من لائحة الإرهاب إلى كرسي الحكم.. من هو أحمد الشرع الجولاني؟ (بروفايل)
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
أحمد الشرع، المعروف أكثر باسم "أبو محمد الجولاني"، هو زعيم هيئة تحرير الشام، التنظيم الذي كان في الأصل يُعرف بجبهة النصرة، والتي نشأت من تنظيم القاعدة في سوريا. في السنوات الأخيرة، أصبح الجولاني أحد أبرز قادة المعارضة المسلحة في سوريا، وعُرف بلعب دور رئيسي في الصراع الذي اندلع منذ عام 2011.
بدايات الجولاني وتحوله
ولد أحمد الشرع في عام 1982 في حي المزة بدمشق لعائلة ميسورة.
مع بداية الثورة السورية عام 2011، تم إرسال الجولاني إلى سوريا من قبل الزعيم السابق لتنظيم القاعدة، أبو بكر البغدادي، لتأسيس فرع جديد للتنظيم في سوريا تحت اسم "جبهة النصرة". سرعان ما أصبح الجولاني أحد الأسماء البارزة في الساحة السورية، حيث قاد جبهة النصرة في معارك ضد النظام السوري، وفرض نفسه كأحد قادة الثورة المسلحة.
وفي عام 2013، اختار الجولاني تحدي أوامر البغدادي ورفض دمج جبهة النصرة مع تنظيم داعش. هذا القرار جعله في مواجهة مع داعش، وكان له دور رئيسي في القضاء على العديد من المنظمات المعارضة في سوريا. ورغم تمسكه بالإيديولوجية الجهادية، أظهر الجولاني استعدادًا للانفصال عن القاعدة في 2016، حيث أعلن عن تأسيس هيئة تحرير الشام، وهي خطوة تهدف إلى تقوية سلطته وتوسيع نفوذه على الجماعات المسلحة في شمال غرب سوريا.
محاولة التغيير والصورة المعتدلة
منذ انفصاله عن القاعدة، سعى الجولاني إلى تغيير صورته من زعيم جهادي متطرف إلى شخصية أكثر اعتدالًا. في 2021، صرح الجولاني بأن هيئة تحرير الشام لا تشكل تهديدًا للغرب، موضحًا أن العقوبات المفروضة عليها غير عادلة. كما تحدث عن ضرورة الحفاظ على الأمن في المناطق التي تسيطر عليها الهيئة، بما في ذلك تأكيده على حماية الأقليات في المناطق مثل حلب.
ومع بداية الهجوم على دمشق في أواخر نوفمبر 2023، بدأ الجولاني في استخدام اسمه الحقيقي أحمد الشرع بدلًا من اسمه الحركي "أبو محمد الجولاني"، مما يوضح سعيه للتخلص من صورة المتطرف. كما عمد إلى ارتداء زي عسكري أو مدني بدلًا من العمامة البيضاء التي كان يرتديها في بدايات الحرب.
الهيئة في سوريا وأداءها
هيئة تحرير الشام، بقيادة الجولاني، تسيطر اليوم على محافظة إدلب، وهي آخر معقل رئيسي للمعارضة السورية المسلحة. ورغم أن الهيئة قد حصلت على دعم شعبي في بعض الأوساط، إلا أن هناك العديد من الانتقادات حول سجلها في مجال حقوق الإنسان، حيث اتُهمت بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد الأقليات الدينية والعرقية في مناطق سيطرتها. على الرغم من محاولات الجولاني تحسين صورته من خلال خطاباته، إلا أن هناك شكوكًا كبيرة حول ما إذا كان يمكن للهيئة أن تصبح منظمة معتدلة تتسامح مع الأقليات.
