زهير عثمان

منذ اندلاع الثورة السودانية وتشكيل تجمع المهنيين السودانيين كأداة للتغيير وقيادة الحراك الجماهيري، برزت مواقف متباينة من النخب الفكرية تجاه هذا الكيان وحلفائه. في هذا السياق، ظل د. عبد الله علي إبراهيم، الأكاديمي والمفكر المعروف، يتبنى مواقف أثارت الجدل، تتراوح بين النقد الحاد والتوجيه النظري، معتمدًا على فهم عميق لخطاب الدولة الحديثة، لكنه في كثير من الأحيان يفتقر إلى الاتساق بين تنظيراته وسياق الواقع السياسي.



التنظير مقابل الواقع
يُعد عبد الله علي إبراهيم من أبرز الأصوات التي سعت لفصل الدولة عن الأيديولوجيا، مستعينًا بمفاهيم حديثة مثل تعريف ماكس فيبر للدولة كمحتكر وحيد للقوة في المجتمع. إلا أن مواقفه من قوى الثورة والقوى المدنية اتسمت بالتناقض. ففي حين دعا إلى بناء الدولة على أسس علمية وعقلانية بعيدًا عن الغايات الأخلاقية، اتجه أحيانًا لنقد قوى الثورة باستخدام معايير أخلاقية بحتة، واصفًا مواقفها بأنها "ردود فعل" أكثر من كونها مشاريع استراتيجية.
عندما واجهت الثورة تحديات حقيقية في التعامل مع القوى العسكرية، كانت مقاربته النقدية لقوى الحرية والتغيير تميل إلى التشكيك في قدرتها على إدارة المرحلة الانتقالية، مع تسليط الضوء على ما اعتبره قصورًا في رؤيتها تجاه مفهوم الدولة وأدواتها. ومع ذلك، فإن تجاهله للمحددات السياسية الضاغطة والواقع الدولي أضعف تأثير نقده.

بين النقد والتبرير
في الآونة الأخيرة، واجه عبد الله علي إبراهيم اتهامات بـ"موالاة الأمر الواقع"، خاصة في ظل تعامله مع حكومة بورتسودان الحالية التي يرى البعض أنها واجهة للتيار الإسلامي. من أبرز منتقديه في هذا السياق جاءت اتهامات موجهة إليه بعدم الحسم تجاه ممارسات هذه الحكومة، وافتقاده إلى موقف واضح ينسجم مع شعارات الثورة حول التغيير الديمقراطي.
"
تقدّم" ومأزق الموالاة
انتقد عبد الله علي إبراهيم في مقالات عدة مواقف قوى مثل "تقدّم"، مشيرًا إلى افتقارها لاستراتيجية واضحة للتعامل مع الحكومة الراهنة، ومعتبرًا أنها أسيرة لعادات المعارضة التقليدية التي تركز على الهدم أكثر من البناء. لكنه في ذات الوقت وقع في نفس الفخ، حيث انشغل بتحليل خطاب الدولة والنخب، مبتعدًا عن تناول المخرجات الفعلية للاجتماعات والمبادرات التي قد تحمل خطوات عملية نحو الحل.
أحد أبرز الانتقادات الموجهة إليه كان اعتماده على نهج براغماتي يخدم النظام القائم أكثر مما يخدم تطلعات الشعب. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هذا الموقف نابع من قناعة فكرية أم أنه يعكس "براغماتية أمريكية" كما وصفها أحد النقاد؟

الدور المفقود
في خضم هذه الانتقادات، يبرز تساؤل حول ما إذا كان عبد الله علي إبراهيم قد فقد موقعه كمفكر مستقل يمكنه أن يكون جسرًا بين القوى المختلفة. بدلاً من العمل على توحيد الرؤية بين النخب المدنية والقوى الثورية، يبدو أنه اختار التمحور حول نقد محددات خطاب هذه القوى دون تقديم بدائل عملية.

وبالرغم مكانته كمثقف بارز، فإن عبد الله علي إبراهيم يجد نفسه في مواجهة اتهامات بتجاهل عمق الأزمة السودانية، وبتبنيه مواقف توحي بـ"موالاة الأمر الواقع" أكثر مما تعكس انحيازًا صادقًا لقيم الثورة والديمقراطية. يبقى التحدي الأكبر له هو استعادة دوره كمفكر قادر على تقديم قراءة نقدية بناءة، تسهم في معالجة الانقسامات الراهنة بدلاً من تعميقها.

وهل يستطيع د. عبد الله علي إبراهيم تجاوز هذه الانتقادات؟ أم أن مواقفه الأخيرة ستظل شاهدة على تحول مفكر إلى مجرد ناقدٍ للنظام الذي كان جزءًا من معارضته لموالاته؟

zuhair.osman@aol.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: عبد الله علی إبراهیم

إقرأ أيضاً:

وزارة الخدمة المدنية تحيي الذكرى السنوية للشهيد الرئيس الصماد

يمانيون/ صنعاء نظمت وزارة الخدمة المدنية و الإصلاح الإداري ووحداتها (هيئة التأمينات والمعاشات، مؤسسة التأمينات الاجتماعية، المعهد الوطني للعلوم الإدارية) اليوم فعالية خطابية في الذكرى السنوية للشهيد الرئيس صالح الصماد.

