سوريا – بعد أكثر من 13 عاما من الحرب التي اندلعت بسبب استخدام العنف لقمع الحراك الشعبي المطالب بالحرية عام 2011، انهار النظام الدموي لبشار الأسد، آخر ورثة حزب البعث العربي الاشتراكي الذي حكم سوريا 61 عاما.

في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تصاعدت الاشتباكات بين الفصائل المسلحة المعارضة للنظام وقوات بشار الأسد في سوريا.

وخلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 7 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، تمكنت تلك الفصائل من فرض سيطرتها على كبرى المدن السورية مثل حلب وإدلب وحماة وحمص.

وفي 7 ديسمبر، خرجت حشود شعبية داعمة للفصائل مع بدء دخولها إلى العاصمة دمشق، ما أدى إلى انهيار النظام بعد فقدانه كامل السيطرة على دمشق والعديد من المناطق الأخرى، مما أجبر زعيم النظام بشار الأسد إلى الفرار من العاصمة.

ومع سقوط النظام الدموي لحزب البعث المستمر منذ 61 عاما، وحكم عائلة الأسد الذي استمر 53 عاما، توجهت الأنظار إلى ماذا حدث في عهد حزب البعث العربي الاشتراكي والوريث الأخير للنظام بشار الأسد.

– حزب البعث العربي الاشتراكي الذي حكم سوريا 61 عاما

بعد استقلال سوريا عام 1946، تأسس في العاصمة السورية دمشق “حزب البعث” عام 1947، داعماً فكرة إقامة “دولة عربية اشتراكية واحدة” في الشرق الأوسط.

وفي الخمسينيات، اندمج “حزب البعث” مع “الحزب العربي الاشتراكي” ليواصل وجوده السياسي تحت مسمى “حزب البعث العربي الاشتراكي”.

وفي عام 1963، استولى حزب البعث العربي الاشتراكي على السلطة عبر انقلاب عسكري، وكان حافظ الأسد، والد بشار، أحد ينشط في الحزب منذ شبابه.

وفي عام 1970، قام حافظ الأسد بانقلاب داخلي في الحزب ليصبح رئيساً لسوريا في 1971.

بدأت فترة الحكم الاستبدادي في سوريا مع وصول حافظ الأسد إلى السلطة. وجاءت مجزرة حماة لتكشف عن الطابع الدموي لنظام حزب البعث العربي الاشتراكي.

في 2 فبراير/ شباط 1982، فرضت القوات الخاصة بقيادة رفعت الأسد، شقيق حافظ، حصاراً على مدينة حماة، وسط البلاد، بهدف قمع انتفاضة جماعة الإخوان المسلمين ضد النظام.

وقامت قوات النظام بقصف المدينة جواً، ثم استخدم المدفعية والإعدامات الجماعية، ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين خلال 27 يوما.

وبحسب تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان (SNHR)، قتل ما لا يقل عن 30 ألف مدني في مجزرة حماة بين 2 و28 فبراير 1982، فيما فقد الاتصال بـ 17 ألف مدني تم اعتقالهم. وما زالت العديد من العائلات تظن أن ذويهم قتلوا.

ويشير التقرير إلى أن هجمات قوات النظام البرية والجوية طالت بشكل مكثف أحياء مثل العصيدة، والسخانة، والكيلانية، والزنبقي، والباشورة، لتؤدي إلى تدمير ثلث مركز المدينة. كما تم تخريب 88 مسجداً و3 كنائس والعديد من المعالم الأثرية.

في 12 مارس/ آذار، أعلنت النيابة العامة الفيدرالية في سويسرا عن تقديم شكوى ضد رفعت الأسد، نائب الرئيس السوري سابقا وأحد الضباط السابقين للجيش السوري، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وأعلنت أنه سيتم محاكمته بتهمة ارتكاب “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.

– من طبيب عيون إلى زعيم للنظام

وُلد بشار الأسد في 11 سبتمبر/ أيلول 1965 في سوريا، وتخرج في كلية الطب من جامعة دمشق عام 1988 ليعمل طبيباً في الجيش السوري. وفي عام 1992، بدأ بتلقي تدريب متخصص في طب العيون بالعاصمة البريطانية لندن.