يظل أحمد الشرع أو الجولاني شخصية مثيرة للجدل في سوريا والعالم. بين الماضي المتطرف والتوجهات الجديدة، يحاول الجولاني تقديم نفسه كقائد براغماتي يسعى للسيطرة على الأراضي السورية وإعادة تشكيل هويته السياسية. بينما تستمر العمليات العسكرية ضد النظام السوري، يظل الجولاني محط أنظار العالم في ظل التغيرات الكبيرة التي يشهدها الوضع السوري.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: أحمد الشرع أبو محمد الجولاني جبهة النصرة تنظيم القاعدة هيئة تحرير الشام سوريا المعارضة السورية القتال البغدادي داعش شمال غرب سوريا التغيير حقوق الإنسان انتهاكات أدلب الأقليات معقل المعارضة الحرب السورية التطرف قادة الثورة القضايا السورية تحریر الشام أحمد الشرع فی سوریا
إقرأ أيضاً:
على الغرب أن يرفع عقوبات سوريا الآن
ترجمة: أحمد شافعي -
لم تحظ خطط البنتاجون غير المعلنة مسبقا بسحب القوات الأمريكية البالغ عددها ألفي فردا من شرقي سوريا إلا باهتمام ضئيل الأسبوع الماضي، بعد أن طغى عليها عرض البانتومايم السريالي الذي قام به دونالد ترامب بشأن غزة. ومن المعروف أن هذه القوات الأمريكية تساعد القوات الكردية السورية في احتواء بقايا الخطر الذي يمثله الجهاديون التابعون للدولة الإسلامية المعتقل منهم تسعة آلاف فرد في معسكرات اعتقال. والخوف في حالة رحيل الولايات المتحدة يتمثل في أن يحدث هروب جماعي يؤدي بمرور الوقت إلى تجدد خطر الدولة الإسلامية الإرهابي على أوروبا وبريطانيا والغرب.
يمثل الانسحاب الأمريكي المقترح قطعة واحدة من قطع أحجية الصورة السورية المعقدة التي تتحدى الأصدقاء والخصوم على السواء في أعقاب ما جرى في ديسمبر من إطاحة بدكتاتورية بشار الأسد. خلافا لترامب، تريد تركيا والمملكة العربية السعودية ودول الخليج ـ المتنافسة جميعا على النفوذ ـ زيادة انخراطها في سوريا وليس تقليله. وتريد أوروبا دولة ديمقراطية مستقرة يمكن أن يرجع إليها اللاجئون آمنين. ولا ترى إسرائيل ـ التي تعاني من جنون عظمة عدواني ـ إلا أخطارا محتملة، في حين تسعى روسيا وإيران المهزومتان إلى استعادة موطئ قدم.
ووسط كل ذلك ثمة أحمد الشرع، مقاتل القاعدة السابق وزعيم هيئة تحرير الشام الإسلامية التي أطاحت بالأسد، والمعين حديثا رئيسا مؤقتا لسوريا. ويتوقف عليه ـ بدرجة غير مريحة ـ مستقبل هذا البلد المقسم الخرب. ومن حوله تعاد صياغة جغرافيا الشرق الأوسط السياسية وتوازن القوى على نحو جذري.
وثمة سؤال واحد يهيمن الآن. لقد كان سقوط الأسد خبرا سعيدا في منطقة يعز فيها الأمل. فهل الفرصة التي تسنح بسبب هذه الثورة الشعبية معرضة الآن لخطر الزوال؟
في لقاءين مع الرئيس التركي رجب طيب أردوجان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قال الشرع إن أولوياته هي حماية سلامة الأراضي السورية، وتوحيد الفصائل المتنافسة في جيش وطني، وتكوين إدارة شاملة منتخبة، وإعادة البناء بعد ثلاثة عشر عاما من الحرب الأهلية. وهذه مهمة هائلة الضخامة، والشرع يفتقر إلى الخبرة. ويتشكك البعض في تخليه عن جذوره. غير أن مساعدته ـ في ظل غياب أي بدائل جيدة ـ مقامرة يجب أن يقبلها قادة المنطقة.
وإردوجان ـ الذي ساعد هيئة تحرير الشام في قاعدة إدلب ـ له أولوياته الأنانية. فهو يرجو أن يفرض نفوذا بعيد الأمد على ممتلكاته العثمانية السابقة. ويريد للملايين الثلاثة من النازحين السوريين إلى تركيا أن يرجعوا إلى وطنهم، فضلا عن عقود إعادة الإعمار المربحة. وفوق ذلك كله يريد إنهاء ما يراه خطرا إرهابيا كرديا.
ويأتي اقتراح الشرع بدمج المقاتلين الأكراد السوريين ـ المجتمعين في (القوات الديمقراطية السورية) المدعومة أمريكيا ـ في جيشه الوطني الجيد ملائما لتركيا. ولا يميز إردوجان بين (القوات الديمقراطية السورية) وحزب العمال الكردستاني المحظور الذي يخوض تمردا في جنوب شرق تركيا منذ ثمانينيات القرن الماضي. وتحتل قوات تركية مناطق من شمالي سوريا. وترعى أنقرة الجيش الوطني السوري ـ وهو عبارة عن ميلشيات عربية متفرقة تتصادم بين الحين والآخر مع (القوات الديمقراطية السورية).
