سوريا تبتعد عن قيامتها أكثر
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
آخر تحديث: 9 دجنبر 2024 - 10:42 صبقلم: فاروق يوسف في سياق ما يجري في سوريا من أحداث متسارعة يمني البعض نفسه باقتراب نهاية الفيلم السوري الحزين. وهي أمنية للأسف ليست في محلها وما من شيء يدعمها. ذلك لأن كل النتائج ستعيد إنتاج الأزمة الإنسانية بغض النظر عن تنوع وتعدد أشكالها وأقنعة رموزها. فلا النظام أثبت عبر أكثر من عقد من الزمان أنه قادر على استعادة سوريا وإعادتها إلى شكلها المستقر على الرغم من رثاثته ولا المعارضة بصبغتها العقائدية المتشددة تحمل للسوريين أنباء سارة عن نهاية معاناتهم التي لم تبدأ حين تحول حراكهم السياسي المتمرد إلى حرب أهلية.
فحرب المعارضة على النظام ستتحول إلى حرب على السوريين مثلما سبق لحرب النظام على معارضيه أن تحولت إلى حرب عليهم؛ بمعنى أن هناك ضحية ثالثة جاهزة لطرفي المعادلة. وهو ما يفتح الطرق كلها على نهايات مسدودة. لا لشيء إلا لأن صورة سوريا باعتبارها دولة كانت قد محيت لتحل محلها صورة سوريا التي هي مجموعة من الإقطاعيات التي تتبع كل واحدة منها طرفا عالميا أو إقليميا ينفق عليها ويريدها قاعدة لمستقبل نفوذه في المنطقة. وهكذا يكون الأسد والجولاني مجرد أداتين لتنفيذ مشاريع مؤقتة لا علاقة لها بمستقبل سوريا أو مصائر السوريين. وإذا كانت سوريا قد سقطت في هاوية التجاذب الروسي – الإيراني حين تم انتشالها من سيطرة التنظيمات والجماعات الدينية المسلحة فإنها ستتحول إلى ساحة لتصفية الحسابات المتأخرة إذا سقط المزيد من مدنها في أيدي أفراد المعارضة الذين هم ليسوا سوريي الانتماء والولاء بالضرورة. وليس علينا أن نصدق أن المعارضة التي كانت يوما ما تُسمى جبهة النصرة والتي صُنفت باعتبارها فصيلا إرهابيا كانت عبر سنوات السبات التي عاشتها في إدلب قد تشبعت بالأفكار الحرة الديمقراطية وصارت حركة ثورية يهدف وجودها إلى إنقاذ سوريا والسوريين من نظام الأسد المتهالك الذي انتهت صلاحيته منذ عقود. فذلك التنظيم ما كان من الممكن أن يتم الإنفاق عليه عبر تلك السنوات الطويلة لولا أنه قد ازداد تعصبا وتشددا ولولا أنه لا يحمل لسوريا إلا الأفكار الظلامية والممارسات القمعية. مستقبل سوريا المرسوم من خارجها هو أسوأ من ذلك المستقبل المقيد بوجود عائلة الأسد مسنودة بحزب البعث الذي لم يعد سوى جهاز أمني. أما أن يكون تجدد القتال واجتياح المدن هو محاولة لإنهاء النفوذ الإيراني تكريسا لما حدث لحزب الله في لبنان فتلك كذبة الدليل عليها أن النفوذ الإيراني في العراق يتسع ويتصلب مع الوقت حتى يمكن القول إن الحكومة التي عينها تحالف الإطار التنسيقي (مجموعة الأحزاب الشيعية) هي الأكثر إيرانية من سابقاتها. ومن المعروف أن إيران تنفق في سوريا ولبنان أما في العراق فإنها عثرت على البقرة التي تُدر ذهبا. العراق هو درة التاج الإيراني وليس حزب الله كما يُقال دائما. كما أتوقع فإن إيران ستكف عن محاولتها الاقتراب من إسرائيل وسترفع