الجزيرة:
2025-03-14@18:00:50 GMT

كيف يمكن أن نفهم الجولاني؟

تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT

كيف يمكن أن نفهم الجولاني؟

"الحرب هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى".

بهذه العبارة المهمة أصّل المنظر العسكري البروسي، كارل فون كلاوزفيتز، لظاهرة الحرب باعتبارها أحد مجالات ممارسة السياسة، وإحدى أدوات تحقيق الأهداف السياسية. ومن ثم فإن تقييم الانتصار في الحرب يتوقف بدرجة أساسية على مدى تحقق النهايات والغايات السياسية التي كانت الحرب قد اندلعت من أجلها، وليس فقط إحراز الانتصارات العملياتية في ساحات القتال.

ومنذ بدء عملية "ردع العدوان" التي دشَّنتها فصائل المعارضة السورية صباح الأربعاء 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أحرزت الفصائل المنضوية تحت ما يسمى "إدارة العمليات العسكرية" بقيادة السوري أحمد الشرع (الملقب بأبي محمد الجولاني) تقدما ميدانيا بالغ الاتساع في وقت قياسي، حيث لم يسبق لمعارك الثورة السورية أن حُسمت بهذا القدر من السرعة، منتقلة من إدلب إلى حلب وصولا إلى حماة المنيعة وحمص بين طرفة عين وانتباهتها، وكأنها تطوي الأرض طيا.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هل ساهم تغيّر خطاب هيئة تحرير الشام في نتائج "ردع العدوان"؟list 2 of 2القصة الكاملة لسقوط نظام الأسد في 12 يوماend of list

وقبيل فجر اليوم الثاني عشر من بدء العمليات العسكرية، كانت فصائل المعارضة قد دخلت منزل بشار الأسد بالعاصمة دمشق بعد فراره خارج البلاد رفقة زوجته وأبنائه، لتكتب بذلك نهاية 53 عاما من حكم عائلة الأسد، مثيرة بذلك العديد من التساؤلات حول شخص أحمد الشرع (الجولاني) الذي أصبح اليوم العنوان العسكري والسياسي الأبرز للمعارضة السورية. ورغم أن الشرع ليس شخصا غريبا على الأضواء في السنوات الأخيرة، فإن تاريخه القريب جعله محل جدل كبير، فمَن يكون أحمد الشرع حقا؟ وكيف تطورت أفكاره وشخصيته؟ وكيف يرى سوريا في مرحلة ما بعد الأسد؟

أحمد الشرع بين أهل حلب خلال زيارة قلعة المدينة (مواقع التواصل الاجتماعي) تحولات الفكر والأداء

على خلاف الصورة النمطية للقادة السياسيين، لا يزال الشرع في منتصف شبابه، حيث يبلغ عمره اثنين وأربعين عاما، قضى نصفها في حروب وصراعات طاحنة، وبخلاف التصور المعتاد حول المقاتلين أيضا، يمتلك الرجل حضورا إعلاميا جيدا ظهر في المقابلات القليلة التي أجراها، وهو متحدث هادئ ومفوَّه، ما مَكَّنه من تقديم نفسه ورسائله بشكل جيد مؤخرا، لكن هذه الصورة التي يبدو عليها ليست وليدة اليوم، وإنما سبكتها التجارب على مدار أكثر من عقدين.

إعلان

بدأ الشرع، أو الجولاني كما عُرف حتى وقت قريب، مسيرته شابا مقاتلا ترك بلاده ودراسته للالتحاق بصفوف المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأميركي بعد الغزو عام 2003، ومع اندلاع الثورة والحرب في سوريا انخرط الشرع في مواجهة قوات الأسد في سوريا، وقاد جهود تأسيس "جبهة النصرة" بدءا من أواخر عام 2011، حيث أسسها بتوجيه من قيادة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق الذي كان يتبع تنظيم القاعدة آنذاك. ولكن بحلول منتصف عام 2013، وقع الشقاق بين القاعدة وتنظيم الدولة، فانفصل الشرع بجبهة النصرة عن تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق، والتزم بالبيعة لأيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة.

في مقابلته الأخيرة مع شبكة "سي إن إن"، حرص الشرع على تقديم تلك الفترة بوصفها حقبة ولَّت من حياته، مؤكدا أن أفكاره الحالية لا تتشابه مع التنظيمات التي انتمى إليها يوما ما، وأنه لم يشارك يوما في ترويع أو استهداف المدنيين، وأن نضاله اليوم يسعى إلى تحرير سوريا فقط.

