سودانايل:
2025-05-02@13:52:52 GMT

ذات صفاء الوان تنبض وحركات تروي

تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT

إبراهيم برسي

18/11/24

: مدخل نقدي للنص القصصي القصير
( ذات صفاء ذات نهار سادس اخضر )
للقاص و المفكر عادل القصاص.

و الذي في رائي يتجاوز كونه سردًا لنص قصصي قصير ليغدو مرآةً عميقة تتداخل فيها الذات والآخر في مشهدية مليئة بالإيحاءات.
عادل القصاص، في هذا العمل، يكشف عن براعة نادرة في تحويل تفاصيل يومية عادية إلى حقل دلالي عميق ينضح بالحنين، الشغف، والحسرة.


النص يعبر عن أفق أدبي يتلاقى فيه علم نفس الأفراد والمجتمعات مع أنماط الكتابة السودانية التي تعكس خصوصية المكان والزمان.

اذ يحفر الكاتب في أعماق النفس البشرية عبر شخصية الراوي الذي يغرق في تفاصيل دقيقة أثناء عملية طلاء الجدران. لكنه، في العمق، يطلينا نحن أيضًا بتجربة شعورية مركّبة؛ حيث يتحول العمل اليدوي، بكل ما فيه من روتين وبطء، إلى فعل تأملي تتسرب من خلاله انفعالات الراوي تجاه صفاء .

عملية الطلاء هنا ليست مجرد استعارة فنية، بل هي رمز لمشهدية نفسية تعبر عن محاولة الراوي إعادة بناء داخله المحطم؛ الطلاء كفعل تغطية وإعادة صياغة هو، في ذات الوقت، فعل مقاومة لحقيقة الفقد القادمة. لكن، وكما يشير النص، الطلاء لا يخلو من التناقض: الرغوة التي تنبت عند خلط الماء بالطلاء تمثل خفة اللحظات العابرة التي لا تدوم، والزيت الذي يذوب هو استعارة للشوق الآخذ في الانحسار مع انقضاء الزمن.

صفاء: الرمز والمرآة الشخصية
صفاء ليست مجرد شخصية في النص، بل هي صورة متعددة الأبعاد: هي الحبيبة، الرغبة، والفقد. تجسيدها جاء بدقة فنية عالية، حيث يختار الكاتب لغة وصفية تنقل حضورها الجسدي المثير دون أن تنزلق إلى الابتذال.

حركاتها البسيطة—كالجلوس على البنبر ، غسيل الملابس، وتحريك الطشت—تحمل عبء رمزية مثقلة: فهي ليست مجرد أفعال عادية، بل إشارات إلى الحياة اليومية التي يصعب على الراوي استعادتها بعد رحيلها. صفاء هي الحاضر الذي يغيب، هي الألفة التي تتحول إلى ذكرى، وهي النبض الحي الذي يُطفأ ببطء.

و من خلال علم النفس الفردي، يمكن قراءة النص كرحلة داخل وعي الراوي المنقسم بين الرغبة والوعي بالفقد. البطء المكابر الذي يصر عليه الراوي أثناء الطلاء يعكس مقاومة داخلية للاعتراف بالحقيقة: أن هذا اليوم هو اليوم الأخير في البيت، بيت صفاء. النص يُظهر كيف يمكن للأعمال اليدوية اليومية أن تصبح مسرحًا للانفعالات المكبوتة، بل وكيف يمكن للبطء أن يتحول إلى محاولة يائسة لإطالة زمن الحضور.

أما من منظور علم النفس الاجتماعي، فإن النص يبرز تمثيلات خفية للتوتر بين الفرد والمجتمع. صفاء هي انعكاس للصورة المثالية التي يتوق إليها الراوي؛ لكنها، أيضًا، تمثل الآخر الذي لا يمكن السيطرة عليه أو امتلاكه. إن عدم قيام صفاء بسحب الفستان “كي تلطخه بعُرى فخذيها او تلطخ به عُري فخظيها يشي بلحظة مقاومة صغيرة، لكنها تعيد التأكيد على استقلاليتها، وعلى أن العلاقة بين الذات والآخر تحمل دائمًا عنصر الغموض والتوتر.

النص مكتوب بلغة سودانية متدفقة، لكنها مشبعة بطبقات من المعاني. اختيار المفردات اليومية، مثل ( البنبر و الطشت )، يضفي واقعية محلية تجعل القارئ يتماهى مع النص؛ في الوقت نفسه، تتداخل هذه الواقعية مع صور شعرية مكثفة، كما في وصف ( النهد النرجسي الصلف ) الذي يخلق جسرًا بين الجسد والمعنى.

لكن الكاتب لا يكتفي بذلك؛ بل يضيف بُعدًا صوتيًا للنص عبر الأصوات المسموعة: (لهاث الملابس)، (طرقعة الطشت )، و (هسيس الرغوة).
هذا البُعد يجعل النص أشبه بمقطوعة موسيقية تُعزف على وقع التفاصيل اليومية.

