البطلة مزن بشير الخضر
يقول الراوي:
عندما توارى الرجال فى مركب الموت - بين السقاي البتلاب والسروراب غرب - داخلها وأخفوا أنفسهم خوفا ورعبا وتجنبا لوابل الرصاص المقذوف من قبل الجنجويد والموجَّه نحوها مباشرة، حيث أصاب طفلا فى مقتل وكثير من النساء والأطفال أصابتهم شظايا الرصاصـ، انبرت ابنة الخمسة عشر ربيعا نحو مجداف المركب التى جرفها التيار وقبل أن تتقاذفها الأمواج غير مبالية بما يجري لتنقذ المركب ومن عليها من غرق محقق حتى أوصلتها بر الأمان بالضفة الغربية للنهر ليتم إسعاف الجرحى والمصابين بمستشفى السروراب غرب.
أي شجاعة يمكن أن تكون شجاعة مزن بشير الخضر وفى هذا العمر الصغير؟ وأي مدح يمكن أن توصف به؟ بل وأي أحرف وكلمات يمكن أن تمجد ما قامت به صغيرتنا وتعبِّره؟
يحكى أن شابا أسودا لجأ إلى فرنسا وبينما هو واقف أسفل عمارة شاهد طفلا صغيرا يهوي من الطابق الرابع فما كان منه إلا أن تلقاه وأمسك به قبل أن يرتطم بالأرض منقذا حياته من موت محقق فكان الجزاء نيل الجنسية فى الحال والتعيين فى الدفاع المدني الفرنسي وتكريمه على مستوى رئاسة الدولة.
مزن لك الله يا بنتي فى بلد تمر الأحداث العظام مثل حدثك هذا ولا تعني شيئا للمسؤولين، فتحكى كحدث عابر للنسيان؛ فوالله لو كانت فعلتك تلك فى دولة اوروبية لنصبوا لك تذكارا يذكر بتلك الواقعة ويخلد ذكراك للأبد ولوضعوك شعارا لبطولة أطفال اليوم يحكى عنها مر الزمان. أنا أنادي من هذا المقام بتكريمها تكريما يليق بها يعلمه القاصي والداني ؛ فما بذلته وقامت به يسبق عمرها بعشرات السنين ويخلد ذكراها أبد الدهر.
رعاك الله وسلمك - مزن - من كل مكروه وحقٌ لك علينا أن نكرمك على مسمع ومرأى الملأ وعيون الأشهاد.
مزن قاهرة العباب
شعر
د. أحمد جمعة صديق
مُزَنْ، فَتَاةُ السُّرُوْرَابِ
قَاهِرَةُ العُبَّابِ
قَادَتِ السَّفِينَةْ مِنْ (السِّقَاي) إِلَى (البِتْلَابِ)
وَلَمْ تَكُنْ تَخَافُ رَصَاصُ الجَنْجُوِيْدِ
يَصُبُّ عَلَى الرُّؤُوسِ كَالعَذَاب
(مزن) فَتَاةٌ لَا تَخَافُ
أَمْسَكَتِ المَجْدَافَ
حِينَ تَخَاذَلَ الرِّجَالُ
وَقَادَتِ السَّفِينَة للضِّفَافْ
لَمْ تَرْهَبِ الرَّصَاصَ لَمْ تَكُنْ (تَخَافْ)
وَالجَنْجُوِيْدُ يَصْرُخُونَ يُرْسِلُونَ المَوْتَ
وَيَرْقُصُونَ كَأَنْ القَوْمَ فِي زَفَاف
عَبَرَتْ بِالسَّفِينْة
عَبَرَتْ بِهِمْ سَالِمِينَ لُجَّةَ العَبَّابِ
نِسْوَةٌ وَحَفْنَةٌ مِنَ الرِّجَالِ وَالشَّبَابِ
مِنْ (السِّقَاي) إِلَى (البِتْلَابِ)
كَانَ النِّيلُ هَادِرًا
وَالرَّصَاصُ كَانَ غَادِرًا
