صالون الأوبرا الثقافي يناقش فلسفة تصوير العدو في الفن المصري القديم بالمسرح الصغير
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
فى إطار جهود وزارة الثقافة الهادفة إلى تسليط الضوء على التراث الثقافي والفني المصرى بمختلف عصوره تنظم دار الأوبرا المصرية برئاسة الدكتورة لمياء زايد فى إطار نشاطها الثقافي والفكري صالونًا ثقافيًا بعنوان "فلسفة تصوير العدو في الفن المصري القديم".
تفاصيل صالون "فلسفة تصوير العدو في الفن المصري القديم"
ويستضيف خلاله الدكتور عمر المعتز بالله المتخصص في تاريخ الفن المصرى القديم والمحاضر بكلية الآثار جامعة القاهرة ويدير الصالون الإعلامية هدى عبدالعزيز وذلك فى السابعة مساء الثلاثاء 10ديسمبر على المسرح الصغير.
معلومات عن الدكتور عمر المعتز بالله
يذكر أن الدكتور عمر المعتز بالله محُاضر أكاديمي وكاتب ومدير ثقافي مصري متخصص في تراث وتاريخ وفلسفة الفن المصري القديم وعلومه،له عدة مؤلفات ومقالات وأبحاث علمية في الإقتصاد الثقافي وتنمية الموارد التراثية والمعرفية وشارك فى العديد من الفعاليات والمحاضرات العامة في مجالات الفنون والإدارة والعلوم التاريخية المتعلقة بنشر الوعي بالحضارة المصرية القديمة سعيًا لتعزيز التقارب الثقافي بين المصرى المعاصر والمصرى القديم من خلال تعميق فهم وتفعيل دور التراث كمحرك رئيسي للتنمية والنمو والتطوير والتغيير.
صالون الأوبرا الثقافي
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الأوبرا المصرية الحضارة المصرية القديمة الفن المصري القديم دار الأوبرا المصرية صالون الأوبرا الثقافي الفن المصری القدیم
إقرأ أيضاً:
قصة الوادي الصغير 35
حمد الناصري
وقف شاب على رأس الوادي " وادي العجوز " فعرفه شيخ وادي العجوز، رغم أن الساكنين فيه عُرباً مُتفرقين على جانبي وأطراف الوادي وفي السهل أعراباً مكونة من أسرة واحدة عجوز وبنتان، وحين رأى العجوز الشاب على راس الوادي أرسل في طلبه، فتقدمت شابة في ريعان فتوتها ونظارتها الآسرة، وقفت على حصاة كبيرة ترتفع عن الماء وألمحت إلى الشاب بالاقتراب، لكنه لم يتحرك ليس خوفاً ولكنه لا يريد أن يستجيب حتى يتعرّف على مَن بذلك الوادي.. وسارت إليه تمشي رويداً رويداً وعلى بُطء ثقيل واتزان أنْثَوي فريد، وكان الشاب الحنطي، جميل المُحيا، لطيف وودود، ابتسم لها وقال:
ـ عن ماذا تسألين.؟
ـ عن شاب وقف على جبل صغير ناديته فلم يستجب.؟
ـ معاذ الله عن قولك هذا.. ما أنا بالذي يترفّع عن أهله.؟
ـ أنت لست من أهلي.؟
ـ أنتِ أعرابية من صحراء وادي العجوز وأنا على بُعد قريب من الوادي أنا من الكثبان العالية التي استقرّت واستوت، وصارت كذلك الجبل الذي وقفت عليه ورأيتيني بعينك أجسّد مَشهد الاستواء العالي.؟
نظرت إليه بأدب وتأدّب وأردفت:
ـ إن أبي يدعوك، فربما يعرفك ويُجزيك لأمر ذا قدر عالٍ عنده.؛
بقيَ الشاب الصحراوي قاعداً يتأمّل سهل واسع يمتد إلى رملة وادي العجوز وإلى رملة نجود وحتى رملة مجدولة التي يمُكن أنْ يراها بوضوح..