يدها عن الحوثيين بعد أن تحولوا إلى قراصنة مطلوبين للعدالة لتتفرغ لشؤونها في العراق الذي يُدار من قبل وكلائها بطريقة سلسة ومريحة. هو فصل جديد مضاف من فصول مأساة الشعب السوري، من خلاله ستتصاعد أرقام المهجرين والمشردين والنازحين واليائسين. وهو ما يؤكد أن سوريا وقد تحولت منذ سنوات إلى ساحة لصراعات القوى الإقليمية والعالمية ستمعن أكثر في خرابها وضياع بوصلتها وستكف عن أن تكون المكان الموعود بعودة أبنائه. أما كذبة أن يكون المرتزقة ثوارا فإنها سرعان ما ستفتضح وسيعرف أبناء المدن التي يتم تدميرها مرة أخرى أن الطريق إلى القيامة ستزداد طولا بما يعني أن آلامهم ستزداد شدة وأن ضياعهم سيزداد غموضا. ولكن ما موقف روسيا من كل ما يجري في سوريا؟ من المؤكد أن روسيا تعلم أن الجولاني لم يحرك جيشه إلا بعد أن تلقى تعليمات من الولايات المتحدة سمحت له بخرق الاتفاق السابق الذي جعله قادرا على تأسيس إمارته في إدلب من غير أن يشعر بتهديد من الطيران الروسي. وكما أعتقد أن الأمر يتخطى تركيا باعتبارها الحائط الذي يستند التنظيم عليه أو قطر باعتبارها الخزانة التي تموله بالمال، أعتقد أن الدوائر الأميركية المعنية بالمسألة السورية أرادت أن تسبق وصول ترامب إلى البيت الأبيض بإحداث تغيير جوهري في سوريا وفرض ما ينتج عن ذلك التغيير أمرا واقعا. ذلك هو السؤال الذي لن يبقى حائرا ومُحيرا زمنا طويلا.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: فی سوریا
إقرأ أيضاً:
ما الذي تسبب في انهيار الجيش السوري بهذه السرعة؟
#سواليف
لم يكن كثيرون يتوقعون التطورات السريعة والمتلاحقة التي شهدتها سوريا على مدى الأيام الأخيرة، منذ أن أعلنت المعارضة المسلحة بقيادة “هيئة تحرير الشام” المتمركزة في محافظة إدلب شمال غربي البلاد بدء تحركها الميداني ضد القوات الحكومية.
وجاءت أنباء سقوط حكم بشار الأسد، الذي كان يتوعد قبل نحو أسبوع “بسحق الإرهابيين”، مباغتة لغالبية المتابعين للشأن السوري.
وقد أثارت تلك الأحداث دهشة وتساؤلات عديدة، ولا سيما عن #أسباب #انهيار #قوات #الجيش_السوري بهذه السرعة المذهلة، وانسحابها من معركة تلو الأخرى. فما العوامل التي أسهمت في ذلك؟.
مقالات ذات صلة اجتماع طارئ لمجلس الأمن حول سوريا 2024/12/09** مكانة متقدمة.. ولكن
تأتي سوريا في المرتبة السادسة عربيا والستين دوليا من حيث القوة العسكرية، وذلك وفق مؤشر Global Firepower (غلوبال فاير باور) لعام 2024، والذي شمل 145 دولة. ويأخذ هذا التصنيف بعين الاعتبار عددا من العوامل، من بينها عدد أفراد القوات المسلحة والمعدات والمصادر البشرية والعوامل اللوجستية.
ويضم الجيش السوري عددا كبيرا من الجنود المدعومين بقوات شبه عسكرية وميليشيات، كما أنه يعتمد على مزيج من المعدات المتهالكة التي تعود إلى الحقبة السوفيتية ومعدات أحدث حصل عليها من حلفاء مثل روسيا. ويمتلك الجيش، وفق غلوبال فاير باور، أكثر من 1500 دبابة و3000 عربة مدرعة، كما أن لديه نظما مدفعية وصاروخية.
