الروائي السوري خليل النعيمي: أحب وداع الأمكنة لا الناس
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
ضيف هذا الحوار الروائي والجراح السوري خليل النعيمي، ولد في بادية الشام، عاش طفولته وصباه مرتحلا مع قبيلته في سهوب البادية السورية. لم يدخل المدرسة إلا مصادفة بسبب مرور قافلة والده بإحدى القرى حيث أقام خيامه فيها، وقال شيخ القرية لوالده لماذا لا تترك ولدك يتعلم مع أطفال القرية في "الكتّاب" وتعطينا "كبشا" أو "خروفا" من القطيع؟ وافق والده على ذلك، ومن يومها شكلت تلك الحادثة نقلة نوعية في حياة خليل النعيمي الشخصية والمهنية، الذي انتقل من حياة البداوة إلى أن يصبح من أمهر الجراحين في المشافي الفرنسية.
كما تعددت مواهبه وانشغالاته في أكثر من حقل من حقول المعرفة، فإلى جانب عمله طبيبا جراحا في مستشفيات باريس، فإنه يمارس الكتابة الروائية والنقدية، كما أنه رحالة متمرس، وكاتب رحلات فريدة في لغتها وتقصيها من خلال كتابة الرحلة التي يوثق فيها مشاهداته. زار بلدانا عديدة في القارات الأربع، كما زار مدن "طريق الحرير" ومنها سمرقند وبخارى.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"فكيف ليلُ فتى الفتيان في حلبِ؟".. مختارات القصيد من أشعار الشهباءlist 2 of 2"بقايا رغوة" لجهاد الرنتيسي.. رواية تجريبية تتأمل الهجرة والشتاتend of listوتعد مدينة الحسكة (شمال شرق سورية) والتي تابع دراسته الثانوية في مدارسها، محطة الرحيل الأولى التي ساهمت في تكوينه الشخصي، كما في بنية الرواية لديه. ومن ثم كانت دمشق المدينة الأولى التي اكتشفها خليل النعيمي القادم من أطراف بادية الشام، حيث كونت شخصيته المعرفية، وعن ذلك يقول:
"من "الجزيرة السورية" وباديتها الأثيرة على القلب، إلى "دمشق" العريقة، هو السبب الأساسي الذي غير وعيي"
تعرف النعيمي عن قرب على الحياة السياسية في بلاده أثناء دراسته الجامعية في كليتي الطب، والفلسفة في جامعة دمشق. نشر في دمشق ديوانا شعريا يتيما بعنوان "صور من ردود الفعل لأحد أفراد العالم الثالث" الذي منع وصودر، وبالتالي كان سببا في تحوله إلى كتابة الرواية. يقول عن تلك الحادثة "منع الديوان كان محرضا أوليا لي على الاتجاه للرواية". ونتيجة مصادرة ديوانه، ومنع روايته الأولى "الرجل الذي يأكل نفسه" التي صدرت في بيروت، غادر دمشق إلى بيروت ومنها إلى فرنسا في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي، تابع تخصصه في الفلسفة السياسية المعاصرة في جامعة السوربون، حيث أصبحت باريس وطنا آخر للنعيمي كاتبا وطبيبا.
النعيمي: علاقتي بالأمكنة ليست "إنشائية" لأصفها ببضع سطور وليست روحية ولا علاقة حنين ولا علاقة ذكريات إنها علاقة تكوينية (الجزيرة)ورغم إقامته الطويلة في فرنسا، فإنه لا يكتب للجمهور الفرنسي. ويؤكد في حواره للجزيرة نت "علاقتي باللغة العربية علاقة وجودية. بمعنى أنني لن أكون "أنا" إذا كتبت بغيرها. وارتباطي بالعالم العربي ارتباط لغوي لا انفكاك منه. اللغة العربية هي "أنا"، هي تاريخي الشخصي، هي "أهلي" إذا أردنا الدقة".