تزعم تركيا أنها قادرة على قيادة القتال ضد الدولة الإسلامية، ولذلك فلا حاجة لمواصلة قوات أمريكية التعاون مع أكراد سوريا، وذلك طرح مشكوك فيه. ولكن هذا الغرور [التركي] يروق لترامب الذي سعى ولم ينجح في سحب القوات الأمريكية خلال ولايته الأولى. ويقول ترامب الآن ـ بقصر نظر ـ إن سوريا "ليست معركتنا". وصحيح أن قرار الولايات المتحدة بالتخلي عن حلفائها الأكراد يزيل مصدر إزعاج رئيسيا في العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا.
ولكن هناك عقبة ــ بل عدة عقبات في واقع الأمر. فأكراد سوريا يفضلون ـ على نحو مفهوم ـ الاحتفاظ بالحكم الذاتي الذي اكتسبوه بشق الأنفس في روج آفا. ولا يريدون استيعابهم في جيش تديره ميليشيات الشرع، التي كان بينهم وبينها قتال ذات يوم. وليست لهم أي مصلحة في مساعدة تركيا على سحق الحلم البعيد العزيز القديم بتقرير المصير الوطني في المناطق ذات الأغلبية الكردية في سوريا والعراق وإيران وتركياـ حتى لو كان زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان مستعدا للاستسلام كما تردد.
مرة أخرى، تواجه القضية الكردية نقطة تحول ــ وتخاطر بتصادم مع دمشق وأنقرة في آن واحد.
وقد يسعد لاعبون إقليميون آخرون برؤية الشرع فاشلا. فقد استغلت إسرائيل الفوضى المحيطة بسقوط الأسد في تدمير القوات المسلحة السورية. كما رسخت احتلالها لمرتفعات الجولان. وبرغم دعوات الشرع إلى التعايش السلمي، تظل إسرائيل مستريبة فيه بشدة وحليفه أردوجان الداعم لحماس الذي يعد خصما محتملا في المستقبل. والواقع أن سوريا، الضعيفة، وإن لم تكن فوضوية، تناسب أغراض إسرائيل.
ولا تزال روسيا وإيران، داعمتا الأسد السابقتان، كامنتين تتربصان. فبعد انسحابها في ديسمبر، تتحدث طهران عن إعادة بناء النفوذ عبر الباب الخلفي، باستخدام "خلايا المقاومة" والشبكات السرية. وفي الوقت نفسه، تتفاوض روسيا بلا خجل من أجل الاحتفاظ بقاعدتيها العسكريتين. وفي محادثات جرت الشهر الماضي مع الشرع، الذي أمضى فلاديمير بوتن عقدا من الزمان وهو يحاول قتله، قيل للدبلوماسيين الروس إن موسكو "يجب أن تعالج أخطاء الماضي". وطالب الشرع أيضا بإعادة الأسد من موسكو لمواجهة العدالة. لكنه كان حريصا على ألا يحرق جسوره مع روسيا. والواقع أن القوى الغربية تنبهت لذلك.
يواجه الشرع مشاكل أخرى لا حصر لها، منها كيفية المضي قدما في "الحوار الوطني" والتحرك نحو الانتخابات الموعودة، وضمان حماية حقوق الأقليات ضمانا فعليا، وإعادة بناء المؤسسات الوطنية في أرض ممزقة لا يسيطر على معظمها سيطرة ملموسة. وذلك بحق أمر شاق. ومهما يكن سجل الشرع السابق، فإنه والشعب السوري بحاجة إلى المساعدة في الوقت الحاضر، لأن تكلفة الفشل، إذا ما قيست بتجدد الفوضى وسوء التحالفات، قد تكون باهظة.
ولهذا السبب فإن مشكلة رئيسية أخرى ـ هي التأخر غير المبرر في رفع العقوبات الغربية المفروضة في عهد الأسد ـ تعد ضارة للغاية ومدمرة للذات. فعلى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، بل وأميركا في عهد ترامب، أن تتوقف عن المراوغة، وعن حساب المزايا، وأن تفتح بالكامل منافذ المساعدات المالية والتجارية والأمنية وإعادة الإعمار، بالتعاون مع الشركاء المحليين والدول العربية. فالفرصة نادرة لتحويل الأخبار الجيدة إلى قصة نجاح دائمة وخدمة للمصالح الغربية من خلال بناء سوريا صديقة ومزدهرة ومتسامحة وديمقراطية.
هي فرصة لا تتكرر إلا مرة في كل جيل. ولن تسنح مرة أخرى. ويمكن بسهولة أن تضيع.
• سيمون تيسدال معلق في الشؤون الخارجية بصحيفة أوبزرفر.
** عن ذي جارديان البريطانية