لماذا تتوارى الحرب السودانية عن الإعلام؟
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
أماني الطويل
وسط أنباء المعارك والصراعات المسلحة في الشرق الأوسط وأفريقيا تتوارى الحرب السودانية عن الساحات الإعلامية الإقليمية والدولية من جهة الأولوية والمساحة منتقلة إلى ذيل الأخبار. والمساحات الزمنية المرصودة تقلصت، على رغم أن الحرب السودانية الشاملة كانت الحرب الأسبق في توقيت الاندلاع، بل والأعمق تأثيراً في دول مهمة في النطاقين العربي والأفريقي كمصر والسعودية وإثيوبيا وإريتريا وتشاد وأفريقيا الوسطى.
المشهد الإعلامي الشامل يقول لنا إنه منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 توارت معارك السودان جزئياً عن المتابعة الإعلامية. ومع اندلاع حرب لبنان والصراع المسلح في سوريا نستطيع ملاحظة أن التفاعلات السودانية على المستويين العسكري والسياسي تبدو حالياً متوارية على نحو كبير، إذ يطلق عليها الحرب المنسية في غالبية الأدبيات المهتمة بها، على رغم تحركات دبلوماسية عدة على الصعيدين الدولي والإقليمي في شأن محاولة وقف الحرب في هذا البلد كان آخرها اجتماع روما الذي جمع الولايات المتحدة مع كل من السعودية ومصر والإمارات على هامش قمة السبع.
اهتمام إعلامي متراجع على رغم تضخم حجم الضحايا من المدنيين السودانيين، وتفاقم الأوضاع الإنسانية للنازحين واللاجئين إلى حد المجاعة في أعلى مستوياتها الحرجة أي الجوع المفضي إلى الموت وكذلك اتساع النطاق ليشمل الملايين من البشر.
في تقديري أن المسألة الأولى في ضعف التغطية الإعلامية للحرب السودانية متصلة بعدم وضوح العدو منذ اللحظة الأولى للحرب كالحالة في الحروب الإسرائيلية على كل من غزة ولبنان، إذ إن العدو هنا واضح وهو عدو تاريخي للشعوب العربية وبات كذلك أيضاً للمسلمين حول العالم، بسبب استباحة الصهاينة قدسية المسجد الأقصى وضم القدس للكيان الإسرائيلي.
المسألة الثانية هي الالتباس وعدم وضوح الموقف في شأن تفاعلات المشهد السوداني قبيل الحرب المندلعة منذ أبريل (نيسان) 2023، ذلك أن الأطراف المتحاربة كانت حليفة لبعضها بعضاً حتى وقت قريب منذ بداية الحرب، وتبادلت المهام والمواقع على الصعيد العسكري، بل إن تضخم قوة وقدرات قوات "الدعم السريع" تقع مسؤوليتها على صانع القرار في الجيش السوداني الذي سمح بهذا الأمر خلال الفترة الانتقالية التالية لثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018.
وطبقاً لهذا الواقع فإن شيطنة الأطراف المتصارعة لبعضها بعضاً تظل مجروحة، وإن كانت قوات "الدعم السريع" فقدت كل مشروعية سياسية لدى الجمهور السوداني العادي بسبب ممارستها غير الإنسانية في المناطق التي تجتاحها، وهو ما انعكس إعلامياً على الصعيد الداخلي ولكنه لم ينعكس خارجياً.
أما المسألة الثالثة فهي حالتا التعقيد والتركيب على أكثر من صعيد، ذلك أن هذه الحرب تمتد بجذورها لصراع سياسي مترتب على ثورة 2018 بين قوى سياسية واجتماعية ممثلة لنظام استبدادي له طابع عسكري وثيوقراطي وبين قوى سياسية واجتماعية لها طابع مدني ساعية نحو الحداثة والتحول الديمقراطي منذ ثلاثة أرباع قرن من الزمان.
ويضاعف من تعقيد مشهد الصراع في السودان أمران هما البعدان التاريخي والقبلي، لأن مؤسسة الدولة السودانية في دولة الاستقلال الوطني موصومة بالانحياز على أسس عرقية وقبلية، كذلك فإن الجيش القومي موصوم بتمكين قوى سياسية من السلطة يساراً ويميناً وهو ما نزع عنه تمثيله المصالح الجامعة للشعب السوداني في فترات ليست بالقليلة في تاريخ البلاد الحديث.