رَصَاصُ الجَنْجُوِيْدِ كَانَ يَنْهَمِرْ
يَصُبُّ فَوْقَ الهَارِبِينَ كَالمَّطَرْ
مِنْ غَيْرِ رَحْمَةٍ يَحْصُدُ البَشَرْ
فَلَا يُبْقِي وَلَا يَذَرْ
وَلَا يَتْرُكُ أَثَرْ
وَالْمَوْجُ فِي كُلِّ حِين
كَانَ يَضْرِبُ السَّفِين
لِلْيَسَارِ تَارَةً وَتَارَةً إِلَى الْيَمِينِ
وَالشَّاطِئُ البَعِيدُ لَا يَكَادُ يَسْتِيبِن
غَيْرَ أَنَّ (مَزْنٍ) الشَّجَاعَةْ،
قَرَّرَتْ أَنْ تَقْهَرَ الصِّرَاخَ وَالْأَنْيْن
وَقَادَتِ السَّفِينة
إِلَى شَاطِئِ الأَمَانِ بِالضِّفَّةِ الْأُخْرَى
كَانَتْ تُصَارِعُ الأمْوَاجَ وَالْتِّيَّارْ
وَالسَّفِينَ هَائِجٌ كَالْثَّوْرِ لَا يرسو عَلَى قَرَارِ
فَتَارَةً يَسِيرُ لِلْيَمِينِ وَأُخْرَى يَمِيلُ لِلْيَسَارِ
يَرْتَجُّ كَمَنْ مَسَّهُ الجُنُون
وَالْمَوْجُ فِي هَيَاجٍ لَا يُرِيدُ يَسْتَكِين
وَالْتِّيَّارُ يَجْذِبُ السَّفِين
لِلْيَسَارِ تَارَةً وَأُخْرَى إِلَى الْيَمِين
غَيْرَ أَنَّ مَزْنٍ الشُجَاعَةِ،
تَسْتَمِرُّ فِي التَّجْدِيفِ فِي بَرَاعَة
وَبِعَزْمٍ لَا يَلِين
وَالنِّسْوَةُ تَرْفَعُ الأَكْفَّ ضَارِعِين
ينَادِينَ رَبَّ العَٰلَمِين
وَالرِّجَالُ رَفَعُوا الأَكْفَّ ضَارِعِين
يُنَادُونَ رَبَّ العَٰلَمِين
وَطِفْلٌ أَصَابَهُ الرَّصَاصُ يُوَاصِلُ الأَنْيْن
وَطِفْلَةٌ أَصَابَهَا الهَلَع
وَقَلْبُهَا قَدْ اِنْقَلَع
وامٌ قلبُها انخلعْ
وَالنِّيلُ سَادِرٌ فِي غَيِّهِ
وَالسَّفِينُ فِي الأمْوَاجِ طَيِّهِ
غَيْرَ أَنَّ مَزْنٍ الشَّجَاعَةِ
تَمْسِكُ المَجْدَافَ فِي بَرَاعَةٍ
وَتَطْلُبُ في ضِّرَاعَة
أَنْ يَسْتَبِينَ الشَّاطِئُ اللَّعِين
وَقَدْ أَطَلَّ فِعْلًا بَعْدَ سَاعَةٍ
وَرَسَتِ السَّفِينةُ
بِعَوْنِ رَبِّ العَٰلَمِين
وَعَزِيمَةٍ لَمْ تَكُنْ تَلِين
كَانَتْ (مَزْنٌ) فَتَاةً فِي غَايَةِ الشَّجَاعَة
تَقْهَرُ العُبَّابَ فِي بَرَاعَة
لَمْ تَكُنْ تَخَاف
قَادَتِ السَّفِينَة للضِّفَاف
إِلَى شَاطِئِ الأَمَانِ
فَبُوْرِكْتِ يَا (مَزْنُ) يَا زِينَةَ الفُرْسَانِ
وَبُوْرِكَ السُّودَانُ
اتاوا – كندا
8-12-2024
د. أحمد جمعة صديق
aahmedgumaa@yahoo.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
جدران الخوف تهدمت.. فايننشال تايمز: يمكن للسوريين أن يحلموا بمستقبل جديد
لم يستطع الباحث في كلية الجغرافيا والبيئة في جامعة أكسفورد عمار عزوز النوم سوى ساعة ونصف يوم الأحد، ورابط حاله كحال الكثيرين، أمام شاشة هاتفه، وفور انتشار خبر سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، أحس بأن فجر سوريا قد حان.
