السقوط السوري والتلافي السوداني
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
السقوط السوري والتلافي السوداني
خالد فضل
صحيح سقط نظام عائلة الأسد في سوريا بإذاعة بيان المعارضة من خلال التلفزيون الرسمي الحكومي، لأول مرّة منذ العام 1970م، ولكن كان النظام قد سقط فعلياً منذ اندلاع حركة المقاومة التي بدأت سلمية تمّ قمعها بالقوة المفرطة، فتحولّت سريعا إلى قوات عسكرية، وصارت سوريا من يومها مرتعاً خصباً للقوات الدولية تناصر كلٌ منها الفصائل التي ترى فيها مصالحها، بما في ذلك نظام بشّار الذي خضع تماماً للسطوة الروسية دون مواربة وحتى آخر أيامه كانت البلاغات العسكرية من جانب جيشه تتحدث عن القصف الجوي للقوات السورية والروسية على معاقل الإرهابيين.
هذه هي الوقائع، غض الطرف عن الدوافع، فكل فريق بما لديه منها فرح نشوان. ونظرياً على الأقل أفلت سلطة كانت تحوز على معظم أراضي البلد، فيما تتوزع ما تبقى ثلاث قوى أخريات، فإذا أضفنا ما سيطرت عليه هيئة تحرير الشام حالياً إلى ما كانت تسيطر عليه من قبل تصبح هناك ثلاث مناطق سيطرة، التطورات القادمة ستقرر مصيرها، هل تتجاوز سوريا عقبة الانقسامات أم تتعمق، وهل ستأتلف فصائل المعارضة بعد إزاحة عدوها المشترك أم ستختلف حول الميراث، وهل هذه الفصائل التي كافحت وناضلت تحت شعارات تحرير الشعب السوري وفك أسره من قبضة الديكتاتورية ستتجه من فورها لإكمال شرط التحرير وما ينطوي عليه من صون حقوق الإنسان واعتبار الإنسان محور الكون وغاية نبيلة والحكم وسيلة لبلوغ كمال الإنسانية أم سيكون الحكم غاية في حد ذاته لتطبيق أفكار ومشاريع سياسية وفكرية أحادية تحت مزاعم (الحكم بما أنزل الله).
عطفاً على الحالة السورية وما بلغته الآن من تبديل مقاليد الحكم في دمشق، هل من أمل في تلافي ذلك في السودان، وهو يخطو نحو البداية التي صار إليها الوضع في سوريا؛ وضعية التقسيم بأيدٍ داخلية تحت حماية أجنبية بأذرع إقليمية، هل يتم وعي الدرس الذي لم ينته زمنه في الفيحاء بعد، هل يمكن النظر إلى المستقبل بغية التخلص من قيود الراهن أم أنّ قيود الحاضر أقوى من السماح بالنظر إلى باكر؟ وحجم ما أرتكب من فظائع أقوى من القدرة على التجاوز؟ ثمّ هل يقرأ الدرس على أنّه أفول للاستبداد بأي طبعة كان أم يقرأه البعض على أنّه انتصار للحركة الإسلامية ولو مؤقتاً، وهل نفعت الحماية الروسية والإيرانية لأسد الشام، هل سيتوفر الدعم للمجاهدين في تنظيم النصرة من تركيا والأمريكان، مع ما يجري من تقليم أظفار لحماس وحزب الله والنهضة التونسية وكل وجوه الإسلام السياسي في المنطقة بما في ذلك السودان.
يبدو سقوط النظام السوري كحافز قوي للقوى الديمقراطية وبوسائلها السلمية والسياسية الفعّالة لإكمال شوط الثورة الذي تعثّر بالانقلاب كمقدمة للحرب، يمكن ذلك في حال استلهام العبرة وليس الوسيلة، الإسلام السياسي إلى ضمور وتلاشي بعد سقوط كل أقنعته عندنا في السودان ولم يعد جديراً بحكم البلد ولكنه لم يستسلم، وفي تجليه الأخير أحرق السودان، وهي حيلة العاجز واليائس من المستقبل على كل حال، كيف تستثمر قوى المستقبل الديمقراطي في السودان هذه الفرضيات؟ بعض الإجابة يتحقق حال تنسيقها كلها في أوسع وأعظم جبهة نضال سياسي سلمي مدني يرهق البنادق المرهقة والمراهقة، ويبدد طاقتها الخبيثة في فراغ الملاواة فيما بينها دون طائل ودون مكسب على الأرض. هلا فكّرت كل قوى الثورة ببصيرة، استكشفت نقاط التلاقي مع رصيفاتها مباشرة وبدون لولوة لكن هلا!.
