لم يخرج السودان من معادلات الصراع العربي الإسلامي في إقليم الشرق الأوسط بعد (استقلاله)، بعدما تم استتباعه للجامعة العربية وحلف عدم الانحياز، رغم الممانعات التي وقفت في طريقه من بعض البلدان العربية، بحكم عمقه الافريقي الصميم، فانداحت الأفكار والأيدلوجيا العربية والإسلامية وملأت الفراغات، حتى امسى السودان قطراً عربياً خالصاً رغم أنف شعوبه الزنجية، وواحدة من تعقيدات الأزمة الوطنية فيه التماهي الكبير مع المد العروبي، الذي اتخذته النخبة الأولى ديدناً ومنهاجاً، فكما نشطت أحزاب اليسار في حقبة انتعاش القضية العربية المحورية – فلسطين – كانت الدولة السودانية تؤدي دوراً ملكياً فاق دور الملك، واتجه الفعل الثقافي والسياسي نحو المركزية العروبية – بيروت والقاهرة ودمشق وبغداد، ففتحت الأبواب للشعراء والطلاب والمثقفين السودانيين للالتحاق بالمؤسسات التعليمية هناك، والمشاركة بالفعاليات الأدبية المقامة دورياً بمراكز الاشعاع الفكري والثقافي العربي، فقد قررت النخبة الأولى عدم الالتفات للعمق الافريقي والبعد الدولي، رغم التأهيل المستحق الذي تركه البريطاني في السودان، فكان ممكناً أن يكون الشعب جسر للتواصل بين شعوب القارة والاقليم والعالم، لكن الصفوة المستلبة أرادت غير ذلك، فتماهت مع الثقافة البيضاء واشاحت بوجهها بعيداً عن السوداء، لقد حددت الصفوة مصير شعوب متباينة الاتجاهات ورسمت لها طريقاً ذا اتجاه واحد، فارتبطت الأيدلوجيا والأفكار بالمصادر المركزية العربية، فدخلت الشيوعية عبر النافذة العربية وكذا البعثية والاخوانية، واصبح لا فكاك من هذا المصير المفروض جبراً على الناس، إلّا باستقلال الأقاليم غير القادرة على التوائم مع أحادية التوجه – انفصال جنوب السودان واندلاع التمردات بدارفور وجنوبي كردفان النيل الأزرق.
خلاصة الارتباط الوثيق للسودان بالمراكز العروبية انعكس في تماثل الأزمة السودانية مع أزمات مصر وسوريا ولبنان والعراق، العصبية الأيدلوجية والانقلابات العسكرية والأصولية المتشددة، الأمراض التي لا توجد في المحيط الأفريقي جنوب الصحراء، فإطالة امد حرب الجنوب جاء بسبب الدعم العربي للأنظمة العسكرية، وشهدنا مساهمة طيران البعث الصدامي في التصدي للجيش الشعبي بالكرمك وقيسان، ثم جاءت الطامة الكبرى بعد أن اعتلى الاخوان السلطة، ففتحت البلاد على مصاريعها لأسامة بن لادن، وجميع منظمات الإسلام السياسي، حتى أن العهد الأول لحكم الاخوان – الجبهة الإسلامية شهد حملات تبشير بالمذهب الشيعي، الذي يعتبر غريباً على البيئة الصوفية السودانية، وحتى فيما بعد المفاصلة بين الاخوان – المؤتمر الوطني، ظلت العلاقة متينة بأصحاب العمائم السوداء، حتى انقلب عليهم الدكتاتور البشير ومال شرقاً، ثم ما لبث أن أعاد العلاقة مع طهران خلفه الانقلابي الجديد المتغول على ثورة الشباب الديسمبريين، لكن هذه المرة جاءت في ظل ظروف حرجة دكت فيها إسرائيل معاقل وبؤر التنظيمات المسنودة من طهران، في غزة ولبنان وأخيراً ونتيجة لاضمحلال المحور الإيراني سقطت دمشق، هذا الضعف والوهن الذي أصاب المحور سينسحب على (إمارة السودان الإسلامية)، التي يتشبث بها بقايا النظام الحليف لحماس وحزب الله وإيران وروسيا، بعد تكبد جيشه الهزائم المتلاحقة من قوات الدعم السريع، القوات الوطنية غير المؤدلجة المنخرطة في مشروع الانتقال المدني، الذي أعلنته قوى الثورة التي أطاحت بالدكتاتور الاخواني عمر البشير، فبعد أن تم دك حصون الدول والمنظمات المدعومة من طهران، ستكون فرص بقاء دويلة اخوان السودان ببورتسودان ضعيفة.
التطورات المتسارعة بالهلال الخصيب أكدت على استشراف المنطقة برمتها لمستقبل خالي من سطوة الدكتاتوريات، وبزوغ فجر الدولة الوطنية البراغماتية التي تنشد الأمن ورفاه الشعوب، والسودان كواحد من الأقطار الافريقية المقطورة خلف الدويلات الساقطة، لن يكلف الثورة الداخلية جهداً يذكر، خاصة وأن الحرب قد أنهكت كتائب الاخوان – المؤتمر الوطني – ومليشيات البراء بن مالك، فاذا كان مركز الأيدلوجيا الداعمة للمليشيات الاخوانية السودانية المتطرفة قد سقط، لا اعتقد أن بقايا النظام الاخواني البائد في السودان، ستصمد أمام التغييرات الجوهرية التي ضربت الشرق الأوسط، ومن المتوقع أن تنشط تنظيمات مسلحة مؤازرة لشعار الحكم المدني الديمقراطي جديدة، تدشن مشروعها الثائر للخلاص مما تبقى من بؤر المنظومة البائدة وكتائبها المتطرفة، فالحزب البائد في السودان جاهر كثيراً بدعمه للتنظيمات المتطرفة بالعراق والشام، وأوفد المجاهدين للحرب هناك والمجاهدات للنكاح أيضاً، فالأواصر بين رموز الإرهاب واحدة، ومشروع تنظيف المنطقة من التطرف والتشدد يضم حلفاء أقوياء في الإقليم، لم يتوانوا يوماً في سبيل كبح هياج الدواعش المتعطشين للدماء، فبعد اسقاط النظام السوري – الارتكاز الأساسي لمحور العمائم السوداء، يكون عقد المتراصين خلف المحور على مقربة من الانفراط الكامل، وقد نصح الصحفي الاخواني عثمان ميرغني قائد كتائب الجهاديين المختطف لقيادة الجيش السوداني، بأن يدرك نفسه وينقذ عنقه من سيف التسونامي الذي عصف ببشار، لكن الصلاة بعد نفخ الصور لا تجدي صاحبها، فتخلي روسيا عن حليفها الاستراتيجي أرسل رسالة مرعبة لإخوان السودان.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب ولاية نيفادا الأمريكية
قالت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، إن زلزالا بقوة 5.6 درجة ضرب منطقة يرينجتون في ولاية نيفادا أمس “الاثنين”.
وأضافت أن الزلزال كان على عمق تسعة كيلومترات.وام