بدأت رحلة هذا التحول عام 2016، حين قرر الشرع أن يميط اللثام عن وجهه، معلنا الانفصال الكامل عن القاعدة، وتغيير اسم تنظيمه إلى "جبهة فتح الشام"، التي سرعان ما اندمجت مع عدد من الفصائل المسلحة، مثل حركة "نور الدين الزنكي" و"لواء الحق" و"جبهة أنصار الدين" و"أنصار السنة"، مُشكِّلة "هيئة تحرير الشام" في 28 يناير/كانون الثاني 2017.

حاول الشرع أن يُظهر أن هذا الانفصال لم يكن إجرائيا أو شكليا، كما استغل كل مناسبة ممكنة عقب الانفصال لإعادة تقديم نفسه وتقديم تنظيمه في صورة مغايرة، بدرجة كبيرة، للصورة التقليدية للتنظيمات الجهادية السلفية. ففي مقابلة مع الصحفي الأميركي "مارتن سميث" في أبريل/نيسان 2021، خرج الشرع مرتديا "بدلة" حديثة مختلفة عن الزي العسكري أو العمامة التي اعتاد الظهور بها. كما فاجأ المراقبين بتوجيه رسائل هادئة إلى المجتمع الدولي مطالبا بإعادة النظر في إدراج الهيئة على قائمة التنظيمات الإرهابية، ونافيا بشدة نيته محاربة الولايات المتحدة والغرب، وأشار الشرع في اللقاء نفسه إلى أن مقاتلي هيئة تحرير الشام لم يترددوا في مواجهة تنظيم الدولة عسكريا.

إعلان

كان الشرع قد بدأ في 2019 في توحيد الفصائل العسكرية التي لجأت إلى إدلب بعد تراجعها أمام هجمات قوات النظام السوري، وذلك إثر نشوب اقتتال داخلي بين هذه الفصائل، فأسس "غرفة عمليات الفتح المبين" لتكون مسؤولة عن تنسيق العمليات، وفي منتصف 2020، اتخذ قرارا بتوحيد الجهد العسكري، ومنع تشكيل أي فصيل أو غرفة عمليات أخرى في المناطق الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام.

لم تكن عملية توحيد الجهد العسكري سهلة، بل لاقت معارضة من أطراف مختلفة، وخاضت الهيئة بقيادة الشرع  معارك أمنية وعسكرية ضارية ضد خلايا تنظيم الدولة وتنظيم حراس الدين المرتبط بالقاعدة، وربما يكشف ذلك عن أن الشرع كان جادا تماما في الانفصال عن ماضيه المتعلق بكلا التنظيمين.

وحتى في إستراتيجيته العسكرية، ثمة مؤشرات يمكن التقاطها تشي بأن الشرع حاول إبداء قطيعة مع النهج الإستراتيجي لكلٍّ من القاعدة وتنظيم الدولة، فلم يلتزم بالإستراتيجية التقليدية للقاعدة التي تنطلق من كون التنظيم في "مرحلة دفع صائل وليس في مرحلة إقامة دولة"، كما كان يقول مؤسس التنظيم أسامة بن لادن، حيث أظهر الجولاني اهتماما كبيرا بالحكومة وبناء مؤسسات سلطة محلية في الأراضي التي استولت عليها الهيئة، كذلك فإنه ابتعد عن إستراتيجية تنظيم الدولة المنطلقة من استحضار "ملاحم آخر الزمان"، التي طبعت آثارها على خطابه، كما كان يقول أبو محمد العدناني، المتحدث باسم تنظيم الدولة، مخاطبا الغرب: "سوف نفتح رُوماكم، ونكسر صلبانكم، ونسبي نساءكم، ونبيع أبناءكم في سوق النخاسة"!

وعلى عكس التنظيمين اللذين يتبنيان رؤية عالمية أيضا، لم تظهر دلائل طوال السنوات الماضية على أن الشرع حاول تنفيذ أية عمليات خارج سوريا، ولو ضد الدول التي تدخلت لدعم الأسد مثل روسيا وإيران، وتعمد إرسال رسائل عدة بأن هدفه هو تغيير نظام الأسد فقط، دون الإضرار بمصالح أي أطراف أخرى، محاولا بذلك تفادي تصنيفه ضمن تنظيمات "الجهاد العالمي". بيد أن الشرع وتنظيمه بقيا مصنفين على قوائم الإرهاب الأميركية، لكن في مستوى دون تنظيمات الدولة والقاعدة، ومن المحتمل أن يكون ذلك أحد أسباب تجنب الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة استهدافه شخصيا أو استهداف عناصر تنظيمه.