عادت إلى أبيها وقالت بلطف:
ـ إنه شاب نشيط يُقرئك السلام، شاب لطيف لا يصطنع دليلاً على نفسه.. صفاته تتعجّب منها كأنها من السماء وإن جاهدت نفسك لتختبرهُ تنبهر به، ثقافته لا ادّعاء فيها، يفقه ما يقول وكأنه مأمور باتباعها.؛
أقنعت "ثبات" أبوها بأنْ يُبقي الشاب في أمانهم، ويُعرض عليه، العمل دأباً في بُستان لهم لعشرة فصول زراعية موسمية، أي بمقدار سنتان ونصف.. فسعد الأب الرؤوم، وتلطّف، ورأى أنّ الفكرة سليمة، وتشجّع على أن يُزوجه البنت الكبرى بعد إنقضاء مدة العهد بينهما.. وحين أسرّ العجوز أبو البنتين للشاب، وافق الشاب الصحراوي في الحال ولم يتردّد، حيث شعر بالأمان النفسي والإجتماعي، كما رغب، وحدّث نفسه.. ليس لي شريكة، أتحاور معها فتهدأ نفسي بحديثها وتكون لي أنْساً في الصحراء التي أتطلع إليها، وشريكة انظر إليها كلما مسّني أمراً يصعب عليّ لوحدي كشفه، وعسى أنْ تكون هي تلك الجوهرة التي رأيتها في منامي يوماً ولا أشكّ في منامي، فإنْ لم تكن هي فلا غيرها؛
وخطر له أنّ فكرة العجوز صَفقة تاريخية لحياة فيها سُرور وبسطة وأمل، في المواقف العصيبة، وهزّ رأسه وتمتم.. أشدّ بها من أزري وأقَوّى بها نشاطي، ولا يزدني الحديث معها إلا شُعور بالأمان والإطمئنان والحِشْمة والإحسان.. قال نعم، وهو يهزّ رأسه إيجاباً، صَفقة تاريخية، أمحوا بها أحزاني وتُسكنني إيمانًا وسَعادةَ ويقيناً بأنّ العجوز له بُعد نظر، وكأنه استكشف ما في داخلي وجاء بهذه الفكرة كجدار أمان لإبنتاهُ، فلعلّهُ شعر بشيء مُختلف أو أحسّ بغريب يُفزعه أو رُبما تطلّع في ملامح عينيهما أو وجَد في عيناهما رضًا غير مسبوق.
وراح الشاب الحِنطي، إبن الصحراء، يُحدث نفسه.. ذلك العجوز ذي عينين مُنبسطتين يمتلك حدسَاً وإدراكاً عالٍ واستشعار أحداث طاغية ويتمتع بهيبة مسكونة بوقار، هيبة لا تقلّ عن مُستوى التّخاطر ومَعرفة الأحداث، آنية وأحداث ماضية ومعلومات عالية، وإدراك طغى على خاصية حُضوره المُباشر، وتجاوز بحواسّه الزمن، ماضٍ وآتٍ وحاضر.
ومنذ ذلك العهد، صار يُعرف الشاب في العائلة الصغيرة بـ "إبن الصحراء.. ذلك اللُقب ميّزه ورفعهُ مقامًا علياً بين الأسرة الصغيرة، ومنحتهُ معاملة خاصة من البنتين المُتنافستين ومن الأب العجوز ذي الامتنان والشُكر والاحترام.
