سودانايل:
2025-01-11@04:53:00 GMT

الأسد والبرهان: كش ملك

تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT

دكتور هشام عثمان

الأسد والبرهان: كش ملك

مشهد متكرر: القيادة في مواجهة التغيير

الأسد والبرهان يمثلان نموذجين متشابهين لقادة اختاروا مواجهة التغيير بشراسة بدلًا من التكيف معه. الأول تعامل مع ثورة تطالب بالحرية والكرامة، والثاني مع انتفاضة تبحث عن دولة مدنية ديمقراطية تنهي عقودًا من حكم العسكر. التشابه يكمن في رفض كليهما الحلول السلمية واعتمادهما على الحلفاء الخارجيين، لكن السياقين يقدمان تباينات تعزز التحليل.



---

الأسد: النظام الذي صمد بثمن باهظ

سوريا قبل 2011 كانت نموذجًا لدولة مستبدة ذات استقرار زائف، حيث حكم الأسد الأب والابن بقبضة أمنية حديدية وتوازنات طائفية دقيقة. عند اندلاع الثورة، كان أمام الأسد خياران: القبول بالإصلاحات التدريجية أو استخدام القوة. اختار الحل الثاني، مما قاد إلى حرب أهلية مدمرة أفرزت ثلاث نتائج رئيسية:

1. تحول سوريا إلى ساحة للصراعات الدولية: تدخلت قوى كبرى وإقليمية مثل روسيا، إيران، وتركيا، مما جعل القرار السوري مرهونًا لهذه الأطراف.

2. انهيار الاقتصاد والمجتمع: الحرب قضت على البنية التحتية، وأدت إلى نزوح الملايين، وتآكل الاقتصاد، مع فقدان الدولة القدرة على تقديم الخدمات.

3. بقاء الأسد على حساب السيادة الوطنية: دعم روسيا وإيران، رغم أهميته لبقاء النظام، جعل سوريا رهينة لمصالح تلك القوى، مما قضى على أي فرصة لاستعادة سيادة حقيقية.

---

البرهان: قائد على خطى الهزيمة؟

على الجانب الآخر، السودان يشهد صراعًا مختلفًا في التفاصيل، لكنه مشابه في النهج. البرهان، كقائد عسكري، يرفض الاعتراف بأن السودان يمر بمرحلة تحول ديمقراطي تتطلب إعادة هيكلة السلطة. منذ بداية الصراع مع قوات الدعم السريع في أبريل 2023، أصبح البرهان أكثر تعنتًا، رافضًا:

1. الحلول السياسية الشاملة: مثل اتفاقيات تقاسم السلطة أو الحكومة الانتقالية، والتي يُنظر إليها كتهديد مباشر لنفوذه.

2. الاعتراف بدور القوى الثورية والمدنية: التي تعتبر العمود الفقري للحراك السوداني.

مع ذلك، بدأ البرهان في البحث عن دعم خارجي من قوى مثل روسيا، التي تسعى لتعزيز نفوذها في أفريقيا من خلال السودان، وإيران، التي ترى في البحر الأحمر بوابة استراتيجية جديدة. هذا التشبث بالخارج يبرز التشابه مع الأسد، ولكنه يفتح الباب لتحليل أعمق.

---

تحليل مقارن: أين تتقاطع المصائر؟

1. التحالفات الخارجية كأداة ضعف:

الأسد: روسيا وإيران ضمنت بقاء الأسد، لكنها حولت سوريا إلى ساحة للصراعات الإقليمية والدولية، ووضعت مستقبل النظام في مهب الريح عند تغير الحسابات الدولية.

البرهان: يعتمد على روسيا في محاولة لتعزيز موقفه العسكري، وعلى إيران كحليف محتمل. لكن هذه التحالفات قد تأتي بثمن باهظ، إذ ستجعل السودان ساحة جديدة للصراع بين القوى الإقليمية مثل السعودية ومصر من جهة، وإيران وروسيا من جهة أخرى.

2. التكلفة الإنسانية والاقتصادية:

سوريا أصبحت مثالًا على الكارثة الإنسانية: أكثر من نصف السكان نزحوا داخليًا أو خارجيًا، بينما يعيش الباقون في فقر مدقع.

السودان يسير على المسار نفسه: تفاقم النزوح الداخلي، انهيار الاقتصاد، وظهور المجاعات في بعض المناطق. استمرار الحرب سيحول السودان إلى "سوريا أخرى" في قلب أفريقيا.

3. فقدان الشرعية:

الأسد فقد شرعيته أمام شعبه ومعظم المجتمع الدولي، وأصبح يُنظر إليه كقائد باقٍ فقط بفضل الدعم الخارجي.

