دق سلف .. هويتنا الوطنية هي ميثاق الدولة
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
دق سلف هويتنا الوطنية هي #ميثاق_الدولة
#مهند_الهندي / دبي
تكمن قوة القرآن الكريم في قدرته على التأثير في النفوس وتوجيه السلوك، والتأكيد على عمق الاخوة والمحبة بين الناس وذلك يتجسد في الوحدة الوطنية لابناء الشعب الواحد فالوحدة الوطنية فريضة شرعية لقول الله سبحانه وتعالى: ‘ واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم …’، وقوله تعالى : ‘ يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله اتقاكم”، لقد أكدت الآيات القرآنية على تعزيز الوحدة الوطنية من خلال توجيه الناس نحو القيم الإسلامية السامية وتعاليمهم السمحه من خلال التعاون، التسامح، المساواة، العدل ، المحبة والتعلم.
الوحده والتعايش : حث القرآن الكريم على التوحيد والإخلاص في العبادة، والتعايش والتقارب وتبادل المنافع والمصالح مع مخالفيه وليس من لوازم الإيمان القطيعة مع الناس ورفض العيش والتصالح معهم، الأمر الذي يعزز الوحدة بين المسلمين وغير المسلمين ويجعلهم يتعايشون في سلام.
المساواة والعدل : نص القرآن الكريم على أهمية المساواة والعدل بين الناس، فلم يفرق بين الناس على اساس العرق أو اللون أو الثقافة بل جعل الميزان بينهم قائم على اساس التقوى، وهو الأمر الذي يعزز الوحدة الوطنية ويقوي روح المواطنة.
المحبة والتسامح : كذلك حث القرآن الكريم بالحب والتسامح والصفح وحسن التعايش مع كافة البشر ومحبة الخلق، ووطد في نفوس البشر عددا من المفاهيم والاسس من أجل ترسيخ هذا الخلق العظيم ليكون معها وحده متينة من الأخلاق الراقية والتي بدورها تسهم في وحدة الامة في مجتمعاتنا .
التعلم والتعاون : من المعلوم أن للعلم والتعلم مكانة عظيمة في ديننا الاسلامي فقد اعتنى ديننا أعظم عناية بالعلوم الشرعية والكونية وسائر العلوم النافعة للانسان في شتى المجالات ويشجع على التعاون والتضامن في مجالات الحياة المختلفة، مما يعزز الوحدة الوطنية ويساهم في تقدم الأمة.
القيم الأخلاقية: يعلم القرآن الكريم القيم الأخلاقية السامية مثل الصدق والأمانة والعفة والشجاعة والتسامح والعدل وغيرها، وهذه القيم تعزز الوحدة الوطنية وتشجع على بناء مجتمع مترابط ومتكافل
يشير مفهوم الهوية الوطنية إلى “مجموعة من السمات والمعتقدات والأفكار والقيم المجتمعية والثقافية والسياسية والاقتصادية التي تكونت خلال فترة زمنية طويلة وتميز مجتمعا عن غيره وتجعل من أفرادها يشعرون بالفخر للانتماء لها”، وللهوية الوطنية تأثير كبير على منظومة القيم الثقافية والفكرية التي يتبناها أفراد المجتمع، كما تؤثر على التركيب الشخصي للفرد وصفاته الشخصية واتجاهاته الاجتماعية والسياسية المستمدة من ثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده المتمثلة في الحكمة والصبر والتعاون والتسامح مع الآخر، والتعاطي مع الأحداث والأزمات والتصرفات التي يتبعها الفرد في مختلف المواقف الحياتية، كما إنها تولّد لدى أبناء الوطن الواحد الشعور بأنهم جزء فاعل وحيوي من نسيج المجتمع يسهمون في بناءه وحمايته، كما تسهم في ذوبان الفوارق بين الأفراد على الرغم من اختلاف الطوائف والانتماءات، كما تعمل على إيجاد مشاعر ومعتقدات إيجابية بضرورة تقليل أو منع النزاع فيما بينهم، وتحسن اتجاهاتهم نحو الوطن.
وهنا نشير بأن الهوية الوطنية تعبير يطلق على ما يميّز مجموعة من الأفراد في دولة ما عن نظرائهم في دولة أخرى. بمعنى أن الهوية الوطنية تتضمن مجموعة من العناصر التي تجعل الأفراد يرتبطون مع بعضهم بعضاً، وتجعلهم ينتمون لمنطقة جغرافية معينة، وتكون الهوية الوطنية في النهاية ارتباطاً بين الأفراد وارتباطاً بين الأرض لتجعل الهوية تختلف من مكان لآخر.
وفي مجتمع ما لا تعني تماماً غياب هويات فرعية أصغر، ففي جميع مجتمعات العالم توجد هويات أصغر تميّز الأقليات أو الجماعات في المجتمع الأكبر الذي يجمع هذه الهويات في هوية وطنية عامة تستوعب الجميع. ففي المجتمع الأمريكي توجد العديد من الهويات الفرعية للعرب الأمريكيين أو المسلمين الأمريكيين أو حتى الأمريكيين من أصول آسيوية أو لاتينية وغيرهم. ولكن تبقى الهوية الأمريكية الأساسية جامعة لكافة الهويات الصغيرة.
