لماذا انهار نظام الأسد بهذه السرعة؟
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
أنقرة (زمان التركية) – خلال الأسبوع الماضي، أصبح مستقبل نظام بشار الأسد محط تساؤلات، حيث بدأ تحالف من الجماعات المعارضة المسلحة السورية هجوما في شمال سوريا وسيطرت على نحو 250 مدينة وقرية وبلدة وتضاعفت مساحة الأراضي التي أصبحت تسيطر عليها.
وخلال 24 ساعة، سقطت مدينة حلب، ثاني أكبر المدن السورية ثم حماة وحمص، في قبضة تلك الجماعات.
ستغير هذه التطورات الدراماتيكية قواعد اللعبة بعد ما يقرب من خمس سنوات من خطوط التحكم الإقليمية المجمدة في جميع أنحاء البلاد، لكن لا ينبغي لأي من هذه التطورات الأخيرة أن تفاجئ أحداً، فالأسد لم يكن غير قادر على كسب الحرب الأهلية في بلاده فحسب، بل كانت إدارته تضعف منذ فترة وكانت أكثر هشاشة من أي وقت مضى.
حقيقة أن أزمته في سوريا ظلت مجمدة لسنوات دفعته إلى الاعتقاد بأن الصراعات كانت شيئًا من الماضي وأن نظامه كان منتصرًا حتمًا. ونتيجة لذلك، انخفض اهتمام المجتمع الدولي بسوريا، وأوشكت الجهود الدبلوماسية التي تركز على سوريا على التوقف.
حولت الحكومات تدريجياً مواردها من السياسات المتعلقة بسوريا إلى القضايا العالمية، ومع تدهور الوضع في سوريا، قامت الدول العربية بتطبيع موقف الأسد في الشرق الأوسط بشكل فعال، واتخذت خطوة نحو إعادة تأسيس علاقة جماعية مع الأسد اعتبارًا من عام 2023.
بدء الجهات الفاعلة الإقليمية تحمل مسؤولية القضية السورية كان علامة مشجعة ومصدر ارتياح لصانعي السياسة الأمريكيين.
وانضمت مؤخرًا مجموعة من 10 دول أوروبية بقيادة إيطاليا، التي تعارض سياسة الاتحاد الأوروبي المتمثلة في عزل الأسد والاعتقاد بأن الأسد سينتصر في الحرب الأهلية ويعزز سلطته، إلى الجهود المبذولة لإعادة التواصل مع نظام الأسد والبحث عن طرق دبلوماسية لعودة اللاجئين إلى سوريا.
استندت كل هذه التطورات إلى افتراض أن الوضع في سوريا، مهما كان سيئًا، كان أزمة مجمدة ويمكن السيطرة عليها وأن الأسد لم يحافظ على موقفه فحسب، بل عززه أيضًا، لكن هذا كان افتراضًا خاطئًا.
كان الاقتصاد السوري في حالة فوضى لسنوات، وعندما دخل وقف إطلاق النار الذي وافقت عليه تركيا وروسيا، الداعمان الرئيسيان لطرفي النزاع، حيز التنفيذ في أوائل عام 2020، كان الدولار الواحد يساوي حوالي 1150 ليرة سورية.
ومع ذلك، عندما بدأ هجوم جماعات المعارضة قبل أسبوع واحد، تم تداول الدولار الواحد بسعر 14 ألف و750 ليرة سورية. وبعد أسبوع واحد من استئناف الاشتباكات، انخفض إلى 17,500 في 4 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
تفاقمت الأزمة الإنسانية في سوريا بعد وقف إطلاق النار، بدلاً من وقف القتال، وتحقيق الاستقرار في البلاد وإعطاء المدنيين السوريين متنفسا بعد أكثر من عقد من الحرب. وأعلنت الأمم المتحدة أن 90 في المئة على الأقل من السوريين يعيشون تحت خط الفقر.
أدى احتضان النظام للجريمة المنظمة إلى توليد ما لا يقل عن 2.4 مليار دولار سنويًا من الأرباح من بيع نوع واحد فقط من المنشطات الاصطناعية، ولم يؤثر أي من هذه الأرباح بشكل إيجابي على حياة الشعب السوري. بدلاً من ذلك، خفضت الحكومة بشكل كبير الدعم الحكومي للوقود والغذاء في السنوات الأخيرة.
ورغم هذا، لم يكن هناك من ينقذ الأسد من إفلاس الدولة حيث تضرر الاقتصاد الروسي بشدة بسبب الحرب في أوكرانيا وتدهور الاقتصاد الإيراني.
