صحيفة أمريكية: حزب الله يواجه واقع قاسي ومليء بالتحديات
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
كشفت صحيفة “ذا هيل” الأمريكية أنه بعد مرور أكثر من عام على اندلاع الصراع في لبنان، يجد حزب الله نفسه أمام واقع قاسي ومليء بالتحديات، ويختلف كثيرا عن أبعد أحلامه مع بداية الحرب مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وبينت الصحيفة أن حزب الله دخل الحرب مع إسرائيل ولديه أهدف واضحة: توحيد الجبهات، وإعادة ترسيم الحدود، وإقامة معادلة ردع بين بيروت وتل أبيب، ومع ذلك، ترسم النتائج على الأرض صورة مختلفة، تتميز بالانتكاسات الاستراتيجية والخسائر الكبيرة، لا سيما مع فقده الجبهة السورية في الوقت الحالي.
وعن الأهداف غير المحققة للحزب خلال العام الأخير، أوضحت الصحيفة أن زعيم حزب الله السابق، حسن نصر الله أعلن أن القتال في لبنان سيستمر ما دام استمر الصراع في غزة. بقي هذا الوعد دون تحقيق عندما تم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، بينما استمرت الأعمال العدائية في غزة بلا هوادة. بالإضافة إلى ذلك، لم يتم معالجة مطالب الحزب بتصحيح 13 نقطة حدودية متنازع عليها.
ووفق الصحيفة، فشلت معادلة الردع الموعودة، والتي سعت إلى معادلة الهجمات على بيروت بضربات انتقامية على تل أبيب. في حين تعرضت بيروت لقصف لا هوادة فيه، ظلت تل أبيب إلى حد كبير بمنأى عن الأذى، محمية بأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية.
تشير الصحيفة إلى أن حزب الله تعرض لخسائر فادحة، بما في ذلك اغتيال نصر الله وخلَفه، هاشم صفي، إلى جانب إبادة قادة ميدانيين كبار. كما تم استهداف البنية التحتية العسكرية للحزب، بما في ذلك مراكز القيادة ومستودعات الأسلحة، بشكل كبير.
وعلى الصعيد الإنساني، نزح أكثر من مليون شخص - معظمهم من الطائفة الشيعية - بسبب الضربات الجارية في جنوب لبنان. ألحقت الحرب أضرارًا اقتصادية تجاوزت 15 مليار دولار، مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة وشلّ القطاع الزراعي.
توضح الصحيفة إلى أنه داخليا، تراجعت مكانة حزب الله، وارتفعت الأصوات الداعية لنزع سلاح الحزب، مما يعكس الإحباط الواسع النطاق من خسائر الصراع، كما تآكلت التحالفات السياسية مع شخصيات رئيسية مثل جبران باسيل ووليد جنبلاط، حيث ابتعد كلا الزعيمين عن الحزب ودعوا إلى فرض سيطرة أشد على الفصائل المسلحة.
تلفت الصحيفة إلى أنه استجابةً لهذه الانتكاسات، أعاد حزب الله صياغة روايته، مشيرًا إلى أن مجرد البقاء يشكل انتصارًا. ومع ذلك، يثير هذا الموقف الجديد تساؤلات حول مبررات الحرب. يشير اتفاق وقف إطلاق النار، الذي لم يحقق أي مكاسب ملموسة، إلى أن الدخول في الصراع ربما كان خطأً استراتيجيًا.
واختتمت الصحيفة بالقول إن حزب الله وجد نفسه يدفع ثمن باهظ بلا مكاسب واضحة، إذ كشفت الحرب عن مستوى من الفشل الاستراتيجي لحزب الله، يتجاوز الخسائر في ساحة المعركة ليشمل تداعيات سياسية واجتماعية، وعلى الرغم من الدعم المالي واللوجستي الكبير من إيران، انتهى الصراع دون تحقيق أي من أهداف المجموعة المعلنة، تاركًا لبنان مثقلًا بعواقب باهظة قد يستغرق التعافي منها سنوات.
المصدر: بوابة الفجر
إقرأ أيضاً:
حين تكتب الحرب ذاكرة شعب- في مأساة المثقف السوداني ومعقولية الخراب
في عامها الثالث، لم تعد الحرب في السودان حدثًا عابرًا يُروى بين فقرات الأخبار، بل تحولت إلى نسيج يومي يُحاك من أشلاء الذكريات والجراح. صارت واقعًا يُعاش بكل ثقله: بيوتٌ تتهاوى كأوراق الخريف تحت دوي المدافع، وأطفالٌ يلهون فوق ركام مدارسهم، كأنهم يتحدون فكرةَ أن الطفولة لا بدّ أن تكون بريئة. هنا، لم يعد هناك فاصل بين الخاص والعام؛ فكل دمعة تسقط في بيت ما تُعد جزءًا من نهرٍ من الأحزان يغمر الأمة. الأحياء تتحول إلى خرائب، والأسواق التي كانت تعج بالحياة تصمت إلا من صدى الخطى الثقيلة لقدامى الجوعى.
