جريدة الرؤية العمانية:
2024-12-12@02:07:55 GMT

الأحياء التخليقية وتغيير الإنسان

تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT

الأحياء التخليقية وتغيير الإنسان

 

 

أ.د. حيدر بن أحمد اللواتي **

 

إذا كان هناك شبه اتفاق على أنَّ المصلحة الإنسانية هي الحاكمة في إجراء تغييرات على أشكال الحياة المختلفة، فإنَّ هناك خلاف كبير حول السماح بإجراء تغييرات على الخارطة الجينية للإنسان، حتى وإن كان ذلك في مصلحته.

يقول أحد علماء الأحياء التخليقية في كتابه "Regenesis" بأنه يمكن إجراء التغييرات المطلوبة على جينوم الخلايا الجذعية للإنسان بحيث يكون الجينوم الجديد يُشابه أو يُماثل إنسان النياندرتال (الإنسان البدائي)، ومن ثم يمكن استنساخ النياندرتال بواسطة أم بديلة، هذا إذا رأت البشرية قيمة للتنوع البشري.

وكما نلاحظ فإنَّ هذا التنوع البشري ليس تنوعًا في الأعراق والأجناس بل هو تنوع في نوع الكائن البشري!

وقد يرى البعض أن هذا التنوع له أضرار بليغة وليست له فوائد تُذكر، ولكن ماذا لو أننا قمنا بانتقاء جينات مُعينة من إنسان النياندرتال وأضفناها إلى جينياتنا لحل بعض التحديات الصحية، فمن المعلوم أن النياندرتال كان يمتلك عظامًا قوية وصلبة للغاية، واليوم تُعاني الكثير من النساء مع تقدم العمر من مرض هشاشة العظام، ألا يمكن الاستعانة بجينات النياندرتال لحل هذا التحدي. وهنا لا بُد من التوضيح أننا سنقوم بتغيير في الخلايا الجنسية للبشر، ولذا فإن هذا التغير هو تغير سيرثه أبناؤنا فيما بعد.

قد يطرح البعض بأن ذلك سيولِّد آثارًا سلبية أخرى، وهذا ممكن بل سيحصل قطعًا، ولكن لنفترض أن الإيجابيات أكثر بكثير من السلبيات، فهل يصح لنا القيام بذلك؟ وهل هناك تجاوزات أخلاقية لأنَّ ذلك يُعد تغييرًا حقيقيًا في الطبيعة البشرية؟!

بالمقابل هل هناك حرج من تغيير الطبيعة البشرية؟ بحيث يصبح الإنسان أكثر قوة وصلابة في مواجهة الأمراض المختلفة، فنحن لا نجد حرجًا في معالجة الإنسان من المرض، فلماذا التحرج من وقايته من تلك الأمراض، بأن يتم تغيير جيناته بحيث تصبح أكثر قدرة على مواجهة تلك الأمراض؟

وإذا كان ذلك أمراً لا حرج فيه، لننتقل إلى خطوة أكثر جرأة، ونتساءل ماذا عن محاولة تحسين صورته وإضفاء بعض لمسات الجمال عليه، فمثلًا يمكن للأبوين اختيار لون العينين اللذين يرغبان به لولديهما.

هناك بحوث مستمرة- وإن كانت تواجه تحديات كبيرة- عن الذكاء وربطه بالخارطة الجينية، كما إن هناك بحوث حول إطالة عمر الإنسان وهي محاولات جادة وواعدة، فهل يحق للبشر هندسة الإنسان وتطويره بحيث يمكنه العيش فترات أطول وبصحة أفضل؟

وهناك بحوث جريئة وخطيرة فقد تم وبنجاح إنتاج فئران من ذكرين من الفئران ودون الحاجة إلى بويضة أنثى، وذلك بتحويل الخلايا الجذعية من أحد الفئران الذكور إلى بويضة وتلقيح تلك البويضة بالحيوان المنوي، وقد نشر البحث في مجلة "نيتشر" العالمية ذائعة الصيت وأشارت المجلة بأن تطبيق التقنية على البشر لازال يواجه الكثير من التحديات والصعوبات.