وبعد وفاة شقيقه الأكبر باسل الأسد، الذي كان من المتوقع أن يتولى رئاسة البلاد بعد والده، جراء حادث سير عام 1994، عاد بشار إلى سوريا، وبدأ يتلقى التدريب في أكاديمية عسكرية ليكون مستعدًا لحكم البلاد بعد وفاة والده.

وبعد وفاة حافظ الأسد في 10 يونيو/ حزيران 2000، تم تعديل القوانين التي كانت تقضي بضرورة أن يكون الرئيس السوري قد بلغ سن الأربعين، ليتم تخفيض هذا العمر إلى 34 عاماً.

وبهذه الطريقة، فاز بشار الأسد في الاستفتاء الخاص بالرئاسة بنسبة 97 في المئة من الأصوات، وأصبح رئيساً لسوريا. وفي نفس العام، تزوج من أسماء الأخرس التي تعرف عليها في لندن.

بعد وصوله إلى السلطة، شهدت سوريا ما عرف بـ”ربيع دمشق”، وهو مرحلة للانفتاح بمجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير، لكنه انتهى في فبراير 2001، ليعود النظام إلى الابتعاد عن الإصلاحات السياسية تحت ذريعة مشاكل السياسة الخارجية.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2005، وقع العديد من المعارضين السوريين “إعلان دمشق” مطالبين بالديمقراطية والإصلاح، لكن البعض منهم سجن أو اضطر للهجرة.

اتهم المعارضة “بالإرهاب”

مع بداية “الربيع العربي” في 2011، اندلعت الاحتجاجات في درعا وتوسعت لتشمل باقي المدن السورية. ووصف النظام المحتجين بأنهم “إرهابيون” وأخذ في قمعهم بقوة مفرطة، مما أسفر عن اندلاع الحرب التي أودت بحياة مئات الآلاف من السوريين وشرّدت الملايين.

وعلى الرغم من الدعوات الدولية للإنصات إلى مطالب الشعب السوري، رفض بشار الأسد التفاعل مع المعارضين وواصل تصنيفهم كـ”خونة” و”إرهابيين”.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عندما كان رئيسا للوزراء، قال عام 2011: “نحن لا ننظر إلى قضية سوريا كقضية خارجية أو مشكلة خارجية. القضية السورية هي قضية داخلية لنا”.

وشدد أردوغان على مسؤوليات تركيا السياسية والأمنية والإنسانية في الحرب المندلعة بسوريا.

لكن في خطاب ألقاه في 2013، أكد الأسد أنه مستعد للحوار مع أولئك الذين لم “يخونوا سوريا”، رافضا أي محادثات مع من وصفهم بـ”دمى الغرب” و”الإرهابيين”.

وقال الأسد حينها: “نحن نحاور السيد لا العبد”، وأكد أن أي محادثات مع المعارضة يجب أن تتم داخل البلاد فقط، مشيرا إلى رفضه التام لأي حوار مع المعارضة الخارجية.

وخلال سنوات الحرب، ارتكب النظام السوري العديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب والإعدام دون محاكمة، واستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، وهو ما أكدت عليه تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية.

وذكرت جماعات حقوق الإنسان الدولية أن التعذيب والقتل خارج نطاق القضاء أمر شائع في مراكز الاعتقال الحكومية في سوريا.

أسفرت الحرب المستمرة في سوريا عن مقتل نحو نصف مليون شخص، ونزوح نصف سكان البلاد البالغ عددهم 23 مليون نسمة، فضلا عن لجوء الملايين إلى الدول المجاورة مثل الأردن وتركيا والعراق ولبنان، بينما فرّ البعض إلى أوروبا.

– تجاهل دعوات أنقرة

على الرغم من العقوبات الغربية المفروضة على النظام، بدأت بعض الدول الإقليمية في إعادة تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد، خلال الفترة الأخيرة.

وفي عام 2023، أعادت جامعة الدول العربية قبول سوريا كعضو، بينما أعادت المملكة العربية السعودية تعيين سفير لها في دمشق بعد 12 عاما من القطيعة.

لكن نظام الأسد، المدعوم من إيران وروسيا، تجاهل لسنوات طويلة دعوات التطبيع التي أصدرتها العديد من الدول، بما في ذلك تركيا.

وعلى وجه الخصوص، تم تجاهل الدعوات التي وجهتها أنقرة بشأن الانفتاح على إجراء محادثات مع الأسد.

