جلالة السلطان يستعرض العلاقات السياسية والتاريخية مع بروناي دار السلام
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
استقبل حضرةُ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المعظم /حفظهُ اللهُ ورعاهُ/ صباح اليوم بقصر البركة العامر صاحبةَ السُّموّ الأميرة حاجة ماسنا السّفيرة المتجوّلة في وزارة خارجية بروناي دار السّلام.
وقد نقلت صاحبةُ السُّمو الأميرة خلال المقابلة تحيّاتِ جلالةِ السُّلطان حاجي حسن البلقيه سُلطـان برونـاي دار السّلام وتمنّياته الطيّبة لجلالةِ السُّلطان المعظّم وللشعب العُماني.
من جانبه حمّل جلالةُ السُّلطان المعظّم سُموّ الأميرة نقل تحيّاته لجلالةِ سُلطـان برونـاي دار السّلام ولشعبه الصّديق.
تم خلال المقابلة استعراض العلاقات السياسيّة والتاريخيّة بين سلطنة عُمان وبروناي دار السّلام، ومناقشة الفرص المتاحة لتعزيز الشراكة والتعاون خدمةً للمصالح المشتركة.
حضر المقابلة معالي السّيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجيّة، فيما حضرها من جانب سُمو الضيفة أناك حاجي عبدالعزيز، وسعادة السّفيرة نور اليزان عبد المؤمن سفيرة بروناي دار السّلام المعتمدة لدى سلطنة عُمان.
/العُمانية/
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: دار الس لام
إقرأ أيضاً:
نهاية وهم السلطان: تركيا بين إرادة الشعب ومأزق الطاغية
في زمنٍ تتكاثف فيه مظاهر التشظي والهشاشة تحت وطأة أنظمةٍ تتقن فنون السيطرة، يبرز رجب طيب أردوغان ليس كحاكمٍ مستبدٍّ فحسب، بل كظاهرةٍ تُجسد انزياحات السلطة الحديثة، التي لم تعد ترتكز على القمع المباشر، بل على هندسة الطاعة وإنتاج الولاء عبر آلياتٍ مُركّبة. هذا الواقع المأزوم الذي تعيشه تركيا اليوم ليس وليد الصدفة، بل هو امتدادٌ لعقودٍ من التحولات البنيوية في علاقتها بالدولة، بالعسكر، بالمجتمع، وبالخارج.
وُلد أردوغان في 26 فبراير 1954 في إسطنبول، وتعود أصوله إلى ريزة، مدينة البحر الأسود التي كانت معقلًا للعائلات المحافظة ذات الارتباط العاطفي بالخلافة العثمانية. تخرّج في ثانوية الأئمة والخطباء عام 1973، ثم درس الاقتصاد في جامعة مرمرة، لكنه لم يكن اقتصاديًا بقدر ما كان لاعبًا بارعًا في المناورات السياسية. صعوده من بلدية إسطنبول عام 1994 إلى قمة هرم الدولة عام 2002 لم يكن مجرد انتصارٍ انتخابي، بل كان تحولًا في بنية الحكم نفسها، حيث أزاح العسكر بالتدريج، وخلق نظامًا يُعيد إنتاج نفسه عبر شبكاتٍ اقتصاديةٍ ودينيةٍ وإعلاميةٍ متداخلة.
لا يمكن فهم هذه الهيمنة دون العودة إلى إرث “الكمالية”، التي صنعت دولةً حديثةً ولكن على قاعدةٍ استبدادية، حيث ظل الجيش هو الحَكَم النهائي في الصراعات الداخلية.
حين جاء أردوغان، لم يسعَ إلى تفكيك هذا النموذج، بل إلى إعادة توجيهه لمصلحته. استخدم الديمقراطية كأداة عبور، وحين رسّخ سلطته، بدأ في تفريغها من محتواها، تمامًا كما فعلت الأنظمة السلطوية الأخرى، التي تتقن لعبة “الانتخابات بلا ديمقراطية”.
ما يميز مشروعه ليس فقط استبداده، بل قدرته على تطويع خصومه وإعادة تعريف “العدو” وفق الحاجة السياسية. في البداية، كان الجيش هو الخصم، وبعد تحييده، صار الأكراد هم العدو الداخلي، ثم جاء الدور على المعارضة العلمانية. الآن، ومع اقتراب زوال الهالة التي أحاط بها نفسه، يلوّح مجددًا بفزاعة “المؤامرة الخارجية”، متهمًا الغرب و”القوى غير المرئية” بمحاولة إسقاطه.
المواطن التركي اليوم يعيش حالةً من التشظي النفسي بين تطلعاته نحو الديمقراطية، والواقع القمعي الذي يرسّخه النظام. لم يعد الاستبداد يُمارَس عبر أدوات القهر المباشر فقط، بل عبر خلق واقعٍ زائف، تُعاد فيه صياغة الأحداث والتاريخ والرموز.