إعلان

وفي حين يثق البعض بأن خطاب أحمد الشرع (الجولاني) وأداءه الميداني يثبتان بالفعل جدية تحولاته الفكرية وتطور مهاراته السياسية، يتشكك آخرون في مدى وصول هذه التحولات إلى درجة من الثبات والاستمرارية، وأنها لم تكن مجرد عملية تكيُّف براغماتية مؤقتة. وردا على سؤال حول ما إذا كانت تقلباته الفكرية قد وصلت إلى نهايتها أم أن ثمة تقلبات أخرى قد تأتي لاحقا، يقول الشرع في مقابلته مع "سي إن إن" في 6 ديسمبر/كانون الأول 2024: "إن الأفعال هي التي ستُثبت جدية تحولاته الفكرية وليست الأقوال".

كيف حكم إدلب؟

في الحقيقة، لقد سعى الشرع خلال السنوات الماضية إلى تحويل إدلب إلى نموذج عملي لرؤيته لمسائل الحكم والسلطة. ففي مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2017، تشكَّلت في إدلب حكومة الإنقاذ السوري، بدعم من هيئة تحرير الشام، تبع ذلك أسابيع من الصراع بين الحكومة الجديدة والحكومة السورية المؤقتة المدعومة من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، حيث قالت الأخيرة إن هيئة تحرير الشام قامت، من جانب واحد، بحل العديد من المجالس المحلية التابعة لها.

وبحلول نهاية العام، أصدرت حكومة الإنقاذ تحذيرا دعت فيه الحكومة المؤقتة إلى إخلاء مكاتبها من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة لتتولى هي السلطة فعليا. وقد تركت الهيئة لحكومة الإنقاذ مهام الإدارة المدنية ومن بينها إدارة جهاز الشرطة، مع الاكتفاء بدور الإشراف عليها. ومن جانبها، سعت الحكومة إلى تعزيز وجودها المجتمعي عبر تنفيذ مشروعات خدمة مدنية افتتح بعضها الشرع بنفسه، مثل إنشاء مدينة صناعية، إلى جانب إصلاح الطرق وشبكات المياه والصرف الصحي، وتقديم قروض زراعية لدعم المزارعين. كما عمل الشرع على مأسسة قواته العسكرية وإضفاء بعض سمات القوات النظامية عليها، من خلال إنشاء كلية عسكرية.

لاحقا، شكَّلت حكومة الإنقاذ ما عُرف باسم "إدارة الشؤون السياسية" منذ أبريل/نيسان 2022، لتكون مختصة بالتعبير عن المواقف السياسية التي تُمثِّل الحكومة، وكان أول بيان سياسي نشرته عبر حسابها على موقع "إكس" تعليقا على مجزرة التضامن التي اتُّهم فيها جنود الجيش السوري بإعدام عدد من المعتقلين السوريين والفلسطينيين، وإلقائهم في حفرة بحي التضامن في دمشق.

إعلان

وفي المجمل يمكن القول إن الشرع والهيئة وحكومة الإنقاذ قد حاولوا، بدرجة ما، تقديم نموذج إداري يسيّر الحياة نسبيا مقارنة بمحدودية الموارد وتكدس اللاجئين وصعوبة الأوضاع الأمنية، فضلا عن العزلة عن العالم. ولكن رغم هذه الخطوات، ثمة تحديات هائلة ومعقدة تعرض لها مشروع الشرع في حكم إدلب، وستُضاف إليها طبقات أخرى من التعقيد مع توسع المناطق الواقعة تحت سيطرته العسكرية، فلا يزال الجولاني مدرجا على قوائم الإرهاب الأميركية، ولا يزال تنظيمه كذلك.

