دكتور هشام عثمان
الأسد والبرهان: كش ملك
مشهد متكرر: القيادة في مواجهة التغيير
الأسد والبرهان يمثلان نموذجين متشابهين لقادة اختاروا مواجهة التغيير بشراسة بدلًا من التكيف معه. الأول تعامل مع ثورة تطالب بالحرية والكرامة، والثاني مع انتفاضة تبحث عن دولة مدنية ديمقراطية تنهي عقودًا من حكم العسكر. التشابه يكمن في رفض كليهما الحلول السلمية واعتمادهما على الحلفاء الخارجيين، لكن السياقين يقدمان تباينات تعزز التحليل.
---
الأسد: النظام الذي صمد بثمن باهظ
سوريا قبل 2011 كانت نموذجًا لدولة مستبدة ذات استقرار زائف، حيث حكم الأسد الأب والابن بقبضة أمنية حديدية وتوازنات طائفية دقيقة. عند اندلاع الثورة، كان أمام الأسد خياران: القبول بالإصلاحات التدريجية أو استخدام القوة. اختار الحل الثاني، مما قاد إلى حرب أهلية مدمرة أفرزت ثلاث نتائج رئيسية:
1. تحول سوريا إلى ساحة للصراعات الدولية: تدخلت قوى كبرى وإقليمية مثل روسيا، إيران، وتركيا، مما جعل القرار السوري مرهونًا لهذه الأطراف.
2. انهيار الاقتصاد والمجتمع: الحرب قضت على البنية التحتية، وأدت إلى نزوح الملايين، وتآكل الاقتصاد، مع فقدان الدولة القدرة على تقديم الخدمات.
3. بقاء الأسد على حساب السيادة الوطنية: دعم روسيا وإيران، رغم أهميته لبقاء النظام، جعل سوريا رهينة لمصالح تلك القوى، مما قضى على أي فرصة لاستعادة سيادة حقيقية.
---
البرهان: قائد على خطى الهزيمة؟
على الجانب الآخر، السودان يشهد صراعًا مختلفًا في التفاصيل، لكنه مشابه في النهج. البرهان، كقائد عسكري، يرفض الاعتراف بأن السودان يمر بمرحلة تحول ديمقراطي تتطلب إعادة هيكلة السلطة. منذ بداية الصراع مع قوات الدعم السريع في أبريل 2023، أصبح البرهان أكثر تعنتًا، رافضًا:
1. الحلول السياسية الشاملة: مثل اتفاقيات تقاسم السلطة أو الحكومة الانتقالية، والتي يُنظر إليها كتهديد مباشر لنفوذه.
2. الاعتراف بدور القوى الثورية والمدنية: التي تعتبر العمود الفقري للحراك السوداني.
مع ذلك، بدأ البرهان في البحث عن دعم خارجي من قوى مثل روسيا، التي تسعى لتعزيز نفوذها في أفريقيا من خلال السودان، وإيران، التي ترى في البحر الأحمر بوابة استراتيجية جديدة. هذا التشبث بالخارج يبرز التشابه مع الأسد، ولكنه يفتح الباب لتحليل أعمق.
---
تحليل مقارن: أين تتقاطع المصائر؟
1. التحالفات الخارجية كأداة ضعف:
الأسد: روسيا وإيران ضمنت بقاء الأسد، لكنها حولت سوريا إلى ساحة للصراعات الإقليمية والدولية، ووضعت مستقبل النظام في مهب الريح عند تغير الحسابات الدولية.
البرهان: يعتمد على روسيا في محاولة لتعزيز موقفه العسكري، وعلى إيران كحليف محتمل. لكن هذه التحالفات قد تأتي بثمن باهظ، إذ ستجعل السودان ساحة جديدة للصراع بين القوى الإقليمية مثل السعودية ومصر من جهة، وإيران وروسيا من جهة أخرى.
2. التكلفة الإنسانية والاقتصادية:
سوريا أصبحت مثالًا على الكارثة الإنسانية: أكثر من نصف السكان نزحوا داخليًا أو خارجيًا، بينما يعيش الباقون في فقر مدقع.
السودان يسير على المسار نفسه: تفاقم النزوح الداخلي، انهيار الاقتصاد، وظهور المجاعات في بعض المناطق. استمرار الحرب سيحول السودان إلى "سوريا أخرى" في قلب أفريقيا.
3. فقدان الشرعية:
الأسد فقد شرعيته أمام شعبه ومعظم المجتمع الدولي، وأصبح يُنظر إليه كقائد باقٍ فقط بفضل الدعم الخارجي.
البرهان يسير على نفس الخطى: موقفه المتعنت يضعف شعبيته حتى بين مؤيديه، بينما تنظر القوى الدولية إليه كجزء من المشكلة وليس الحل.
---
السودان: هل يكرر مأساة سوريا؟
رغم التشابهات العديدة، هناك اختلافات يمكن أن تمنح السودان فرصة لتجنب المصير السوري:
1. وجود حركة مدنية قوية: الثورة السودانية، رغم صعوباتها، لا تزال تمثل نموذجًا قويًا للمطالبة بالتغيير الديمقراطي. إذا تمكنت القوى المدنية من تنظيم صفوفها، فقد تشكل ضغطًا داخليًا لا يمكن للبرهان تجاهله.
2. التوازن الإقليمي: السودان يقع في منطقة شديدة الحساسية، حيث تتداخل مصالح دول كبرى مثل مصر والسعودية. هذه الدول قد تسعى لتجنب انهيار السودان بالكامل، مما قد يفتح الباب لحلول سياسية بديلة.
