(لو تراجع الجيش.. كل ما يجرى فى سيناء سوف يتوقف حالًأ) مازال صدى هذه الكلمات حاضر فى ذاكرة المصريين وفيها تحدى القيادى الإخوانى محمد البلتاجى إرادة الملايين الذين خرجوا فى ثورة عارمة يوم الثلاثين من يونيو 2013 ضد حكم تنظيم الإخوان الإرهابى رافضين استبداد الجماعة وسعيها وحلفائها مما تسمى بأحزاب وتيارات الإسلام السياسى إلى تغيير شامل فى الهوية المصرية ونمط حياة المصريين.
كلمات البلتاجى القيادى الإخوانى الأبرز وليس غيره هى التى ربطت بين ما كان يجرى فى ميدانى رابعة والنهضة ونشاط الجماعات الإرهابية فى سيناء الذى واكب أحداث ثورة الثلاثين من يونيو.
ولم تكن وحدها التى أعطت إشارة للمحللين والمراقبين أن اعتصام رابعة والنهضة كانا بؤرة مسلحة فأغلب الخطب النارية لقيادات الجماعة أطلقت التهديدات والوعيد للشعب المصرى، وكلنا يذكر عبارة صفوت حجازى الشهيرة (اللي هيرش الرئيس مرسى بالمية هنرشه بالدم) والفيديو الشهير لأحد عناصر الجماعة والذى قبض عليه لاحقًا وقال فيه بالفم المليان (لو الرئيس مرسى مرجعش هنفجر مصر).
كانت الجماعة تراهن على إطالة أمد الاعتصام المسلح لوضع البلد فى مأزق كان سيقود لا محالة إلى فتنة كبرى؛ وكانت تدرك أيضًا أن فشل كل المحاولات السياسية لفض الاعتصام سيقود حتمًا إلى خيار الفض بالقوة، ما يعنى سقوط ضحايا راهنت على المتاجرة بدمائهم.
واليوم وبعد مرور 10 سنوات على تلك الأيام السوداء حوّل التنظيم ذكرى الاعتصام إلى حائط مبكى جديد ولا غرابة فالتنظيم الإخوانى مغلق يعيش عناصره داخل جيتوهات تشبه تمامًا الجيتوهات الصهيونية، وكلاهما متطرف والإرهاب وادعاء المظلومية مسلكه ومنهجه.
توقيت فض الاعتصام كان دقيقًا جدًا من الناحية السياسية خاصة بعد استنفاذ كل المحاولات السلمية، وتأجيله لم يكن لصالح الوطن بل كان تهديدًا حقيقيًا لبقاء الدولة.
سياسات وتوجهات نظام ثورة الثلاثين من يونيو تبقى نسبية قابلة للمعارضة والاختلاف معها، أو التأييد ودعمها لكن الثابت أن مواجهتها الحاسمة لهذا التنظيم الدموى كانت ومازالت ضرورة لصالح قضية تقدم هذا البلد.
تاريخ الإخوان معروف من ارتباط نشأتهم بالمخابرات البريطانية إلى مآلهم الأخير بالإرتماء فى أحضان المخابرات الأجنبية لاسيما البريطانية، فلا حركة ولا ساكنة للجماعة دون تنسيق مع تلك الأجهزة.
وأفكار الإخوان وأدبياتهم حاضرة وجرائمهم الدموية ماثلة ومع ذلك لم يسعوا يومًا لمراجعة أدبياتهم أو الاعتذار عن تاريخهم الدموى.
لذلك فمن الثوابت التى ترسخت بعد ثورة الثلاثين من يونيو أن جماعة الإخوان ليست فصيلًا سياسيًا وطنيًا ولا يمكن التعامل معها فكرًا وتنظيمًا بمبدأ حرية الرأى والتعبير؛ وقياس نضج حلفائها السابقين من القوى المدنية اليسارية والليبرالية باتخاذهم هذا الموقف الصارم من تلك الجماعة.
ومن الثوابت أيضًا أن كل تيار أو شخصية سياسية يتحالف مع الإخوان أو يعتبرهم تيار سياسى وطنى؛ أو يظهر على منصاتهم الإعلامية فى لندن وغيرها؛ مطعون فى مصداقيته ونزاهته ووعيه ونضجه السياسى وربما ينال الطعن من وطنيته.
تنظيم الإخوان كان شريكًا رئيسيًا فيما يسمى بالربيع العربى فى تونس وليبيا وسوريا واليمن ومصر ووظيفته الوحيدة كانت هدم الدولة وتفكيك مفهوم الوطن.
