قبل رحيل الأسد بيومين.. الاقتصاد السوري بين الانهيار والصمود الوهمي
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
مرَّ الاقتصاد السوري خلال السنوات العشر الأخيرة بواحدة من أصعب مراحل التدهور، حيث لم تقتصر الأضرار على الخسائر البشرية والعسكرية، بل امتدت لتضرب العمود الفقري للاقتصاد السوري. مع دخول عام 2024، تزداد المؤشرات السلبية وضوحًا، خاصةً مع انكماش الناتج المحلي وتدهور مستويات المعيشة بشكل كارثي. وفقًا لتقرير البنك الدولي، فإن نسبة الفقر في سوريا بلغت 69% من السكان بحلول 2022، مع 27% يعيشون تحت خط الفقر المدقع، مما يجعل الأوضاع أكثر قتامة من أي وقت مضى.
في بيان صحفي للبنك الدولي قبل يومين من اختفاء ورحيل الرئيس السوري المتنازل عن السلطة بشار الأسد، بتاريخ 5 ديسمبر 2024، سعت جنباته نحو توضيح وضع اقتصادي معيَّن في الداخل السوري، تحت عنوان "سوريا: تفاقم الانكماش في معدلات النمو وتدهور رفاه الأسر السورية".
ساسية: رؤية البنك الدولي للأزمة
الناتج المحلي وسيناريو الانكماش
توقّع تقرير "المرصد الاقتصادي لسوريا" استمرار انكماش الاقتصاد في 2024 بنسبة 1.5%، بعد أن سجل تراجعًا بنسبة 1.2% في 2023. يعود ذلك إلى عدة عوامل منها ضعف النشاط التجاري، استمرار النزاعات الحدودية، وتأثيرات الزلازل الأخيرة. كما تسببت الصدمات الخارجية، مثل الأزمة المالية اللبنانية والحرب في أوكرانيا، في مضاعفة تداعيات الأزمة الداخلية.
أظهر التقرير تدهورًا مريعًا في رفاه الأسر السورية، مع تسجيل تضخم بنسبة 93% في 2023، مما أدى إلى فقدان القوة الشرائية بشكل شبه كامل. وتعتمد العديد من الأسر السورية بشكل كبير على التحويلات الخارجية، والتي ساهمت في تقليل معدلات الفقر المدقع بنسبة تصل إلى 12 نقطة مئوية. ومع ذلك، تعيش أكثر من نصف الفئات الأشد فقرًا في ثلاث محافظات فقط، هي حلب وحماة ودير الزور.
رغم تحسّن نسبي في الإنتاج الزراعي نتيجة الأحوال الجوية الجيدة، إلا أن الأضرار الواسعة التي لحقت بالبنية التحتية، وشبكات الري، وتهجير المزارعين أدت إلى تدني الإنتاج. هذا، إلى جانب اعتماد سوريا المتزايد على الواردات الغذائية، عمّق الأزمة الاقتصادية.
في نظر البيان.. ما أسباب تفاقم الوضع الاقتصادي السوري؟
١- الانكماش الاقتصادي وتداعيات الصراع:
يذكر التقرير أن الاقتصاد السوري لا يزال في حالة انكماش مستمر بسبب استمرار الصراع، الذي أدى إلى تدمير البنية التحتية وزيادة الفقر. إن تدهور الوضع الاقتصادي تزامن مع العديد من الأزمات الخارجية مثل الأزمة المالية في لبنان، جائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا، التي ضاعفت من صعوبة الوضع المحلي. كما شهد قطاع النفط تراجعًا كبيرًا، حيث انخفض الإنتاج بنسبة 5.5% في 2023 بسبب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية من جراء الزلازل والصراعات.
٢- فقر متزايد وتدهور رفاه الأسر:
وفقًا لتقرير "رفاه الأسر السورية بعد عقد من الصراع"، يعاني أكثر من 14.5 مليون سوري من الفقر، مع تسجيل بعض المناطق مثل حلب وحماة ودير الزور أعلى معدلات الفقر. كما أن الأسر التي تعيلها النساء والأسر النازحة داخليًا تعتبر الأكثر تعرضًا لمخاطر الفقر. رغم هذا، فإن التحويلات المالية من الخارج كانت تمثل شريان حياة لكثير من الأسر السورية، إذ أسهمت في تقليص معدلات الفقر المدقع بنحو 12 نقطة مئوية.
