بين التنظير والواقع- قراءة نقدية لمواقف د. عبد الله علي إبراهيم من قوى الثورة والقوى المدنية
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
زهير عثمان
منذ اندلاع الثورة السودانية وتشكيل تجمع المهنيين السودانيين كأداة للتغيير وقيادة الحراك الجماهيري، برزت مواقف متباينة من النخب الفكرية تجاه هذا الكيان وحلفائه. في هذا السياق، ظل د. عبد الله علي إبراهيم، الأكاديمي والمفكر المعروف، يتبنى مواقف أثارت الجدل، تتراوح بين النقد الحاد والتوجيه النظري، معتمدًا على فهم عميق لخطاب الدولة الحديثة، لكنه في كثير من الأحيان يفتقر إلى الاتساق بين تنظيراته وسياق الواقع السياسي.
التنظير مقابل الواقع
يُعد عبد الله علي إبراهيم من أبرز الأصوات التي سعت لفصل الدولة عن الأيديولوجيا، مستعينًا بمفاهيم حديثة مثل تعريف ماكس فيبر للدولة كمحتكر وحيد للقوة في المجتمع. إلا أن مواقفه من قوى الثورة والقوى المدنية اتسمت بالتناقض. ففي حين دعا إلى بناء الدولة على أسس علمية وعقلانية بعيدًا عن الغايات الأخلاقية، اتجه أحيانًا لنقد قوى الثورة باستخدام معايير أخلاقية بحتة، واصفًا مواقفها بأنها "ردود فعل" أكثر من كونها مشاريع استراتيجية.
عندما واجهت الثورة تحديات حقيقية في التعامل مع القوى العسكرية، كانت مقاربته النقدية لقوى الحرية والتغيير تميل إلى التشكيك في قدرتها على إدارة المرحلة الانتقالية، مع تسليط الضوء على ما اعتبره قصورًا في رؤيتها تجاه مفهوم الدولة وأدواتها. ومع ذلك، فإن تجاهله للمحددات السياسية الضاغطة والواقع الدولي أضعف تأثير نقده.
بين النقد والتبرير
في الآونة الأخيرة، واجه عبد الله علي إبراهيم اتهامات بـ"موالاة الأمر الواقع"، خاصة في ظل تعامله مع حكومة بورتسودان الحالية التي يرى البعض أنها واجهة للتيار الإسلامي. من أبرز منتقديه في هذا السياق جاءت اتهامات موجهة إليه بعدم الحسم تجاه ممارسات هذه الحكومة، وافتقاده إلى موقف واضح ينسجم مع شعارات الثورة حول التغيير الديمقراطي.
"
تقدّم" ومأزق الموالاة
انتقد عبد الله علي إبراهيم في مقالات عدة مواقف قوى مثل "تقدّم"، مشيرًا إلى افتقارها لاستراتيجية واضحة للتعامل مع الحكومة الراهنة، ومعتبرًا أنها أسيرة لعادات المعارضة التقليدية التي تركز على الهدم أكثر من البناء. لكنه في ذات الوقت وقع في نفس الفخ، حيث انشغل بتحليل خطاب الدولة والنخب، مبتعدًا عن تناول المخرجات الفعلية للاجتماعات والمبادرات التي قد تحمل خطوات عملية نحو الحل.
أحد أبرز الانتقادات الموجهة إليه كان اعتماده على نهج براغماتي يخدم النظام القائم أكثر مما يخدم تطلعات الشعب. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هذا الموقف نابع من قناعة فكرية أم أنه يعكس "براغماتية أمريكية" كما وصفها أحد النقاد؟
الدور المفقود
في خضم هذه الانتقادات، يبرز تساؤل حول ما إذا كان عبد الله علي إبراهيم قد فقد موقعه كمفكر مستقل يمكنه أن يكون جسرًا بين القوى المختلفة. بدلاً من العمل على توحيد الرؤية بين النخب المدنية والقوى الثورية، يبدو أنه اختار التمحور حول نقد محددات خطاب هذه القوى دون تقديم بدائل عملية.
