إسلاميو تركيا وسوريا والسودان: تناقض السرديات وصراعات المصالح الإقليمية
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
الإسلام السياسي كظاهرة سياسية واجتماعية يثير تساؤلات كبيرة حول دوره في العلاقات والتفاعلات الإقليمية والدولية. رغم ما يفترض أن تكون المرجعية الأيدولوجية واحدة لحركات الإسلام السياسي، إلا أن هذه الحركات تُظهر في الواقع تناقضات كبيرة حين تتداخل مع المصالح القومية للدول التي تحكمها هذه الحركات أو مصالح الدول الخارجية الداعمة لها.
التناقض بين السردية والدعم الدولي
عندما دعمت تركيا، العضو في حلف الناتو، فصائل إسلامية في سوريا ضد نظام بشار الأسد وأسقطته، ظهر هنا تناقض جوهري. حيث أن تركيا ما كانت لتدعم الإسلاميين في سوريا لولا موافقة ضمنية أو "ضوء أخضر" من الولايات المتحدة، القوة الرئيسية في الناتو، وبالطبع تركيا عضو في الناتو. هذا الدعم يكشف عن تناقض في السردية الكلاسيكية للإسلام السياسي، التي تصور نفسها كحركة مناهضة للهيمنة الغربية، بينما تجد نفسها في بعض الحالات تعتمد على دعم هذه القوى لتحقيق أهدافها.
استغلال الإسلام السياسي بعضه بعضاً كأداة واستغلال القوى الإقليمية والدولية له
الحقيقة الأعمق هي أن الإسلام السياسي ليس وحدة متماسكة كما يظهر، بل منظومة متشعبة تستغلها القوى الإقليمية والدولية حسب مصالحها. تركيا، بقيادة حزب العدالة والتنمية الإسلامي، تستخدم الآن الإسلاميين السوريين كأداة لتحقيق أهدافها في المنطقة، من تعزيز نفوذها الجيوسياسي إلى مواجهة الأكراد داخل وخارج تركيا، فهي تراهم كتهديد أمني غالب الوقت مطالب بالحكم الذاتي أو استقلال كردي، وتتعاون مع الناتو لإضعاف الوجود الروسي والإيراني في سوريا.
في المقابل، نجد أن الإسلاميين السودانيين يمثلون حلقة ضعيفة في هذه المنظومة. فهم في أدنى السلسلة الغذائية للإسلام السياسي الإقليمي، حيث تُملي عليهم قرارات القوى الكبرى في هذا التيار، وتملى عليهم قرارات قوى إقليمية ودولية أخرى. فمثلاً عند أحداث الحادي عشر من سبتمر ٢٠٠١ وتهديد أمريكا للجميع سلم صلاح قوش جميع ملفات إسلاميي المنطقة للأمريكان دون أي مقابل لتورط نظامهم في أعمال إرهابية وخوفهم على سلطتهم من أمريكا المسعورة في ذلك الوقت، كذلك قاموا في منتصف التسعينات بتسليم ليبيا إسلاميين ليبيين معارضين للقذافي لتخفيف الضغط الإقليمي والدولي الذي وقع عليهم إثر محاولتهم المتهورة لإغتيال حسني مبارك في إثيوبيا، ثم كذلك سعوا لتسليم بن لادن لأمريكا عندما كان يقيم بالسودان إلا أنها رفضت في ذلك الوقت. كل هذه التنازلات تمت من أجل بقائهم في الحكم، والحقيقة هي أنهم تناقضوا مع الشعب السوداني داخلياً وقدموا تنازلات تحت الضغط للخارج، وعزلوا البلاد والشعب عن العالم مما أقعد بالبلاد وبالسودانيين إقتصادياً وأمنياً وتخلفت في جميع المجالات. رغم الممانعة التى يظهرونها في بعض الأحيان للضغوط الخارجية وينجحون فيها، إلا أنه في الغالب، لم تكن هذه الممانعة بسبب قدرتهم على المناورة السياسية وكروت اللعب التي يملكونها، بل بسبب الموقع الجيوسياسي الطرفي البعيد نسبياً للسودان عن الشرق الأوسط ومصالح القوى الإقليمية والدولية غير الاستراتيجية فيه إبان حكمهم. وللمفارقة هم من أدخلوا السودان في إشكالات لا داعي لها، بسبب تهورهم وسؤ تقديرهم، مع قوى إقليمية ودولية لا قبل لهم بها، كمشاركتهم في تفجير المدمرة الأمريكية كول في اليمن وتفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام، عوضاً عن أن يستفيدوا من موقع السودان ويبتعدوا عن الشعارات والمعاداة لدول ومنظومات دولية قوية، ويهتموا بمعالجة مشاكل السودان المتعددة، ويصنعوا شراكات ندية واستراتيجية لمصلحة الشعب السوداني. هذا التفاوت بين الإسلاميين في المنطقة يعكس ديناميات القوة والمنطلقات المختلفة داخل منظومة الإسلام السياسي الإقليمية نفسها.