أما البعد القبلي فهو حاضر في هذه الحرب تأسيساً على المكونات العرقية في الجيش السوداني وطبيعة حواضنه الاجتماعية، وأيضاً الحواضن الاجتماعية والقبلية لخصمه من قوات "الدعم السريع"، إذ إن هذه الحواضن تعادي على الصعيدين العرقي والثقافي بعضها بعضاً قبل الحرب السودانية، وأُسست مقولات وإبداعات الغابة والصحراء الثقافية في أطروحات منقسمة الوجدان بين مركز وهامش، وكثر بينهما الجدل غير السلمي، وهو أمر يفسر لنا أن في السودان فصائل مسلحة وأراضي محررة قبل الحرب الأخيرة سواء في جبال النوبة أو في دارفور، كذلك فإن مشاهد الصراع المسلح هناك هي غير جديدة بل تاريخية على صعيد شامل كالحرب الأهلية بين شمال السودان وجنوبه، التي اندلعت عام 1955 أي قبل تاريخ الاستقلال الوطني، أو الصراعات الجزئية في أقاليم جبال النوبة والنيل الأزرق وأجزاء من دارفور.
هذا التعقيد للتفاعلات السودانية المفضية إلى حرب أبريل 2023 جعل المعالجات الإعلامية الخارجية للصراع تقصر أحياناً عن إدراك عمق التعقيد في المشهد الصراعي السوداني، وتجنح ربما إلى التسطيح أحياناً، انطلاقاً من قصور أدوات المتابعة وضغط الوقت، أما إذا امتلكت المعرفة والإدراك فربما تخضع لتوجهات وسياسات دولة البث الإعلامي خصوصاً في منطقتنا العربية أو الانحيازات القيمية المبدئية على الصعيد الدولي، فيسهم كلا الأمرين في تعقيد المشهد السياسي الداخلي وتعويق خلق بيئة واقعية إعلامياً مناصرة لمطلب وقف الحرب مثلاً.
وبطبيعة الحال ينتج من المشهد الانقسامي السوداني على أكثر من مستوى استقطاب كبير بين الأطراف المتحاربة والمتصارعة انعكس بالضرورة على الإعلام السوداني ووسائل التواصل الاجتماعي، إذ يندر وجود المنصات الإعلامية المستقلة على صعيد الإعلام الواقعي على رغم بعض المحاولات خصوصاً الشبابية، بينما تخضع وسائل التواصل الاجتماعي لأهواء أفراد أو مجموعات لها مصالح متناقضة، ولكن بالإجمال يخضع الجميع لمطلب ما يسمى "التريند والترافيك" أي حجم الانتشار وسرعته، مما يعمق الاستقطاب السوداني المفضي إلى الصراع والحرب ولا ينهيه أو يقلل من أثره السلبي.
إجمالاً يبدو لنا أن مجهودات وقف إطلاق النار أو الوصول إلى محطة السلام السوداني والحفاظ على الدولة ضد التهديدات الوجودية لا تتطلب فقط جهداً إقليمياً ودولياً على الصعيد الدبلوماسي، أو جهداً سياسياً داخلياً وقدرة على إنجاز هدف التوافق الوطني من الفواعل الداخلية السودانية، ولكنها تتطلب قبل كل ذلك خلق اهتمام إعلامي بالمشكل السوداني وطبيعته، شرط أن تكون هذه المنصة مستقلة ومحايدة قدر الطاقة والظروف، ممتلكة الأدوات المهنية الصحيحة بعيداً من الأجندات بجميع أنواعها، وأيضاً أن يكون الهدف المتفق عليه من دون أو مراوغة أو توظيف هو الإنسان السوداني لا غير، بعيداً من أية مصالح إقليمية أو دولية على الصعيد الخارجي أو حالة الانقسام الداخلي.
وظني أن هذا الطرح لا ينتمي إلى عوالم يوتوبيا ولكن إلى المصالح قبل أي شيء آخر، ذلك أن انهيار السودان هو خسائر بالجملة للجميع، ومن بين هؤلاء قطاع الأعمال الخاص في هذا البلد، الذي أتصور أن عليه أن يقوم بهذه المهمة في هذه المرحلة الحرجة، عبر تحالف متعدد الأطراف من رجال الأعمال السودانيين الكبار، وقد يكون من المقترح أن يكون ممثلاً للمكونات السودانية على الصعيدين الديموغرافي والقبلي. ويضاف إلى ذلك وربما الأهم من كل ذلك هو بلورة خطاب هذه المنصة ومشروعها الإعلامي والاجتماعي قبل السياسي، وإذا امتلكت هذه المنصة وعياً شاملاً بمتطلبات استقرار الدولة السودانية، واستمرارها. من هنا يمكن بلورة طريق تاهت معالمه لفترة طويلة ومطلوب استعادة ملامحه.
نقلا عن اندبندنت عربية
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحرب السودانیة على الصعید على رغم
إقرأ أيضاً:
وليكن دعامي! فإنه أسير وانها لجريمة حرب
وليكن دعامي! فإنه أسير وانها لجريمة حرب
للذين أخرجوا من ديارهم ومنازلهم بغير حق
ياسر عرمان
لهذه الحرب بشاعات وجرائم عديدة ومزلزلة دفع ثمنها عداً وانسانيةً ملايين السودانيات والسودانيين سيما من الأطفال والنساء والشيوخ وأهل القرى والمدن والناس العاديين والفقراء الأتقياء الذين إذا ضحكوا استغفروا الله، وقد تم اخراجهم من ديارهم ومنازلهم بغير حق، (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون).