إعلانوعن حنين خليل النعيمي إلى بداوته الأولى، يقول:
"نحن لا نستبدل مكانا بمكان آخر، وإنما فكرا بفكر آخر، فالمكان كالكائن لا يمكن استبداله"
يعد النعيمي صاحب خطاب روائي مختلف، وهو مغرم بالمكان وسرد تفاصيله من خلال مجموعة من الأعمال السردية منها: رواية "الخلعاء" (1990)، و"القطيعة" (1992)، و"الرجل الذي يأكل نفسه" (1994)، و"الشيء" (1998)، و"دمشق 67″ (2003)، و"مديح الهرب" (2005)، و"تفريغ الكائن" (2009)، و"قصاص الأثر" (2014)، إلى روايته الجديدة "زهرة القطن" (2022).
كما اكتشف في ترحاله المستمر عبر مدن العالم الآخر في كتاباته: "مخيلة الأمكنة" (2003)، و"كتاب الهند"(2004)، و"الطريق إلى قونية" (2015)، و"الصقر على الصبار" (2019). حاز على جائزة أدب الرحلة المعاصرة عام 2007، وجائزة محمود درويش للحرية والإبداع عام 2018. نتعرف في هذا الحوار على مسيرته الإبداعية والحياتية في حديثه للجزيرة نت من باريس التي يقيم فيها منذ 4 عقود:
تقيم في باريس منذ عقود، وكانت نشأتكم في البادية السورية، وأنت البدوي الذي غادر ظعن القبيلة ذات يوم بعيد، هل ما زال خليل النعيمي يحن إلى بداوته الأولى؟الحنين ليس معرفة، أقصد أنه شعور عابر وليس تجربة يومية للوجود. إنه صورة قديمة عما عرفناه، ذات يوم، ونتصور أننا لا نزال نعرف ما عرفناه، وهو وهم كاسح. الحنين عاطفة عميقة مرتبطة بمرحلة أولى، مرت، ولن تمر أبدا من بعد. وهو ما يجعله مثل الأسف: ممض للنفس، ولا سبيل إلى تفاديه. لكنه يعلمنا شيئا أساسيا: "ضرورة إبداع الحنين". وهذا هو معنى "الرحيل". نحن نحنّ إلى الماضي فقط، لأننا لا نعرف المستقبل، والحاضر نحن مستاؤون منه على الدوام. تلك هي صيرورة الحياة. ولأننا نتكلم عن الحنين، فقد وجب أن نوضح: إنه المكان المهجور، الذي سيغدو، فيما بعد الأرض الموعودة. ولكن لماذا يهجر الكائن مكانه إن لم يكن مدفوعا إليه بالقوة؟ ومن يملك القوة، في عالمنا اليوم، سوى السلطة؟ تلك هي المشكلة، وليس الشعور العابر الذي تعودنا على تسميته بالحنين. "نحن لا ننفر من الأمكنة، وإنما من الفكر الذي يتحكم فيها. نحن لا نستبدل مكانا بمكان آخر، وإنما فكرا بفكر آخر. فالمكان كالكائن لا يمكن استبداله". هذا هو معنى الحنين الحقيقي، بالنسبة لي.
النعيمي عن رواية "زهر القطن": إنها عمل مفتوح في نقد الذاكرة ورؤيتي الحالية لما عاشه الراوي قبل عشرات السنين (الجزيرة) أنت مغرم بالمكان وكل ما يمت له بصلة البشر والتراب والحيوانات والنهر ولغة المكان ولهجة أهله وسرد تفاصيله من خلال مجموعة من أعمالكم السردية، ماذا عن أهمية المكان في نصوصكم الروائية وعلاقتكم بالأمكنة والأرض الأولى؟ إعلان"ماذا تصنع الطبيعة غير روح الكائن"؟ جملة أستلها من مقالي عن اليمن عندما زرته أول مرة، كجراح، وليس ككاتب. يومها، كتبت عنه: "10 أيام في اليمن هزت الروح". هذا لأؤكد لك أنك في سؤالك على صواب. وفي مرة أخرى في زيارة لتشيلي، في العاصمة سانتياغو، مع فريق من الجراحين، كنا نتهيأ للعودة، وتركتهم وذهبت إلى قصر "لا مونيدا" حيث قتل "سلفادور أليندي" (1908-1978) رئيس جمهورية تشيلي، وعندما عدت سألوني: أين كنت؟ فقرأت لهم المقطع الأخير مما كتبته: "عدت إلى لامونيدا لأودعه. أحب أن أودع الأمكنة، ولا أحب أن أودع الناس. أنا مكان".