وفي ظل هذه الأوضاع، ربما يكون من الصعب الحصول على الاعتراف الدولي الذي يُمكِّن من ربط اقتصاد سوريا بالعالم والخروج من حقبة العقوبات والانهيار المالي والاقتصادي، ومع أن الشرع في خطابات سابقة قد أبدى المرونة في التعامل مع المنظومة الاقتصادية العالمية، لكن هذه الخطوات لم تُقابَل بخطوات عالمية مماثلة في حالة حكم إدلب، ومن المرجح ألا تجد أيضا حلولا سريعة فيما بعد إدلب، حيث ستكون سوريا أمام مخاض طويل للتوافق على شكل مناسب للسلطة في مرحلة ما بعد الأسد، والحصول على اعتراف دولي بهذه السلطة، ولن تكون تلك مهمة سهلة في ظل تعدد الفاعلين في الملف السوري وتضارب مصالحهم، وغياب التجانس في صفوف المعارضة نفسها.

أحمد الشرع (الجولاني) في إدلب (الفرنسية) ردع العدوان.. الإدارة السياسية

لا شك أن الجولاني، أو أحمد الشرع كما قدمته عملية "ردع العدوان"، يدرك هذه التحديات، ودفعه ذلك لاستباق الزمن سعيا لمعالجتها. وبالتزامن مع انطلاق العمليات العسكرية مؤخرا ضمن عملية "ردع العدوان"، حرص الشرع على توجيه رسائل سياسية هادئة عبر مقاطع مصورة قصيرة، ومن خلال لقاءات مع وسائل إعلام غربية، فضلا عن إصدار "إدارة الشؤون السياسية" التابعة لهيئة تحرير الشام بيانات متتالية تحمل المضامين الهادئة ذاتها، في محاولة للتناغم بين العمل السياسي والإعلامي والعسكري، بشكل متميز عن الأداء السابق للثورة السورية.

إعلان

وفي لقائه مع "سي إن إن" في 6 ديسمبر/كانون الأول الحالي، حرص الشرع بشكل لافت على الابتعاد عن الخطاب العقائدي، مركِّزا على انتقاد السلوك السياسي لحكومة الأسد، قائلا إن "عقل النظام لا يتقبل حلولا سياسية"، وإن الفساد قد انتشر بشكل هائل في جسد الدولة والحكومة، وإن سوء إدارة سوريا أفقرها بدلا من إدارة مواردها بكفاءة. وقارن الشرع، في اللقاء ذاته، بين سلوك قوات الحكومة وسلوك فصائل المعارضة، فأكد أن المدن التي دخلتها لم تعانِ من تدمير أو يتعرض أهلها إلى تنكيل، بعكس المدن التي استعادتها قوات الحكومة سابقا، حيث تعرضت لإجراءات عقابية تجاه الأهالي.

أما الجانب الطائفي الذي مَثَّل سمة من سمات المشهد السوري خلال السنوات الماضية، فقد ابتعد عنه خطاب الشرع، مشيرا إلى أن المواطنين السوريين المسيحيين في حلب يعيشون بأمان بعد سيطرة المعارضة على المدينة، كما شدد على توجيه رسائل طمأنة إلى العلويين والدروز والإسماعيليين تطمئنهم على مستقبلهم، وتشدد على أنه لا يحق لأحد أن يلغي وجود طوائف أخرى أو يهمشها، وأن حكم القانون يُفترض أن يسود على الجميع.

لقد تواكبت تصريحات الشرع مع إصدار "إدارة الشؤون السياسية" لعدة بيانات، أحدها موجه لأهالي مدينة السلمية، التي يعيش بها مُكوِّن كبير من الطائفة الإسماعيلية، يطمئنهم على أرواحهم وممتلكاتهم، ويدعوهم إلى "الوقوف صفا واحدا ضد الظلم والاضطهاد"، فيما وُجِّه بيان ثانٍ لأبناء الطائفة العلوية في ريف حماة يدعوهم إلى فك الارتباط بنظام الأسد، وأن يكونوا جزءا من سوريا الجديدة التي لا تُعرف بالطائفية، حسب نص البيان.

ووُجِّه بيان ثالث إلى الأكراد بمدينة حلب يدعوهم إلى البقاء في المدينة للعيش فيها بحرية وكرامة، ويدين ما تعرضوا له سابقا من تنكيل على يد تنظيم الدولة الإسلامية، فيما ناشد بيان رابع أهالي قريتَيْ نبل والزهراء الشيعيتين بعدم الوقوف إلى جانب نظام الأسد، والتكاتف مع الشعب السوري لبناء دولة جديدة تحفظ تماسك نسيج المجتمع، وذلك بعد أن ساعدت هيئة تحرير الشام أبناء القريتين على الرجوع إلى منازلهم بأمان.