إن جرائم الحرب بكل توصيفاتها التي حملها القانون الانساني الدولي والتجربة البشرية، قد أُرتكبت جميعها من طرفي الحرب في كامل السودان، وان كان لطرفي الحرب فضل، فان فضلهم الوحيد هو مساواة السودانيين والسودانيات في جرائم الحرب ونزوح الملايين وتشريدهم، ولولا قوة النسيج الاجتماعي السوداني وموقف جموع السودانيين وقوى الثورة والتغيير ورفضها للدخول في هذه الحرب لتحولت إلى حرب إثنية وجهوية لا تبقي ولا تذر.
إن الجريمة البشعة التي ارتبكها مستنفرون وقوة تحت قيادة الجيش وظهرت في مقطع فديو فيه إعدام رجل في مدينة الخرطوم من قبلهم بتلذذ وسهولة ويسر ومغالطات وبأسرع مما تفعله المحاكم الإيجازية العسكرية وبقرار من مجموعة مسعورة لا اخلاق ولا إنسانية لها وهم يتغالطون ويؤكدون لأنفسهم بانه (دعامي) وينسبون ذلك لطفلته البريئة المذعورة من همجيتهم، فيالها من جريمة يندى لها الجبين.
لماذا القتل؟ لماذا التصوير؟ ولمن تقرع الأجراس؟ :
إذا افترضنا ان الشخص الذي أغتيل بدم بارد هو من الدعم السريع فانه أسير حرب وقتله جريمة حرب وقوانين السماء والأرض تحمي حياة الأسرى، وفي يوم من الايام حينما كانت بلادنا تحترم الانسان والحيوان منذ ان كتب تهراقا في مدونته الشهيرة عن اخلاقه في الحرب وأوصى بالرفق بالإنسان والحيوان، فان الاحياء والقرى لم تكن لتغتال كلب مسعور إلا بتصديق من الشرطة وتحت إشرافهم، فكيف تقتل أسير حرب؟ انها لجريمة حرب بينة وواضحة ولكن الأكثر إثارة للتساؤل لماذا يتم تصوير ونشر هذه الجريمة؟ وقبلها قطع وجز الرؤوس على الطريقة الداعشية ونبش قبور أولياء الله الصالحين وقتل أعضاء لجان الطوارئ! ان ذلك يؤشر لتيار فكري وسياسي نعرفه وخبرناه كان يعتقد من قبل ان قتل الجنوبيين هو جهاد في سبيل الله يؤدي بصاحبه للجنة! والجنة في عرفهم هي حكم السودان وهي جنة الأرض لا جنة السماء! وهذه الحرب في الأصل هي ضد ثورة ديسمبر، والتصوير وقرع الأجراس لتخويف الشعب وتقسيمه على أُسس جهوية وإثنية، انهم يخافون الثورة ووحدة قواها ويقتلون ويصورون على طريقة وإياك أعني واسمعي يا جارة.
حسن فعل الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة ولكن:
الناطق باسم القوات المسلحة العميد نبيل عبدالله في تعميمه الصحفي بتاريخ ٩ يناير ٢٠٢٥، أدان السلوك المستهجن واعتبره تجاوز فردي والحقيقة ان الذي حدث هو جريمة وليس سلوك مستهجن وهو حكم على المجني عليه دون إعطائه حق الدفاع عن نفسه أمام سلطة مخولة ووصفه بانه احد المتمردين تم القبض عليه ووصف من قتله بانه جندي، والحقيقة من قام باغتياله اكثر من شخص، وحسناً فعلت القوات المسلحة بإلقاء القبض على من ارتكبوا هذا الجرم لمحاكمتهم، ولكن هل فعلاً ستتم المحاكمة؟! وهل يحق لاسرته وللشعب متابعة هذه المحاكمة وتنفيذ الحكم؟ التي تهم كل سوداني وسودانية، ان من مصلحة القوات المسلحة ان تبتعد عن التحريض الأثني والجهوي الذي تقوده جماعات المؤتمر الوطني ورغم علمنا بتواجدهم داخل القوات المسلحة ومفاصل قيادة الجيش وزواج المصلحة بينهم، ولكن هذا خطأ تاريخي لابد من تصحيحه ولابد من بناء جيش مهني وقومي وأخذ هذه الجرائم على محمل الجد.
كما الله ليس بغافل، فقد اتضح ان المجتمع الدولي ليس بغافل والاهم منه فان شعبنا ليس بغافل ولن يكافئ مرتكبي جرائم الحرب في حقه.
المجد لشعب السودان ووحدته
شمالاً جنوباً غرباً وشرقاً ووسطاً
ولتسقط أجندة الحرب وليعم السلام
والثورة أبقى من الحرب
الوسومأسرى الحرب القوات المسلحة السودانية