والعلاقة بين الهويات الفرعية والهوية الأساسية علاقة يجب أن تكون متوازنة بمعنى أن تقوم على الاحترام والاستيعاب المتبادل، بمعنى أن تستوعب الهوية الوطنية كافة الهويات الأصغر، وتحافظ على مصالح كافة الأفراد بهوياتهم المختلفة ومصالحهم وحقوقهم. وكذلك الحال بالنسبة للهويات الفرعية التي يجب أن تراعي المصلحة العامة ومصالح مختلف الهويات الفرعية والأهم الهوية الوطنية الأساس .
وبناء الهوية الوطنية مسؤولية جماعية، فهي ليست ملقاة فقط على عاتق الحكومة، وإنما هي مسؤولية تشترك فيها كافة مؤسسات الدولة الحكومية، ومؤسسات المجتمع المدني، ورجال الدين، ووسائل الإعلام، والأفراد أنفسهم. بعيد عن العنصرية والاتهامات المجحفه وعادة ما تحرص الدول على إقامة سلسلة من المشاريع الداعمة لبناء الهوية الوطنية، والتي تجمع مكونات المجتمع المختلفة وتكوّن بينهم أرضية مشتركة يمكن بناء الهوية من خلالها، كما هو الحال بالنسبة لتدريس مقرر التربية الوطنية في بعض المدارس الحكومية أو إقامة عدد من الاحتفالات الوطنية بين وقت وآخروهنا انوه الى كلام عميد ال بيت جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين حينما قال أن الحفاظ على الوحدة الوطنية هي مسؤولية جماعية يتحملها كل من الحكومة وجميع مؤسسات المجتمع المدني والمواطنين، مشددا جلالته أن وحدتنا الوطنية خط أحمر لن نسمح لأي كان العبث به
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: ميثاق الدولة الوحدة الوطنیة الهویة الوطنیة القرآن الکریم
إقرأ أيضاً:
اللُحمة الوطنية والوعي الفردي
د. محمد بن خلفان العاصمي
منذ قيام النهضة المباركة بقيادة المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- في مطلع سبعينيات القرن الماضي، اهتمت سلطنة عُمان وبتوجيه وفكر من السلطان الراحل- رحمه الله- بمنظومة القوانين والتشريعات التي تؤسِّس العلاقة بين عناصر الدولة وتؤطر الحقوق والواجبات بشكل لا يترك مجالاً لأي اجتهاد، فيما يتعلق بالحقوق والواجبات والحريات، وبما يضمن وجود علاقة نموذجية بين عناصر المجتمع المدني ويحقق أهداف التنمية الوطنية ومبادئ النهضة التي جعلت الإنسان في صدارة اهتمامها ومحور العملية التنموية.
ومن أجل تحقيق ذلك وضعت المؤسسات الوطنية المختصة، وأوكلت لها مهمة تحقيق الحياة الاجتماعية الكريمة والعادلة وتطبيق مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع، وهو ما ترسخ خلال فترة وجيزة في المجتمع العُماني وأصبح الأساس والأصل الذي بنيت الدولة عليه.
وفي العهد المُتجدد من مسيرة النهضة العُمانية بقيادة مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أعزه الله- ارتسمت السياسة العامة للدولة نفس النهج السابق وعززت من مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة، وأكدت على قيم التعايش والتسامح والتضامن الاجتماعي، وشددت على أهمية بقاء هذا النسيج الاجتماعي للمجتمع، كما أكدت أن الحريات وحقوق ممارسة المواطن والمقيم لجميع أنشطتهم التي نصت عليها القوانين والتشريعات هو مكفول من قبل الدولة ترعاه وتحميه ولا تسمح بالاعتداء عليه، كما شددت على أهمية الانتباه لما يدور حولنا من أحداث سياسية واجتماعية واقتصادية وغيرها، وقراءتها بشكل متمعن وفهما، وعدم ترك المجال لها للتشويش على المجتمع خاصة مع وصول التكنولوجيا لمراحل من التطور بحيث لم يعد بالإمكان تجاهل تأثيرها وقدرتها على نشر المعلومات على نطاق واسع وفي زمن قصير.
لقد أسهم هذا التنظيم التشريعي والفكر التقدمي للدولة في نشر الوعي وتطور مفاهيم المواطنة، ورغم أن نسيج المجتمع العُماني متعدد الأطراف والثقافات إلا أن هذا التنظيم استطاع أن يصهر هذه العناصر في بوتقة واحدة وهي سلطنة عُمان، مما ساهم في صنع مجتمع مُتسامح مُتعايش مُخلِص لأرضه وسلطانه، يحمل أفراده قيم المواطنة الصالحة التي تسعى لرفعة الوطن وتقدمه، متمتعين بحقوقهم المشروعة كما بينتها القوانين، وقد مارس العُماني حقه في التعبير عن آرائه وكثيرًا ما ساهمت هذه الآراء في تحسين وتطوير العمل داخل أجهزة الدولة، كما إنها كانت دائمًا نموذجًا للعلاقة الصحيحة بين الحكومة وأبناء الشعب.
