مفكّر لـ عربي21: سقوط الأسد نهاية حقبة سوداء وإسرائيل مركز الطغيان
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
أكد أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة السوربون الدكتور برهان غليون أن نظام البعث في سوريا يقط نهائيا وإلى الأبد، وأن على السوريين وأشقائهم العرب أن يتعاونوا من أجل بناء مرحلة جديدة تحقق الاستقرار في المنطقة وقبل ذلك تلبي حاجيات الناس الأساسية التي تؤمن لهم الحياة الحرة الكريمة.
وقال غليون في تصريحات خاصة لـ "عربي21"، في اليوم الثاني من إعلان نهاية حقبة نظام الأسد في سوريا: "النظام الذي حكم سوريا بالحديد والنار على مدى ستة عقود سقط نهائيا وإلى الأبد.
وأضاف: "السوريون كانوا يعيشون على مدى العقود الستة الماضية في قبر، وهذا يحتاج إلى عنلية تفكيك سياسي واجتماعي".
وأكد غليون أن ما جرى ويجري في سوريا اليوم يعني عمليا أن "الربيع مستمر، وأن نضال الشعوب وكل فرد من أجل أن يعيش بحرية، هذه معركتنا ومعركة كل الشعوب، حتى تتفوق على نفسها أخلاقيا وتتمثل معاني الحرية والتسامح والتضامن، بعيدا عن الأنانية.. ما يجري في العالم العربي منذ بداية الربيع العربي هو محاولة للخروج من الهمجية، ذلك أن الربيع العربي يعني التطلع نحو عالم فيه تضامن لبناء المستقبل".
وعن رأيه في الموقف الإسرائيلي مما يجري في سوريا والقول بأن اتفاقية وقف إطلاق النار قد انتهت والسيطرة على المنطقة العزلة، قال غليون: "كل السوريين يخشون من إسرائيل، وهي طاغية، ونظام الطغيان موحد.. إسرائيل مركز هذا الطغيان وهي التي تدعم الطغيان المجاور لها.. ولذلك أخشى من استغلال إسرائيل الفرصة، فهي لم تبين في أي فترة أنها تتعامل مع الآخرين، وهي كأي استعمار يقوم على النهب.. وأعتقد أنه سيكون أحد أهم تحديات الدولة السورية الجديدة".
وأضاف: "سلوكها تجاه سوريا بعد سقوط نظام الأسد هو ضغط وإعطاء إشارة أنها موجودة وقادرة أن تتدخل في أي لحظة.. وأنها هي صاحبة النفوذ في المنطقة، بعد أن حققت الإبادة في غزة ".
وبالنسبة لإيران، قال غليون: "إيران مستقبلها يكمن في أن تلتفت لبناء وطنها من الداخل بعد صرف جهودها وأموالها في توسيع نفوذها.. وأعتقد أن لها إمكانية لتطوير نفسها من دون أن تدخل إلى سوريا والعراق وغيرها.. التصور الجنوني الذي ساد إيران منذ العام 1979 للوصول إلى المتوسط، حيث كانت تستثمر كل الأموال في سياساتها التوسعية والإيحاء بأنها قادرة على إحياء الإمبراطورية الفارسية، تبين اليوم أنها كانت سياسات خاطئة.. لأنها لا تواجه إسرائيل وإنما أمريكا القوة العظمى في العالم".
وأضاف: "لو اتبعت إيران سياسة عقلانية وتعاونت مع دول المنطقة وتمكنت من بناء سوق مشتركة، كانت المنطقة اليوم قد صارت مكانا للتنمية السليمة والمستمرة، ولا أحد يمكنه أن يعتدي عليها، ولكنها وجهت المنطقة لبناء ميليشيات وهذه نهايتها".
وعن المواقف العربية مما يجري في سوريا، قال غليون: "لا أعتقد أن الدول العربية مرتاحة، وهناك من يسعى لعدم تطوير التجربة للوصول إلى تجربة ديمقراطية.. وهنا أعتقد أن مهمة للسوريين أن يناضلوا من أجل بناء دولة ديمقراطية.. وأن يأخذوا الأمور بأيديهم.. ويحبطوا كل محاولات زرع الشقاق بينهم.. ويؤسسوا حياة سياسية معقولة، وتكون لديهم سياسة تعاون ومد اليد إلى الدول التي تتفهم أوضاع الشعب السوري وتتعايش مع نظام له حد أدنى من الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة. ولذلك فالمسؤولية تقع على السوريين أولا، وعلى الدول العربية الشقيقة أن لا تتصرف من موقع الضعف والخوف من نظام ديمقراطي".