الأمكنة هي التي تبدع بعضها بعضا. هي التي تفتح شهية الكائن للسفر والانتقال. من لا يسافر يصب بالعمى، كما أتصور. علاقتي بالأمكنة ليست "إنشائية" لأصفها لك ببضع سطور. ليست علاقة روحية، ولا علاقة حنين، ولا علاقة ذكريات، إنها علاقة تكوينية. الأمكنة، وعلى رأسها مكاني الأول، هي التي خلقتني، سوتني كما أنا الآن. "هندست" عقلي، ومشاعري، لا عاطفتي فقط. الأمكنة لا توصف، تعاش.
قبل تخرجك من جامعة دمشق نشرت ديوانا بعنوان: "صور من ردود الفعل لأحد أفراد العالم الثالث" أحدث ضجة محلية، ومنع وصودر، هل دفعتكم تلك الحادثة إلى الاتجاه لعالم الرواية الواسع؟منع الديوان كان محرضا أوليا، إذا شئنا. لكن الانتقال من مكان إلى آخر، وفيما يتعلق بي، من "الجزيرة السورية" وباديتها الأثيرة على القلب، إلى "دمشق" العريقة، هو السبب الأساسي الذي غير وعيي. فالكتابة وعي، قبل أي شيء آخر. والوعي الجديد الذي اجتاحني يحتاج إلى أدوات جديدة للتعبير عنه. وسريعا، بعد قراءات أساسية في حياتي أثناء فترة الجامعة، وعلى رأسها رواية "الأخوة كارامازوف" لفيودور دوستويفسكي (1821-1881)، انتقلت من حال إلى حال. أصبح الشعر من الماضي، لأنه، كما بدا لي، آنذاك، مصنوع من "كتابة مشهدية"، تتوسل مقاربة الوجود بالكلمات، ومحركها العواطف الساذجة. وفي عنفوان الشباب يبدو كل شيء في متناول اليدين، بما في ذلك القفز من الشعر إلى الرواية. وهو ما كان.
إعلان تقولون: "إن اللغة هوية". فرغم إقامتكم الطويلة في فرنسا، فإنك لا تكتب للجمهور الفرنسي، على عكس بعض الشعراء والكتاب العرب المقيمين في الغرب، هل يندرج ذلك ضمن حرصكم على توطيد الصلة بالحقل الثقافي العربي؟ وهل استفاد النعيمي من الثقافة الفرنسية؟علاقتي باللغة العربية علاقة وجودية. بمعنى أنني لن أكون "أنا" إذا كتبت بغيرها. وارتباطي بالعالم العربي ارتباط لغوي لا انفكاك منه. اللغة العربية هي "أنا"، هي تاريخي الشخصي، هي "أهلي" إذا أردنا الدقة. أنا أمارس الجراحة باللغة الفرنسية، وعملي اليومي منذ عقود يقوم على اللغة الفرنسية، أعيش في عمق المجتمع الفرنسي، وليست لدي أية ازدواجية معيارية.