لو كان الأسد قد انخرط بشكل بناء مع حكومات الدول العربية في المنطقة التي قامت بتطبيع العلاقات مع سوريا في عام 2023 واستجابت لخطوات تركيا نحو التطبيع في وقت سابق من هذا العام، لكانت سوريا في وضع مختلف تمامًا اليوم.
ومع تضاؤل رغبة العالم وقدرته على المساعدة، اشتدت معاناة الشعب السوري. واقتناعا منهم بعدم وجود أمل في الأفق، نزل السوريون إلى الشوارع مرة أخرى مطالبين بسقوط الأسد.
بدأ المنشقون القدامى، الذين “تساوموا” مع النظام بموجب اتفاق تم التوصل إليه قبل ست سنوات، في تحدي قوات النظام مرة أخرى قبل بضعة أشهر وحققوا بعض الانتصارات.
وفي الوقت نفسه، في خضم الانهيار الاقتصادي في سوريا، كان اقتصاد الجريمة المنظمة وإنتاج المخدرات والاتجار بها على نطاق صناعي يتسرب إلى قلب الجهاز الأمني لنظام الأسد. في الواقع، ربما كان نظام الأسد أكبر دولة مخدرات في العالم في إنتاج الأمفيتامينات، والمعروفة باسم “الكبتاغون”.
تهريب المخدرات كان يتم على يد فرقة المدرعات الرابعة (بقيادة شقيق بشار الأسد ماهر الأسد). وانتشرت شبكة المخدرات في كل ركن من أركان الجيش السوري وشبكات الميليشيات الموالية له تقريباً.
وفي الوقت نفسه، فإن الحرب الروسية في أوكرانيا والتوترات الإقليمية التي واجهت إسرائيل مع إيران وشبكات وكلائها منذ أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2023 قد حولت انتباه روسيا وإيران عن الجهود المبذولة للجمع بين الجهات الأمنية الفاعلة في سوريا.
كانت إيران، إلى جانب روسيا وحزب الله اللبناني، على الخطوط الأمامية عندما بدأ هجوم المعارضة في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني، حيث تكبد الثلاثة خسائر في البداية. ومع وجود الأجانب في المقدمة، كانت قدرة النظام السوري على منع قواته من الانزلاق إلى الفوضى محدودة للغاية.
لم يكن الهجوم مفاجئا لأحد، لأن خطط هيئة تحرير الشام كانت معروفة منذ منتصف أكتوبر: تشرين الأول، ولكن عندما تدخلت تركيا لوقف الهجوم، شنت روسيا غارات جوية مكثفة استمرت بضعة أيام.
أظهرت التطورات الأخيرة أن استثمار روسيا لمدة ثماني سنوات في إعادة بناء جيش نظام الأسد ليس له تأثير يذكر على قدرة النظام على القتال بفعالية تحت الضغط. جهود روسيا في هذا المجال كانت ضعيفة ومزقت وحدة الجيش السوري النظام على الرغم من توفيرها بعض الكفاءات في بعض الوحدات العسكرية، مثل فرقة المهام الخاصة الخامسة والعشرين.
البنية العسكرية للنظام السوري أصابها الركود خلال السنوات الأخيرة وتآكلت من الداخل وتفككت من الخارج. ربما كانت شبكة غير متسقة من الميليشيات الموالية للنظام تتمتع بقدرة عسكرية أكبر من الجيش نفسه.
كانت المساهمة النوعية الوحيدة لروسيا في الجيش السوري في السنوات الأخيرة هي استخدام الطائرات بدون طيار للبث المباشر، لكن أعلنت وحدة الطائرات بدون طيار التابعة لهيئة تحرير الشام (كتائب الصقر) في الأسابيع الأخيرة أن النظام استخدم مئات الطائرات بدون طيار ضد مواقع خط المواجهة والدبابات ووحدات المدفعية والقادة العسكريين القياديين.
وكشف الوضع عن التناقض الكبير على الجانب الآخر من الجبهة، حيث عملت هيئة تحرير الشام وجماعات المعارضة المسلحة الأخرى بشكل مكثف لتعزيز قدراتها العسكرية منذ عام 2020. على وجه الخصوص، شكلت هيئة تحرير الشام مؤخرًا وحدات جديدة تمامًا غيرت مسار النزاعات بشكل كبير.
وحدة النخبة الخاصة التابعة لهيئة تحرير الشام، والمعروفة باسم الألوية الحمراء، كانت في طليعة العمليات النهارية، في حين حققت وحدة أخرى ألا وهى اللواء الحراري مكاسب كبيرة في الاشتباكات الليلية الأسبوع الماضي.
وبحسب هيئة تحرير الشام، فإن اللواء الحراري الذي يضم نحو 500 عنصر، تحمل أسلحة مزودة بنظارات للرؤية الليلية.