البرهان يسير على نفس الخطى: موقفه المتعنت يضعف شعبيته حتى بين مؤيديه، بينما تنظر القوى الدولية إليه كجزء من المشكلة وليس الحل.

---

السودان: هل يكرر مأساة سوريا؟

رغم التشابهات العديدة، هناك اختلافات يمكن أن تمنح السودان فرصة لتجنب المصير السوري:

1. وجود حركة مدنية قوية: الثورة السودانية، رغم صعوباتها، لا تزال تمثل نموذجًا قويًا للمطالبة بالتغيير الديمقراطي. إذا تمكنت القوى المدنية من تنظيم صفوفها، فقد تشكل ضغطًا داخليًا لا يمكن للبرهان تجاهله.

2. التوازن الإقليمي: السودان يقع في منطقة شديدة الحساسية، حيث تتداخل مصالح دول كبرى مثل مصر والسعودية. هذه الدول قد تسعى لتجنب انهيار السودان بالكامل، مما قد يفتح الباب لحلول سياسية بديلة.

3. الدعم الدولي المشروط: على عكس سوريا، المجتمع الدولي ينظر إلى السودان كدولة ذات أهمية استراتيجية، وبالتالي قد يتدخل بفاعلية أكبر لمنع انزلاقها إلى صراع طويل الأمد.

---

هل البرهان أمام "كش ملك"؟

البرهان اليوم في وضع مشابه جدًا للأسد في بداية الثورة السورية. يمكنه اختيار طريق التسوية السياسية التي تضمن انتقالًا سلسًا للسلطة، أو المضي قدمًا في الخيار العسكري المدعوم من قوى خارجية. إذا استمر في الخيار الثاني، فإنه يعرض نفسه والسودان إلى خطر التحول إلى "دولة فاشلة"، حيث يصبح هو مجرد لاعب في صراع أكبر، بلا سيادة أو شرعية.

لكن على عكس الأسد، البرهان يواجه شعبًا لم يفقد الأمل في التغيير، وحراكًا مدنيًا أثبت مرارًا قدرته على إعادة صياغة المشهد السياسي. القرار في يديه الآن، لكنه يحتاج إلى قراءة أعمق للتاريخ والسياق السوداني.

---

دروس من التاريخ

التاريخ يعيد نفسه، ولكن القادة العظماء هم من يتعلمون من أخطاء من سبقوهم. إذا أراد البرهان تجنب مصير الأسد، فعليه أن يدرك أن الحلول العسكرية والتحالفات الخارجية ليست بديلًا للحلول السياسية التي تعكس تطلعات الشعب. السودان ليس بحاجة إلى "قيصر جديد"، بل إلى قائد يدرك قيمة التسوية والتوافق الوطني. الوقت لا يزال في صالحه، ولكن ليس لوقت طويل.

إن رفض البرهان للحلول السلمية واعتماده على قوى خارجية مثل روسيا وإيران قد يُعجّل بانهيار نظامه، ويضعه أمام مصير مشابه للأسد. لكنه يمتلك فرصة لتجنب هذا المصير من خلال الاستجابة لمطالب الشعب السوداني والانخراط في تسوية شاملة. القرار الآن بيده، لكن الوقت ليس في صالحه.

hishamosman315@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

بيان لسفيرة الولايات المتحدة: الطرفان المتحاربان يتحملان مسؤولية أعمال العنف والمعاناة التي تشهدها السودان ويفتقران إلى الشرعية لحكم السودان

حدد وزير الخارجية أنتوني بلينكن اليوم قيام عناصر من قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها بارتكاب إبادة جماعية في السودان، وأتى ذلك بعد مراجعة متأنية للوقائع وتحليل قانوني شامل.

7 كانون الثاني/يناير 2025

بعثة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة
مكتب الصحافة والدبلوماسية العامة
7 كانون الثاني/يناير 2025

حدد وزير الخارجية أنتوني بلينكن اليوم قيام عناصر من قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها بارتكاب إبادة جماعية في السودان، وأتى ذلك بعد مراجعة متأنية للوقائع وتحليل قانوني شامل.

ويبني تحديد وقوع الإبادة هذا على إعلان الوزير بلينكن في شهر كانون الأول/ديسمبر 2023 عن مسؤولية عناصر من قوات الدعم السريع والميليشيات العربية المتحالفة معها عن ارتكاب أعمال تطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية. وقد حدد الوزير بلينكن في العام 2023 أيضا مسؤولية عناصر من قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية عن ارتكاب جرائم حرب.

وبالإضافة إلى تحديد وقوع الإبادة الذي نعلن عنه اليوم، تم فرض عقوبات على سبع شركات تمتلكها قوات الدعم السريع وتقع مقراتها في الإمارات العربية المتحدة وعلى فرد مسؤول عن شراء أسلحة لقوات الدعم السريع.

