إعلام إسرائيلي: فشل استخباري وبديل الأسد أكثر عداء لنا
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
تناولت وسائل إعلام إسرائيلية بقلق واضح سقوط نظام الأسد في سوريا، مركزة على التداعيات الإستراتيجية والأمنية للتغيير المفاجئ في دمشق، وسط تساؤلات عن مستقبل المصالح الإسرائيلية في المنطقة والتحديات الأمنية الجديدة التي قد تنشأ عن هذا التحول.
واعتبر المؤرخ المتخصص بالشؤون الفلسطينية في جامعة تل أبيب، الدكتور هارائيل حوريف، أنها تمثل تحولا تاريخيا غير مسبوقا، واصفا الأحداث الجارية في سوريا بأنها استثنائية تاريخيا، مشيرا إلى أن طريقة تسلم مؤسسات الحكم تجري بشكل غير نمطي في بلاد الشام.
ومن جهته، لفت المسؤول السابق في الاستخبارات البحرية، العميد احتياط عميد يغور، إلى إخفاق منظومة الإنذار المبكر الإسرائيلية في توقع هذا التحول، معتبرا ذلك ضربة لإحدى ركائز العقيدة الأمنية الإسرائيلية، إضافة إلى فشل التصور القائم على إمكانية إقناع نظام الأسد بالخروج من المحور الإيراني.
وفيما يتعلق بالأولويات الأمنية العاجلة أشار مراسل الشؤون العسكرية في القناة 13، أور هيلر، إلى أن مراقبة الأسلحة الإستراتيجية، خاصة صواريخ أرض-أرض والسلاح الكيميائي، تتصدر أولويات الجيش الإسرائيلي، مشيرا إلى تقارير عن عشرات الغارات الإسرائيلية على مستودعات الأسلحة في سوريا.
إعلانومن ناحيته حذر الصحفي في يديعوت أحرونوت، بن درور يميني، من الدور التركي المتنامي، مشيرا إلى ارتباط تركيا بجماعة الإخوان المسلمين وتحولها إلى قوة سنية إقليمية في ظل قيادة أردوغان.
التعامل بحذر
بينما أوضح المسؤول السابق في الدفاع الجوي، اللواء احتياط غاي عموسي، أن انشغال القوى الدولية بمشاكلها الخاصة –روسيا في أوكرانيا، وإيران مع برنامجها النووي- أدى إلى عدم مساندة نظام الأسد.
وفي قراءة إستراتيجية للأحداث يرى العميد يغور أن ما يجري يمثل تفككا للترتيبات الإقليمية القائمة منذ اتفاقية سايكس بيكو، التي رسمت حدود دول المنطقة وجمعت مجموعات عرقية مختلفة داخل حدود كل دولة.
وفي السياق نفسه يشير رئيس شعبة العمليات السابق في الجيش، يسرائيل زيف، إلى أن هذا التغيير يمثل تحولا دراماتيكيا من سيطرة المحور الإيراني الشيعي إلى المحور السني التركي، محذرا من أن هذا التحول قد لا يكون في صالح إسرائيل.
ولم يخف مراسل الشؤون العسكرية في القناة 14، هيل بيتون روزين، تخوفه من المستقبل، وقال محذرا من أن "البديل عن نظام الأسد ليس بالضرورة أفضل لإسرائيل"، مشددا على أن المتمردين الجدد يكنون العداء لإسرائيل ويجب التعامل مع هذا الواقع الجديد بحذر.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات نظام الأسد
إقرأ أيضاً:
هل تورطت دول المنطقة أم وُرِّطَت؟
د. عبدالله باحجاج
القاعدة المعاصرة لكل دولة عربية أو خليجية تكمُن الآن في أنه يستوجب عليها تأسيس ثقتها بمستقبلها بمعزلٍ عن أي شريك أو حليف أجنبي، وأن أي تحالف أو تكتُّل ثنائي أو جماعي ينبغي ألا يأخذ صفة الحصرية في الاعتماد عليه، ولا يمكن الثقة فيه مهما كانت التفاهمات والعلاقات التاريخية العميقة، وأن تكون الحصرية داخلية بامتياز، وهذه القاعدة تُنضجها الآن كل التجارب التي تمر بها دول المنطقة دون استثناء، وهنا نستشهد بتجربتين وباختصار.
أولا: التجربة السورية:
اعتمدت سوريا في عهدي الأسد (الاب والابن) على القوى الأجنبية بصورة حصرية على حساب داخلها، وبالذات روسيا التي كان وقوفها إلى جانب نظام بشار الأسد في الثورة السورية منذ مهدها عام 2011، فوق التصوُّر ضد الثورة والمعارضين، بسبب أنها كانت تعتبر بقاء نظام الأسد مُتعلقًا ببقاء نفوذها في الشرق الأوسط، وذلك بهدف تحقيق مصالحها على المستوى الجيوسياسي، مُستفيدةً من موقع سوريا الاستراتيجي المُطِل على البحر الأبيض المتوسط. وحسب مركز جسُور الدراسات (مقره تركيا)، فقد بلغ عدد المواقع العسكرية للقوى الخارجية في سوريا حتى منتصف 2023، نحو 830 موقعًا عسكريًا، 105 منها مناطق تحت السيطرة الروسية، وتتوزع بين 20 قاعدة عسكرية و85 نقطة عسكرية.