وفيما يتعلق بالقوة الجوية، لدى الجيش السوري مزيج من المقاتلات والمروحيات وطائرات التدريب، ويمتلك أسطولا بحريا متواضعا، فضلا عن العديد من المطارات والموانئ الحيوية مثل اللاذقية وطرطوس.
قد يبدو وضع الجيش السوري جيدا من الناحية النظرية، لكن هناك كثيرا من المعطيات التي أدت إلى إضعافه.
فقدْ خسر نسبة كبيرة من قوته البشرية التي كانت تقدر بنحو 300 ألف جندي في سنوات الحرب الأولى تبلغ النصف وفق بعض التقديرات، سواء بسبب القتال أو بسبب فرار بعض الجنود أو انضمامهم لجماعات معارضة. كما تكبدت القوات الجوية خسائر فادحة جراء الحرب الأهلية والضربات الجوية الأمريكية.
** راتب الجندي “لا يكفي لثلاثة أيام”
رغم امتلاك سوريا لاحتياطات لا بأس بها من النفط والغاز، فإن قدرتها على استغلال تلك الاحتياطات تراجعت بشكل كبير بسبب الحرب. كما شهدت الأوضاع الاقتصادية المزيد من التدهور، وخصوصا المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الأسد، بسبب ما يعرف بـ”قانون قيصر” الأمريكي الذي صدر في ديسمبر عام 2019، ودخل حيز التنفيذ في يونيو عام 2020. هذا القانون نص على فرض عقوبات اقتصادية على أي هيئات حكومية أو أفراد يتعاملون مع الحكومة السورية.
وقد أشارت تقارير عديدة إلى تدني رواتب جنود الجيش التابعين لحكومة الأسد، وذكرت أنها تبلغ ما يعادل حوالي 15 إلى 17 دولارا في الشهر، وهو مبلغ صغير للغاية “لا يكفي حتى لثلاثة أيام”، بحسب تعبير مواطن سوري.
يقول فواز جرجس أستاذ العلاقات الخارجية بجامعة لندن إن الأوضاع تبدلت في سوريا بشكل كبير خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وإنه من بين أسباب ذلك “العقوبات الأمريكية التي أدت إلى إفقار الشعب السوري وإفقار ضباط الجيش. هناك بعض التقارير التي تشير إلى أن الجنود لا يحصلون على ما يكفيهم من طعام، وهذا يعني أنهم في حالة نفسية صعبة وصاروا أقرب إلى المجاعة”.
يشار إلى أن الأسد كان قد أصدر الأربعاء الماضي مرسوما يقضي بزيادة رواتب الجند بنسبة 50 في المئة، وفق وكالة الأنباء الحكومية السورية، في خطوة كانت تهدف على ما يبدو إلى رفع معنويات الجنود وسط تقدم قوات المعارضة. لكن يبدو أن هذه الخطوة جاءت متأخرة كثيرا.
وضع هش فاقمه سحب المساعدات العسكرية لحلفاء الأسد كان لافتا انسحاب العديد من الجنود والضباط بشكل مفاجئ خلال المعارك التي دارت مع المعارضة المسلحة، والتي واصلت تقدمها السريع من حلب إلى دمشق، مرورا بحماة وحمص، تاركين المعدات العسكرية والأسلحة على الطرقات. كما تحدثت موفدة بي بي سي إلى دمشق باربرا بلت أشر عن تخلي بعض الجنود في دمشق عن زيهم العسكري وارتداء ملابس مدنية.
يقول الدكتور يزيد صايغ الزميل الأول بمركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت إن أسباب انهيار الجيش السوري “تعود بشكل شبه كامل لسياسات الأسد وممارساته منذ أن حقق تفوقا نسبيا على المعارضة بحلول 2016، إذ كانت النتيجة هي تقويض الركائز الأساسية التي أبقته في السلطة. وطالت هذه السياسات الجيش، والذي أدى تسريح عشرات الآلاف من أفراده، فضلا عن التدهور الرهيب في مستويات المعيشة وتفشي الفساد وشح إمدادات الغذاء حتى داخل الجيش نفسه، إلى تنفير الطائفة العلوية التي تهيمن على المناصب العليا داخل المؤسسة العسكرية”.