أما الكتابة فهي كالرسم، ماهيتها تتجلى، أفضل ما يمكن، عندما نستخدم لإنجازها، أفضل ما لدينا من أدوات تعبيرية. وأنا أفضل أداة عندي هي العربية. بالطبع، عربيتي اغتنت بالثقافة الفرنسية. ومن مزايا هذا الثراء الحياتي أنني أستطيع أن أنقله إلى لغتي العربية. ولا تنس أن معظم المثقفين العرب الذين يعيشون هنا، يشتغلون في مؤسسات عربية في بلدانهم، أو في بلدان عربية أخرى. ويعيشون على هامش المجتمع الفرنسي، أيا كانت "لغتهم" التي يكتبون بها. الكاتب الحقيقي ليس تاجر كلمات، وإن كان هناك الكثير من هؤلاء بيننا. والقارئ واحد. القارئ الفرنسي ليس أفضل من القارئ العربي. والكتابة تبقى عالمية بأية لغة كتبت. أما الكتاب العرب الذين يحلمون، بتأثير الاستلاب الثقافي المجحف، بقارئ فرنسي لن يجدوه مهما تفننوا، فهذا شأنهم. أنا أحلم بقارئ عربي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات اللغة العربیة ولا علاقة
إقرأ أيضاً:
ما اتفاقية فض الاشتباك التي ألغتها إسرائيل بعد هروب الأسد؟
#سواليف
مع #هروب #الرئيس_المخلوع #بشار_الأسد من #دمشق، بدأ #الجيش_الإسرائيلي توغلا بريا اجتاز على إثره #خط #فض_الاشتباك مع #سوريا، وسيطر على عدد من النقاط، بعضها يقع على مرتفعات في جبل الشيخ.
ووفقا لتقرير معلوماتي أعدته سلام خضر، يمثل جبل الشيخ نقطة إستراتيجية من الناحية العسكرية كونه يفصل بين لبنان وسوريا، وهو أيضا ملاصق للجولان السوري المحتل.
وكانت هذه المناطق مشمولة باتفاقية فض الاشتباك بين دمشق وتل أبيب، التي رعتها الولايات المتحدة والأمم المتحدة سنة 1974.
مقالات ذات صلة سائق اردني قضى 17 عاما في السجون السورية يروي التفاصيل 2024/12/11** استغلال هروب بشار الأسد
ومع تواتر الأخبار عن هروب بشار الأسد من دمشق، سارعت إسرائيل لشن غارات جوية استهدفت مواقع عدة في العاصمة السورية، وذلك بعد وقت قصير من اجتيازها خط فض الاشتباك بحجة “استشعار الخطر على الحدود الشرقية”.
وتمثل حدود إسرائيل الشرقية -أو ما يسمى الخط الأرجواني- الحد الفاصل بين سوريا وإسرائيل وفق اتفاق فض الاشتباك الذي أوقف العمليات العسكرية بين الجانبين في أعقاب حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.
ونص الاتفاق أيضا على إعادة رسم خطوط التماس بين الجانبين في مرتفعات الجولان السوري المحتلة، وقد استعادت دمشق بموجبه بعض المناطق منها مدينة القنيطرة، التي كانت إسرائيل قد احتلتها بعد حرب يونيو/حزيران 1967.
وبموجب الاتفاق، تم إنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح تقع بين خطي تموضع القوات السورية والإسرائيلية، تنتشر فيها قوة تابعة للأمم المتحدة لمراقبة الالتزام بفض الاشتباك.
وقد أبقت القوات الإسرائيلية هضبة الجولان تحت سيطرتها، كونها مصدر تهديد جيو-عسكري، حسب وصف رئيس وزراء إسرائيل السابق ليفي أشكول، ثم أعلنت ضمها رسميا عام 1981.
وكان قرار الضم محل اعتراض دولي حتى أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيادة إسرائيل على الجولان في 25 مارس/آزار 2019.
وفي صباح 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري، بدأت إسرائيل توغلا تدريجيا نحو المنطقة منزوعة السلاح، لتفرض سيطرتها على نقاط بعمق بضعة كيلومترات، إضافة لمرتفعات جبل الشيخ الحدودية بين لبنان وسوريا.
وأمس الاثنين، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسرائيل تعمل بطريقة منهجية على تفكيك ما يسميه محور الشر، وإن فصلا جديدا من تاريخ الشرق الأوسط بدأ بسقوط بشار الأسد.
وقال نتنياهو، في كلمة مصورة، إن الجميع “بات يدرك اليوم الأهمية البالغة لسيطرتنا على هضبة الجولان التي ستبقى إلى الأبد جزءا لا يتجزأ من إسرائيل”.