ومن أجل القيام بوظيفته على أكمل وجه أسسوا جيوشًا وطنية سموها باسم واحد فى معظم تلك البلدان (الجيش الوطنى الحر) وتحالفوا مع الدواعش وكل أطياف الجماعات والتنظيمات الإرهابية وفوق ذلك استخدموا كل الأشكال والأدوات الإعلامية لنشر أكاذيبهم وشائعاتهم وأفكارهم لتحقيق الهدف الرئيس تفكيك الدولة ومفهوم الوطن.
لم تكن تلك الوظيفة المدعومة أمريكيًا وبريطانيًا إلا تطبيق عملى لمقولة مرشد الجماعة السابق محمد مهدى عاكف التى صرح بها للكاتب الصحفى سعيد شعيب أثناء حواره الشهير حيث قال (مصر يحكمها أى مسلم إن شالله ماليزى وطظ فى مصر والمصريين).
لقد بات من المعروف بالضرورة أن الإخوان قد تلاعبوا بالهويات الوطنية بكل الدول التى تواجد بها التنظيم، وجعلوا من الدين هوية وانتماء منفصل عن الوطن بل ومتعارض معه؛ وكانت دعوتهم لإحياء دولة الخلافة الإسلامية المدخل لمحو الهوية الوطنية وتفكيك مفهوم الدولة الحديثة، فالمسلم وفقًا للإخوان وكل التيارات الإسلامية مواطن فى دولة الخلافة وليس فى بلده الأم.
ومفهوم هذا المسعى الخبيث لأنه جاء باستراتيجية بريطانية بالأساس هدفها جعل الدول فى منطقة الشرق الأوسط تعيش حالة من الاضطراب والتوتر فى تعريفها لهويتها، وبدلا من أن يصبح الدين كعقيدة مسألة شخصية، والوطن هوية وانتماء أصبح الدين هو الهوية.
وفى تسعينيات القرن الماضى تلاعب الإسلامويون ببعض القوميين العرب ليمعنوا فى ترسيخ هذا التوتر والاضطراب لدى المواطن فى منطقة الشرق الأوسط فأسسوا ما عرف حينها بالتيار القومى الإسلامى.وقد استغل الإسلامويون ضعف التوجد السياسى للأحزاب والقوى التى تتبنى فكرة القومية العربية لاسيما فى مصر؛ بقدر كبير من الانتهازية اعتقدت بعض تلك القوى أنها قد تنجح فى استغلال شعبية تنظيم الإخوان وغيره من القوى الإسلامية لاستمالة بعض المؤيدين والأنصار.
مظاهر التلاعب بالهوية المصرية من قبل تنظيم الإخوان الإرهابى لا تعد ولا تحصى، وصحيح أن الطبقة المتوسطة هى التى قادت ثورة الثلاثين من يونيو دفاعًا عن هذه الهوية عندما جسد حكم الإخوان خطرهم المحدق عليها؛ إلا أننا مازلنا بحاجة للكثير من النضال والعمل، بل والقتال الفكرى فى حرب طويلة وممتدة ضد أفكار الإخوان وكل تيارات ما يسمى بالإسلام السياسى وفى القلب منها التيار السلفى لأنها جميعًا مازالت تشكل تهديدًا خطيرًا للهوية المصرية، وأول معاركنا فى هذه الحرب الطويلة رفض انخراط أى تيار أو حركة اسلامية اخوانية أو سلفية فى العمل السياسى؛ والتعامل مع أفكار هذه الجماعات بذات الطريقة التى تعاملت بها أوروبا مع الأحزاب النازية وأفكارها.
إن واحدًا من أهم العراقيل التى تواجه مسعى الدولة المصرية لتجديد الخطاب الدينى هو استمرار ترويج الأفكار والتصورات الإخوانية والسلفية سواء عبر أحزاب أو منصات إعلامية أو شخصيات عامة تستتر بما يسميه الإسلامويون بالتقية مدعية عدم الانتماء لأى من تلك التنظيمات أو القوى لتروج أفكارها ورؤاها.
بمعنى آخر لا يمكن الحديث عن تنمية مستوى وعى وثقافة المجتمع المصرى والتقدم نحو الدولة المدنية الحديثة الديمقراطية قبل الانتصار فى معركة تجديد الخطاب الدينى وتحصين المجتمع من مناورات ومؤامرات ما يسمى بالإسلام السياسى لنشر أفكاره تارة بعباءة دينية وأخرى بغطاء مدنى مزيف.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الإسلام السياسي الهوية المصرية مصر الاخوان
إقرأ أيضاً:
عيد الجهاد و«وطنى» الوفد!