وخلال مقابلة مع قناة “سكاي نيوز عربية”، في أغسطس/ آب 2023، وجه بشار الأسد اتهامات ضد تركيا زاعما أن “الإرهاب في سوريا هو صناعة تركية”.

وواصل الأسد وضع شروط مسبقة لتطبيع العلاقات مع تركيا، مطالبا بسحب القوات التركية من سوريا، دون تقديم ضمانات بشأن وجود تنظيم “بي كي كي الإرهابي في شمال البلاد ومكافحة الإرهاب.

المصدر: صحيفة المرصد الليبية

كلمات دلالية: حزب البعث العربی الاشتراکی حافظ الأسد بشار الأسد العدید من الأسد فی فی سوریا وفی عام

إقرأ أيضاً:

من حفار القبور إلى قيصر.. سوريون لاحقوا الأسد دوليا وكشفوا هوياتهم بعد سقوطه

بعد أكثر من عقد من توثيق الجرائم في الخفاء، بدأت شخصيات سورية بارزة كانت وراء ملاحقة نظام بشار الأسد المخلوع على الساحة الدولية، بالخروج إلى العلن، كاشفة عن هوياتها للمرة الأولى.

آخر هذه الشخصيات هو "حفار القبور" الذي كشف عن هويته في مداخلة أمام المؤتمر العربي المنعقد في جامعة "هارفارد" الأمريكية،  أمس الأحد.

وتحولت هذه الشخصيات التي تسببت بفرض عقوبات غربية قاسية على النظام المخلوع بما في ذلك "قانون قيصر"، إلى المطالبة برفع العقوبات المفروضة على سوريا بعد سقوط الأسد من أجل دفع عجلة إعادة الإعمار والاقتصاد المنهار.

ما المهم في الأمر؟
يمثل خروج هذه الشخصيات إلى العلن بعد سنوات من التخفي، محطة بارزة في مساعي استكمال محاسبة رموز النظام المنهار ضمن إطار "العدالة الانتقالية"، والمطالبة بتوسيع نطاق الملاحقات ليشمل المتورطين بالفساد والانتهاكات من الصف الأول وحتى المنفذين.

كما من المتوقع أن تساهم مطالباتهم في المساعدة برفع العقوبات المفروضة على سوريا في دعم مساعي الحكومة السورية الرامية إلى إعادة البناء ودفع عجلة الاقتصاد المنهار من خلال العمل على رفع العقوبات الغربية.

من هم هؤلاء؟

حفّار القبور
كشف المعروف بلقب "حفار القبور" عن هويته الحقيقية، بعد سنوات من التخفي ساهم خلالها في توثيق وفضح الجرائم التي ارتكبها نظام بشار الأسد المخلوع بحق المعتقلين السوريين.

وخلال مداخلة في المؤتمر العربي المنعقد بجامعة هارفارد الأمريكية، الأحد، عرّف "حفار القبور" نفسه بأنه محمد عفيف نايفة، من سكان العاصمة دمشق.




وأشارت وكالة الأنباء السورية "سانا"، إلى أن شهادات نايفة "أسهمت بفضح الجرائم التي ارتكبها النظام البائد بحق المعتقلين، بما في ذلك إلقاء آلاف الجثث في مقابر جماعية، بينها أطفال عذبوا حتى الموت".

وتولى نايفة مهمة دفن ضحايا التعذيب في مقابر جماعية منذ اندلاع الثورة السورية في  آذار /مارس عام 2011 وحتى تشرين الأول /أكتوبر عام 2018، قبل أن يتمكن من مغادرة البلاد.

وقال نايفة في شهادته أمام الكونغرس الأمريكية إن "الجثث كانت تأتي من فروع الأمن، في حالة متعفنة وعليها تشوهات".

وبدلا من الأسماء، كانت الجثث وبينها جثث أطفال تحمل أرقاما، وتنقل في شاحنات مبردة، وهي لضحايا تعذيب في معتقلات نظام الأسد المخلوع.

كما تحدث "حفار القبور" في شهادته عام 2022، عن 3 شاحنات مبردة تحمل كل واحدة منها بين 300 و600 جثة، كانت تأتي الأفرع الأمنية والمستشفيات العسكرية في دمشق مرتين في الأسبوع الواحد.

وكشف عن أسماء عدد من الضباط المشرفين على عمليات القتل، مدعما شهاداته بالأدلة التي قدمها المصور العسكري المنشق المعروف بـ"قيصر".