إعلان

وفيما يخص العلاقات الخارجية، والدول التي لديها مصالح في سوريا، فقد حرص الشرع على الإشارة إلى حرصه على ألا تتحول سوريا إلى مصدر للأزمات لدول الجوار، وهو ما شدد عليه في كلمة مصورة قصيرة وجَّهها إلى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خاطبه فيها بألفاظ التوقير، داعيا إياه لعدم الزج بالعراق في شؤون سوريا الداخلية، في اتساق مع بيان وجَّهته إدارة الشؤون السياسية إلى الحكومة العراقية يطمئنها بأن سوريا الجديدة ستكون صديقة للعراق وليست مصدرا للتوتر بالمنطقة، وهو ما تكرر في بيان آخر مُوجَّه للشعب اللبناني بأطيافه كافة.

كما وجَّهت إدارة الشؤون السياسية بيانا إلى موسكو يشدد على أن الثورة السورية لم تكن يوما ضد أي دولة بما فيها روسيا، ودعاها إلى عدم ربط مصالحها بشخص الأسد ونظامه، وبناء علاقات إيجابية مع الشعب السوري تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، مع التعهد في بيان إضافي بحماية رعايا روسيا والصين في سوريا والبعثات الدبلوماسية للبلدين.

في المجمل، حرص الشرع وإدارة الشؤون السياسية أن يظهروا في مظهر رجال الدولة وليس رجال الفصائل والميليشيات، ولذا أشار الرجل في لقاء "سي إن إن" إلى أن "مستقبل سوريا لن يحدده شخص يحكمها، إنما مجلس شورى يصوغ دستورا ولوائح تنظيمية لإدارة شؤون البلاد"، وأن "هيئة تحرير الشام" نفسها مجرد وسيلة يمكن الاستغناء عنها إذا انتهت وظيفتها.

بيد أن الطريق لما يقوله الشرع أو الجولاني مليء بالتفاصيل والأسئلة الشائكة التي لم يطرح لها جوابا، ولا يبدو أن ثمة جوابا حاضرا حيالها، وهو ما يضع سوريا الجريحة والممزقة أمام مرحلة انتقالية، من المحتمل أن تكون عسيرة وقلقة للغاية. فرغم الانهيارات السريعة التي تعرضت لها قوات الأسد، فإن العديد من الأطراف لديها مصالح متضاربة داخل سوريا، ولديها أيضا مساحات نفوذ وسيطرة لم تُحسم حتى بعد فرار الأسد والسيطرة على دمشق. كما أن ميراث السنوات الأولى من الثورة السورية، والصراعات البينية التي وقعت بين فرقاء الثورة، والاختلافات الأيديولوجية وتضارب الرؤى والمصالح، وحضور تيارات "التطرف"، كل ذلك يُلقي بظلال ثقيلة على مستقبل البلاد.

إعلان

لقد وضعت أربعة عشر عاما من الثورة السورية، وما رافقها من صراعات عسكرية وتدخلات خارجية، وضعت ما تبقى من البلاد على أتون من الانشطارات الطائفية والمناطقية، وتدهور اقتصادي حاد وقطاع مصرفي آيل للسقوط، ومؤسسات سياسية وأمنية ينخر فيها العطب والفساد، فضلا عن تعدد الفصائل المسلحة واحتمالية نشاط الكثير من الخلايا الكامنة، أربعة عشر عاما تلقي بظلال ثقيلة أمام مستقبل سوريا وأمام الشرع ، وتضع أسئلة كثيرة حول واقع جديد يريد أن يرتسم، وماضٍ قريب يتلكأ في الانصراف.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات أبعاد إدارة الشؤون السیاسیة هیئة تحریر الشام الثورة السوریة تنظیم الدولة ردع العدوان أحمد الشرع الشرع على إعلان وفی الشرع فی فی سوریا سی إن إن التی ت

إقرأ أيضاً:

الجولاني.. “الرئيس المجرم” مسرحية غربية بدماء سورية

يمانيون/ تقارير

بعد سقوط نظام الأسد في نوفمبر 2024، صعد الجولاني “الشرع لاحقاً” كرئيس “مؤقت” لسوريا تحت شعارات الثورة والوحدة، مدعوماً بتمويل خليجي وتركي، وتغطية غربية. لكن خلف صورة “الثائر المعتدل” تكشف الوقائع عن قائد براغماتي متقلب، صنعته المخابرات الغربية لخدمة أجندات توسعية، مستخدمة ذات الأساليب الدموية التي اتبعتها مع تنظيمي “القاعدة” و”داعش”. هذا التقرير يكشف التناقض الصارخ بين خطاب الشرع الإعلامي المُزيّن، وتاريخه الحافل بالجرائم، وتحالفه المشبوه مع أنظمة إرهابية تدعمها واشنطن وتخدم مشروع الصهيونية.

