جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-17@01:11:51 GMT

الأحياء التخليقية وتغيير الإنسان

تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT

الأحياء التخليقية وتغيير الإنسان

 

 

أ.د. حيدر بن أحمد اللواتي **

 

إذا كان هناك شبه اتفاق على أنَّ المصلحة الإنسانية هي الحاكمة في إجراء تغييرات على أشكال الحياة المختلفة، فإنَّ هناك خلاف كبير حول السماح بإجراء تغييرات على الخارطة الجينية للإنسان، حتى وإن كان ذلك في مصلحته.

يقول أحد علماء الأحياء التخليقية في كتابه "Regenesis" بأنه يمكن إجراء التغييرات المطلوبة على جينوم الخلايا الجذعية للإنسان بحيث يكون الجينوم الجديد يُشابه أو يُماثل إنسان النياندرتال (الإنسان البدائي)، ومن ثم يمكن استنساخ النياندرتال بواسطة أم بديلة، هذا إذا رأت البشرية قيمة للتنوع البشري.

وكما نلاحظ فإنَّ هذا التنوع البشري ليس تنوعًا في الأعراق والأجناس بل هو تنوع في نوع الكائن البشري!

وقد يرى البعض أن هذا التنوع له أضرار بليغة وليست له فوائد تُذكر، ولكن ماذا لو أننا قمنا بانتقاء جينات مُعينة من إنسان النياندرتال وأضفناها إلى جينياتنا لحل بعض التحديات الصحية، فمن المعلوم أن النياندرتال كان يمتلك عظامًا قوية وصلبة للغاية، واليوم تُعاني الكثير من النساء مع تقدم العمر من مرض هشاشة العظام، ألا يمكن الاستعانة بجينات النياندرتال لحل هذا التحدي. وهنا لا بُد من التوضيح أننا سنقوم بتغيير في الخلايا الجنسية للبشر، ولذا فإن هذا التغير هو تغير سيرثه أبناؤنا فيما بعد.

قد يطرح البعض بأن ذلك سيولِّد آثارًا سلبية أخرى، وهذا ممكن بل سيحصل قطعًا، ولكن لنفترض أن الإيجابيات أكثر بكثير من السلبيات، فهل يصح لنا القيام بذلك؟ وهل هناك تجاوزات أخلاقية لأنَّ ذلك يُعد تغييرًا حقيقيًا في الطبيعة البشرية؟!

بالمقابل هل هناك حرج من تغيير الطبيعة البشرية؟ بحيث يصبح الإنسان أكثر قوة وصلابة في مواجهة الأمراض المختلفة، فنحن لا نجد حرجًا في معالجة الإنسان من المرض، فلماذا التحرج من وقايته من تلك الأمراض، بأن يتم تغيير جيناته بحيث تصبح أكثر قدرة على مواجهة تلك الأمراض؟

وإذا كان ذلك أمراً لا حرج فيه، لننتقل إلى خطوة أكثر جرأة، ونتساءل ماذا عن محاولة تحسين صورته وإضفاء بعض لمسات الجمال عليه، فمثلًا يمكن للأبوين اختيار لون العينين اللذين يرغبان به لولديهما.

هناك بحوث مستمرة- وإن كانت تواجه تحديات كبيرة- عن الذكاء وربطه بالخارطة الجينية، كما إن هناك بحوث حول إطالة عمر الإنسان وهي محاولات جادة وواعدة، فهل يحق للبشر هندسة الإنسان وتطويره بحيث يمكنه العيش فترات أطول وبصحة أفضل؟

وهناك بحوث جريئة وخطيرة فقد تم وبنجاح إنتاج فئران من ذكرين من الفئران ودون الحاجة إلى بويضة أنثى، وذلك بتحويل الخلايا الجذعية من أحد الفئران الذكور إلى بويضة وتلقيح تلك البويضة بالحيوان المنوي، وقد نشر البحث في مجلة "نيتشر" العالمية ذائعة الصيت وأشارت المجلة بأن تطبيق التقنية على البشر لازال يواجه الكثير من التحديات والصعوبات.

إنَّ البحث العلمي الأخير يُشير إلى توجهات خطيرة تنحو إليها هذه البحوث فهذا يعني أن فكرة الإنجاب من الشواذ جنسيًا فكرة مُمكِنة، وربما ينجح البحث العلمي مستقبلًا أن ينحو هذا المنحى الخطير إذا لم توضع ضوابط قانونية.

كما إن هناك بحوثًا أخرى حول تطوير جنين في مختبر؛ وذلك بهدف فهم آلية تكون الجنين بصورة مفصلة، وعلى الرغم من أن القوانين في أغلب الدول تفرض قيودًا مشددة على هذا النوع من البحوث العلمية، وهذه القيود قائمة في بعض الدول على فكرة أخلاقية مفادها أنه لا يحق للأبوين التحكم بالجنين وإجراء تغييرات جينية على خارطته الجينية بهدف تحسين قدراته أو إضفاء لمسات جمالية على جسده.

كما إن أغلب الدول تسمح بعمل هذا النوع من الدراسات على ألا تمتد مدة تكوين الجنين 14 يومًا، وبعد ذلك يجب القضاء على الجنين المتوَلِّد.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل هذا الموقف هو موقف مبدأي لن يتغير حتى مع تطور التقنيات والتحقق من سلامتها وأمنها؟ أم أن التحريم لأسباب أخرى مثل المخاطر المرتبطة بالتقنيات والخوف من الآثار السلبية؟

فإذا تطورت التقنيات بصورة كبيرة، فإن الموقف سيتغير وسيُسمح للوالدين بهندسة أطفالهما والحصول على أطفال حسب طلبهما!