إنَّ البحث العلمي الأخير يُشير إلى توجهات خطيرة تنحو إليها هذه البحوث فهذا يعني أن فكرة الإنجاب من الشواذ جنسيًا فكرة مُمكِنة، وربما ينجح البحث العلمي مستقبلًا أن ينحو هذا المنحى الخطير إذا لم توضع ضوابط قانونية.

كما إن هناك بحوثًا أخرى حول تطوير جنين في مختبر؛ وذلك بهدف فهم آلية تكون الجنين بصورة مفصلة، وعلى الرغم من أن القوانين في أغلب الدول تفرض قيودًا مشددة على هذا النوع من البحوث العلمية، وهذه القيود قائمة في بعض الدول على فكرة أخلاقية مفادها أنه لا يحق للأبوين التحكم بالجنين وإجراء تغييرات جينية على خارطته الجينية بهدف تحسين قدراته أو إضفاء لمسات جمالية على جسده.

كما إن أغلب الدول تسمح بعمل هذا النوع من الدراسات على ألا تمتد مدة تكوين الجنين 14 يومًا، وبعد ذلك يجب القضاء على الجنين المتوَلِّد.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل هذا الموقف هو موقف مبدأي لن يتغير حتى مع تطور التقنيات والتحقق من سلامتها وأمنها؟ أم أن التحريم لأسباب أخرى مثل المخاطر المرتبطة بالتقنيات والخوف من الآثار السلبية؟

فإذا تطورت التقنيات بصورة كبيرة، فإن الموقف سيتغير وسيُسمح للوالدين بهندسة أطفالهما والحصول على أطفال حسب طلبهما!

هناك شركة صينية تعرف بمجموعة BGI تقوم بجمع الخارطة الجينية لملايين البشر، وتحاول من خلال قراءة الشفرات الوراثية للخرائط الجينية أن تتعرف على الشفرات الوراثية المشتركة التي تتواجد في الرياضيين والعلماء والعباقرة، وتدّعي الشركة بأنها قادرة على تعزيز ذكاء الطفل من خلال إجراء تغييرات بسيطة على خارطته الجينية لمستوى يصل الى ارتفاع عشرين نقطة في اختبار مستوى الذكاء (IQ test).

ومن هنا، يرى البعض بأن الصين من أكثر الدول المهيأة للسماح في المستقبل القريب الى اجراء عمليات تحسين وتعزيز للخارطة الجينية للصينيين، لأسباب عدة، من أهمها ضعف الثقافة الدينية عندهم مقارنة بالدول الغربية، كما إن الصينين وحسب معتقداتهم وفلسفاتهم القديمة، يعتقدون بأن الحياة تنمو في الكائن الحي بعد ولادته وليس قبل ذلك، ولذا فالتلاعب بالجينات للأجنة أمر لا حرج فيه من الناحية الأخلاقية.

هذا إضافة الى الطموح الكبير الذي يمتلكهم، كما إن الصين تتميز بتوفر الأرضية والإمكانات اللازمة، وإذا حدث أمر كهذا فإنَّ ذلك سيدفع الخصوم السياسيين الى إجراءات شبيهة وتخفيف القيود على مثل هذه العمليات، وبذلك سنشهد صراعًا من نوع جديد، صراعاً نحو تصنيع إنسان بإمكانات جسدية وعقلية غير مسبوقة!

للحديث بقية.

** سلسة من المقالات عن تاريخ علوم الحياة وحاضرها وفلسفتها والتقنيات القائمة عليها

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

سجن صيدنايا.. معتقلون يكشفون فظائع "مشرحة الأحياء"

يقول سجناء سابقون إنه لا يوجد أي بناء آخر في سوريا المدمرة بالحرب يرمز إلى فظائع النظام السوري أكثر من سجن صيدنايا، لدرجة أنهم أطلقوا عليه اسم "المسلخ" أو "مشرحة الأحياء".