لقد تجاهل قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي بشكل متعمد الالتزامات بموجب القانون الإنساني الدولي، وإعلان جدة للعام 2023 والخاص بالالتزام بحماية المدنيين في السودان، ومدونة قواعد السلوك للعام 2024 التي أطلقتها مبادرة “متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح وتحقيق السلام في السودان”.

ينبغي تحقيق المساءلة عن هذه الفظائع، لذا فرضت الولايات المتحدة إلى جانب تحديد وقوع الإبادة عقوبات على حميدتي لدوره المحوري في تأجيج الحرب في السودان. وقد تم أيضا إدراج حميدتي على قوائم العقوبات بموجب المادة 7031(ج) لتورطه في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات اغتصاب جماعية لمدنيين على يد جنود قوات الدعم السريع تحت أمرته.

وفرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (أوفاك) التابع لوزارة الخزانة اليوم عقوبات على حميدتي بموجب الأمر التنفيذي رقم 14098 الخاص بـ “فرض عقوبات على بعض الأشخاص الذين يزعزعون استقرار السودان ويقوضون هدف الانتقال الديمقراطي”، وقد تم فرض العقوبات بسبب قيام قوات الدعم السريع بقتل عشرات الآلاف وتشريد 12 مليون شخص والتسبب بمجاعة واسعة النطاق في مختلف أنحاء السودان.

لا تدعم الولايات المتحدة أيا من طرفي هذه الحرب ولا تشير هذه الإجراءات ضد حميدتي وقوات الدعم السريع إلى أي دعم للقوات المسلحة السودانية أو محاباة لها، فقد وجهت هذه الأخيرة ضربات جوية وهجمات مدفعية ضد المدنيين، وتواصل عرقلة عمليات تسليم إيصال المساعدات الإنسانية. ويتحمل الطرفان المتحاربان مسؤولية أعمال العنف والمعاناة التي تشهدها السودان ويفتقران إلى الشرعية لحكم السودان بشكل سلمي في المستقبل.

كان ينبغي أن يقوم الطرفان المتحاربان بالتخلي عن سلاحهما منذ وقت طويل، وتسهيل تدفق المساعدات الإنسانية بلا عوائق، والوفاء بالتزاماتهما بموجب القانون الإنساني الدولي، فالشعب السوداني يطالب بالحماية والسلام والعدالة ويستحق الحصول على مطالبه هذه.

لقد دعوت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي منذ اندلاع هذه الحرب إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات لوضع حد لهذه المعاناة التي تفوق التصور، وقمت بالدعوة إلى عقد اجتماعات عديدة ضمن مجلس الأمن الدولي وخارجه، إلا أن ذلك ليس بكاف. وهذه خطوة صغيرة تهدف إلى اتخاذ إجراءات باتجاه مساءلة الطرفين المتحاربين.

الولايات المتحدة هي أكبر جهة مانحة للمساعدات الإنسانية للشعب السوداني، وتبقى ملتزمة بتخفيف معاناة العديد من السودانيين الضعفاء العالقين في هذه الحرب، وهي ملتزمة بمساعدة الشعب السوداني ليكون له صوت ويبني مستقبله بنفسه.

وسنواصل في الأيام المقبلة اتخاذ إجراءات ضد من يقوضون الأمن والاستقرار في السودان واستخدام كافة الأدوات المتاحة لتعزيز السلام والمساءلة والديمقراطية للشعب السوداني.  

مقالات مشابهة

  • سلطة وحكومة الجولاني في سوريا تفرض حذراً إقليمياُ أبرزها الإمارات التي تتبع سياسة التريث
  • آخر رئيس وزراء يكشف الساعات الأخيرة لنظام الأسد وقرارات بشار التي دمرت الدولة (فيديو)
  • حكومة مدنيه في اراضي الدعم السريع هي الوحيدة التي ستحفظ وحدة السودان، فمم وًلماذا تخافون ؟
  • الازمة الدستورية خانقة التي يمر بها السودان
  • البرهان يبدأ جولة افريقية ويزور أربع دول
  • وثيقة سرية تكشف تهريب نظام الأسد أموالا ضخمة إلى روسيا
  • المطلوب من أمريكا، التعامل مع مصدر الأسلحة التي تقتل الشعب السوداني
  • بيان لسفيرة الولايات المتحدة: الطرفان المتحاربان يتحملان مسؤولية أعمال العنف والمعاناة التي تشهدها السودان ويفتقران إلى الشرعية لحكم السودان
  • مصير مسؤولي النظام السوري الهاربين إلى روسيا إقامة جبرية في مجمع خارج موسكو
  • سوريا... والهستيريا