٣- التضخم وارتفاع الأسعار:
مع تراجع قيمة الليرة السورية بنسبة 141% مقابل الدولار الأمريكي في 2023، ارتفعت معدلات التضخم بشكل غير مسبوق بنسبة 93%. أدى ذلك إلى تآكل القوة الشرائية للأسر السورية، مما جعل تأمين الاحتياجات الأساسية أمرًا شبه مستحيل في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمحروقات. كما قامت الحكومة بخفض الدعم على السلع الأساسية بشكل مستمر، مما زاد من معاناة المواطنين.
٤- التحديات في القطاع الزراعي والصناعي:
رغم تحسن أحوال الطقس في 2023، إلا أن القطاع الزراعي السوري لا يزال يعاني من تدهور كبير بسبب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية ونزوح المزارعين. هذا بالإضافة إلى ضعف الإنتاج الصناعي بسبب الأضرار التي لحقت بالمنشآت الصناعية المحلية، مما جعل سوريا تعتمد بشكل أكبر على الواردات لتلبية احتياجاتها.
يتوقع الخبراء استمرار تراجع الاقتصاد السوري في ظل الظروف الراهنة. من المحتمل أن يستمر استنزاف القدرة الشرائية للأسر بسبب التضخم المستمر، فضلًا عن استمرار غياب الاستقرار الأمني والسياسي الذي يمنع جذب الاستثمارات الخاصة. في الوقت نفسه، هناك تخوفات من مزيد من تراجع قيمة العملة السورية، مما سيزيد من الضغوط على المواطنين.
ختامًا، مع استمرار تدهور الوضع الاقتصادي، فإن سوريا قد تشهد المزيد من التحديات خلال السنوات المقبلة. تبقى الأسئلة حول قدرة النظام السوري على التكيف مع هذه الأزمات، خاصة في ظل الانهيار المتسارع للاقتصاد وارتفاع معدلات الفقر. وبناءً على تقارير البنك الدولي والتحليلات الاقتصادية، قد تتطلب المرحلة المقبلة تغييرات هيكلية ضخمة في السياسات المحلية والدولية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الصراع السوري تقرير البنك الدولي الانكماش الاقتصادي الفقر المدقع التضخم الليرة السورية ارتفاع الأسعار القطاع الزراعي القطاع الصناعي التحويلات المالية الأسر السورية المساعدات الانسانية النزاع الداخلي دعم السلع الأساسية الاقتصاد السوری معدلات الفقر التی لحقت الأسر ا
إقرأ أيضاً:
الأمن السوري ينجح في تحرير عناصره من فلول الأسد باللاذقية
قالت إدارة الأمن العام في محافظة اللاذقية السورية إنه تم تحرير عناصر تابعة لها من قبضة "فلول نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد" بعد مقتل 7 من الفلول، بينهم قائد المجموعة.
وقال مصدر أمني سوري لمراسل الجزيرة في اللاذقية في وقت سابق إن اثنين من عناصر إدارة الأمن العام قتلا وأصيب آخرون إثر هجوم شنه "فلول لنظام الأسد" على دورية للإدارة في محيط القرداحة بريف اللاذقية.
وأضاف المصدر أن فلول النظام اختطفوا 7 من عناصر الأمن وهددوا بذبحهم إذا لم تنسحب القوات من المنطقة.
وأفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) بأن أحد قادة فلول النظام المخلوع المدعو بسام حسام الدين فجّر نفسه خلال الاشتباكات التي اندلعت أثناء محاولة تحرير عناصر أمن تم أسرهم سابقا.
وقال مدير إدارة الأمن العام في اللاذقية المقدم مصطفى كنيفاتي إن حسام الدين هو نفسه الشخص الذي هدد بذبح عناصر الأمن في مقطع مصور تم تداوله قبل ساعات من الواقعة.
