هل فعلا حرب السودان ضرورة لابد منها؟

د. الشفيع خضر سعيد

نواصل مناقشتنا لما أسميناه الأسئلة الصعبة التي تمثل إجاباتها جوهر ومحتوى الرؤية المطلوبة لمعالجة تفاصيل ما سيطرح على طاولة أي منبر تفاوضي يسعى لوقف الحرب في السودان، ويناقش الأسس التي تحقق عدم تجددها أو إعادة إنتاج الأزمة في البلاد.

ومرة أخرى نؤكد أن الجهة المناط بها صياغة هذه الرؤية هي القوى المدنية والسياسية السودانية.

وفي مقالنا السابق، افتتحنا مناقشتنا لهذه الأسئلة الصعبة بسؤال يتعلق بطبيعة الحرب الدائرة اليوم في السودان، لإيماننا بأن إدراك وفهم طبيعة هذه الحرب هو المدخل لإيقافها. وبينما نحن نهم بتناول السؤال الصعب الثاني، هاتفنا أحدهم معترضا بشدة على فكرة التفاوض لإنهاء الاقتتال لأن التفاوض، حسب وجهة نظره، يعني التنازل والتسوية، والتسوية تعني إعطاء قبلة الحياة لعناصر نظام الإنقاذ البائد التي تستخدم الحرب مطية للعودة إلى السلطة، كما أن التسوية تعني تمسك نخب المركز بامتيازاتها التي وفرتها لها دولة 56 على حساب جماهير الهامش، لذلك هو يشجع استمرار الحرب لاجتثاث عناصر الإنقاذ التي تسيطر تماما على الجيش وجهاز الدولة، حسب قوله، واعتبار ما يحدث من موت ودمار تضحية وفداء لبناء سودان جديد!

قلت له، على مر التاريخ ظلت الحرب هي البشاعة المرفوضة من الجميع، ولا يعقل أن يكون العنف وسفك الدماء هو الوسيلة لفض النزاعات، فهذا ضد الطبيعة البشرية التي ترى الحوار والتفاوض هو الخيار الأول والمفضل لحل الأزمات وإخماد نيران الصراعات. وقلت له، من يشجع الحرب وهو جالس على جداريات الفيسبوك أو الواتساب ويداه في الماء البارد، وتظل الحرب عنده مجرد صورة ذهنية ينفعل معها لحظيا ضمير مشاهداته لفداحتها في شاشات الإعلام، لا يستوي مع من يكتوي بنار الحرب يوميا، وبالملموس، في جسمه وبيته وأهله وأحلامه، تلاحقه وتعذبه جروح الروح ومعاناتها. ثم قلت له، واهم من يعتقد أن أحد الطرفين سيحسم الحرب عسكريا، فهذه حرب لا منتصر فيها، ولكن للأسف فيها خاسر هو الوطن وشعبه.

صحيح، من الضروري والهام جدا التفريق بين الحوار/ التفاوض الذي يبحث في علاج جوهر وجذور الصراع، والحوار الذي يفضي إلى حلول تصالحية سطحية، أو تسوية لا تخاطب هذا الجوهر، بل تكتفي بالتعافي المتبادل واختصار الحل في إعادة الشراكة واقتسام كراسي السلطة، حيث في هذه الحالة ستأتي التسوية بعيدة عن مصلحة المواطن والوطن، وحتما ستتم إعادة إنتاج الأزمة.

لا يعقل أن يكون العنف وسفك الدماء هو الوسيلة لفض النزاعات، فهذا ضد الطبيعة البشرية التي ترى الحوار والتفاوض هو الخيار الأول والمفضل لحل الأزمات وإخماد نيران الصراعات

وصحيح أن محصلة أي حوار أو تفاوض تخضع لقانون توازن القوى وفيها قدر من التسوية، ولهذا السبب تحديدا نصر على أن أجندة الحوار وإعلان المبادئ الذي يحكمه، وسقوفات التنازل الممكنة، وكذلك الرؤية المطروحة على مائدة التفاوض والتي تتعدى الآليات الفنية لوقف العمليات القتالية لتبحث في تفاصيل جوهر العملية السياسية، هي كلها من صميم عمل القوى المدنية والسياسية. لكن، في نفس الوقت يجب ألا يقتصر الحوار والتفاوض السياسي على النخب السياسية فقط ويخفى داخل الغرف المغلقة بعيدا عن أعين الناس، لأن ذلك يعني أن ينتهي الحوار أو التفاوض إلى اقتسام كراسي السلطة وتجاهل مطالب الشارع، مما يعني استمرار الأزمة، وربما تفجر الحرب ولو بعد حين.