بين العراق وسوريا سيرة دموية مكتملة الإجرام

بدأت حكاية الشرع الجولاني الإرهابية في العراق مع انضمامه لتنظيم القاعدة بقيادة أبو مصعب الزرقاوي بين عامي 2004 و2006، وهناك شارك في التخطيط والتنفيذ لهجمات دموية ضد الشعب العراقي، وغالباً ما حملت ذريعة مقاومة الاحتلال الأمريكي، كانت أبرز مجازره التي شارك فيها تلك العملياتُ التي حملت البصمة الطائفية واستهدفت المدنيين العراقيين في الأسواق والأماكن العامة والمساجد والمقامات المقدسة، كتفجير مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء عام 2006، الذي أشعل، بإيعاز وتشجيع أمريكي، فتيل اقتتال أهلي أودى بحياة آلاف العراقيين. في العراق لم يكن الجولاني مجرد مقاتل، بل كان مُجنّداً بارعاً، جنّدته وأعدته المخابرات الأمريكية باحتراف عالٍ لأداء مهام كبيرة، حيث نسّق شبكات تجنيد المقاتلين الأجانب من دول عربية وأوروبية، محوّلاً معسكرات الأنبار وصلاح الدين إلى ورشات لتدريب الإرهابيين على صناعة العبوات الناسفة والعمليات الانتحارية، ما حوّل العراق إلى ساحة لتصفية حسابات داخلية وتأجيج مشاعر مذهبية وطائفية دائماً ما كان وقودها دماء الأبرياء.

سوريا: من “جبهة النصرة” إلى حكم الإجرام

مع اندلاع الاحتجاجات السورية عام 2011، نقل الجولاني جرائمه إلى سوريا تحت مظلة “الثورة السورية”، وفي أطار متقلب ومتلون كان أحد أبرز تشكيلاته التي طالت زمنياً هي ما يًسمّى “جبهة النصرة”، الذراع المحلي لتنظيم القاعدة. حوّل التنظيمُ إدلب إلى إمارة إرهابية، حافلة بالحقد والدم فأعدم مدنيين بتهم ملفقة ومن بينها “إقامة الحد” و”الردة”، وكان ضحاياها بالآلاف، ودمّر مقامات دينية شيعية، واختطف ناشطين قُضي عليهم بالإعدام المباشر والتصفيات الميدانية، وغالبيتهم قضوا تحت التعذيب. لم يكتفِ “الأمير المتلوّن” بذلك، بل استخدم المدنيين دروعاً بشرية في معارك حلب واللاذقية، ما أسفر عن مقتل عائلات بأكملها. كان أشهرها مجزرته في بلدة القصير بريف حمص عام 2013، حيث أباد العشرات من العلويين كجزء من حملة تطهير عرقي في المدينة، كما وُثّق استخدام قواته للأسلحة الكيميائية في هجوم سرمين 2017، الذي خلف عشرات الضحايا بين مدنيين عُزّل، وغالباً -وفي مشهد مماثل لما يجري اليوم في الساحل السوري- ما كان الإعلام العربي الراعي للإرهاب يجمّل وينمق صورة المجرم الجولاني وتنظيمه ورفاقه، أو يحيل جرائمه الى شماعة الأسد و”شبيحته” كما يحلو للجزيرة وإعلام الجزيرة أن تسميهم.