3. الدعم الدولي المشروط: على عكس سوريا، المجتمع الدولي ينظر إلى السودان كدولة ذات أهمية استراتيجية، وبالتالي قد يتدخل بفاعلية أكبر لمنع انزلاقها إلى صراع طويل الأمد.
---
هل البرهان أمام "كش ملك"؟
البرهان اليوم في وضع مشابه جدًا للأسد في بداية الثورة السورية. يمكنه اختيار طريق التسوية السياسية التي تضمن انتقالًا سلسًا للسلطة، أو المضي قدمًا في الخيار العسكري المدعوم من قوى خارجية. إذا استمر في الخيار الثاني، فإنه يعرض نفسه والسودان إلى خطر التحول إلى "دولة فاشلة"، حيث يصبح هو مجرد لاعب في صراع أكبر، بلا سيادة أو شرعية.
لكن على عكس الأسد، البرهان يواجه شعبًا لم يفقد الأمل في التغيير، وحراكًا مدنيًا أثبت مرارًا قدرته على إعادة صياغة المشهد السياسي. القرار في يديه الآن، لكنه يحتاج إلى قراءة أعمق للتاريخ والسياق السوداني.
---
دروس من التاريخ
التاريخ يعيد نفسه، ولكن القادة العظماء هم من يتعلمون من أخطاء من سبقوهم. إذا أراد البرهان تجنب مصير الأسد، فعليه أن يدرك أن الحلول العسكرية والتحالفات الخارجية ليست بديلًا للحلول السياسية التي تعكس تطلعات الشعب. السودان ليس بحاجة إلى "قيصر جديد"، بل إلى قائد يدرك قيمة التسوية والتوافق الوطني. الوقت لا يزال في صالحه، ولكن ليس لوقت طويل.
إن رفض البرهان للحلول السلمية واعتماده على قوى خارجية مثل روسيا وإيران قد يُعجّل بانهيار نظامه، ويضعه أمام مصير مشابه للأسد. لكنه يمتلك فرصة لتجنب هذا المصير من خلال الاستجابة لمطالب الشعب السوداني والانخراط في تسوية شاملة. القرار الآن بيده، لكن الوقت ليس في صالحه.
hishamosman315@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
بايدن يسعى لمواجهة توطد علاقات روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية
قال مسؤولون أميركيون إن الرئيس جو بايدن يضغط على أجهزة الأمن القومي لوضع إستراتيجيات جديدة لمواجهة توطد العلاقات بين روسيا وإيران وكوريا الشمالية والصين على نحو ينطوي على مخاطر، وذلك قبل تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب الشهر المقبل.
وحسب وكالة رويترز، فقد خلص بايدن -في مذكرة "سرية" عن الأمن القومي صدرت أمس الثلاثاء- إلى أن روسيا تزود حليفتها إيران بطائرات مقاتلة وأنظمة دفاع صاروخية وتكنولوجيا فضائية في مقابل الحصول على مساعدتها في المجهود الحربي بأوكرانيا.
كما تزود روسيا كوريا الشمالية بالوقود والمال والتكنولوجيا، وتعترف بها دولة نووية بحكم الأمر الواقع، وقالت الإدارة الأميركية إن روسيا تجري دوريات مشتركة مع الصين في القطب الشمالي.
وسبق أن طعنت روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية في صحة تقييمات مماثلة، واتهمت الولايات المتحدة بممارسة سلوك مزعزع للاستقرار.
ويأمر بايدن في الوثيقة الجديدة أذرعا مختلفة من الحكومة الأميركية بإعادة هيكلة مجموعات منظمة حاليا حسب المنطقة، للتركيز بشكل أفضل على القضايا التي تربط الدول الأربع، وتمتد عبر أوروبا وآسيا.
وقد ينفذ الجمهوري ترامب، الذي سيتولى منصبه في 20 يناير/كانون الثاني، الإستراتيجيات والسياسات المقترحة في الوثيقة، أو يرفضها بالكامل.
إعلان خيارات جديدةوقال أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية "عندما يطلع الفريق الجديد على الوثيقة، لا أعتقد أنهم سيرون فيها أي شيء يدفعهم نحو تبني خيار سياسي معين".
وذكر مسؤول آخر أنهم يريدون طرح "خيارات جديدة حتى يتمكن الفريق الجديد والكونغرس من بدء العمل سريعا".
وأضاف المسؤولون أن التحديات المقبلة تشمل ضمان تطبيق أي عقوبات أو قيود تصدير مفروضة على الدول الأربع بطريقة منسقة لا تخاطر بردود فعل سلبية من تلك الدول، وتمكين الولايات المتحدة من التعامل بشكل أفضل مع الأزمات المتزامنة التي تشمل عددا من هذه الدول. فهناك قوات من كوريا الشمالية في روسيا حاليا، على سبيل المثال.
وقال أحد المسؤولين "نحن في عالم يتعلم فيه خصومنا ومنافسونا من بعضهم البعض بسرعة كبيرة".
وذكر مسؤول آخر أن التعاون بين الدول له حدود رغم ذلك، مثلما تبين في فشل روسيا وإيران في مساعدة حليفهما الرئيس السوري السابق بشار الأسد الذي أطاحت به المعارضة في مطلع الأسبوع.
وأضاف "هذا التغيير يثير تساؤلات لدى الصين عن نوع المستقبل الذي تريده وما إذا كانت تريد حقا أن تكون جزءا من هذه المجموعة".