وصحيح أن آلية التفاوض بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في منبر جدة عجزت عن تحقيق هدفها الرئيسي في وقف العدائيات، وستظل كذلك في أي منبر آخر، ما لم تستصحب عددا من الآليات الأخرى المتاحة والممكنة حسب الشرعية الدولية، للضغط على طرفي القتال بشأن وقف دائم للأعمال العدائية، أو على الأقل لتحقيق انسياب المساعدات الإنسانية إلى المواطنين المحاصرين في مناطق العمليات. فالطرفان لم يلتزما بما وقعا عليه في اتفاقات الهدن العديدة من الامتناع عن إطلاق النار، أو التوافق على ممرات آمنة، أو الانسحاب من المستشفيات والعيادات الطبية، أو حتى السماح بدفن الموتى باحترام..الخ. ومباشرة نقول، إن إنقاذ المدنيين ودرء الكارثة عن السودان يتطلب إعمال هذه الآليات التي يسمح بها القانون الدولي لتتدخل مباشرة لفرض مناطق خضراء منزوعة السلاح وإقامة ممرات آمنة تسمح بتدفق المساعدات الإنسانية وبتدفق المدخلات التي يمكن أن تساعد في بدء دوران عجلة الإنتاج في المناطق والولايات البعيدة من مسارح العمليات العسكرية، وذلك في ظل ما سببته الحرب من خلل في أداء البنوك وشح السيولة النقدية وانعدام المرتبات وغياب المؤسسات المعنية وضرب القطاع الخاص…الخ. إن إقرار هذه الآليات وتنفيذها يتطلب مشاركة دولية وإقليمية واسعة، وخاصة من دول الجوار، وذلك في إطار الشرعية الدولية والقانون الدولي. وهذه الآليات تشمل: منع تدفق الأسلحة والذخيرة إلى البلاد، تجميد الأرصدة والحسابات في البنوك العالمية والإقليمية، فرض العقوبات الرادعة على المؤسسات والأفراد التي ترفض وقف العدائيات، وصولا، إذا اقتضى الحال، إلى فرض إعادة تموضع القوات المتحاربة بإرسال قوات الطوارئ الأفريقية بقرار من الاتحاد الأفريقي وبدعم من المجتمع الدولي، لإقامة مناطق خضراء، أو منزوعة السلاح، يمتد نصف قطرها بضعة كيلومترات في مختلف الاتجاهات، وتتضاعف مساحتها بالتدريج. صحيح الأمر ليس ببساطة الحديث عنه، وهنالك عدة صعوبات ومعوقات ستواجه تنفيذه، وعند البعض يصطدم بمفهوم السيادة الوطنية، ولكنه ليس مستحيلا، خاصة عندما نتذكر نجاح عمليات إجلاء رعايا الدول الغربية من الخرطوم إثر اندلاع القتال، وهي في نظري عمليات عسكرية كاملة الدسم، نفذتها الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، كما أن هنالك حزما مشابهة تم تنفيذها في عدد من البلدان التي اندلعت فيها المعارك. وبالتأكيد لابد أن نأخذ في الإعتبار تجربة قوات الأمم المتحدة، (يوناميس ويوناميد) في جنوب السودان ودارفور. نشير إلى أن قوات الطوارئ الأفريقية كونها الاتحاد الأفريقي لمنع انتشار الاقتتال والنزاعات المسلحة داخل الدول الأفريقية، والسودان عضوا في لجنة التنسيق الخاصة بها. ونواصل مشوار طرح الأسئلة الصعبة.