وعن مخاوف سقوط سوريا في يد المتطرفين، قال غليون: "أعتقد أن المتطرفين ما داموا أبناء البلد والمجتمع، فهم قادرون على تفهم مطالب شعبهم، وإذا كان التطرف هو نتاج شروط اجتماعية وسياسية، فإنه يمكن لشروط الحرية الجديدة أن تدعو إلى التسامح والتفاعل مع الآخرين والإيمان بقيم الحرية والعدالة، وهذا يحتاج إلى دور النخب والمثقفين، وعلى الدول الصديقة أن تساعد السوريين على الخروج من الماضي وعدم الإغراق في صراعات داخلية.. ينبغي المراهنة على النزوعات الإيجابية لدى الحركات الإسلامية ولدى الدول العربية بتقديم مساعدات اقتصادية لإنقاذ البلاد والاخراط في معركة بناء سياسي واقتصادي وأمني يتعلم من أخطاء الماضي ويسعى لبناء دولة تقوم على المؤسسات الديمقراطية الحقيقية"، على حد تعبيره.
وفجر أمس الأحد، دخلت فصائل المعارضة السورية العاصمة دمشق وسيطرت عليها مع انسحاب قوات النظام من المؤسسات العامة والشوارع، لينتهي بذلك عهد دام 61 عاما من حكام نظام حزب البعث الدموي و53 سنة من حكم عائلة الأسد.
وبدأت معارك بين قوات النظام السوري وفصائل معارضة، في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في الريف الغربي لمحافظة حلب، وسيطرت الفصائل مدينة حلب ومحافظة إدلب، ثم مدن حماة ودرعا والسويداء وحمص وأخيرا دمشق.
ومساء الأحد، كشفت وكالة الأنباء الروسية "تاس"، أن بشار الأسد، الذي حكم سوريا منذ يوليو/ تموز 2000 خلفا لوالده حافظ، وصل مع عائلته إلى العاصمة الروسية موسكو وتم منحهم حق اللجوء.
إقرأ أيضا: لهذه الأسباب عجزت روسيا عن دعم الأسد أمام هجوم المعارضة
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سوريا سياسة المواقف سوريا مواقف سياسة تحولات المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی سوریا
إقرأ أيضاً:
سوريا والمشوار الطويل
ما حدث في سوريا خلال الأسابيع القليلة الماضية، وأسفر عن سقوط حكم آل الأسد، ولجوء الرئيس المزمن بشار إلى روسيا، كان نتاج ثورة، والحراك السلمي والمسلح الذي أرغم معمر القذافي على اللجوء إلى أنبوب للصرف الصحي، كان نتاج ثورة، بينما الحراك التونسي الذي أدى إلى هرب زوج ليلى الطرابلسي (زين العابدين بن علي)، كان انتفاضة شعبية، ألهمت شعوب المنطقة فاستيقظت من غفلتها، وخرجت تنشد إسقاط الأنظمة، وما قاد إلى سقوط حكومة زوج سوزان ثابت (حسني مبارك)، انتفاضة شعبية، وفي تشرين أول/ أكتوبر من عام 2019 انتفض شعب لبنان ضد نظام حكم فاسد ومعتل، ولكنه لم ينجح في إسقاطه، وانتفض الجزائريون ضد الحكم العسكري المتنكر في ثياب مدنية، في مطالع عام 2019، ولكنهم لم يحققوا الغاية المنشودة.
ما من ثورة تمشي في خط مستقيم، فمهما تمنى وجاهد من هم وقودها وقادتها، كي تبقى على المسار المنشود لتحقيق غاياتها، فإن للثورات ديناميتها الخاصة المتسمة بالفجائية، لأنها لا تتحرك إلى الأمام أو تتراجع فقط برغبات وجهود القوى الفاعلة فيها، والمحركة لها، بل أيضا تنحني، بل وتنتكس بسبب جهود قوى الثورة المضادةوبإجماع أهل الرأي السياسي في العالم، فإن ما أدى إلى سقوط النظام الملكي في فرنسا في أواخر القرن الثامن عشر كان ثورة، وما يعرف بالثورة البلشفية هي التي نتج عنها سقوط النظام القيصري في روسيا، والثورة العارمة الكاسحة هي التي قادت إلى سقوط حكم الشاه، وصعود الملالي إلى السلطة في إيران، فالثورة تنشد التغيير الحاسم والشامل لنظام الحكم، بالمظاهرات الحاشدة والإضرابات، ثم العنف. والثورة، وليس الانتفاضة الشعبية، هي التي تؤدي عند انتصارها إلى التغيير الكامل لجميع المؤسسات والسلطات الحكومية للنظام السابق، وإقامة نظام بديل.
