إن تحرير دمشق من قبل المعارضة السورية، بقيادة "هيئة التحرير" ، يعكس التدهور المتزايد للقوات البرية المتعددة الجنسيات التي كانت تدعم نظام بشار الأسد، لكنه يعكس أيضًا خسارة كارثية محتملة لاستثمارات روسيا الكبيرة في نظام الأسد، وموطئ قدم روسيا في البحر الأبيض المتوسط.

يمثل انهيار "نظام الأسد" انكماشًا لقدرة روسيا على فرض قوتها في المنطقة - قد تواجه روسيا الآن خسارة قاعدة بحرية في المياه الدافئة بالإضافة إلى قاعدة جوية، قد يكون الضرر الذي يلحق بقدرة موسكو على المناورة في إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط تأثيرًا استراتيجيًا على النفوذ الروسي في جميع أنحاء العالم.



قد لا يكون سقوط الأسد خسارة كاملة لبوتين

إن سقوط نظام الأسد في سوريا، الذي دعمته موسكو لسنوات عديدة، يشكل ضربة شديدة للنفوذ الروسي في الشرق الأوسط، ولكن هناك بصيص أمل واحد في هذا الأمر بالنسبة لموسكو: فسقوط نظام الأسد الموالي لروسيا لن يؤدي إلى استبداله بنظام موال للغرب، كما حدث في "الثورات الملونة" في السنوات السابقة.

ومن المرجح أيضاً أن تظل العلاقات الطيبة المستمرة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والحكومات العربية الأخرى ــ بما في ذلك المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، ومصر ــ قوية.

والسؤال الحقيقي الآن هو ما إذا كانت روسيا ستتمكن من الاحتفاظ بقاعدتها البحرية والجوية في سوريا؟

وقد لا تكون القوى المناهضة "للأسد" التي سادت للتو راغبة في السماح لها بالبقاء ــ وخاصة وأن الطائرات الحربية الروسية المتمركزة في سوريا كانت تقصفها مراراً وتكراراً حتى وقت قريب، ولكن إذا نشأ صراع على السلطة الآن بين المنتصرين في سوريا، فقد يوفر هذا لموسكو الفرصة للعمل مع بعضهم ضد آخرين… ومن بين الاحتمالات الممكنة دعم روسيا لدولة "علوية" على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط حيث تقع قاعدتاها (كانت الأقلية العلوية العمود الفقري لنظام الأسد).. إن روسيا قادرة على الاستشهاد بدعم الولايات المتحدة للكيان الكردي السوري في شمال شرق سوريا، باعتباره سابقة لروسيا للقيام بشيء مماثل للعلويين.

ومع ذلك، قد لا يكون من الممكن لموسكو الاحتفاظ بقاعدتها البحرية والجوية، إما لأن الحكومة السورية الجديدة التي يهيمن عليها "السنة" تثبت قوتها وتطرد الروس، أو لأن سوريا تنحدر إلى مثل هذه الفوضى التي لا يمكن الحفاظ على سلامة القواعد فيها.

مع انهيار وكلائها ستعيد إيران النظر في استراتيجيتها الأمنية

إن سقوط الأسد هو مسمار آخر في نعش محور المقاومة الإيراني، الأمر الذي سيدفع طهران إلى إعادة النظر في استراتيجيتها الأمنية.

في غضون أسابيع، فقدت إيران ركائزها في محور المقاومة، بعد الضربة الثقيلة التي تلقاها "حزب الله" على أيدي إسرائيل، فإن سقوط "الأسد" يشكل ضربة قاتلة لجهود النفوذ الإيرانية في الشرق الأوسط، لا شك أن هناك ارتباطاً بين الأمرين، فمن الواضح أن ضعف حزب الله، وخاصة القضاء على زعيمه حسن نصر الله، الذي كان ملتزماً شخصياً بإنقاذ الأسد، كان سبباً في تسريع الإطاحة بالنظام السوري.

ومن الصعب المبالغة في أهمية نظام "الأسد" بالنسبة لإيران… فبدونه، ضعفت قدرة إيران على إعادة بناء قوة حزب الله بشكل كبير، كما ضعفت قدرتها على تهديد إسرائيل من هذه الساحة… ولكن الأهم من ذلك كله، أن سوريا تمكنت من نفس الاستمرارية الإقليمية من إيران إلى لبنان التي أسست "الهلال الشيعي" وأعطت إيران عمقاً استراتيجياً غير مسبوق مع إبعاد الحروب عن حدودها.