إعادة تدوير الإسلام السياسي
الأمر لا يقف عند استغلال بعض الإسلاميين من قبل قوى إسلامية أخرى مثل تركيا، بل يتجاوز ذلك إلى تلاعب القوى الكبرى بالإسلام السياسي ككل. الولايات المتحدة وإسرائيل، على سبيل المثال، يمكن أن تستخدم هذه الحركات المنتصرة حالياً في سوريا والمدعومة من تركيا، كذريعة للتدخل لاحقاً بحجة محاربة الإرهاب أو مواجهة التطرف. الإسلام السياسي، الذي قد يُستغل كأداة ناعمة في لحظة ما، يمكن أن يتحول لاحقاً إلى هدف مباشر لضمان هيمنة القوى الإقليمية والدولية العظمى.
ضيق الأفق وقصور الرؤية
أحد أبرز الإشكالات هو ضيق أفق الإسلاميين في بعض الدول. ففي حين أن دولاً مثل تركيا تسعى لتوسيع نظرتها للعالم بما يتماشى مع مصالحها، نجد الإسلاميين في السودان يتسمون بالإنغلاق والتوهم وبضيق الأفق وسطحية التحليل. هذا الفارق يعكس مدى التفاوت في نضج التجربة السياسية بين مختلف الأطراف داخل التيار الإسلامي. في حين أن تركيا استطاعت استخدام الإسلام السياسي لتحقيق مصالحها الوطنية وتوسيع نفوذها الإقليمي، فإن الإسلاميين في السودان أثبتوا قصوراً كبيراً في الرؤية. ضيق الأفق الذي يعاني منه الإسلاميون السودانيون ظهر في انغلاقهم على أنفسهم، وفشلهم في فهم تعقيدات السودان كدولة متعددة الثقافات والإثنيات. هذا الفشل انعكس في سياساتهم التي أدت إلى تدهور الاقتصاد والأمن، وافتقارهم لرؤية واضحة لبناء وطن يستوعب الجميع. في المقابل، الإسلاميون في تركيا، مستفيدين من تاريخ بلادهم وموقعها الجغرافي، تبنوا سياسات أكثر براغماتية وانفتاحاً.
في الختام، الإسلام السياسي ليس ظاهرة متجانسة، بل شبكة معقدة من المصالح المتناقضة التي تستغلها الدول وفقاً لاحتياجاتها. في الوقت الذي يتطور فيه الدور الإقليمي لدول مثل تركيا ، يبقى الإسلاميون في دول مثل السودان عالقين في مرحلة التخبط وضيق الأفق. هذه الديناميات تُظهر أن العالم أوسع وأعقد بكثير من السرديات البسيطة التي تتبناها الحركات الإسلامية.
mkaawadalla@yahoo.com
محمد خالد
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوى الإقلیمیة والدولیة الإسلام السیاسی الإسلامیین فی فی سوریا
إقرأ أيضاً:
حاج ماجد سوار يكتب؛ مراجعات الإسلاميين
مراجعات الإسلاميين منذ نشأة تنظيمهم قبل حوالي سبعة عقود ، و بدء مسيرتهم السياسية الممتدة لست عقود ، و تجربتهم في الحكم خلال فترة الإنقاذ يعتبر أمراً مهماً و ضرورياً لضمان إستمراريتهم و استمرار تأثيرهم ، و لكنه في ذات الوقت أمر يخصهم وحدهم و ليس (كرتاً) يرفعه في وجههم كل من يريد إقصاءهم و إزاحتهم من أمام طموحاته و طريقه في الوصول إلى السلطة .
و المراجعات سنة راتبة عند الإسلاميين ، و فيما يتعلق بتقييم تجربتهم في الحكم حتى سقوط نظامهم فهو أمر قد بدأ بالفعل منذ صدور كتاب شيخ حسن عليه الرحمة (عبرة المسير لإثني عشر من السنين) بعد المفاصلة ، و ما تزال بعض فرق المراجعة تعمل حتى الآن في مختلف المجالات من أجل التقويم و تصحيح المسار .