وبالرغم مكانته كمثقف بارز، فإن عبد الله علي إبراهيم يجد نفسه في مواجهة اتهامات بتجاهل عمق الأزمة السودانية، وبتبنيه مواقف توحي بـ"موالاة الأمر الواقع" أكثر مما تعكس انحيازًا صادقًا لقيم الثورة والديمقراطية. يبقى التحدي الأكبر له هو استعادة دوره كمفكر قادر على تقديم قراءة نقدية بناءة، تسهم في معالجة الانقسامات الراهنة بدلاً من تعميقها.
وهل يستطيع د. عبد الله علي إبراهيم تجاوز هذه الانتقادات؟ أم أن مواقفه الأخيرة ستظل شاهدة على تحول مفكر إلى مجرد ناقدٍ للنظام الذي كان جزءًا من معارضته لموالاته؟
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: عبد الله علی إبراهیم
إقرأ أيضاً:
إبراهيم النجار يكتب: اتفاق الشرع قسد.. وماذا بعد؟!
في دوامة المشهد السوري، حيث تتشابك الخيوط وتتعقد.. يظل عنصر المفاجأة سيد الموقف هناك. وعلي الرغم من وضوح الصراعات، يبقي توقيت الأحداث لغزا محيرا، حيث تتبدل فيه المواقف والتحالفات في برهة من الزمن.. أحداث دامية، واشتعال النيران في الساحل السوري، جعلت الصوت الدولي يرتفع، مطالبا بوقف العنف، وتحرك حكومة دمشق علي وجه السرعة، لرأب الصدع ومعالجته قدر المستطاع.
في غمرة هذا المشهد المأساوي، يطل فجأة إعلان اتفاق بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية، "قسد". والذي وصف بـ التاريخي، حسب مراقبين، ذلك الاتفاق الذي كان بالأمس القريب ضربا من الخيال. ينص الاتفاق، الذي وقعه الرئيس السوري، أحمد الشرع، وقائد "قسد"، الجنرال مظلوم عبيدي، على دمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية، في إطار الدولة السورية الجديدة. خطوة يراها البعض، أهم تطور منذ سقوط حكم بشار الأسد. إذ يطمح السوريون، إلي أن يسهم الاتفاق، في وأد أي محاولات انفصالية، ومنع أي اقتتال داخلي قد يعيد البلاد إلي الفوضي.
بينما امتلأت شوارع دمشق، بـ الاحتفالات، وسط آمال بأن يشكل الاتفاق، اختراق كبير في مسار بناء الدولة الجديدة، هناك من يدعو إلي التريث، محذرين من أن التنفيذ هو الاختبار الحقيقي، لمدي جدية الأطراف في الالتزام ببنود الاتفاق - الاتفاق في حد ذاته جيد - غير أن الضغوط الإقليمية، قد تؤثر بقوة علي مجريات تنفيذ بنود الاتفاق، ومعطياته علي الأرض، ولا سيما، أن اللاعبين الدوليين، لن يقفوا مكتوفي الأيدي، ومن ثم فإن نجاح الاتفاق، يتوقف علي قدرة "قسد"، علي مقاومة الإغراءات والضغوط الخارجية، التي ربما قد تعيدها إلي دائرة المواجهة مع الدولة، هذا من جهة، ومن جهة أخري، مرونة دمشق في تلبية متطلبات السوريين الأكراد، وقبولهم في الاندماج في النظام.
ثمة من يري، هذا التفاؤل مشروط، ولا بد من الحذر من الفخاخ السياسية، فـ الاتفاق يعزز وحدة البلاد، ويحبط المخططات الإسرائيلية، الساعية إلي استغلال الاقليات الدينية والعرقية، لتقسيم سوريا. ومن ثم لابد من التركيز علي دمج كل مكونات المجتمع السوري، ومنح الشعب في حقه في السلطة، وإدارة شئون البلاد، وإلا فإن الفرص ستضيق أكثر فأكثر علي الحكومة الجديدة، إقليميا ودوليا. فهل سيثبت الاتفاق قوته، أمام العواصف السياسية والتدخلات الخارجية، وصراع المحاور في سوريا؟.