ما الذي يكشفه انهيار النظام السوري عن المنطقة العربية؟
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، وبعد هجوم خاطف لم يستغرق أكثر من أسبوعين، دخلت قوات المعارضة السورية إلى دمشق، وأعلنت نهاية نظام بشار الأسد. فرّ الرئيس وأسرته إلى جهة غير معروفة قبيل دخول المقاتلين إلى العاصمة.
يُعدُّ إسقاط نظام عائلة الأسد، الذي حكم سوريا نصف قرن، من أهم المنعطفات السياسية في تاريخ المنطقة العربية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وإنشاء دولة إسرائيل عام 1948.
يحتفي الكثيرون بسقوط الأسد، بينما يتساءل آخرون عما سيحدث لاحقًا في ظل تداخل القوى المحلية والدولية في الصراع السوري. يدرك الشعب السوري بوضوح ما يريد: حياة كريمة، واحترامًا، وفرصة لإسماع صوته.
علينا أن نراقبهم بتواضع وهم يبنون نظامًا جديدًا ومستقرًا في بلادهم، وأن نتوقف عن التفسيرات الغربية السطحية المتعلقة بالتحليلات حول طول اللحى ونظريات المؤامرة.
لكن من الضروري الآن التأمل في معنى القصة المدمرة لحكم سوريا وحربها الأهلية. لم يكن نظام الأسد فريدًا، ولم يكن من صنع مجموعة من الطغاة المحليين فحسب، بل كان نموذجًا للإرث الواسع للقوة القمعية التي مارستها الأنظمة العربية المتسلطة، والتي ألحقت الدمار بالمجتمعات العربية وأذلت شعوبها لعقود، بمساعدة قوى إقليمية ودولية وجماعات غير حكومية متنوعة.
إعلانكان نظام الأسد أطول نظام استبدادي في المنطقة العربية، يستند إلى الجيش، ويحظى بدعم خارجي، ويتمركز حول عائلة واحدة. وخلال فترة حكمه، دُمّرت سوريا، وتضرر اقتصادها، وفُككت هويتها الوطنية.
تفضح التجربة السورية السمات المشتركة للأنظمة الاستبدادية العربية، وهي سمات لا تزال سائدة ويجب اجتثاثها من مجتمعاتنا. وتشمل هذه السمات غياب التعددية الحقيقية والمساءلة من خلال مؤسسات تشاركية ذات مصداقية، إضافة إلى نظام حكم يستند إلى القمع العسكري، والوحشية الشرطية، والسجن الجماعي، والتعذيب الجسدي والنفسي، فضلًا عن القتل المنهجي.
كما تشمل هذه السمات التخطيط الاقتصادي المركزي الذي يعزز الفساد بين النخب السياسية والاقتصادية، مما يتيح لهذه الفئات الوصول إلى الثروات والموارد العامة على حساب عامة الشعب. وقد أدى ذلك إلى تفاوتات صارخة في مستويات المعيشة، وجودة الحياة بين المناطق المختلفة، مع وجود تركز مفرط للثروة في أيدي قلة من الأفراد.
أُسست هذه الأنظمة على يد قادة عسكريين مثل جمال عبدالناصر، بعد ثورة 1952 في مصر، ثم تسارعت الظاهرة عقب هزيمة العرب في 1967، وصعود الضباط العسكريين، مثل حافظ الأسد، للحكم في الدول العربية.
أثبت هؤلاء الضباط، الذين فرضوا أنفسهم حكامًا، أنهم عاجزون عن خوض الحروب بفاعلية، كما فشلوا في إدارة شؤون الحكم، بما في ذلك تقديم الخدمات الأساسية، وتحقيق الاستقرار السياسي، وضمان رفاهية المواطنين خلال عقود من حكمهم.