لم تكن الدماء وحدها عملته، فبين عامي 2015 و2020، نهب آلاف القطع الأثرية من مواقع أثرية كما فعل في مدينة تدمر، وهرّبها عبر تركيا لتمويل عملياته الإجرامية، وفي نفس الفترة، جند مئات الأطفال السوريين بعضهم لم يتجاوز 12 عاماً وأرسلهم إلى جبهات القتال.
رغم تصنيفه إرهابياً من قبلَ أمريكا وأوروبا عام 2022، واستمرار تقارير الأمم المتحدة التي تثبت تورطه في تعذيب السجناء وتهريب المخدرات، إلا أن جرائمه لم تتوقف… فقط تغيّرت الأقنعة، فتحت مسمى “هيئة تحرير الشام” واصل نفس السيناريو: قتلٌ بدم بارد، وتمويلٌ من آثار مسروقة، وعمل لمصلحة استخبارات خارجية وتحالفاتٌ مع جهات إقليمية تُزيّن الوجه الإرهابي باسم “المعارضة”، المفارقة أن نفس الدول الغربية سارعت إلى تبرئته بعد 2024 كجزء من خطّة لـ”إعادة تشكيل” سوريا.

 

التحول المفاجئ

بعد سيطرة الجماعات التكفيرية المسلحة على حلب وحمص ومن ثم دمشق تحت مظلة وغطاء الطيران الحربي الصهيوني، غيّر الشرع جلده بين عشية وضحاها: استبدل بالسلاح البدلة، ورفع شعارات الاعتدال، وقصّر كثيراً من طول شعر لحيته “القاعدية”، وبيّت حقده أو أجله أو كما يصف بعض السوريين نفّه على مكث بعيداً عن الكاميرات، لأنه بحاجة لدعم دولي يبرر الانتقال من نمطية الإجرام السابق الى صورة الزعيم الثوري الجديد، لكن الأمر لم يطُل، فسرعان ما شرعت قواته بهدم قرى العلويين في الشمال الغربي واستباحتها، بينما طال صبر الأهالي ثلاثة أشهر تصديقاً لوعود المجرم على أمل تحقيق وعوده بالأمان والسلم الأهلي والعيش المشترك للجميع، دون جدوى.

ودون انتظار كشفت الجماعات التكفيرية عن سلوكها الإجرامي بمجرّد حادثة عرضية قد تحمل مبرراتها المنطقية لكن ما يُسمى حكومة سوريا الجديدة اتخذت منها فرصة لتصفية حساباتها مع الأبرياء، وشنّ تصفية عرقية وحشية هزت ضمائر العالم، ولم تهز أنظمة الدول العربية المتماهية كلياً مع المشروع الصهيوني في المنطقة، والذي أثبت الجولاني أنه جزء منه وضليع، وأن ثمن صعوده الى السلطة منح الصهيوني جائزته المنتظرة من سوريا.
في سياق ارتداء ثوب الشرعية على الشرع عقد عدة مؤتمرات حاول عبرها بطريقة ناعمة ضم البقية من الخصوم الشركاء في السلاح إلى حكومته الجديدة، لكنه إكراهٌ على الدمج أكثر من شراكة سياسية فعلية تحمل أوجه الشراكة التأسيسية. من بين هذه المؤتمرات ما عقده في فبراير 2025، في “مؤتمر مصالحة” استثنى الأكراد والعلويين، وفرض توصياته خلال 48 ساعة فقط، ما كشف نواياه الحقيقية: إضفاء الشرعية على حكمه دون تمثيل حقيقي.
وعلى أي حال فإن القرائن تشير إلى تمويل سعودي-قطري تحت إشراف أمريكي، بهدف إحلال نموذج بديل يُنهي النفوذ الإيراني ويُسهّل التطبيع مع العدو الإسرائيلي.

قبل أيام في مارس 2025 بينما كان الشرع يلتقي قادة أوروبا، كانت جماعاتُه المسلّحة ترتكب مجازر بحق العلويين العزّل من السلاح في اللاذقية في مجازر مروّعة ترقى فعلياً الى جرائم تصفية عرقية باعتراف وإقرار المجرمين أنفسهم، ورغم أن التوجيهات صدرت لهم بعد تصوير أو على ألأقل نشر هذه المذابح إلا أن نهم الدواعش والتكفيريين كان أكبر من قدرتهم على التحمل، فنشروا مئات المشاهد التي تحمل أطناناً من الحقد والشماتة الخارجة عن الطبع الإنساني والفطرة السليمة، وبدلاً من ذلك قاموا بإخلاء الجثث قبل وصول بعثة الأمم المتحدة.
أهم الدروس في ما يجري اليوم في الساحل السوري هو أن العقيدة التكفيرية الإجرامية مستمدة من الفكر الصهيوني المجرم، وأن الأخير تفنن وبرع في صناعة وهندسة العقل التكفيري المجرم ليجني ثماره على أكثر من صعيد وفي غير مجال. تصريحاته عن “معاقبة المُقربين” كانت مجرد مسرحية لتنظيف الصورة، تماماً كما فعل عندما غيّر موقفه من “إسرائيل” بين لقاء وآخر.