ونجحت كتائب الصقور في تدمير أسلحة النظام الثقيلة على طول خطوط المواجهة، كما استخدمت هيئة تحرير الشام صواريخ كروز محلية الصنع، أي ما يعادل شاحنة انتحارية مليئة بالقنابل ذات القوة التدميرية العالية.
منحت هيئة تحرير الشام والجماعات المسلحة المتحالفة معها الجيش السوري التفوق الكامل بأساطيل من طائرات الاستطلاع التي تعمل على مدار الساعة.
دفع سقوط النظام في جميع أنحاء سوريا والتقدم الكبير للمعارضة الجماعات المسلحة في جميع أنحاء البلاد إلى اتخاذ إجراءات ودفعوا المدن التي يسيطر عليها النظام وخطوط الجبهة مثل درعا في الجنوب وحمص في الوسط ودير الزور في الشرق إلى التحرك.
في المرة الأخيرة التي واجه فيها الأسد هجمات متزامنة على سيطرته على أجزاء معينة من بلاده في عام 2015، كان نظامه على وشك الانهيار واضطرت روسيا إلى التدخل عسكريًا لإنقاذه، لكن اليوم لم يستطع العثور على هذا المنقذ.
Tags: التطورات في سورياسقوط نظام الأسدعملية ردع العدوانهيئة تحرير الشام
المصدر: جريدة زمان التركية
كلمات دلالية: التطورات في سوريا سقوط نظام الأسد عملية ردع العدوان هيئة تحرير الشام هیئة تحریر الشام الجیش السوری نظام الأسد فی سوریا
إقرأ أيضاً:
سوريا والمشوار الطويل
ما حدث في سوريا خلال الأسابيع القليلة الماضية، وأسفر عن سقوط حكم آل الأسد، ولجوء الرئيس المزمن بشار إلى روسيا، كان نتاج ثورة، والحراك السلمي والمسلح الذي أرغم معمر القذافي على اللجوء إلى أنبوب للصرف الصحي، كان نتاج ثورة، بينما الحراك التونسي الذي أدى إلى هرب زوج ليلى الطرابلسي (زين العابدين بن علي)، كان انتفاضة شعبية، ألهمت شعوب المنطقة فاستيقظت من غفلتها، وخرجت تنشد إسقاط الأنظمة، وما قاد إلى سقوط حكومة زوج سوزان ثابت (حسني مبارك)، انتفاضة شعبية، وفي تشرين أول/ أكتوبر من عام 2019 انتفض شعب لبنان ضد نظام حكم فاسد ومعتل، ولكنه لم ينجح في إسقاطه، وانتفض الجزائريون ضد الحكم العسكري المتنكر في ثياب مدنية، في مطالع عام 2019، ولكنهم لم يحققوا الغاية المنشودة.
ما من ثورة تمشي في خط مستقيم، فمهما تمنى وجاهد من هم وقودها وقادتها، كي تبقى على المسار المنشود لتحقيق غاياتها، فإن للثورات ديناميتها الخاصة المتسمة بالفجائية، لأنها لا تتحرك إلى الأمام أو تتراجع فقط برغبات وجهود القوى الفاعلة فيها، والمحركة لها، بل أيضا تنحني، بل وتنتكس بسبب جهود قوى الثورة المضادةوبإجماع أهل الرأي السياسي في العالم، فإن ما أدى إلى سقوط النظام الملكي في فرنسا في أواخر القرن الثامن عشر كان ثورة، وما يعرف بالثورة البلشفية هي التي نتج عنها سقوط النظام القيصري في روسيا، والثورة العارمة الكاسحة هي التي قادت إلى سقوط حكم الشاه، وصعود الملالي إلى السلطة في إيران، فالثورة تنشد التغيير الحاسم والشامل لنظام الحكم، بالمظاهرات الحاشدة والإضرابات، ثم العنف. والثورة، وليس الانتفاضة الشعبية، هي التي تؤدي عند انتصارها إلى التغيير الكامل لجميع المؤسسات والسلطات الحكومية للنظام السابق، وإقامة نظام بديل.
ما استدعى الفذلكة أعلاه، هو ما سبق أن أشرت إليه هنا بأن هناك من يحاول تبخيس الانتصار الذي حققته الثورة السورية، والقول بأن كل ما حدث في سوريا هو أن جماعة مسلحة من أنصار "داعش" والقاعدة، وصلوا إلى السلطة، وأنهم سيشكلون حكومة طالبانية الهوية والأهداف، أي أن سوريا ستنتقل من ديكتاتورية علمانية إلى ديكتاتورية تتوشح بالإسلام، مسلحة بشعارات "رومانسية" من جنس "الإسلام هو الحل" و"الحاكمية لله". بينما ما حدث فعلا في سوريا هو أن الملايين أبناء وبنات الشعب السوري ظلوا في حال نضال واستبسال على مدى 13 سنة، وكان شرف حسم المعركة من نصيب هيئة تحرير الشام "الإسلامية"، ومن ثم صار تشكيل الحكومة الانتقالية من أوجب واجباتها.