الإعلام الرسمي والموجه لا يكتفي بتبرير السياسات، بل يعمل على إنتاج “ذاكرة مشروطة”، تُعيد تعريف الوطنية، العدو، وحتى مفاهيم العدالة والحرية.
في هذا السياق، يمكن فهم التناقضات في الخطاب الشعبي التركي: كيف يمكن أن يكون أردوغان زعيمًا إسلاميًا، بينما ابنه متورطٌ في قضايا فسادٍ مرتبطةٍ بداعش؟ كيف يمكن أن يدّعي الاستقلال عن الغرب، بينما تركيا عضوٌ في الناتو وقواعده تنتشر على أراضيها؟ كيف يمكن أن يُنظّر ضد “الهيمنة الاقتصادية”، بينما الاقتصاد التركي رهينةٌ للبنوك الدولية؟ هذا ليس تناقضًا بالمعنى التقليدي، بل هو نتيجة “هسيس” طويل من التلاعب الإدراكي، حيث يصبح القمع غير مرئي، ويتحول الخضوع إلى قناعةٍ داخلية، بل وإلى جزءٍ من الهوية الوطنية نفسها.
لطالما كان الاقتصاد هو السلاح الأهم بيد أردوغان. في سنواته الأولى، روّج لنموذج “النهضة الاقتصادية”، حيث شهدت تركيا ارتفاعًا في معدلات النمو والاستثمار، لكن هذا الانتعاش لم يكن قائمًا على إنتاجٍ حقيقي، بل على تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية، والديون، والخصخصة العشوائية. مع تعاظم الأزمة الاقتصادية، بدأ المواطن التركي يواجه الوجيف الحقيقي للواقع: تراجع الليرة، ارتفاع معدلات البطالة، وتضخم لم يعد ممكنًا تغطيته بالشعارات. المفارقة أن الدولة، التي كانت تُسوَّق كنموذجٍ إسلاميٍّ ناجح، باتت اليوم مثالًا لانهيارٍ اقتصاديٍّ لا يختلف كثيرًا عما شهدته دولٌ أخرى تحكمها أنظمةٌ مشابهة.
لم يكن الفساد مجرد عرضٍ جانبيٍّ لحكم أردوغان، بل كان جزءًا من بنيته العميقة. تورّط نجله، بلال أردوغان، في شبكةٍ معقدةٍ من الفساد، حيث وُجهت له اتهاماتٌ بالتعامل مع داعش في بيع النفط، فضلًا عن استغلاله علاقات والده لعقد صفقاتٍ مشبوهة. هذه الفظاعات لم تكن استثناءً، بل كانت انعكاسًا لمنظومةٍ رأت في الدولة مشروعًا عائليًا. أما على المستوى الدولي، فقد كانت حادثة خاشقجي مثالًا حيًا على البراغماتية الأردوغانية. كان يمكن لتركيا أن تمنع الجريمة، لكنها لم تفعل، لأن الحدث كان كنزًا استراتيجيًا. سمحت بهدوءٍ، ثم استخدمته كورقة مساومة، وهذا يعكس عقليةً ترى السياسة كمزيجٍ من الاستغلال والمساومة لا أكثر.
ما يحدث اليوم في تركيا ليس مجرد أزمةٍ سياسيةٍ عابرة. منذ 19 مارس، والاحتجاجات تتصاعد، خاصةً بعد موجة الاعتقالات التي طالت أكثر من 100 شخص، بينهم رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، وهو المنافس الأبرز لأردوغان. هذه الاعتقالات، إلى جانب تصعيد الخطاب ضد “القوى الخارجية”، تكشف أن النظام بات في مأزقٍ وجودي، حيث لم تعد أدواته القديمة كافيةً لضبط الشارع. ما يزيد المشهد تعقيدًا هو الحراك الذي تقوده الأحزاب اليسارية، مثل الحزب الشيوعي التركي وحزب العمال، حيث لم تعد المعارضة مقتصرةً على النخب السياسية، بل باتت أكثر شعبيةً وتجذرًا.
هنا، يبرز السؤال الجوهري: هل بدأت الإمبراطورية تتداعى؟
ليست تركيا وحدها في هذا المأزق، بل هو جزءٌ من أزمةٍ أوسع، حيث تتهاوى مشاريع “الإسلام السياسي السلطوي” واحدًا تلو الآخر. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل سيكون السقوط وشيكًا، أم أن أردوغان سيجد طريقةً أخرى لإعادة إنتاج سلطته كما فعل مرارًا؟
المؤكد أن المشهد التركي لم يعد كما كان. هناك هسيسٌ جديدٌ في الأفق، وحسيسُ غضبٍ بدأ يتشكل في الشارع. في لحظاتٍ كهذه، لا تُصنع التحولات فقط عبر الصراعات السياسية، بل عبر وعيٍ جديدٍ ينشأ بين أنقاض الأكاذيب، التي طالما تم تسويقها كحقائق.
zoolsaay@yahoo.com