ومع هذا كله، سمحت موسكو بسقوط نظام الأسد بصورة درامية لا تعكس تلكم الخلفيات، كما قَبِلَ الغرب والعرب -والخليج في مقدمتهم- بشخصية تأسست بثلاثة مُسمَّيات؛ أولا: رئيس هيئة تحرير الشام (الجهادية)، وثانيا: قائد المعارضة السورية، وثالثا: رئيس الجمهورية السورية العربية، وهو الرئيس أحمد الشرع المعروف باسم (أبو محمد الجولاني). وكفى بهذه التحولات الدراماتيكية في التجربة السورية دروسًا ذهبية للخليج، لفهم المُتغيِّر والثابت في شؤونها الداخلية وعلاقاتها الدولية. وهنا أيضًا راديكالية غربية/ أمريكية في الاعتراف بأي قوة تظهر فوق السطح، مهما كان تاريخها وأفكارها، إذا ما ضمنت مصالحها من خلالها. أمريكا، والغرب عامةً، يفكرون في مستقبل مصالحهم على المدى الطويل الأجل، وإذا ما وجدته في أي قوة داخلية صاعدة، فلن تتردد في مساعدته على النجاح، ومن ثم الاعتراف به. وهنا نتساءل: هل الخليج تورَّط أم وُرِّطَ -أو كلاهما- في التجربة السورية الجديدة؟
هنا ينبغي توضيح مبدأ واستثناؤه، والمبدأ يكمن في حق الشعب السوري الشقيق أن يكون له نظام عادل يحترم حقوق وحريات مواطنيه، ويؤمِّن لهم كرامتهم في العيش الكريم داخل وطنه، وهذا ما تتجه إليه الآن سوريا في عهدها الجديدة، فكل ما يصدر عن الإدارة السورية الحاكمة برئاسة الشرع (الجولاني) يسير باتجاهٍ مختلف عن نظيراتها العربية؛ فهو يسعى لتأسيس دولة المؤسسات والقانون واستقلالية القضاء وعدالته، ودولة التداول السلمي للسلطة. أما الاستثناء، فيكمُن في حالة الإلهام الذي تستقبله الجماعات الأيديولوجية في المنطقة من تجربة وصول الجماعة الأيديولوجية السورية للحكم، وقبلها حركة طالبان وجماعة أنصار الله (الحوثي) في اليمن.
هنا تجد دول المنطقة في تحديات غير مسبوقة؛ إذ من خلال هذه التحديات لا يُمكن أن تظل مُتمسِّكة بخياراتها السياسية والاقتصادية والمالية دون تحليل التجربة السورية الجديدة وانعكاساتها عليها؛ لأننا نعتبرها كصيرورة لن يقتصر تأثيرها على الجغرافيا السورية في حالة نجاحها، وإنما ستُغيِّر المفاهيم وتُعجِّل بنضوج القناعات الفكرية للديموغرافيات والقوى الفاعلة داخل المنطقة، ولعل أبرزها -كما أشرنا إليها في مقال سابق- نضوج "أسلمة" السُلطة السياسية كقائدة لتحقيق العدالة والتنمية وتوزيع الثروات بشفافية ورقابة المؤسسات.. إلخ.
ثانيًا: انقلاب الأمريكان والصهاينة على العرب: إذ كيف يُمكن وصف مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء استلامه الحكم في بلاده بتهجير سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن، وموقف الإرهابي مجرم الحرب نتنياهو من إقامة دولة فلسطينية على أراضي المملكة العربية السعودية كونها شاسعة، ردًا على موقفها المُتجدِّد من حتمية إقامة الدولة الفلسطينية، ورفضها تهجير سكان قطاع غزة خارجه؛ فالحليف الأمريكي ومن يدعمه، لا ضمانة ولا أمن ولا أمان لهم، بحكم نصوص دينية وتجارب تاريخية، وسنكتفي اختصارًا بالأولى كقوله تعالى: "وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ" (البقرة: 120). والنص القرآني هنا واضح، وإسقاطاته المعاصرة في ضوء ما سبق ينبغي أن تكون واضحةً سياسيًا الآن، وإلّا فكيف يكون الحليف أو الشريك طامعًا في أراضي وثروات حليفه أو يضعُهم في موقفٍ مُلتبسٍ مع شعوبهم، هذا أقل ما يمكن وصفه على الأقل!
هنا نجد التساؤل يتكرر معنا مُجددًا: هل وُرِّطَت أم تورَّطَت الدول العربية في رهاناتها على الأمريكان ومن ورائهم الصهاينة؟ لأن أطماعهم فيها قد انكشفت الآن، وهنا ندعو دول المنطقة إلى تحليل التجربتين سالفتي الذكر، وأي تحليل سياسي موضوعي ستخرج منه الدول العربية بالنتائج التالية: ليس هناك من خيارٍ سوى إعادة النظر في خياراتها الداخلية الجديدة باتجاه تعزيز مفهوم الدولة الوطنية القوية الضامنة لحقوق وحريات شعوبها، خاصةً في مجال العيش الكريم بمؤسسات تُديرها سلطات واعية، ليس مهمتها صياغة استراتيجية ذكية واستصدار سياسات وقرارات من خارج الصندوق فحسب، وإنما الإجابة على تساؤل: ما نتائجها أو تداعياتها مسبقًا؟ ودون ذلك، فقد ترتد خيارتها على مفهوم الدولة الوطنية القوية دون العِلم المُسبق بالمآلات (نتائج وتداعيات)، ونُكرِّر في هذا السياق ما نُعلي من شأنه دائمًا، وهو من مُسلَّماتنا المطلقة، وهو أن التوترات والصراعات المقبلة لن تُطلق فيها رصاصة واحدة، وإنما ستقوم على تفكيك مناعة الدولة الأيديولوجية والاجتماعية والسياسية، مهما مارست الدول من سياسة تكميم الأفواه والضغوط القهرية على مجتمعاتها؛ بل سيكون ذلك من تداعيات التعجيل بانتصار الأعداء وكل مُستهدف للدول الآمنة والمطمئنة.
رابط مختصر