ونتيجة لذلك، عانى معظم العرب، باستثناء المقيمين في الدول النفطية الغنية، من تدهور مستمر منذ التسعينيات في التعليم والرعاية الصحية وفرص العمل، فضلًا عن نقص الغذاء والماء والكهرباء وغيرها من الاحتياجات الأساسية.
تشير استطلاعات الرأي في المنطقة مرارًا إلى أن نسبة صغيرة من العرب – معظمهم في دول النفط أو ضمن النخب الصغيرة في دول أخرى – يعيشون حياة مريحة، بينما لا يتمتع معظمهم لا بحقوق سياسية ولا بحياة مادية كريمة.
عبر القمع المنهجي، حولت الحكومات العربية مواطنيها إلى مستهلكين سلبيين، مجردين من أصواتهم وحقوقهم في التعبير، ومحرومين من القوة الاجتماعية والسياسية. وقد دفعت هذه الظروف العديد من المواطنين إما إلى البحث عن الهجرة أو إلى الهجرة الفعلية، بحثًا عن حياة أكثر كرامة وأمانًا.
إعلانتحت ضغط القمع، اتخذ المواطنون العرب ثلاثة مسارات رئيسية، فهناك من تحدى السلطة، سواء عبر الاحتجاج السلمي أو الانضمام إلى حركات معارضة، وهناك من اندمج في نظام الفساد الحكومي، محاولًا تحقيق مكاسب شخصية أو تأمين حياته، بينما لجأ آخرون إلى الانسحاب والانغلاق، باللجوء إلى مجموعات دينية أو قبلية أو أيديولوجية أصغر تمنحهم شعورًا بالأمان والانتماء، في مواجهة تهديدات الدولة أو الاحتلال الإسرائيلي أو القوى الأجنبية.
في مواجهة هذا الواقع، كانت الحركات الإسلامية، سواء المسلحة منها أو السلمية، هي أكبر التحديات التي واجهت النموذج العسكري القمعي.
في سوريا، عندما قوبلت الاحتجاجات السلمية باستخدام مفرط للعنف العسكري، الذي شمل إطلاق النار الحي، والقصف بالمدفعية، والاعتقالات الجماعية، تحوّلت الانتفاضة سريعًا إلى صراع مسلح داخلي. وأسفر هذا عن تفكك التماسك الوطني، وظهور جماعات مسلحة متعددة، وفتح المجال أمام التدخلات العسكرية والسياسية من قوى خارجية.
ما حدث في سوريا يجب أن يكون نذيرًا لكل الحكام المستبدين في المنطقة العربية. لا يمكن أن تستمر المنطقة على هذا النحو، دون شرعية شعبية مستمدة من دستور أو انتخابات نزيهة.
من خلال تجربتي كصحفي شاهد على أوضاع المجتمعات العربية على مدى نصف قرن، أستطيع أن أؤكد أنه لم يمر بلد عربي بالاختبارات الأربعة لبناء الدولة المستقرة: الشرعية، السيادة، المواطنة، والتنمية البشرية المستدامة.
سيكون من الحماقة تجاهل الإشارات القادمة من سوريا، والتي تُظهر بوضوح الإرادة الراسخة للمواطن العادي في العيش بحرية وكرامة، رغم كل أشكال القمع العسكري والاضطهاد السياسي. إنها إرادة صلبة لا يمكن قهرها، مهما كان حجم التحديات الداخلية والخارجية.
نحن مذنبون إذا تجاهلنا هذه الرسائل واستمررنا في دعم الأنظمة السياسية والاقتصادية الفاشلة التي خذلت شعوبها.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات المنطقة العربیة نظام ا
إقرأ أيضاً:
جدارية لـقيصر بسوريا بعد كشف هويته على الجزيرة
سوريا- "القيصر فريد المذهان هو الصوت الذي صدح ليكشف الإجرام، فحق علينا تخليده برسمة على جدار مدرسة"، بهذه الكلمات بدأ الفنان التشكيلي عزيز الأسمر حديثه. وقال للجزيرة نت "حتى لا تنساه الأجيال، وهو الذي وثّق وكشف بالصور قصص القتل والتعذيب والتجويع، التي كانت تُمارس بحق شعب خرج ليطالب بالحرية فتم اعتقاله وعُذب بالحديد والحمض الفوسفوري والتجويع والقتل".