لقد كانت المراجعات عند الإسلاميين تتم بصورة راتبة و تبنى على نتائجها الإستراتيجيات و تصاغ الخطط و المشروعات و البرامج .
و لكل باحث عن الحقيقة فدونكم هذا الإستعراض المختصرللإنتقالات و التحولات الكبيرة في مسيرتهم السياسية و التنظيمية بدءاً من جبهة الميثاق الإسلامي كأول تيار سياسي تحالفي جمع تنظيمهم مع قوى إسلامية أخرى من الصوفية و أنصار السنة و غيرهم في ستينيات القرن الماضي ، و مروراً بالتحالف مع حزب الأمة و الحزب الإتحادي في الجبهة الوطنية ، ثم المصالحة الوطنية مع نظام مايو في أواخر السبعينات و الإنخراط في العمل السياسي عبر بوابة تنظيمها الأوحد (الإتحاد الإشتراكي) ، ثم تكوين الجبهة الإسلامية القومية في منتصف الثمانينات بعد سقوط نظام النميري كأكبر كيان إجتمع فيه أهل القبلة من مختلف خلفياتهم و نحلهم وجهاتهم ، ثم جاءت تجربة المؤتمر الوطني الذي جمع فأوعى و كان من بين مؤسيسه و قادته بالإضافة للإسلاميين و القادمين من خلفيات سياسية أخرى من ينتمون إلى المسيحية بمختلف طوائفها ، ثم كانت المراجعات الشهيرة التي خرجت منها عدة وثائق أبرزها وثيقة إصلاح الحزب و وثيقة إصلاح مؤسسات الدولة و التي مهدت لمشروع الحوار الوطني الذي استمر لأكثر من سنة و شاركت فيه عشرات الأحزاب الموالية و المعارضة و بعض حملة السلاح و قد نتج عن هذا الحوار تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي مثلت أكبر حكومة متنوعة تقوم على أكبر قاعدة سياسية في تأريخ البلاد !!
و بعد إسقاط حكومة الوحدة الوطنية بواسطة اللجنة الأمنية و شركائها و بعد مراجعات سريعة كانت قرارات الإسلاميين كالتالي :
١/ التسليم بسقوط حكمهم .
٢/ عدم المواجهة مع السلطة الجديدة حفاظاً على أمن و استقرار البلاد .
٣/ الإنحناء للعاصفة أو (السردبة) كما أسماها عم أحمد عبد الرحمن عليه الرحمة .
٤/ الصبر و تحمل الأذى و الظلم الكبير الذي وقع عليهم و على قيادتهم من سلطات العهد الإنتقالي .
٥/ عدم المشاركة في مؤسسات الفترة الإنتقالية .
٦/ التعامل بإيجابية مع مؤسسات العهد الإنتقالي (معارضة مساندة) .
٧/ و عندما وقعت الحرب المفروضة على بلادنا تناسوا كل مراراتهم و كانوا في مقدمة المستجيبين لنداء الإستنفار قيادة و قاعدة .
و الآن فإن الإسلاميين بمختلف تياراتهم و تفرعاتهم يخططون لإنتقال جديد يجعل منهم القوة الأكثر تأثيراً في الساحة بإذن الله .
هذا ملخص مختصر لمراجعات الإسلاميين المستمرة !!
أما ممارستهم للسياسة فهو أحد أهم المبادئ و الحقوق الدستورية ، و لا تستطيع أي سلطة أو قوة أن تمنعهم أو تحول بينهم و بين هذا الحق !!
بعض قادة القوى السياسية و حملة السلاح ظلوا و بصورة مستمرة يطلبون من الإسلاميين القيام بمراجعات كشرط لعدم إقصائهم !!
من أعطاهم هذا الحق ؟؟
و هل قاموا هم بمراجعة تجاربهم السياسية و تمردهم على الدولة و حملهم للسلاح في مواجهتها ؟؟
و إذا فعلوا فلماذا لم يعلنوا نتائج مراجعاتهم على الشعب السوداني الذي وقع عليه أكبر الضرر من ممارساتهم السياسية و تمرداتهم العسكرية !!
فليعلم هؤلاء جميعاً و من هم في الداخل و الخارج بأنه و في صميم فكر الإسلاميين فإن ممارسة السياسة و الإنخراط في الحياة العامة خدمةً لشعبهم و وطنهم يعد أمراً واجباً قبل أن يكون حقاً دستورياً ، لذلك لا يستطيع أحد مهما أوتي من سلطة أو قوة أو سلاح أن يمنعهم من القيام بواجبهم
حاج ماجد سوار
إنضم لقناة النيلين على واتساب