* نقلاً عن القدس العربي

الوسومالحرب السودان القوات المسلحة القوى المدنية والسياسية د. الشفيع خضر سعيد دولة 56 قوات الدعم السريع نظام الإنقاذ

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الحرب السودان القوات المسلحة القوى المدنية والسياسية دولة 56 قوات الدعم السريع نظام الإنقاذ

إقرأ أيضاً:

حمدوك يطالب باجتماع لمجلس الأمن بحضور البرهان وحميدتي والجيش يستهل العام الثاني للحرب بإعلان تقدم جديد في أم درمان

«الشرق الأوسط» دعا رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك لعقد اجتماع مشترك بين مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأفريقي و«قوات الدعم السريع» وحلفائها والقوى المدنية، للاتفاق على «هدنة إنسانية» ووقف فوري غير مشروط لإطلاق النار، بينما استهل الجيش السوداني السنة الثالثة للحرب بإعلانه تحقيق تقدم على «قوات الدعم السريع» في محور «جنوب غربي أم درمان، وإلحاق هزيمة كبيرة بقوات العدو هناك، والمضي قدماً في مطاردة ما تبقى منهم».

وفي رسالة موجهة للشعب السوداني بمناسبة إكمال الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع» عامها الثاني، طالب رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك، الثلاثاء، بعقد اجتماع مشترك بين مجلس الأمن الدولي ومجلس الأمن السلم الأفريقي، بحضور قائدي الجيش السودان و«الدعم السريع»، وقائد الحركة الشعبية لتحرير السودان، عبد العزيز آدم الحلو، وحركة تحرير السودان بقيادة، عبد الواحد النور، والقوى المدنية، للاتفاق على هدنة إنسانية ووقف فوري غير مشروط لإطلاق النار.

وقال حمدوك إن العملية التي بادر بها تهدف للوصول لوقف دائم لإطلاق النار ولاتفاق سلام شامل، ووضع ترتيبات دستورية انتقالية بتوافق عريض لاستعادة مسار ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018 في الانتقال المدني الديمقراطي.

تشكيل سلطة مدنية
وطالب حمدوك بتشكيل سلطة مدنية انتقالية بصلاحيات كاملة، تتولى معالجة آثار الحرب وإعادة إعمار السودان، تقود البلاد إلى الانتخابات، وأن تبدأ العملية واتخاذ تدابير لبناء الثقة بوقف التصعيد الإعلامي بين الأطراف المتحاربة وإطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين.

واقترح حمدوك في الرسالة التي أطلق عليها «نداء سلام السودان»، أن يخرج عن الاجتماع المشترك الذي طالب به، بدعوة لعقد مؤتمر للمانحين الدوليين لسد فجوة تمويل الاحتياجات الإنسانية، وإطلاق عملية سلام شاملة يقودها السودانيون لإيجاد حل سياسي يخاطب جذور الأزمة.

وحدد حمدوك ثلاثة مسارات متزامنة تشمل مسار إيصال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، ومسار وقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية الدائمة، تأسيساً على اتفاق جدة، بالإضافة إلى المسار السياسي بإطلاق حوار وطني يخاطب جذور الأزمة ويرسي سلاماً مستداماً في البلاد.

وحث حمدوك الأطراف الإقليمية والدولية التي اقترح مشاركتها في الاجتماع، على الامتناع عن أي فعل يطيل أمد النزاع، وعلى فرض حظر شامل على توريد السلاح لكافة أطراف النزاع. ودعا إلى تشكيل فريق عمل من الخبراء والمختصين السودانيين، لقيادة جهود تقييم الأضرار الجسيمة التي خلفتها الحرب، ووضع خطة لإعادة الإعمار والتعافي الوطني. ورحب رئيس «تحالف صمود» بمبادرة المملكة المتحدة وعقد الاجتماع الوزاري حول الأزمة السودانية، ودعا الدول المشاركة فيه للخروج بقرارات عملية تساهم في وضع نهاية لمعاناة السودانيين، بما في ذلك تدابير عاجلة لحماية المدنيين.