الوسومالإسلام السياسي الحركة الإسلامية السودان القوى الديمقراطية النظام السوري تركيا حزب الله خالد فضل دمشق روسيا سوريا عائلة الأسدالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الإسلام السياسي الحركة الإسلامية السودان القوى الديمقراطية النظام السوري تركيا حزب الله خالد فضل دمشق روسيا سوريا عائلة الأسد فی السودان
إقرأ أيضاً:
السقوط المروّع لنظام سوريا بعد نصف قرن
استقبل العالم خبر سقوط النظام السوري برئاسة بشار الأسد بدهشة كبيرة نظرا لسرعة حدوثه. فقبل أسابيع مثلا لم يكن واضحا أن الأمور تسير بهذا الاتجاه، بينما كانت هناك مخاوف أكبر على النظام عندما حدثت الاحتجاجات في العام 2011، في ذروة الربيع العربي. ولكن يبدو أن الامور هذه المرّة تختلف تماما عما كانت عليه قبل 13 عاما، ولذلك مصاديق على صعيد الداخل والإقليم والخارج.
لا شك أن جمود الوضع الداخلي وفشل النظام في إدخال إصلاحات سياسية جوهرية أو إجراء حوار وطني أو توسيع دوائر الحكم، بالإضافة لعدم مدّ الجسور مع معارضيه أو إجراء حوار معهم، كل ذلك ساهم في تأليب الجبهة الداخلية ضد النظام.
وعلى الصعيد الإقليمي أصبحت سوريا مستهدفة من قبل «إسرائيل» بشكل خاص بعد أن ضعفت جبهة لبنان بعد الاستهدافات المتواصلة. فقد كان لضرب جماعات المقاومة في غزّة ولبنان ارتدادات سلبية واسعة على ما يسمى «جبهة المقاومة» خصوصا بعد اغتيال رموز تلك الجبهة ابتداء بالرموز الفلسطينية مثل إسماعيل هنيّة ويحيى السنوار، وصولا لاغتيال السيد حسن نصر الله وعدد من قيادات الصف الأول لـ «حزب الله».
يضاف إلى ذلك أن إيران تراجع دورها الإقليمي بعد الضربات المتكررة التي وجهت إليها في السنوات الأخيرة. يضاف إلى ذلك أن طهران ربما بدأت تراجع سياساتها الإقليمية، وهي مراجعة شاملة تشمل أنماط تصدّيها لـ «إسرائيل».
أما على الصعيد الدولي فقد كانت سوريا مدعومة من روسيا التي لم يبق لها موطئ قدم في الشرق الأوسط إلا في سوريا. ولكن روسيا هي الأخرى أصبحت مستهلكة بأمور عديدة في مقدمتها الحرب الأوكرانية التي استهلكت القدرات الروسية بشكل كبير، وأظهرت ثغرات كبيرة في سياسات روسيا وأولوياتها.
الصراع على سوريا ليس جديدا، بل مضى عليه أكثر من خمسة عقود، وهو يتجدد بين الحين والآخر مع تغير التحالفات والتوازنات الإقليمية. هذه المرة ليست مختلفة عن سابقاتها.
صحيح أن النظام يتمتع بعلاقات جيدة مع إيران وحلفائها الإقليميين، ولكن علاقاته مع بقية الدول العربية المجاورة كمصر والسعودية والأردن ليست سيئة. ولذلك لم يكن هناك موقف حاسم لدعم التغيير الذي كانت أطراف المعارضة تسعى لتحقيقه.
ولم يكن هناك توقّع بأن يتحول الاجتياح الذي قادته «هيئة تحرير الشام» الأسبوع الماضي سوف يتحوّل الى معركة فاصلة قادرة على الإطاحة بالنظام الذي يرأسه بشار الأسد. ورجّح البعض بأن تستمر المناوشات بين الطرفين كأداة للضغط على دمشق من أطراف شتى. كما ساد الاعتقاد، وما يزال، بأن «إسرائيل» ستكون من أكبر المستفيدين من زعزعة أمن الدول المجاورة، خصوصا سوريا التي لا تخفي علاقاتها مع إيران وحلفائها ضمن ما يسمى «محور المقاومة».
ولكن الواضح أن التوازن الإقليمي قد تعرّض لاختلال بنيوي للأسباب المذكورة وأن ضرب ذلك المحور ضرورة لإحداث تغيير في الميزان العسكري والسياسي في المنطقة لصالح الاحتلال. وستكشف الفترة المقبلة ما إذا كانت القوى التي سيطرت على سوريا في الوقت الحاضر سوف تستمر في سياسة التصدي لـ «إسرائيل».
ليس جديدا القول بأن «إسرائيل» تسعى دائما لإضعاف ما يسمى «دول المواجهة» خصوصا بعد خروج مصر من الصراع العربي ـ الإسرائيلي. فمنذ توقيع اتفاقات كامب ديفيد تحمّلت سوريا مسؤولية التصدي، وفتحت أراضيها لمجموعات المقاومة، وتعرضت للقصف الإسرائيلي مرارا آخرها ما حدث الشهر الماضي من استهداف مواقع عديدة خصوصا في شمال شرقي البلاد.