هناك شركة صينية تعرف بمجموعة BGI تقوم بجمع الخارطة الجينية لملايين البشر، وتحاول من خلال قراءة الشفرات الوراثية للخرائط الجينية أن تتعرف على الشفرات الوراثية المشتركة التي تتواجد في الرياضيين والعلماء والعباقرة، وتدّعي الشركة بأنها قادرة على تعزيز ذكاء الطفل من خلال إجراء تغييرات بسيطة على خارطته الجينية لمستوى يصل الى ارتفاع عشرين نقطة في اختبار مستوى الذكاء (IQ test).

ومن هنا، يرى البعض بأن الصين من أكثر الدول المهيأة للسماح في المستقبل القريب الى اجراء عمليات تحسين وتعزيز للخارطة الجينية للصينيين، لأسباب عدة، من أهمها ضعف الثقافة الدينية عندهم مقارنة بالدول الغربية، كما إن الصينين وحسب معتقداتهم وفلسفاتهم القديمة، يعتقدون بأن الحياة تنمو في الكائن الحي بعد ولادته وليس قبل ذلك، ولذا فالتلاعب بالجينات للأجنة أمر لا حرج فيه من الناحية الأخلاقية.

هذا إضافة الى الطموح الكبير الذي يمتلكهم، كما إن الصين تتميز بتوفر الأرضية والإمكانات اللازمة، وإذا حدث أمر كهذا فإنَّ ذلك سيدفع الخصوم السياسيين الى إجراءات شبيهة وتخفيف القيود على مثل هذه العمليات، وبذلك سنشهد صراعًا من نوع جديد، صراعاً نحو تصنيع إنسان بإمكانات جسدية وعقلية غير مسبوقة!

للحديث بقية.

** سلسة من المقالات عن تاريخ علوم الحياة وحاضرها وفلسفتها والتقنيات القائمة عليها

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أطلق “صندوق رؤية مكة العقاري”.. “الأحياء المطورة”: بدء استقبال طلبات صرف تعويضات المُلاك بموقع الكدوة

أطلق برنامج “الأحياء المطورة”، أحد برامج الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، بدعم وتمكين من اللجنة الوزارية لمعالجة وضع الأحياء العشوائية بمدينة مكة المكرمة، صندوق “رؤية مكة العقاري”، وأعلن البدء باستقبال طلبات تعويضات مُلاك العقارات “المستوفية للإجراءات” بموقع الكدوة المقدرة بإجمالي 7 مليارات ريال.
ويتيح الصندوق خيارين للتعويضات المقدمة للمُلاك: إما المساهمة بحصة في مشروع التطوير، أو استلام التعويض نقدًا.
ويقدم البرنامج حلولًا شاملة، تعالج الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصحية للسكان، وتسهم في معالجة الخلل السكّاني الناتج عن المخالفات المتعلقة بأنظمة الإقامة والعمل.
كما يسعى إلى تحفيز النشاط الاستثماري؛ لتحقيق التنمية الاقتصادية عبر دمج هذه المواقع ضمن خطط التطوير العقاري، وإشراك القطاع الخاص في عمليات التطوير، إضافة إلى وضع آليات فعّالة للحد من ظهور مواقع غير منظمة، ووقف التوسع العشوائي في المناطق القائمة.
ويدعو البرنامج ملاك العقارات المستحقة للتعويض في موقع الكدوة لاستكمال إجراءات الصرف “بتوفير إفادات الصندوق العقاري، وصندوق التنمية الزراعية، وبنك التنمية الاجتماعية، ومخالصات شركتي الكهرباء والمياه – لكل مالك وإن تعدد الورثة”، ومن ثم حجز موعد بدءًا من اليوم الثلاثاء 15 إبريل 2025م، إما إلكترونيًا عبر الرابط: www.rcmc.gov.sa/e-services أو الهاتف الموحد “8001000041”، للحصول على التعويضات بحصص المساهمة، أو استلام القيمة النقدية.
وأكّد برنامج الأحياء المطورة التزامه بصرف التعويضات للدفعات المجدولة فور الانتهاء من الإجراءات النظامية، وذلك وفق إطار زمني، يضمن حصول جميع الملاك على حقوقهم بكل يسر وسهولة.

مقالات مشابهة

  • الحوثيون يحولون الأحياء السكنية بمدينة الحديدة إلى ثكنات عسكرية
  • حصرت المئات خارج المقابر..  لجنة نقل الجثث من الأحياء السكنية في أم درمان تباشر عملها
  • محمد صلاح: إذا كان هناك من سيدفع لـ عبد الله السعيد أكثر من الزمالك فليرحل
  • وزير الصحة يشهد توقيع خطاب نوايا مع أسترازينيكا لتوطين الاختبارات الجينية المتقدمة
  • نهاية أبريل.. موعد تطبيق التوقيت الصيفي 2025 في مصر وتغيير الساعة
  • مطالب برلمانية بإبرام شراكة مع القطاع الخاص لإنشاء إقامات جديدة في الأحياء الجامعية
  • فريق الأحرار: فرق كبير في جودة خدمات الأحياء الجامعية.. حي السويسي ليس هو أحياء مدن أخرى!
  • أطلق “صندوق رؤية مكة العقاري”.. “الأحياء المطورة”: بدء استقبال طلبات صرف تعويضات المُلاك بموقع الكدوة
  • «برجيل» تُطلق مركزاً للأمراض الجينية والنادرة
  • برجيل القابضة تُطلق مركزًا للأمراض الجينية والنادرة للرعاية الشاملة والمتكاملة للمرضى في الدولة والمنطقة