هكذا بدأ عزوز مقال رأي كتبه لصحيفة فايننشال تايمز، وصف فيه مشاعره وأفكاره حول آخر التطورات "المبشرة" في سوريا، واسترجع آلام النزوح التي قضّت مضجعه منذ أن فارق داره في حمص، حيث نشأ وترعرع.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تايمز: ليس من قبيل الصدفة أن الطغاة كثيرا ما كانوا أطباءlist 2 of 2يديعوت أحرونوت: عائلة الأسد تتأقلم مع حياتها الجديدة المترفة في روسياend of listوأكد الكاتب أن "جدران الخوف الخانقة تهدمت"، وأن ثمة أملا جديدا في قلبه وقلوب السوريين كان من الصعب حتى التجرؤ على تخيله قبل هذه اللحظة.
وذكر أنه ظل ذلك اليوم يستمع للأناشيد المألوفة للثورة السورية منذ أن انطلقت شرارتها الأولى، لتعود به الذكريات إلى مدينته "المدمرة والمحطمة والمحاصرة والمنهارة"، وإلى "الناس الذين بقوا في حمص، بينما كنا نعيش في المنفى".
وكان أول مقطع شاهده عن تحرير مسقط رأسه مصورا من شرفة عالية، وقد ظهر فيه أهل المدينة بسياراتهم محتفلين بعودتهم أخيرا، وانسابت المشاهد على لحن أنشودة "جنة جنة جنة.. والله يا وطنا"، وعلق عزوز على ذلك بالقول: "بكيت وبكيت، واختلط نحيبي بزغاريد نساء حمص. فكم طال كتم صوت حمص.. وكم طال إسكاتها.. ولكن ليس اليوم".
إعلانولم يقف حنين عزوز لوطنه عند ذلك الحد، بل مضى عزوز يصف بلده بأنه "الجنة التي أجبرنا على مغادرتها"، وتغنى بجمالها وثقافتها وفنها وتاريخها "العريق"، وأشاد بتنوع شعبها المكون من طوائف وأديان مختلفة، ليختم بالتحسر على فراقها بسبب الحرب.
قصة كتبت بالدم
واعتبر الكاتب أن الـ13 سنة الماضية من تاريخ البلاد إنما "كتبت بالدم"، فقد قتل مئات الآلاف، وهجر أكثر من 6.5 ملايين شخص إلى دول مجاورة مثل تركيا ولبنان والأردن، وأبعد من ذلك إلى أوروبا، كما أن هناك عددا مماثلا من النازحين داخل البلاد، بعضهم نزح عدة مرات مع تغير خطوط المواجهة في الحرب.
ووصف عزوز الحزن العميق الذي يعيشه السوريون وسط هذه السعادة، على أحبائهم الذين قتلوا دون أن يعيشوا هذه اللحظة، وخص بالنعي صديقه طاهر السباعي، طالب الهندسة المعمارية، الذي قتله النظام السوري المخلوع عام 2011 أثناء مظاهرة سلمية.
"إمبراطورية الرعب انهارت"
ووصف عزوز المنفى بأنه "كالخنجر في القلب"، يركد ألمه ويبرد أحيانا، ويهاجم "بطعنات من الحزن والأسى" أحيانا أخرى، ولكنه استطرد مستبشرا أن "أيام العذاب والمهانة انتهت" مع انهيار "إمبراطورية الرعب" التي أشرف عليها حزب البعث طيلة العقود الماضية.
وضمّن عزوز في مقاله قائمة بأحلامه الحالية، فهو يحلم بمستقبل عادل وديمقراطي، يعيش فيه السوريون بكرامة وعزة، ويحلم بإعادة بناء مدن البلاد وقراها، ويحلم بالعودة إلى حمص والجلوس في منزله مع عائلته.
واختتم الكاتب بذكر نيته السفر مع أصدقائه السوريين المهجرين للاحتفال في ميدان ترافالغار (الطرف الأغر) بلندن، فمنهم من هو من حمص وهضبة الجولان المحتلة ودمشق وحلب والسويداء ودرعا، وكلهم يحلم بيوم "العودة إلى الوطن"، فالأسبوع الماضي كانت العودة من المنفى بعيدة المنال، لكن ذلك تغير الآن إلى غير رجعة"، وفقا لعزوز.
إعلان