و ايضاً يمكن قراءة النص كمرآة لواقع اجتماعي سوداني أوسع، حيث تتداخل حياة الأفراد مع قسوة الفقد وحتمية الرحيل. فصفاء ليست فقط الحبيبة، بل يمكن أن تكون رمزًا للوطن، للمكان الذي نحاول التشبث به رغم يقيننا بأننا سنفقده. هنا يظهر بُعد سياسي خفي، لكنه عميق: النص يعبر عن ألم الهجرة، سواء أكانت هجرة حبيبة، أم هجرة وطن.

( ذات صفاء ذات نهار سادس أخضر ) عمل أدبي مدهش بجماله وعمقه. إنه نص يتنقل بمهارة بين التجربة الشخصية والرمزية العامة، بين الحميمي والاجتماعي، وبين الواقعي والخيالي.
عادل القصاص ينجح في خلق نص يتحدث إلى القارئ بلغة مركّبة ومليئة بالحنين والشفافية، نص يجمع بين الدقة الفنية والحمولة الشعورية، ليتركنا نعود إليه مرارًا بحثًا عن المزيد من أسراره.

zoolsaay@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

هل يمكن أن يعود حظر الحجاب إلى الجامعات التركية؟

صرح وزير التعليم التركي يوسف تكين، قبل أيام، بأن حظر ارتداء الحجاب قد يعود إلى المدارس والجامعات التركية في حال فاز مرشح حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية القادمة. وأشار تكين في جوابه على سؤال الصحفي التركي آدم متان، حول هذا الاحتمال، إلى أن حزب الشعب الجمهوري تقدم عام 2007 إلى المحكمة الدستورية بطلب إلغاء التعديل المتعلق بحرية ارتداء الحجاب في الجامعات، وقال في طلبه آنذاك إن هذه الخطوة يمكن أن تفتح الباب أمام المطالبة بحرية ارتداء الحجاب في الدوائر الحكومية والشرطة والجيش. ولفت الوزير إلى أن هذا حدث قبل بضع سنوات فقط، وليس قبل زمن طويل.

حزب الشعب الجمهوري يحاول أن يظهر نفسه كحزب يحترم قيم المجتمع المسلم والحريات الشخصية، ويقول إن حظر ارتداء الحجاب لن يعود، إلا أن التجارب السابقة والحالية تؤكد أن عقلية هذا الحزب مثل "الذيل الذي لا ينعدل"، ولا يمكن أن تتغير، مهما قال وفعل قبل الانتخابات لكسب أصوات الناخبين المتدينين. ولعل أقرب مثال لذلك، هو ما قامت به رئيسة بلدية أسكودار في إسطنبول، سِينَمْ دَدَطاشْ، المنتمية إلى حزب الشعب الجمهوري.

الشعب الجمهوري يحاول أن يظهر نفسه كحزب يحترم قيم المجتمع المسلم والحريات الشخصية، ويقول إن حظر ارتداء الحجاب لن يعود، إلا أن التجارب السابقة والحالية تؤكد أن عقلية هذا الحزب مثل "الذيل الذي لا ينعدل"، ولا يمكن أن تتغير، مهما قال وفعل قبل الانتخابات لكسب أصوات الناخبين المتدينين
منطقة أسكودار معروفة بسكانها المتدينين، وكانت تعتبر من قلاع الأحزاب المحافظة، كما أن الرئيس السابق لبلديتها كان منتميا إلى حزب العدالة والتنمية. ولما فازت مرشحة حزب الشعب الجمهوري برئاسة بلدية أسكودار في الانتخابات المحلية الأخيرة، قامت بإلغاء الأيام والساعات المخصصة للنساء في مسبح البلدية، وفرضت الاختلاط على الجميع في استخدام المسبح. كما أحضرت معلمة رقص من أفريقيا في شهر رمضان المبارك لتعليم الفتيات رقصة "توركينغ"، وهي "تدوير إيقاعي للأطراف اللحمية السفلية بقصد الإثارة الجنسية أو الضحك للجمهور المستهدف"، وفقا لــ"الموسوعة الحرة ويكيبيديا".

تركيا برئاسة رجب طيب أردوغان أزالت العوائق التي وضعت أمام تحفيظ القرآن الكريم وتعليم تلاوته، ومكَّنت الطلاب من حفظ القرآن الكريم كاملا وتلقي العلوم الإسلامية بالتوازي مع مواصلة دراستهم المتوسطة. وإضافةً إلى ذلك، تنظِّم رئاسة الشؤون الدينية دورات صيفية لتعليم الأطفال الصغار تلاوة القرآن الكريم، وهو ما يعارضه حزب الشعب الجمهوري جملة وتفصيلا، بحجة أن النظام العلماني يجب أن لا يلقن الأطفال الصغار أي معلومة متعلقة بالدين ليبقى على مسافة واحدة من جميع الأديان والمذاهب والمعتقدات، ما يعني أن هذه العقلية ستغلق مدارس تحفيظ القرآن الكريم ودورات تعليم تلاوته، إن تمكنت من الفوز في الانتخابات وشكَّلت الحكومة.

رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزل، في رده على ما قاله وزير التعليم، حاول أن يطمئن الناخبين المتدينين، قائلا إنه هو من سيقف ضد محاولات حظر ارتداء الحجاب في ظل أي حكومة يشكلها حزب الشعب الجمهوري. ولكن مثل هذه التصريحات لا تكفي لإزالة المخاوف، لأن ارتداء الحجاب لم يكن محظورا لوجود قانون أو مادة دستورية، بل كانت القوى المتسلطة على الإرادة الشعبية تحظره بناء على تفسيرها لمبدأ العلمانية، ولا يوجد أي مؤشر يشير إلى تراجع مؤيدي حزب الشعب الجمهوري عن ذاك التفسير المتطرف للعلمانية. مثل هذه التصريحات لا تكفي لإزالة المخاوف، لأن ارتداء الحجاب لم يكن محظورا لوجود قانون أو مادة دستورية، بل كانت القوى المتسلطة على الإرادة الشعبية تحظره بناء على تفسيرها لمبدأ العلمانية، ولا يوجد أي مؤشر يشير إلى تراجع مؤيدي حزب الشعب الجمهوري عن ذاك التفسير المتطرف للعلمانيةبل هناك من يتجرأ منهم على محاولة حظر ارتداء الحجاب في حصته بالجامعة أو شتم الفتيات المحجبات والاعتداء عليهن في الشوارع، رغم وجود حكومة تدافع عن حقوقهن. ومن المتوقع أن يطبق كثير من المسؤولين الموالين للمعارضة، حظر ارتداء الحجاب تلقائيا دون أن ينتظروا قرار الحكومة، لمجرد فوز مرشح حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية.

تركيا تشهد حالة استقطاب غير مسبوق منذ فترة، تغذِّيه المعارضة وفلول تنظيم الكيان الموازي التابع لجماعة غولن. ولضمان استمرار تلك الحالة، يتم شحن الموالين للمعارضة بمشاعر العداء والكراهية تجاه الحكومة والأحزاب المؤيدة لها، من خلال بث الإشاعات والأنباء الكاذبة. ويجعل هذا الوضع الناخبين المؤيدين للمعارضة لا يعترفون أبدا بالخدمات التي تقدمها الحكومة، كما لا يرون الفساد المنتشر في البلديات التي يديرها رؤساء منتمون إلى حزب الشعب الجمهوري، بل ولا يبالون بارتكاب هؤلاء الرؤساء جرائم، مثل اختلاس أموال البلدية أو الابتزاز أو تلقي الرشاوى، ما داموا ينتمون إلى الحزب الذي يؤيدونه، ويعتبرون كافة الاتهامات الموجهة إليهم سياسية مهما كانت مبنية على أدلة دامغة، كما هو الحال في قضية رئيس بلدية إسطنبول المقال أكرم إمام أوغلو.

أوزغور أوزل، بعد انتخابه رئيسا لحزب الشعب الجمهوري، حاول أن يتبنى سياسة تخفيف التوتر بين الحكومة والمعارضة، إلا أن جهوده اصطدمت بجدار عقلية حزبه المترسخة، وسرعان ما عاد إلى لغة التصعيد التي بلغت ذروتها بعد اعتقال إمام أوغلو بتهمة الفساد ودعم الإرهاب. ويسعى حزب الشعب الجمهوري الآن إلى تحريض طلاب المدارس الثانوية ضد الحكومة من أجل تحويلهم إلى حطب يبقي نار الاستقطاب مشتعلة. ومن المؤكد أن هؤلاء الذين يتم شحنهم الآن بكمية كبيرة من مشاعر العداء والكراهية تجاه المواطنين المؤيدين للحكومة، بدعوى أنهم هم من أوصلوا البلاد بأصواتهم إلى الوضع الراهن، سيبحثون عن سبل الانتقام منهم في أول فرصة سيجدونها.

x.com/ismail_yasa

مقالات مشابهة

  • ظفار تنبض بالعطاء.. مبادرات وإنجازات ترسم ملامح الرعاية المجتمعية المتكاملة
  • كان خايف.. والدة الطفل ياسين تروي تفاصيل ما حدث داخل قاعة المحكمة
  • بعد قضية الطفل ياسين.. «لبنى ونس» تروي تفاصيل تعرضها للتحرش من صديق والدها
  • بين أم قصر و ميناء مبارك: قناة بحرية تروي حكاية التوازن
  • هل يمكن أن يعود حظر الحجاب إلى الجامعات التركية؟
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • مسؤولة أممية: لا يمكن احتواء الوضع في غزة الذي يزداد سوءًا
  • عادات صباحية تخلصك من التوتر وتزيد صفاء ذهنك أكثر من التأمل!
  • لحظة فارقة.. مي مالك مهران تروي تفاصيل حضور الرئيس السيسي عقد قرانها |فيديو
  • شاهد | أحلام طفل ودموع أم تروي خيوط جريمة العدو في غزة