وفي الفعالية، التي حضرها نائب رئيس مجلس الشورى ضيف الله رسام، ووزير الخدمة المدنية، الدكتور خالد الحوالي، أشار نائب رئيس مجلس الشورى، عبده الجندي، إلى أن الشهيد الصماد كان رجل دولة جمع بين قيم الأصالة المستمدة من الهوية الإيمانية والثقافة القرآنية وقيم المعاصرة المستمدة من تجربته في العمل والحياة السياسية، وكان رجل المسؤولية الذي تحملها في ظروف صعبة وقاسية من أجل خدمة شعبه ووطنه ومواجهة العدوان وإفشال مخططاته.

وأكد أن الرئيس الشهيد كان زعيما موهوبا وشخصية استثنائية وخطيبا مفوها قادرا على تصوير الواقع واستلهام المستقبل، متميزا بحنكة واقتدار من إدارة الدولة وإطلاق مشروعه النهضوي (يد تحمي ويد تبني).

ولفت في الفعالية إلى أن الشهيد الرئيس جسد الشخصية المرتبطة بالمشروع القرآني والثقافة القرآنية التي صنعته وجعلت منه رجل المسؤولية وعيا وشعورا وسلوكا وعملا، فكان محبا لشعبه ووطنه وضرب أروع الأمثلة في التضحية والفداء.

من جانبه، اعتبر نائب وزير الخدمة المدنية، أنس سفيان، هذه الذكرى محطة لاستذكار سيرة الرئيس الشهيد ومواقفه والنموذج الذي قدمه في تحمل المسؤولية والوفاء بأمانة وإخلاص، مشيرًا إلى أن الشهيد الصماد تميز بحمله لروحية المجاهد وأفنى حياته في سبيل الله وسطر بدمائه أبلغ الدروس في الصدق مع الله والثبات على المبادئ وقيم العزة والكرامة والإباء والتضحية والفداء.

ولفت في الفعالية، بحضور عميد معهد العلوم الإدارية الدكتور محمد القطابري ونائبي رئيسي هيئة التأمينات والمعاشات عبدالسلام الكحلاني ومؤسسة التأمينات الاجتماعية هيثم باصيد، إلى أن الرئيس الشهيد الصماد رمز وطني وعنوان للصمود والتضحية ونموذجا إيمانيا في ولائه وحبه وإخلاصه لوطنه وأمته وسعيه الدؤوب لما فيه مرضاة الله وخدمة شعبه ومناصرة قضايا أمته.

وأكد أن الرئيس الشهيد كان قائدا رائدا امتلك رؤية استراتيجية حكيمة لرجل الدولة المقتدر الذي حمل في كل المواقع والمسؤوليات روحية المواطن البسيط و جسد معاني التواضع والإحسان والرحمة وسطر أروع الإنجازات والنجاحات في فترة زمنية وجيزة.

ونوه نائب وزير الخدمة المدنية بأهمية الذكرى في استحضار مناقب الرئيس الشهيد والمبادئ والقيم التي جسدها من منطلق الثقافة القرآنية والتي جعلت منه قدوة للأجيال من هم في مواقع المسؤولية العامة، مشددا على ضرورة أن تترجم تلك المبادئ والقيم إلى مواقف عملية تثمر نصرا وعزة وعدلا ومساواة وإنصافا للشعب اليمني الصابر والمجاهد.

وأكد ضرورة أن يبقى الإرث الذي تركه الشهيد الصماد مستمرا لدى الجميع في التصدي لمؤامرات الأعداء والتحرك لمواجهة التحديات والعمل الجاد لخدمة الشعب واستعادة وتعزيز ثقة المواطن بالدولة واستشعار المسؤولية تجاه الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل عزة واستقلال الوطن.

تخللت الفعالية، بحضور وكيل وزارة الخدمة المدنية لقطاع الرقابة عبدالله حيدر و الوكيل الفني لهيئة التأمينات عارف العواضي ، قصيدة للشاعر عبدالسلام المتميز، و فقرات إنشادية لفرقة دار رعاية الايتام، وتكريم أسرة الشهيد الرئيس الصماد بدرع وزارة الخدمة المدنية.

مقالات مشابهة

  • هل يجب قراءة الفاتحة بعد الإمام في الصلاة الجهرية.. الإفتاء توضح
  • لماذا حث النبي بناته على قراءة سورة الواقعة قبل الفجر؟.. لـ10 أسباب
  • القاص إبراهيم صموئيل…في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق
  • بيان للصحفيين الأردنيين دعمًا واسنادًا لمواقف الملك عبدالله الثاني
  • إبراهيم الشاذلي يكتب: مصر بين الأفخاخ والتحديات.. رؤية استراتيجية لصمود الدولة
  • وزير التجارة الداخلية ومحافظ حمص يتفقدان الأسواق والواقع التمويني في المحافظة
  • وزارة الخدمة المدنية تحيي الذكرى السنوية للشهيد الرئيس الصماد
  • ✒️غاندي إبراهيم يكتب: المعركة القادمة
  • دعاء وآيات للشفاء من الأمراض.. أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر
  • ياسمين الحصري: راضية بكل اللي ربنا قدره لي