الشرع والغرب أٌقل من تحالف وأكثر من خدمة

سارع الاتحاد الأوروبي لرفع العقوبات عن “سوريا الجولاني” رغم أدلة المجازر، ووقائع المذابح المتوالية في أكثر من مدينة ومنطقة سورية، جاء الرفع ضمن صفقة تضمن تقليل تدفق اللاجئين إلى أوروبا. الغرب أجرى تمثيلية بارعة استخدم هذه الورقة ببراعة انطلت على الكثير وفق وعود كاذبة بحقوق الأقليات، بينما يواصل ارتكاب المجازر بحقهم ليلاً ونهاراًً. في حين واصلت السعودية وقطر وتركيا -التي تمول الجماعات التكفيرية المسلحة في سوريا منذ 2011- لتصبح اليوم راعياً رئيسياً لها، وتحاول عبر الضخ والدعم المالي والغطاء الإعلامي تقديمهم كثوار ورجال دولة ونظام حقيقي، لكن هذه المهمة متعبة ومنهكة للغاية بسبب السلوك الإجرامي الدموي الذي يشكل جزءاً محورياً من عقيدة الجماعات التكفيرية، والتي لم تتحمل أشهراً قليلة من تمثيل مهمة الـ دولة والنظام والجيش ضمن تشكيلات الأجهزة الرسمية لما يُعرف بسوريا الجديدة، هذا كله لا يمكن فصله عن خطة أمريكية لخلق “محور سني” موالٍ للغرب، يُضعف إيران ويرسّخ التطبيع مع العدو الإسرائيلي، أما بندقيته فقد تأكد ألف مرة في غضون ثلاثة أشهر وحسب أنها لن تتوجه صوب العدو الإسرائيلي، ولن تكون كذلك مهما توغّل العدو في الأراضي السورية، وقد أوغل فعلاً في عمق أراض جنوبي سوريا.

الشرع الجولاني ليس إلا واجهة جديدة لمشروع استعماري قديم، يجري إعادة تشكيل سوريا وفق رؤية غربية-خليجية، تخدم بروية -وربما باستعجال- المشروع الصهيوني التوسعي في المنطقة، بدءاً من تُحويل البلاد إلى دولة فاشلة تُدار بالميليشيات أو صوملتها كما يروق للمحلل السياسي الكبير الأستاذ ناصر قنديل تسميتها. وجرائم الجماعات المسلحة ضد العلويين والشيعة، وتحالفه مع أنظمة إجرامية مثل تركيا والسعودية، وتلاعبه بالخطاب السياسي، كلها أدلة على أنه “صنيعة غربية” بامتياز.
السوريون يدفعون الثمن، والعالم يتفرج على مسرحية دموية تُكتَب بدايتها في واشنطن ويمولها بالسلاح والمال والإعلام للأسف أنظمة الخليج المتخمة بالمال والنفاق وكل ما لا يمت لهوية شعوبنا بصلة.

نقلا عن موقع أنصار الله

مقالات مشابهة

  • تظاهرات في القامشلي وكوباني شمال شرق سوريا تنديداً بالم,جازر التي ترتكبها عصـ.ابات الجولاني ضد أبناء الطائفة العلوية
  • ماذا تريد إسرائيل من سوريا؟
  • سوريا تقر إعلانا دستوريا لإدارة مرحلة انتقالية من خمس سنوات
  • "الشرع يكرر سيناريو الأسد".. الإدارة الذاتية الكردية تعلق على الإعلان الدستوري في سوريا
  • الجولاني يكرر ما كان يفعله الأسد.. مجلس سوريا الديمقراطية: دستور المرحلة الانتقالية غير شرعي
  • مجلس سوريا الديمقراطية: الشرع يكرر ما كان يفعله الأسد
  • سوريا.. أحمد الشرع يستقبل وفدا من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (صور)
  • الجولاني.. “الرئيس المجرم” مسرحية غربية بدماء سورية
  • “تأملات تحليلية” حول حالة سوريا ما بعد الأسد
  • فرصة كي يثبت الشرع أنه ليس "الجولاني"…