم المتحدة، وحضور مراقبين من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. والثالث: مسار المفاوضات الروسية الغربية، بمشاركة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. قبول أوكرانيا بكونها دولة محايدة تماما، مع ضمان استقلالها وسيادتها وسلامة أراضيها، وعدم اعتراض روسيا على أي حكومة أوكرانية ينتخبها الشعب الأوكراني. نزع سلاح أوكرانيا، وخفض عدد قواتها البرية إلى 150 ألف جندي نظامي، و100 ألف جندي احتياط. مع تدمير جميع أنظمتها الحربية المتقدمة التي يمكن أن تشكل تهديدا ضد روسيا، وحظر تطوير أو حيازة أي من هذه الأنظمة المحظورة، بما فيها أسلحة الدمار الشامل النووية والبيولوجية والكيميائية. إجراء استفتاء شعبي تحت إشراف الأمم المتحدة في شبه جزيرة القرم ومنطقة دونباس، بما فيها لوغانسك ودونيتسك، بشأن رغبة مواطنيها في الانضمام إلى روسيا أو أوكرانيا. موافقة روسيا على انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي إذا رغبت في ذلك. عودة جميع أسرى الحرب واللاجئين إلى بلدانهم. إسقاط المطالبة بالتعويضات أو المحاكمة على جرائم الحرب لأي من الجانبين. إلغاء العقوبات المفروضة على روسيا، واستعادة الأصول المالية الروسية التي تم الاستيلاء عليها إلى أصحابها. مساهمة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في إعادة إعمار أوكرانيا. استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين روسيا وأوكرانيا، وبين روسيا وجميع دول الناتو. تعهد الولايات المتحدة وحلف الناتو بعدم التوسع شرقا، وعدم ضم أي دولة من الجمهوريات السوفياتية السابقة، مقابل عدم اعتراض روسيا على انضمام السويد، أو أي دولة أوروبية أخرى لا تقع على حدود روسيا إلى حلف الناتو. تفعيل اللجان والاتفاقيات الروسية الأوروبية/ الأميركية المشتركة لتعزيز الاستقرار والتعاون في شتى المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية والتكنولوجية.

موافقة الولايات المتحدة على رعاية هذه المبادرة تعني موافقة الاتحاد الأوروبي والناتو وموافقة أوكرانيا في وقت واحد، مما سيسمح لروسيا وأوكرانيا بالتفاعل الجدي معها

ضمانات نجاح المبادرة

البنود السابقة ليست نهائية، وإنما تم عرضها على سبيل المثال في ضوء ما يترتب على الأسس السابقة، من أجل إنجاح المبادرة، وهي لا تكفي بذاتها لتحقيق هذا النجاح، إذ لا بد أن تضع تركيا في اعتبارها الضمانة الوحيدة لإنجاح المبادرة، وهي الولايات المتحدة التي تعتبر الطرف الأول والأخير الذي ينبغي استمالته لدعمها، وهذا يعني ضرورة البدء بالتشاور معها، وأخذ موافقتها المبدئية على الفكرة، وإقناعها بالدخول كراع لها، باعتبار أن المرحلة التي وصلت إليها الحرب في أوكرانيا وما ترتب عليها، وما سيترتب في حال استمرارها، تقتضي من الولايات المتحدة أن تنتقل من قيادة الدعم العسكري لأوكرانيا حتى تحقيق النصر، إلى قيادة عملية إيقاف الحرب وإحلال السلام واستعادة الاستقرار، انطلاقا من المسؤولية الدولية التي تضطلع بها الولايات المتحدة، وانسجاما مع المبادئ التي تتبناها الإدارة الأميركية وتدعو إليها.

إن موافقة الولايات المتحدة على رعاية هذه المبادرة تعني موافقة الاتحاد الأوروبي والناتو وموافقة أوكرانيا في وقت واحد، مما سيسمح لروسيا وأوكرانيا بالتفاعل الجدي معها، وسيسمح للمبادرة بالنجاح في حل الأزمة واستعادة السلام والاستقرار.