و قال فنان الغرافيتي عزيز الأسمر إن لوحة المساعد أول فريد المذهان، أو من يعرف باسم قيصر، رُسمت على جدار مدرسي في مدينة بنش بإدلب، من أجل أن يعرف الطلاب أحد أهم الشخصيات التي مرت بالثورة السورية، والتي ساهمت في انتصار الثورة.
وأضاف أن قيصر هو من فضح نظام الأسد في المحافل الدولية، من خلال تسريبه صور آلاف المعتقلين الذين قتلوا تحت التعذيب في السجون.
وأشار إلى أن هذه الجدارية جاءت تكريما لقيصر ولكل الشخصيات التي ساندت الثورة، وضحّت بنفسها وعائلاتها من أجل دعم الثورة السورية، وساعدت في فضح إجرام عصابة الأسد وما فعلوه بحق شعب طالب بحريته.
وقال الفنان التشكيلي أنيس حمدون، للجزيرة نت، إن فريق "ريشة وطن" قدم رسم الجدارية كشكر للمساعد أول المذهان.
إعلان
المسالخ البشرية
وأضاف حمدون أن اسم قيصر أصبح أيقونة الثورة السورية بعد تسريب صور بها عشرات الآلاف من جثث حملت أرقاما من دون أسماء، في الوقت الذي تنتظر فيه الأمهات فلذات أكبادها للخروج من المعتقلات، بينما كانت هياكل أبنائهن العظمية ملقاة في أقبية المشافي العسكرية التي كانت عبارة عن مسالخ بشرية.
وبعد معرفة شخصية قيصر، الذي ظهر خلال لقاء خاص على قناة الجزيرة بعد هروب الأسد، وهو ابن درعا التي انطلقت منها شرارة الثورة السورية، كان لا بد من توجيه الشكر له لتضحيته ووضع نفسه وعائلته وأقاربه تحت الخطر والملاحقة وربما الموت من نظام لم يعرف للإنسانية قيمة أو خصوصية، يتابع حمدون.
وأشار الفنان التشكيلي إلى أن الفنانين خلال السنوات الماضية رسموا عديدا من الجداريات على المنازل المدمرة بفعل قصف الأسد من خلال الصور التي سربها قيصر، ومن خلالها استطاع العالم معرفة أن المعتقل يحمل رقما لا اسما.
واعتبر حمدون أن ظهور قيصر المفاجئ بشخصيته الحقيقية وصورته واسمه، بعد سنوات من إخفاء شخصيته خوفا من الاعتقال أو القتل له أو لأحد أفراد عائلته وأقاربه، هو تحد كبير، لذلك أراد هو وزملاؤه من الرسامين تخليد هذه الذكرى.
والقيصر هو أحد أهم الأركان التي فضحت جرائم نظام الأسد التي كانت تمارس بحق الشعب السوري في السجون والأفرع الأمنية والتي كان آخرها سجن صيدنايا، ويرى الفنان ذاته أن ما وثقه قيصر كان جزءا صغيرا من الحقيقة التي لا تزال معالمها مطموسة ولا يزال أكثر من 100 ألف معتقل مجهول المصير.
ووجه حمدون رسالة شكر للمساعد أول فريد المذهان من خلال هذه الرسمة على جدار مدرسة لتكون نبراسا للأجيال والأطفال وشاهدا أمامهم على شخصية أبرزت حقيقة نظام أجرم بحق الشعب السوري بالاعتقال والإخفاء القسري والتعذيب والقتل وإخفاء الجثث بمقابر جماعية.
إعلان