قال الشاب ابن الصحراء وهو يقصّ القصص على أبو البنتين، كان حديثي بالأمس عن الحكاية العالية وقصص أخرى، أما اليوم فأنا أنوي التحدث عن رزق الحياة؛ وإني أسألك قبل ذلك المتاع ما سوف أحكي عنه، عن متاع الحياة، ورزق ربك خير وأبقى.؛ لن أتكلم عن الكسب.؟ ولا عن حُرية الفرد في اختيار ما يشاء ولكني سأحدثك عن العُمر الذي يَنقضي دون أنْ يفطن إليه الإنسان.؟ ذلك العُمر الذي يَمضي دون أن يَنتبه إليه الإنسان؟ وقت مُقدّر ومُدد تسير بقدرها.. فلو قُدّر وخانني عُمري.. فما هو الحكم الذي أستخلص منه عدالة السماء.؟
ابتسم العجوز أبو البنتين.. وأردف:
ـ العُمرـ يا بُني ـ استعانة ومن تركَ عُمره وجهل مغزاها خَسِر ومن خَسِر هلك.؛ ولا يهلك ذو عقل وكِياسة إلا الذين خسروا أنفسهم أؤلئك صارت عقولهم وكياستهم مُسلطة عليهم، بالشهوات والملذات، أياً كانت هي.؛ والعُمر أيضاً له مثالية وقيَم.. منها إنْ آلمكَ أحدهم، فغضبت وتحسّبت وشتمت، فإنك خاسر.. فأنتَ لم تحتكم إلى القِيَم.. وهنا يكون الحُكم بمثابة عدالة.. إن لم يسبقه عفوٌ صادق من الذي تَحسّبت عليه ونال منك كيلاً من الشّتم.
والعُمر اختبار وقرار إيماني.. يمضي بلا اختيار منك وذلك اختبار لك، ولك خيار في قرار حياة السنين المُقدرة لك أن تحيا مُددها، فإنْ تعدّيت مراحلها وسِرت إلى الكهولة، فالأمر مُشين وذاك حُكم السنين، فالعُمر أعطاك قوتها والسنين أركستك وعجزت أن تُبدلها إلى خير حياة مُطمئنة.. والعُمر في مرحلة الشباب الغضّة وما بعدها، تزداد قوتك وتمضي بك مراحلها دون أن تشعر بها ثم تكون متاعاً لها، ايّ أنها تأخذ من سنين العزّ إلى سنين الكهولة والهرم.. وفي هذا العُمر الذي أنت فيه، أيّ في مرحلة قوته وصلابته وجماله ونشوته لا تمدنّ عينيك إلى متاعٍ سوف تُسأل عنه يوماً وتُحاسب عليه.. فهذا العُمر من زهرة الحياة، فانْعِم به ولا تبغي، وكُل واشرب وازرع ثماراً تكون سَيلاً لك ومَدداً يُعينك في حياة أخرى لا تعرفها.. وبالألفة والتواد والبصيرة والصدق والأمانة، تجدها ثباتاً وعزاً وكرامة.
قويت علاقة الشاب الصحراوي بالشيخ العجوز في هذه الرمال ذات كثبان مُتعرجة، لا ترى عينيك إلا أنهاراً تسير على وطأةٍ وشِدّة؛ واعلم أنك على قمم كثبان "رمال شَيبة".
ابتسم العجوز أبو البنتين " ثبات وقوام" وقد سَعد لما لقيه من قصص جميلة من الشاب ابن الصحراء، فأطلق على الرمال التي وجدها فيها العجوز وابنتيه بـ "رمال شَيبة" كما استحسن الإشارة إلى البستان باسم شيبة.؛.؛
استأمن العجوز البُستان للشاب ابن الصحراء وأتمنهُ إبنتاه.. ورضيَ الشاب الصحراوي إلى ما مكّنه به، وقَبِل على رضاً وتعهد بالمسؤولية، كما سَعد بثقة العجوز وتحمّل أمانتها بصدق وأقسم في نفسه بأنْ يُوفي بالوعْد ويصدق، وشعر بطُمأنينة غير عادية تجري في أوصاله، وثبتَ عليها من بَعد خوف قد مَسّه في الصحراء الخاوية، وأحسّ بيُسْر وراحة بال، وحِماية كونية مُبَشّرة بمستقبل آتٍ في رمال شَيبة.