الأمهات، بوجوهٍ نحتتها رياح اليأس، يُجدنَ فنَّ الصبر، بينما يتساقط الأقرباء والأصدقاء كأوراق شجر في عاصفة لا تنتهي.
في هذا المشهد الكابوسي، تبرز الكتابة كفعلٍ مُقاوِم، ليست مجرد أداة لتوثيق الألم، بل محاولة لإنقاذ الذات من الغرق في العدم. يكتب المثقفون بحبرٍ مخلوط بالتراب والدم، مسجلين تفاصيل البيوت التي انمحت، وأسماء الأحبة الذين صاروا ظلالًا في ذاكرة المدينة.
اليوميات التي يسطرونها ليست سردًا بطوليًا بقدر ما هي همساتٌ يائسة لاستعادة شيء من الإنسانية المهدورة. تصبح الكتابة بيتًا مؤقتًا، هشًا لكنه يقاوم السقوط، يحمل بين سطوره عبق الأيام الماضية ورائحة المقاومة.
الكتابة كوثيقة اجتماعية- بين التاريخ والوجع
لا تقتصر هذه النصوص على الرثاء، بل تتحول إلى وثائق تُجسد تداخل التاريخ مع المأساة؛ فهي تسجل تحول الوطن إلى شتات، والمستقبل إلى لغزٍ مُظلم. الكاتب هنا ليس مراقبًا من برج عاجي، بل هو ابن الأرض الذي يعيش تحت القصف، يكتب بألمٍ عن جاره الذي اختفى
وعن السوق الذي تحول إلى مقبرة جماعية. النصوص تكشف كيف صار "الوطن" فكرةً هاربة، بينما يختزل الواقع معاناة البحث عن رغيف خبز أو زجاجة ماء.
من الاستثناء إلى القاعدة- الحرب كحالة دائمة
في ذهن المثقف السوداني، لم تعد الحرب استثناءً، بل جزءًا لا يتجزأ من الهوية. يقول الكاتب أمير تاج السر: «نحن أبناء الحروب المتراكمة، نعرفُ صوت الرصاص أكثر من صوت الموسيقى»، معبرًا عن واقعٍ عاشه وجيله منذ طفولتهم في وطنٍ حُفر في ذاكرة الألم.
وقد أضاف الناشر العربي على غلاف إحدى الروايات عبارة "الحياة تستحق النشيد رغم قسوتها"، وهي ليست دعوة لتفاؤل ساذج، بل تأكيدٌ على إيمانٍ بأن الفن يعد آخر حصون الكرامة. وكأن صوت المثقفة البريطانية هيلينا كينيدي، حين تحدثت عن النزوح كجريمة ممتدة
يجد صداه في واقع الأسر السودانية التي تعيش التهجير كحالة متوارثة عبر الأجيال.
الخراب كوجهٍ للوطن- لماذا تصبح الحرب "معقولة"؟
وهنا يطفو السؤال الأقسى: كيف يصبح الدمار مألوفًا؟ قد تكون الإجابة في استبدال لغة الثورة بلغة التأمل، أو في تحول الألم إلى رفيق يومي. المعقولية هنا لا تعني الاستسلام، بل اعترافًا بفشل الخطابات الكبرى.
إذ أن المثقف الذي كان يرفع شعارات التحرر صار يكتب ليُثبت أنه ما زال حيًا، كأنه يردد روح محمود درويش عندما قال: «أنا لستُ لي، أنا وطني يكتبني»، مما يحوّل الكتابة إلى فعل أخلاقي، محاولة لإنقاذ المعنى من براثن العبث، وصرخة ضدّ التطبيع مع القتل.
ما بعد الكلمات- هل تكفي الكتابة؟
رغم كل هذا، تظل الحقيقة المرة أن الكتابة لا توقف الرصاص، ولا تُعيد الطفل إلى أمه. ففي الوطن الذي يموت فيه الإنسان، تموت معه الكلمات أحيانًا. لكن المثقف لا زال يكتب، لأن الصمت يعد خيانة، ولأن الحكاية لم تنتهِ بعد.
كما تقول الروائية بثينة خضر مكي: «نحن نكتب لنُثبت أننا لم ننزلق بعد إلى حافة الوحشية»، لتظل هذه النصوص، رغم دمويتها، بمثابة البذرة الأخيرة لشتلة أمل أو على الأقل شهادةً على تمسك شعبٍ برواية معاناته.
حين تصير الكلمات دمًا
في النهاية، يبقى المثقف السوداني حائرًا بين شقين- شاهدٌ على المأساة وضحيةٌ فيها. يرتجف قلمه ولكنه يرفض السقوط، إذ إن الحرب قد تسرق الأوطان لكنها لا تستطيع سرقة الكلمات التي تُخلّدها.
وكما كتب شابٌ عاقل في يومياته تحت القصف: «إذا متُّ، ابحثوا عني في كتبي».
أعلموا أيها القتلة- نحن الباكون على واقع اليوم ، ولكن من خلال الألم نصنع المستقبل.
zuhair.osman@aol.com