وفي مقالي السابق، تحدثتُ عن أن الوطن والمواطن خط أحمر لا يجيب تجاوزه، مهما كانت الأسباب والمبررات، وراهنت على الوعي لدى المواطنين كأحد العناصر التي يُعوَّل عليها في مواجهة دعوات التحريض والاستثارة التي تمارسها مجموعة من الأشخاص الذين يرغبون في إحداث الفوضى داخل المجتمع لأهداف شخصية غُلِّفت بغلاف المصلحة العامة. ونظرًا لأن عملية تشكيل الوعي في أي مجتمع تستغرق وقتًا ليس بالقصير؛ فمن مرحلة الوعي الذاتي إلى الوعي العقلي وصولًا إلى الوعي الاجتماعي الكامل يمر المجتمع بمراحل متعددة من تشكيل القناعات والإيمان المطلق بالمصلحة العامة التي تسمو على مصلحة الفرد وتغليب هذه المصلحة على اعتبارها النتيجة التي يرغب الإنسان فيها.
لقد أدرك العُمانيّ منذ بزوغ النهضة المباركة أن الوطن للجميع وأن الاختلاف أمر محمود وجزء رئيسي من التفاعل الاجتماعي الذي يُشكِّل نمط الحياة الاجتماعية، وأن هذا التقاطع هو ما يبرز جمالية النسيج الاجتماعي الذي يشكل المجتمع العُماني، وهذا الانصهار الكامل نشاهده واقعًا يوميًا هنا في سلطنة عُمان؛ حيث لا يشكل اختلاف المذاهب- على سبيل المثال- أدنى تحدٍ اجتماعي في الحياة اليومية، كما لا يشكل اختلاف اللهجات بين فئات المجتمع أي عائق للتواصل والتفاهم، وفي الحقوق والواجبات يقف الجميع عند خط واحد، ويمارس جميع أبناء الوطن دورهم في بناء الدولة صفًا واحدًا لا تفضيل فيه لأحد على أحد.
لقد اكتسب العُمانيّ القدرة على استيعاب الاختلاف مع الآخر وقبول الآراء والأفكار والتعامل مع هذا الاختلاف من منظور ذي سعة كبيرة وحق من حقوق الآخر، هذه القدرة مكنته على تقدير قيمة الآخرين والتعايش معهم بشكل تام دون الحاجة إلى اختلاق صراعات مع الآخرين، ولذلك نادرًا ما تصادف مواقف شجار وخلافات واعتداء على الآخرين في الطرقات والأماكن العامة كما نشاهده في كثير من المجتمعات التي فقدت هذه القيم وأصبحت بلا حدود أخلاقية على مستوى تقبُّل الآخر ومساحة الاختلاف بين الناس، وهذا الجانب لم يكن وليد الصدفة؛ بل هي سلسلة متتابعة من الأحداث والمواقف التي شكلت الوعي الفردي لدى أفراد المجتمع.
إنَّ انعكاس هذا الوعي على اللُحمة الوطنية كان بارزًا في كثير من المواقف التي مرَّت بها بلادنا العزيزة، فما شاهدناه من مواقف أثناء الأزمات مثل الأنواء المناخية التي تعرضت لها البلاد عدة مرات وفي مجال التكافل الاجتماعي، وفي فترة وباء "كوفيد-19"، كلها تُثبت أن الوعي بالمسؤولية الوطنية خير زاد لدى أبناء هذا الوطن في سبيل الحفاظ على لُحمتهم الوطنية والحفاظ على مكتسبات الوطن، لذلك عندما جاءت هذه الدعوات النشاز المغلفة بغلاف المصلحة الزائفة وحاولت النيل من ثقة المواطن بوطنه لم تجد الأذن الصاغية، ووجه العُماني رسالته الواضحة أن الوطن أغلى من المساومة والتجارة الرخيصة التي يرى البعض فيها مقاييس لوطنيَّتِهم وانتمائهم وولائهم للوطن.
إنَّ تعزيز الوعي الفردي لا بُد أن يكون موضع اهتمام من قبل الجميع، وعلى رأسهم حكومتنا الرشيدة بمؤسساتها الرسمية كالمدارس والجامعات والمعاهد والمساجد والجوامع وغيرها، كما إنه يجب على مؤسسات المجتمع المدني أن تؤدي دورها في هذا الجانب، وخاصةً الأندية والجمعيات وغيرها من المؤسسات التي تُعنى بقضايا الأمة والمجتمع، وأن تتكامل هذه الجهود في إطارٍ مُنظَّمٍ من خلال البرامج الوطنية التي تُعزز من قيم التسامح والتعايش بين أفراد المجتمع الواحد، وهذه الجهود هي التي ستحمي المجتمع من الأفكار الخاطئة والسلبية ومن الدعوات التي يبُثها المُغرضون بين الحين والآخر، رغبةً في الفت في عضُدِ لُحمةِ هذا البناء الاجتماعي الرصين.