وربما كان البعض يتوقع أن تخفف قوات الاحتلال استهداف سوريا بعد التغيير الحالي، ولكن حدث العكس. فقد استغلت حالة التوتر والترقب التي أعقبت سقوط النظام لتستهدف قدرات سوريا الاستراتيجية. فقد قصف سلاح الجو الإسرائيلي في اليومين الماضيين عددا من منشآت الأسلحة الكيميائية التابعة للحكومة السورية في غرب سوريا.
وقالت القناة 12 الإسرائيلية أن تلك الضربات جاءت «لمنع وقوع تلك الأسلحة في أيدي الجماعات المسلحة» التي كانت تتقدم بسرعة مفاجئة خلال الأيام الماضية من حلب في اتجاه حماة وحمص. هذا يؤكد أن «إسرائيل» تسعى لتحجيم القدرات التي يمتلكها هذا البلد لإبعاده تدريجيا عن الصراع. ويُفترض أن تكون المجموعات التي سيطرت على الحكم أكثر حماسا للتصدي للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، خصوصا أنها ذات توجهات إسلامية. وهذا يكفي لأن تكون «منزوعة السلاح» قبل أن تسيطر على الحكم. هذا بغض النظر عما إذا كانت ستكون في حالة حرب مع قوات الاحتلال أم ستسعى للتصالح معها على غرار ما فعلت مصر والأردن.
النظام الجديد في سوريا سيكون أمام المحك على صعدان عديدة: أولها أنه سيجد نفسه تحت ضغط لإعلان موقف لا يقل قوّة في حمل القضية الفلسطينية، وهذا ما يتطلع إليه الفلسطينيون في غزة. فقد بقيت سوريا ليس داعمة فحسب بل متصدرة لما يسمى «محور المقاومة» عقودا، ودفعت بذلك أثمانا كبيرة، وما تزال تخضع لحصار غربي واسع. فتاريخها المعاصر حافل بالعقوبات، وهي من أولى دول الشرق الأوسط التي تعرضت لذلك.
فمنذ العام 1979 تم إدراجها ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، وما تزال ضمن هذه القائمة منذ 45 عاما. وتتنوع الدول التي تفرض تلك العقوبات وتشمل كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وتركيا والاتحاد الأوروبي وسويسرا. وبالإضافة إلى العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة ودول أخرى على كيانات وأنشطة تتعامل مع سوريا، وبالتالي فهي تمس سوريا أيضا ولكن بشكل غير مباشر. وسيكون رفع هذه العقوبات عملية شاقة.
ثانيها: أن النظام الجديد مطالب بالإعلان عن تحول ديمقراطي حقيقي، لكي يكون وجوده مبرّرا. وهذا سيجعله خاضعا لمعايير غربية لتفعيل ذلك، وسيجد نفسه مطالبا بتحديد موعد زمني لهذا التحول ابتداء بكتابة دستور عصري يحدد مسار الدولة والحقوق السياسية والمدنية وحقوق الأقليات والعلاقات الخارجية وربما الانتماء الأيديولوجي. وليس من السهل حدوث ذلك. فما تزال الدول التي حققت تغيرا بدعم غربي متردّدة إزاء التحول الديمقراطي، وما تزال تتعرض لضغوط غربية بشكل أو آخر ومنها أفغانستان والعراق.
ثالثها: أن مسألة الأمن في سوريا ستكون تحديا للنظام الجديد. وما يزال الوقت مبكرا للحكم على مدى استقرار الأمن في هذا البلد الكبير المحاط بدول لديها أولوياتها ومصالحها الخاصة. والأهم أن يتمكن القائمون على النظام الجديد من السيطرة على عقلية الانتقام التي قد تسيطر على «المنتصرين» التي تمثل وجها آخر للانتقام المقنّن البعيد عن العدالة. كما سيواجه تحدّيات أخرى خصوصا الاقتصاد الذي يعاني من عقود من الحصار وضعف الانتاج الصناعي، وان كان الانتاج الزراعي قد تحسّن في الفترة الأخيرة.
وقبل سبعة شهور أصدر البنك الدولي تقريرا سلبيا حول واقع الاقتصاد السوري. وسيواجه النظام الجديد عملة فقدت حوالي نصف قيمتها في اليومين الماضيين، وعجزا في الموازنة وتقلصا في الدخل. وقد تتوفر للنظام الجديد مصادر دعم سواء من الدول الغربية أو البنك الدولي أو الدول الإقليمية ولكن ذلك مرهون بنظرة هؤلاء للحكام الجدد في دمشق. فهناك قلق لدى أطراف عديدة بسبب الانتماء الإسلامي لجبهة النصرة التي تمثل كبرى فصائل «هيئة تحرير الشام» التي قادت الاجتياح العسكري.
القدس العربي