وأكد كنيفاتي أن قوات الأمن تمكنت بالتعاون مع إدارة العمليات العسكرية من تحرير عناصر الأمن الذين كانوا محتجزين لدى فلول النظام المخلوع.
وأشار إلى أن الفلول يتخذون من المنازل المدنية والمناطق الجبلية والأودية ملاذا لتنفيذ هجماتهم ضد قوات الأمن والمدنيين.
إعلانوذكرت وكالة سانا أن عمليات تمشيط تُجرى حاليا في منطقة جبلة للقبض على عناصر فلول النظام المخلوع، بعد سلسلة هجمات استهدفت ثكنات عسكرية ومدنيين.
ونقلت الوكالة عن مصدر عسكري قوله إن قوات إدارة العمليات العسكرية أطلقت حملة عسكرية في ريف اللاذقية لملاحقة الفلول وتأمين المنطقة.
صور من عمليات التمشيط التي بدأتها إدارة الأمن العام بالتعاون مع إدارة العمليات العسكرية في منطقة جبلة بريف اللاذقية بحثاً عن فلول ميليشيات الأسد pic.twitter.com/iewrWh5dNa
— محمد الفيصل || M . faisal (@mhmdfaisel) January 14, 2025
دعوات للتعاونوأكد كنيفاتي أن قوات الأمن لن تتهاون في ملاحقة فلول النظام المخلوع، إذ قال في تصريحاته "لن نتهاون مع هؤلاء المجرمين، وسنسعى لاستعادة أسرانا من أيديهم، ونحمي أهلنا المدنيين من إجرامهم ونطهر سوريا منهم".
ودعا كنيفاتي السكان المدنيين في منطقة جبلة ومحيطها إلى التعاون الكامل مع قوات الأمن لإنهاء عمليات التمشيط وضمان أمن المنطقة.
من جانبه، قال محافظ اللاذقية محمد عثمان في مقابلة مع الجزيرة إن انتشار الأسلحة في المحافظة يمثل تحديا أمنيا كبيرا، مطالبا عناصر الأمن والجيش في النظام السابق بتسليم أسلحتهم للمساهمة في استعادة الاستقرار.
وفي سياق متصل، أفاد مراسل الجزيرة نقلا عن مصدر أمني بأن إدارة الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال نفذت حملة تمشيط واسعة في مدينة دوما بالغوطة الشرقية في ريف دمشق بحثا عن فلول نظام الأسد ومن تورطوا في انتهاكات وجرائم بحق السوريين.
وفرضت قوات الأمن حظر تجول في المدينة، وسط معلومات عن وجود أسلحة وذخائر خبأتها فلول النظام المخلوع.
عناصر من فلول النظام البائد بعد القبض عليهم في ريف جبلة في محافظة اللاذقية بعد أن قاموا بخطف عدد من عناصر الأمن العام أثناء تواجدهم في المنطقة pic.twitter.com/lhICs8w2ZS
— أرشيف الثورة السورية Syrian Revolution Archive (@syr_rev_archive) January 14, 2025
إعلانكذلك، ذكر مراسل الجزيرة أن دوريات الأمن العام والإدارة العسكرية تواصل عمليات التمشيط في حمص وريفها، لتعزيز الأمن والبحث عن مستودعات الأسلحة وملاحقة فلول النظام المخلوع.
كما افتتحت قوى الأمن مركزا جديدا للتسويات في مدينة القصير بريف حمص بالتزامن مع استمرار عمليات التسوية لعناصر النظام المخلوع، في خطوة تهدف إلى دمج المتورطين السابقين في المجتمع وفق شروط وضوابط محددة.
وتأتي هذه التطورات في إطار الجهود الأمنية المستمرة التي تبذلها الإدارة السورية الجديدة لملاحقة فلول نظام الأسد والمجموعات المسلحة التي تتسبب في زعزعة الاستقرار بمختلف مناطق البلاد.
وفي 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 تمكنت فصائل المعارضة السورية المسلحة من بسط سيطرتها على العاصمة دمشق بعد سلسلة من الانتصارات في مدن أخرى، منهية بذلك 61 عاما من حكم حزب البعث الدموي و53 عاما من حكم عائلة الأسد.