إن الطريق أمام مبادرة من هذا النوع ليست مفروشة بالورود، وإنما تعترضها كثير من العقبات والتحديات، وربما تكون تركيا هي الطرف الأكثر حظا في القيام بهذا الدور، نظرا للاعتبارات التي سقناها في المقال السابق، وإذا كان الخبراء الإستراتيجيون يتوقعون لهذه الحرب أن تستمر لسنوات قادمة، فإن قضاء هذه السنوات في المفاوضات أفضل من قضائها في حرب استنزافية مفتوحة على كافة الاحتمالات، فهل تتحرك تركيا لتقوم بهذه المبادرة قبل فوات الأوان؟

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الاتحاد الأوروبی روسیا وأوکرانیا هذه المبادرة لحل الأزمة حل الأزمة

إقرأ أيضاً:

بوكروفسك على حافة السقوط.. روسيا تقترب من آخر خطوط الدفاع الأوكرانية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تصاعدت المعارك حول بوكروفسك، المدينة الاستراتيجية في شرق أوكرانيا، وسط تقدم القوات الروسية وتهديدها لآخر معاقل أوكرانيا في منطقة دونيتسك.

 في تصريح مثير للقلق، وصف رئيس أركان الجيش الأوكراني الجنرال أوليكساندر سيرسكي القتال بـ"الشرس للغاية"، مشيراً إلى ضرورة اتخاذ "قرارات غير تقليدية" للحفاظ على الدفاعات، وفق صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

وأظهرت صور الأقمار الصناعية والخرائط الميدانية، أن القوات الروسية باتت على بعد أقل من ثلاثة أميال من ضواحي بوكروفسك، مركز النقل الحيوي للجيش الأوكراني.

 كما شهدت القرى والمناطق المحيطة تقدمًا روسيًا متزايدًا، مما يهدد بانهيار آخر خطوط الدفاع الأوكرانية في جنوب دونيتسك.

ورغم غموض طبيعة الإجراءات التي أشار إليها الجنرال سيرسكي، الكثير من المحللين يشيرون إلى سجل القيادة الأوكرانية في تنفيذ هجمات مفاجئة، مثل تلك التي شهدتها خاركوف وكورسك، وقد تكون هذه القرارات محاولة لاستعادة زمام المبادرة في ظل تقدم روسي متسارع.

رسائل التصعيد من موسكو

في تصعيد جديد، أطلقت روسيا صاروخ "أوريشنيك" الباليستي متوسط المدى على أوكرانيا، في خطوة اعتبرتها ردًا على استخدام كييف لأنظمة الصواريخ التكتيكية الأمريكية، ورغم أن هذا الصاروخ لم يكن مسلحًا برأس نووي، فإن تهديد موسكو باستخدامه مجددًا يعكس تصعيدًا خطيرًا في الصراع.

ويحاول الروس إحكام سيطرتهم على طرق الإمداد الحيوية إلى بوكروفسك، مما يشكل تهديدًا مباشرًا لقدرة القوات الأوكرانية على الصمود. 

وتعد السيطرة على المدينة، التي تشكل عقدة مواصلات رئيسية، مفتاحًا لتوسيع السيطرة الروسية نحو دنيبروبيتروفسك وإحكام قبضتها على الجنوب الشرقي من أوكرانيا.

الأفق الغامض للمعركة

مع تقدم القوات الروسية بأسرع وتيرة منذ عام 2022، يواجه الجيش الأوكراني ضغوطًا متزايدة للحفاظ على مواقع استراتيجية حاسمة، وبينما تعكف موسكو على تعزيز مكاسبها قبل أي محادثات سلام مستقبلية، يبقى مصير بوكروفسك ودور القرارات "غير التقليدية" للقيادة الأوكرانية محورًا للأنظار في الأيام القادمة.

مقالات مشابهة

  • الصحافة الإيطالية تكشف عن إنشاء الولايات المتحدة التركية!
  • الخط التركي
  • أوكرانيا تبحث مع الولايات المتحدة دعم قدرات الأمن السيبراني
  • “مبارك الفاضل” يعلق على المبادرة التركية للوساطة بين السودان والإمارات 
  • شولتس يدلي بتصريحات بشأن الأزمة الأوكرانية
  • الأسطول الأسود.. الولايات المتحدة تعتزم فرض عقوبات ضد الصين لاضعاف روسيا
  • «الكرملين»: ندعم جهود رئيس الوزراء المجري الخاصة بتسوية الأزمة حول أوكرانيا
  • "الكرملين": ندعم جهود رئيس الوزراء المجري الخاصة بتسوية الأزمة حول أوكرانيا
  • روسيا على عتبة بوكروفسك: المدينة التي تهدد خطوط الإمداد الأوكرانية.. وزيلينسكي غير مستعد للمفاوضات
  • بوكروفسك على حافة السقوط.. روسيا تقترب من آخر خطوط الدفاع الأوكرانية