ولكن انهيار النظام يظهر إلى أي مدى كانت الأدوات في أيدي إيران لإنقاذ "الأسد" بدون حزب الله معدومة تقريباً.

وتشير هذه الحقيقة أيضاً إلى ضعف إيران وقدرتها المحدودة على التأثير على ما يحدث في الشرق الأوسط بدون وكلائها، والآن سوف تضطر إيران إلى حساب مسار جديد وإيجاد حل من شأنه أن يعزز قدرتها على ردع إسرائيل والولايات المتحدة بمفردها، دون دعم حقيقي من وكلائها.

ومن المرجح أن تسعى إيران الآن إلى تعزيز قدراتها التقليدية، بما في ذلك التعجيل بصفقة طائرات سو-35 مع روسيا، وإعادة بناء نظام الدفاع الجوي، واستبدال صواريخها التي تضررت في الهجوم الإسرائيلي، ولكن من المرجح أيضا أن تفكر "طهران" في ما إذا كانت ستحدث استراتيجيتها النووية، إما بالتقدم نحو القنبلة النووية أو تقديم تنازلات أكثر أهمية للغرب على أمل التوصل إلى اتفاق نووي من شأنه أن يقلل من خطر الهجوم الخارجي على إيران.

وعلى هذا فإن الأحداث الدرامية في سوريا تتطلب أيضا التركيز على ما يحدث في دائرة صنع القرار في طهران.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: سوريا روسيا المملكة العربية السعودية فلاديمير بوتين إيران سقوط نظام الأسد سقوط نظام بشار الأسد المزيد المزيد نظام الأسد فی سوریا حزب الله

إقرأ أيضاً:

مسعى حثيث لاستقطاب سوريا لخدمة المصالح الأوروبية بعد سقوط نظام الأسد.. فيديو

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال الدكتور محمد عثمان باحث في العلاقات الدولية، إن لسوريا أهمية مركزية بالنسبة إلى دول حوض المتوسط، لاسيما، شمال المتوسط، لافتًا، إلى أن قمة غدا بروما التي سيترأسها وزير خارجية إيطاليا هدفها بلورة موقف موحد وآلية موحدة للتعاطي مع الشأن السوري وطبيعة الشروط التي سيحددها التكتل الغربي بشكل عام لتطبيع العلاقات مع سوريا ورفع العقوبات.

وأضاف "عثمان"، في لقاء ببرنامج "ملف اليوم"، الذي يقدمه الإعلامي كمال ماضي، عبر قناة "القاهرة الإخبارية": "لو لاحظنا أن أغلب الدول التي ستجتمع غدا في روما هي دول متوسطية، وتحديدا فرنسا وإيطاليا".

وتابع: "هذه الأهمية تنبع من بواعث اقتصادية وأمنية وجيوسياسية، وبالتأكيد، ثمة استغلال لانهيار نظام الأسد الذي كان في شبه قطيعة مع أغلب دول الاتحاد الأوروبي منذ اندلاع الأزمة في عام 2011".

وواصل: "نظام الأسد كان له تحالفاته الدولية والإقليمية التي لم تكن تتوافق بالضرورة مع التوجهات الغربية، وهناك مسعى حثيث لاستقطاب منظومة الحكم الجديدة في سوريا، لخدمة المصالح الأوروبية والمصالح الأمريكية بشكل عام".
 

مقالات مشابهة

  • سلطة وحكومة الجولاني في سوريا تفرض حذراً إقليمياُ أبرزها الإمارات التي تتبع سياسة التريث
  • سوريا.. إعدام علني لمسؤول سابق في نظام الأسد
  • الأمن والعقوبات.. أولويات سوريا بعد الأسد
  • بعد الجدل.. إيران تكشف هوية ومصير العجوز "الغامض" في سوريا
  • اجتماع أميركي أوروبي في روما لتقييم الوضع بسوريا بعد سقوط نظام الأسد
  • بعد شهر من سقوط نظام الأسد..وفد بحريني يبحث في سوريا العلاقات بين البلدين
  • مسعى حثيث لاستقطاب سوريا لخدمة المصالح الأوروبية بعد سقوط نظام الأسد.. فيديو
  • وثيقة سرية تكشف تهريب نظام الأسد أموالا ضخمة إلى روسيا
  • إيران :هكذا خدعتها روسيا .. وهكذا ستخرج من العراق!
  • أحمد ياسر يكتب: هل تعود إيران إلى سوريا؟