ما استدعى الفذلكة أعلاه، هو ما سبق أن أشرت إليه هنا بأن هناك من يحاول تبخيس الانتصار الذي حققته الثورة السورية، والقول بأن كل ما حدث في سوريا هو أن جماعة مسلحة من أنصار "داعش" والقاعدة، وصلوا إلى السلطة، وأنهم سيشكلون حكومة طالبانية الهوية والأهداف، أي أن سوريا ستنتقل من ديكتاتورية علمانية إلى ديكتاتورية تتوشح بالإسلام، مسلحة بشعارات "رومانسية" من جنس "الإسلام هو الحل" و"الحاكمية لله". بينما ما حدث فعلا في سوريا هو أن الملايين أبناء وبنات الشعب السوري ظلوا في حال نضال واستبسال على مدى 13 سنة، وكان شرف حسم المعركة من نصيب هيئة تحرير الشام "الإسلامية"، ومن ثم صار تشكيل الحكومة الانتقالية من أوجب واجباتها.
ولكن الانتصار الذي حققته الثورة السورية جزئي، فقد رحل بشار الأسد ولكن الدولة العميقة التي أسسها ووالده حافظ، ما زالت قائمة، ولكن يبدو أن الحكومة الجديدة، لا تعتزم تكرار الخطأ الذي حدث في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، حينما قرر المندوب السامي الأمريكي، بول بريمر، الذي صار الحاكم الفعلي للعراق في عام 2003، حل جميع المؤسسات العسكرية والأمنية، وزج بالبلاد في فوضى أنهكتها، ولكن شواهد التاريخ تقول إن سوريا ستشهد فترة شديدة التعقيد في مقبل الأيام، لأن الفيروس الذي غرسه بشار وأبوه، فتك بمؤسسات الدولة، وسيظل نشطا لحين من الدهر، وفوق هذا كله فقد دك بشار البيوت والمرافق العامة والخاصة، مما سيجعل ملايين العائدين من الشتات السوري، لاجئين داخل وطنهم.
وشواهد التاريخ تقول إنه ما من ثورة تمشي في خط مستقيم، فمهما تمنى وجاهد من هم وقودها وقادتها، كي تبقى على المسار المنشود لتحقيق غاياتها، فإن للثورات ديناميتها الخاصة المتسمة بالفجائية، لأنها لا تتحرك إلى الأمام أو تتراجع فقط برغبات وجهود القوى الفاعلة فيها، والمحركة لها، بل أيضا تنحني، بل وتنتكس بسبب جهود قوى الثورة المضادة، وجسم الدولة المعلول في سوريا يغري فلول النظام المباد، وبعض الطامحين في السلطة بزعزعة الاستقرار المنشود.
جسم الدولة المعلول في سوريا يغري فلول النظام المباد، وبعض الطامحين في السلطة بزعزعة الاستقرار المنشود.عندما يرحل الديكتاتوريون يتركون وراءهم أوطانا معتلة ومختلة، لأن أسلوبهم في الحكم يقوم على المزاج الفردي، وليس على المؤسسية، وانظر حال الصومال الذي أسقط شعبه نظام سياد بري في عام 1992، ولم تسكت البنادق فيه منذ يومها، ثم انظر حال ليبيا التي خاض شعبها غمار ثورة أذهلت العالم، وأسقطت ديكتاتورية القذافي التي دامت 42 سنة، وها هي اليوم خاضعة لحكومتين، وانتفاضة تونس الملهِمة في 2011، تعرضت للسرقة لغير صالح من كانوا وقودها، وانتفاضة مصر التي تلتها أطاحت برأس النظام، ثم أُجهضت بانقلاب عسكري، وفي السودان سقط في عام 2019 رأس نظام (عمر البشير) حكم البلاد ثلاثين سنة، وجاءت حكومة كوكتيل عسكري ـ مدني، ثم انفرد العسكر بالحكم، وها هو السودان في حال صوملة كاملة اليوم.
وقطعا فإن سوريا ليست ليبيا أو السودان أو الصومال، لأن "مجتمعها متمدين" بدرجة طيبة، وليس فيها قبلية تنذر بفتنة، ورئيسها المؤقت أحمد الشرع يقول كلاما ينم عن إدراكه لأهمية احترام التنوع العرقي المتمثل في الأكراد، والتنوع المذهبي الذي يتمثل في الطائفة العلوية، ولكن الصعود من الهاوية التي أسقط فيها بشار وأبوه البلاد، سيحتاج إلى الكثير من الدأب والجلد والحكمة، أخذا في الاعتبار أن جميع بلدان "الربيع العربي"، لم تكن تواجه عدوا خارجيا شرسا، كما هو الحال مع سوريا، التي تسعى إسرائيل إلى تقطيع أوصالها.
يرحل الطواغيت عن كراسي الحكم قسرا أو بأمر ملك الموت، ولكن الفيروسات التي يغرسونها خلال سنوات حكمهم في أجسام بلدانهم، تظل سارية المفعول لآماد طويلة، ولكن على قدر أهل العزم تأتي العزائم، وبوحدة الصف الوطني وحده، ستنجح سوريا في التعافي، والعافية درجات: خطوة، خطوة.