قيصر
الاسم الرمزي لـ"قيصر" ارتبط منذ عام 2014 بصور آلاف المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب في سجون النظام السوري.

كان قيصر يعمل مصورا في الطب الشرعي العسكري، ونجح في تسريب أكثر من 50 ألف صورة إلى خارج البلاد، بالتعاون مع صديقه "سامي".




وشكّلت هذه الصور القاعدة الأساسية لتشريع "قانون قيصر" في الكونغرس الأمريكي عام 2019، الذي فرض عقوبات على النظام السوري وداعميه.

ظل قيصر متخفيا طوال السنوات الماضية، وظهر في جلسات الاستماع بالكونغرس الأمريكي مقنعا. لكن سقوط نظام الأسد دفع صاحب أكبر عملية تسريب في سوريا إلى الكشف عن هويته في شباط /فبراير عبر شاشة قناة "الجزيرة".

اتضح حينها أن "قيصر" هو المساعد أول فريد المذهان رئيس قسم الأدلة القضائية بالشرطة العسكرية في  العاصمة السورية دمشق، والذي ينحدر من مدينة درعا جنوبي البلاد.



قال المذهان في أول لقاء له عقب كشف عن هويته: "لقد حملتني أرواح (المعتقلين) الطاهرة أمانة على عنقي أن أوصل آهاتهم ومعاناتهم إلى العالم الحر، وأن أكون شاهدا أمام الله وأمام الإنسانية على مصيرهم المؤلم".

سامي
عمل "سامي" كهمزة وصل بين "قيصر" والمنظمات الحقوقية، وساهم بشكل أساسي في تسليم الصور إلى منظمة حقوقية دولية مقرها في أوروبا، ومن ثم إلى السلطات الأمريكية.

كما ساهم مع "قيصر" في تهريب أكثر من 26 ألف صورة لأقل من 7 آلاف ضحية قضت تحت التعذيب في سجون الأسد، فضلا عن قيامه بتنسيق لقاءات في الكونغرس الأمريكي، وكان حاضرا في الكواليس خلال تمرير قانون "حماية المدنيين السوريين" الذي عرف باسم قانون "قيصر".



وبعد سقوط نظام الأسد كان "سامي" من أوائل الشخصيات المعارضة المتخفية التي كشفت عن هويتها ليتضح أن اسمه الحقيقي أسامة عثمان، وهو من مواليد مدينة التل في ريف دمشق.

قال عثمان في أحد تصريحاته بعد سقوط النظام: "بشار الأسد شوهنا من الداخل ومن الخارج، أفسد علينا حياتنا. وكما يقولون أفسد علينا دنيانا، وأفسدنا عليه آخرته، وعند الله تجتمع الخصوم".

الصورة الأوسع
ساهمت شهادات قيصر وحفار القبور في توثيق جرائم الأسد بحق السوريين عقب اندلاع الثورة السورية، كما تسببت في فرض عقوبات قاسية عليه كان لها دور في دفعه نحو التآكل مع مرور الوقت.

ومن المقرر أن تلعب هذه الشهادات والأدلة الموثقة دورا مهما في مسار "العدالة الانتقالية" التي يطالب به السوريون وجرى النص عليه في "الإعلان الدستوري" من أجل طي صفحة نظام الأسد الدموية. 

مقالات مشابهة

  • بشار الأسد يلعب شد الحبل في شوارع موسكو.. الحقيقة الكاملة
  • المدافع "الشرس" عن نظام الأسد.. هل طلب اللجوء في روسيا؟
  • الاتفاق على التعاون فى القبض على المطلوبين من فلول نظام بشار الأسد
  • سوريا ولبنان.. من الجوار الصعب إلى التعاون
  • من حفار القبور إلى قيصر.. سوريون لاحقوا الأسد دوليا وكشفوا هوياتهم بعد سقوطه
  • اللواء التابع لأحمد العودة في سوريا يحل نفسه ويسلم سلاحه لوزارة الدفاع (شاهد)
  • اللواء الثامن في سوريا يعلن حل نفسه وتسليم سلاحه لـالدفاع (شاهد)
  • بعد سقوط الأسد.. هكذا تحرّك أحمد الشرع لقطع طرقات الإمداد لـحزب الله
  • إعادة انتخاب المالكي أمينا عاماً لحزب الدعوة الإيراني
  • اعادة انتخاب المالكي اميناً عاماً لحزب الدعوة في العراق