ولكن الانتصار الذي حققته الثورة السورية جزئي، فقد رحل بشار الأسد ولكن الدولة العميقة التي أسسها ووالده حافظ، ما زالت قائمة، ولكن يبدو أن الحكومة الجديدة، لا تعتزم تكرار الخطأ الذي حدث في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، حينما قرر المندوب السامي الأمريكي، بول بريمر، الذي صار الحاكم الفعلي للعراق في عام 2003، حل جميع المؤسسات العسكرية والأمنية، وزج بالبلاد في فوضى أنهكتها، ولكن شواهد التاريخ تقول إن سوريا ستشهد فترة شديدة التعقيد في مقبل الأيام، لأن الفيروس الذي غرسه بشار وأبوه، فتك بمؤسسات الدولة، وسيظل نشطا لحين من الدهر، وفوق هذا كله فقد دك بشار البيوت والمرافق العامة والخاصة، مما سيجعل ملايين العائدين من الشتات السوري، لاجئين داخل وطنهم.
وشواهد التاريخ تقول إنه ما من ثورة تمشي في خط مستقيم، فمهما تمنى وجاهد من هم وقودها وقادتها، كي تبقى على المسار المنشود لتحقيق غاياتها، فإن للثورات ديناميتها الخاصة المتسمة بالفجائية، لأنها لا تتحرك إلى الأمام أو تتراجع فقط برغبات وجهود القوى الفاعلة فيها، والمحركة لها، بل أيضا تنحني، بل وتنتكس بسبب جهود قوى الثورة المضادة، وجسم الدولة المعلول في سوريا يغري فلول النظام المباد، وبعض الطامحين في السلطة بزعزعة الاستقرار المنشود.
جسم الدولة المعلول في سوريا يغري فلول النظام المباد، وبعض الطامحين في السلطة بزعزعة الاستقرار المنشود.عندما يرحل الديكتاتوريون يتركون وراءهم أوطانا معتلة ومختلة، لأن أسلوبهم في الحكم يقوم على المزاج الفردي، وليس على المؤسسية، وانظر حال الصومال الذي أسقط شعبه نظام سياد بري في عام 1992، ولم تسكت البنادق فيه منذ يومها، ثم انظر حال ليبيا التي خاض شعبها غمار ثورة أذهلت العالم، وأسقطت ديكتاتورية القذافي التي دامت 42 سنة، وها هي اليوم خاضعة لحكومتين، وانتفاضة تونس الملهِمة في 2011، تعرضت للسرقة لغير صالح من كانوا وقودها، وانتفاضة مصر التي تلتها أطاحت برأس النظام، ثم أُجهضت بانقلاب عسكري، وفي السودان سقط في عام 2019 رأس نظام (عمر البشير) حكم البلاد ثلاثين سنة، وجاءت حكومة كوكتيل عسكري ـ مدني، ثم انفرد العسكر بالحكم، وها هو السودان في حال صوملة كاملة اليوم.
وقطعا فإن سوريا ليست ليبيا أو السودان أو الصومال، لأن "مجتمعها متمدين" بدرجة طيبة، وليس فيها قبلية تنذر بفتنة، ورئيسها المؤقت أحمد الشرع يقول كلاما ينم عن إدراكه لأهمية احترام التنوع العرقي المتمثل في الأكراد، والتنوع المذهبي الذي يتمثل في الطائفة العلوية، ولكن الصعود من الهاوية التي أسقط فيها بشار وأبوه البلاد، سيحتاج إلى الكثير من الدأب والجلد والحكمة، أخذا في الاعتبار أن جميع بلدان "الربيع العربي"، لم تكن تواجه عدوا خارجيا شرسا، كما هو الحال مع سوريا، التي تسعى إسرائيل إلى تقطيع أوصالها.
يرحل الطواغيت عن كراسي الحكم قسرا أو بأمر ملك الموت، ولكن الفيروسات التي يغرسونها خلال سنوات حكمهم في أجسام بلدانهم، تظل سارية المفعول لآماد طويلة، ولكن على قدر أهل العزم تأتي العزائم، وبوحدة الصف الوطني وحده، ستنجح سوريا في التعافي، والعافية درجات: خطوة، خطوة.