وهناك، يقال إن ضباطاً من حكومة بشار الأسد كانوا يعذبون ويقتلون، على "نطاق واسع للغاية".

وقبل بشار، كان والده حافظ الأسد يسجن الناس هناك في ظروف قاسية، حسبما يقول السجناء السابقون.

فيديو.. العثور على "مكبس" لإعدام معتقلين في سجن صيدنايا - موقع 24بث نشطاء سوريون مقطع فيديو جديد يكشف تفاصيل جديدة حول سجن صيدنايا، الذي ارتبط اسمه بالمعاملة الوحشية للمعتقلين داخله.

والآن، بعد الهجوم السريع من قبل الفصائل المسلحة، بقيادة ما تعرف بـ"هيئة تحرير الشام"، تم إطلاق سراح آلاف الأشخاص من صيدنايا، وهم يروون الفظائع التي عايشوها.

ويقدر عمال الدفاع المدني من "الخوذ البيضاء" أن ما بين 20 ألفا و 50 ألف سجين تم إنقاذهم من المبنى الواقع شمال العاصمة دمشق في يوم واحد فقط.

ومن المحتمل أن يكون قد تم احتجاز ما يصل إلى 150 ألف شخص هناك، ولا يزال العديد منهم مفقودين.

شاهد| العثور على "الباب السري" في سجن صيدنايا السوري - موقع 24نشر ناشطون سوريون فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، الاثنين، قالوا إنه يظهر لحظة العثور على باب لزنازين سرية داخل سجن صيدنايا قرب دمشق.

 وبعد سقوط النظام السوري، ظهرت تفاصيل جديدة عن الظروف في صيدنايا، حيث تقدر "الخوذ البيضاء" أن ما بين 50 إلى 100 شخص ربما تم إعدامهم يومياً، ثم حرقهم في الأفران.

بالنسبة للعائلات، بدأ بحث محموم عن أي أثر لأقاربهم المسجونين أو المفقودين، الذين لم يسمعوا عنهم منذ سنوات أو عقود.

وكان محمد عبد العزيز، الذي جاء من حلب إلى دمشق، يبحث عن والده في صيدنايا، عندما اعتقلته قوات الأمن في عام 2000، وكان محمد آنذاك في الـ7 من عمره.

تركيا تشارك في إنقاذ محتجزين من سجون سوريا - موقع 24قالت المعارضة السورية المتمركزة في تركيا اليوم الإثنين، إن أنقرة تشارك في إنقاذ المعتقلين من السجون السورية، بما في ذلك سجن صيدنايا السيئ السمعة.

وقال: "كنا نبحث عن بارقة أمل ولكن دون جدوى"، ويقيم بعض الذين يعودون خاليي الوفاض من السجون جنازات وطقوساً تذكارية رمزية لأقاربهم، الذين يحتمل أنهم فقدوا إلى الأبد، وفقاً لشهود عيان.

مقالات مشابهة

  • منسق أممي: هناك أكثر من 17 مليون سوري يحتاجون إلى مساعدات
  • سوريا الجديدة.. مستقبل غامض وتغيير مستمر
  • سجن صيدنايا.. معتقلون يكشفون فظائع "مشرحة الأحياء"
  • الكيان الصهيوني يتوسع في سوريا: تهديد استراتيجي وتغيير في معادلات المنطقة
  • بتقنية "crispr".. المملكة توقع اتفاقية لتوطين العلاجات الجينية
  • المملكة تعلن عن اتفاقية إستراتيجية لتوطين العلاجات الجينية والخلوية بتقنية “CRISPR”
  • انحسار الغاز وتذبذب الكهرباء الإيرانية يشلّ الأحياء الصناعية في ديالى (صور)
  • ‏مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان: هناك فرصة هائلة لحوار شامل في سوريا
  • ترامب: عدد المختطفين الأحياء في غزة أقل بكثير مما تتوقع إسرائيل