مع انتهاء الحرب العالمية الأولى ظهرت فكرة اجتماع الحلفاء المنتصرين فى الحرب لتقرير كيفية تقسيم الغنائم، «مؤتمر السلام بباريس 1919»، قرر الزعيم سعد زغلول وعلى شعراوى وعبدالعزيز فهمى الذهاب إلى مؤتمر الصلح لتمثيل مصر وطلب الاستقلال.
وذهبوا إلى دار الحماية البريطانية لمقابلة المندوب السامى البريطانى، السير ريجنالد ونجت، فى مثل هذا اليوم من العام 1918، لطلب السماح لهم بالسفر والمشاركة فى المؤتمر، إلا أن طلبهم قوبل بالرفض، وقيل إنهم لا يمثلون سوى أنفسهم فقط، فهب الشعب المصرى بكل فئاته لجمع التوكيلات لسعد زغلول ورفيقاه لتفويضهم للسفر، لتكون تلك هى النواة الأولى لثورة 1919 وتشكيل حزب الوفد، واعتبر 13 نوفمبر من كل عام عيدا للجهاد الوطنى.
وفى مثل هذا اليوم أيضا فى 1935، خطاب ألقاه السير صمويل هور، وزير الخارجية البريطانى فى لندن، تهكم فيه على الدساتير المصرية حيث وصف دستور 23 غير صالح للعمل ودستور 30 لا يتوافق مع رغبات الأمة، وأضاف أن بريطانيا نصحت بألا يتم إعدادهم من الأساس، فاندلعت المظاهرات فى القاهرة، وقابل البوليس هذه المظاهرات بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، وكان أول الذين قتلوا عاملا فى سرادق الاحتفال بعيد الجهاد، وتجددت المظاهرات فى الأيام التالية، وكانت أهم المظاهرات التى قام بها طلبة جامعة الملك فؤاد (القاهرة حاليًا)، التى تدفقت عبر كوبرى عباس، وأطلق البوليس النار عليها، فقتل عددا من الطلبة، واستمر المصريون يحتفلون فى مثل هذا اليوم من كل عام بعيد الجهاد الوطنى حتى قيام ثورة 23 يوليو 1952، التى ألغت الاحتفال.. وفى العام الماضى جاءت ذكرى عيد الجهاد فى ظروف استثنائية وهى الانتخابات الرئاسية التى شارك فيه حزب الوفد بقوة، وبرئاسة الدكتور عبدالسند يمامة، بغض النظر عن ايديولوجية المسرح الانتخابى والحالة السياسية للنظام السياسى، فهى بالتأكيد فرصة ذهبية لا تعوض أو قد لا تأتى لاحقا، لحزب الأكثر من مئة عام والأقدم عالميا وجودة فى المشهد الانتخابى يعيد توازن ديمقراطية الحياة السياسية كما أنه يعيد تدوير ميزان القوى السياسية والقضاء على فكرة الحزب الواحد والذى استمر لأكثر من ثلاثين عاما، و«الوفد» ليس مثل كل الأحزاب.. فهو تاريخ حافل بالأمجاد والمواقف الراسخة فى ذاكرة الأمة.. ولأنه قلعة العظماء الذين علّموا العالم كيف تكون الحرية والكرامة الإنسانية فى معركة الوجود! وعلّمنا أن الحق فوق القوة.. والأمة فوق الحكومة.. وإرادة أمة صنعت المعجزات فى حقبة من الظلام وعلى الاستبداد والظلم والفساد، ولأنه تاريخ لموروث عريق لأجيال قادمة لا ينكره إلا حاقد.. لأنه رمز للديمقراطية الخالصة وقداسة السيادة الشعبية. وخلاصة تجمعت فيها سلطة الأمة فغلبت سلطة الفرد وغلبت حكم الاستبدال.
فالأحزاب السياسية من التنظيمات السياسية المهمة التى تؤثر بالنظام السياسى وتضمن استمراره واستقراره؛ إذ تسعى لفتح آفاق واسعة للمشاركة فى التعددية الحزبية، حيث تقاس الحريات فى أى بلد بمزيد من التفاعل بين أركان النظام والقوى السياسية المتنوعة بكل كياناتها السياسية، بحيث تكون المشاركة الجادة فى تحديد مصير الوطن والمواطن تتوقف على مدى التناغم والتآلف بين طرفى المعادلة السياسية.. من ثم تعمل على تنشيط الحياة السياسية، وتحقق استمرارية الديمقراطية، وتؤكد أيضا على فاعلية النظام السياسى الذى قد ينتمى لنظام حزبى بعينه فى الدولة؛ بحيث تعتبر الأحزاب السياسية قناة رئيسية لصورة المشاركة السياسية فى كافة الاستحقاقات الانتخابية.
رئيس لجنة المرأة بالقليوبية وسكرتير عام اتحاد المرأة الوفدية
[email protected]