كان الشاب ابن الصحراء يقضي مُعظم وقته في البُستان وعمل فيه بجهد ونشاط دؤوب وجعله مثابةً وأمانًا، والتزم بدقة تفاصيل الزرع والحصاد، ولكنه كان يقلق كثيراً إلى درجة أنه تنتابه رهبة وخوف من التقصير، وخشية أنْ يخلّ بما ائْتَمَن به أو يَنقص في تفاصيل العهد شيئاً ويعتبرهُ العجوز الذي وضع فيه ثقته كمن أخلف بالوعد ولم يَصْدق فيه.؛
وفي إحدى المساءات قالت البنت الصغرى لأبيها، يا أبتي، إني أرى ما لا ترون، فاسمح لي أن أبدي رأياً فيه.. في ذلك الشاب فالتعريف بـ إبن الصحراء لا يليق بالشاب، فنحن جميعاً من أهل الصحراء والرمال والوديان.. فهل كل مِنّا يُمكن أن يُطلق عليه اسماً ويكون لصيقاً به وما أكثرنا، وأرى بأنّ التعريف بالشخص يكون على شيء يُميزه على غير الانماط التقليدية في الرمال، فإن قُلنا وصْفاً، واسميناه بالشاب الصحراوي، فكم شاباً صحراوياً مثله أو أطلقنا عليه لقب ابن الرمال او ابن الصحراء والكثبان، فكم هم أبناء الكثبان والرمال والوديان، وأراها غير منطقية لا تُوحي على رشادة التمييز به.؛
قال العجوز الرؤوم بسرور:
ـ طيب ماذا تقترح الصغرى " قوام " هاتِ ما عندك، ونرى ما إذا كان المقترح فيه، قوامة وأفكار عادلة ورصانة مشهودة، فنحن على رمال شَيبة." ابتسم واستبشر فرحاً".
ـ قوام الصغرى، بنت اللطافة والسرور، وحَسَبُها شامخ بأصالة أبيها؛ ومَعانيها دليلها، وأدبها رفْعتها وعِزّتها هو أن يُنظر إليها.؛
ـ هاتِ، لنسمع قولها، ونقرأ رؤيتها، لعلّ أفكارها أكثر صواباً فنتّبعها.؛
ـ ما أراهُ يا أبتي.. هو أنّ ما ذكرته آنفاً في معرض حديثي.. أنّ التعريف بالشاب يجب أن تعود لما يُميزهُ عن غيره؟ وكون الشاب الصحراوي سار في الرمال وعلا الكثبان وخبر الوديان لا يعني أنه يميل إلى كل ما ذكرناهُ وأنّ موقفه ذاك حين رأته " ثبات" لا يعني أنه خالٍ من العيوب، وليس هو مصدر المثالية، فالصّفات الجيّدة فيه الظاهرة منها والباطنة هي التي يجب أن تُعرف به ونميل إليها لكونه خاصية من خواصّه.. قِيَم، مبادي، إلتزام.. كذلك التي تُميزه في جسده كعلامة ودليل يُعرّف به، ويسهل وصول المعرفة المباشرة به.. فمثلا نقول الشاب الحِنطي، تفهم منها كدليل قاطع أنه هو المقصود.. فمثلاً أطلق الشاب الحنطي، اسم "رمال شَيبة" دلالة على أنّ الرمال هذه كان يسكنها رجل شَيبة.؛
هزّ العجوز رأسه وأردف:
ـ صدقتِ.. ولم يزد حرفاً.
فضاء الرمال الواسع فيه هدوء وسكينة، وملامح مِن زمن مضى في طياتها، وحكايات صامتة لم تُكتب، تبدو هادئة، تنطوي على جمال مكنون، رغم التحوّلات التي انطوتْ عليها، فلا زالت تحمل في داخلها قوة سُكون كعمق السماء.
يتبع 36