وشدد حمدوك على أهمية تضمين ما أطلق عليه «المشروع الوطني الجديد»، وتأسيس نظام مدني ديمقراطي، وفق نظام فيدرالي وجيش واحد مهني وقومي ينأى عن السياسة والاقتصاد، وحذر من تحويل السودان لـ«أرض خصبة لجماعات التطرف والإرهاب الدولي» في حال استمرار الحرب. وقال من «المقلق للغاية» أن نهج النظام السابق في زعزعة الاستقرار في دول الجوار والدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي، أخذ يطل برأسه من جديد، ولعل التهديدات العسكرية الصادرة مؤخراً ضد تشاد وجنوب السودان وكينيا ودول الإقليم، مؤشرات خطيرة في ذات الاتجاه.

وأشار حمدوك إلى أن أخطر ما في هذه الحرب «اللعينة» هو تفشي خطاب الكراهية والجهوية، وارتكاب أفظع المجازر وقطع الرؤوس وبقر البطون وذبح أسر بأكملها، وأن هذه الأفعال الوحشية ستؤدي بلا شك إلى تحويل وطننا إلى مرتع للجماعات الإرهابية.

وناشد حمدوك الأسرة الإقليمية والدولية وكل القوى التي ظلت تحارب الإرهاب، أن تتعامل مع ما يجري في السودان بحزم وعزم، للحيلولة دون تحوله لأكبر مهدد للسلم والأمن الدوليين.

وقال: «نمد أيادينا لكل الحادبين على مصلحة البلاد، لتجاوز كل خلافاتنا، والعمل معاً لتحقيق الأهداف الوطنية السامية، وسنظل منفتحين على كل الآراء والمقترحات البناءة، وثقتنا بأن تحظى مبادرة نداء سلام السودان بالدعم والالتفاف من كافة قطاعات شعبنا الرافضة للحرب».

الجيش يتقدم في أم درمان
من جهتها، استهلت القوات المسلحة والقوات المساندة إكمال عامين من الحرب مع «قوات الدعم السريع»، بإعلان تحقيقها تقدماً كبيراً في محور «غرب وجنوب أم درمان»، آخر معاقل «قوات الدعم السريع» في ولاية الخرطوم.

وقال الناطق الرسمي باسمه العميد نبيل عبد الله على منصته الرسمية على «فيسبوك»، إن قواته تقدمت في محور غرب وجنوب أم درمان، واستولت على عدد من المدافع والأسلحة، وحيدت عدداً كبيراً من عناصر «الميليشيا» - «قوات الدعم السريع» - صبيحة اليوم الثلاثاء.

وأوضح أن قواته سحقت ودمرت «قوات الدعم السريع» في مناطق «الصفوة، الحلة الجديدة، الصفيراء، معسكر الكونان»، وأنها تقوم بعمليات «تصفية» ما تبقى مما أسماه «جيوب محدودة بالمنطقة»، بعد أن دمر عدداً من مركبات العدو وأهلك العشرات من أفراده.

   

مقالات مشابهة

  • حمدوك يطالب باجتماع لمجلس الأمن بحضور البرهان وحميدتي والجيش يستهل العام الثاني للحرب بإعلان تقدم جديد في أم درمان
  • الحرب في السودان تدخل عامها الثالث بعد سقوط الآلاف وتشريد الملايين .. ولا نهاية في الأفق
  • كيف تناولت الصحف الغربية دخول الحرب بالسودان عامها الثالث؟
  • حرب السودان تدخل عامها الثالث.. جرائم حرب في دارفور وانهيار شامل بالشمال
  • عام ثالث من حرب السودان والجبهات تشتعل غربا
  • نائب رئيس حزب الامة القومي: الحرب التي شنتها المليشيا هدفت الى طمس هوية السودان
  • السودان: العلاقات مع تركيا أخوية ودورها محوري بإعادة الإعمار
  • السودان.. قوات الدعم السريع تتقدم في الفاشر "المأزومة"
  • “صمود” يدين الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي نتجت عن هجوم قوات الدعم السريع على معسكر زمزم للنازحين بشمال دارفور
  • إزالة الحواجز الإسمنتية التي وضعها النظام البائد أمام مبنى أمن الدولة في حي المحافظة بمدينة حلب وفتح الطرقات المحيطة لتسهيل حركة مرور الآليات