“كما أن الروح المعنوية للجيش انخفضت بشكل كبير بسبب فقدان المساعدات العسكرية المباشرة من قبل إيران وحزب الله وروسيا، والذين لم يعودوا قادرين على التدخل بشكل كاف، أو حتى التدخل بأي شكل من الأشكال. وبدون وجود تعهدات واقعية بتقديم مساعدة عاجلة، لم يعد لدى الجيش الرغبة في القتال”.
أما الخبير العسكري البريطاني البروفيسور مايكل كلارك، الأستاذ الزائر بقسم الدراسات الحربية بجامعة كينغز كوليدج لندن فيخبر بي بي سي أن المساعدات العسكرية الخارجية الضخمة التي كانت تتلقاها حكومة الأسد جعلته يعتمد عليها ويغفل أهمية جيشه ولذلك ” تردى مستوى تدريباته بشكل كبير، كما أن الأداء القيادي لضباطه صار متواضعا، وعندما واجهت وحداته هجمات من قبل هيئة تحرير الشام، انسحب كثير من الضباط على ما يبدو وفر بعضهم. وعندما يعجز الضباط عن إظهار مهارات قيادية فعالة، لا عجب أن يلوذ الجنود بالفرار”.
ويستبعد الدكتور صايغ أن يكون سحب الدعم العسكري المقدم من إيران وسوريا وحزب الله قد حدث بشكل متعمد.
ويمضي قائلا إن “إيران كانت تعتمد في الماضي بشكل كبير على حزب الله في تقديم الدعم الميداني، لكن بعد الخسائر التي تكبدها الحزب في لبنان لم يعد قادرا على تقديم هذا الدعم. كما كان هناك استنزاف متواصل لضباط إيران ومستشاريها في سوريا جراء الهجمات الإسرائيلية على مدار العقد المنصرم، ومن ثم لم يعد باستطاعتها إرسال تعزيزات كبيرة بشكل عاجل، سواء برا أو جوا، نظرا للرقابة التي تفرضها إسرائيل والولايات المتحدة على غالبية المجال الجوي السوري. في الوقت ذاته، قررت الحكومة العراقية والميليشيات الموالية لإيران النأي بنفسها عن القتال، وهو ما قد يعود جزئيا إلى إدراك إيران أن إنقاذ الأسد صار مستحيلا”.
يشار إلى أن روسيا سحبت عددا كبيرا من طائراتها وقواتها من قاعدتها باللاذقية بسبب متطلبات الحرب في أوكرانيا، والتي بدأت في فبراير/شباط عام 2022.
ويتفق الدكتور فواز على أن سحب الدعم العسكري والتنظيمي والقيادي من قبل إيران وحزب الله وروسيا “كان من أحد الأسباب الجوهرية التي أدت إلى سقوط المدن السورية بهذه السرعة”.
ويضيف أن “الجيش السوري لم يقاتل ولم يدافع عن النظام هذه المرة، وقرر الانسحاب من المعارك وترك الأسلحة…وهذا يشير إلى أن الدعم الروسي والإيراني وعقيدة القتال لحزب الله كانت عاملا مهما في مساعدة الأسد على البقاء في السلطة، ولا سيما بعد عام 2015”.
** قوة المعارضة
وبالتوازي مع الوضع الهش للجيش السوري، تحدث كثير من المراقبين للأحداث المتسارعة في سوريا منذ بدء عملية “ردع العدوان” في 27 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عن أن توحيد فصائل المعارضة المسلحة لصفوفها وتشكيلها غرفة قيادة للعمليات، واستعدادها الجيد لهذه المعركة وتطوير قدراتها العسكرية، كل ذلك أسهم في تقوية وضعها أمام الجيش السوري.
كما أن خطاب المعارضة، ولا سيما رسائل الطمأنة التي وجهتها إلى المدنيين وإلى مختلف مكونات الشعب السوري وحديثها عن احترام المعتقدات الدينية والحريات، سهل برأي خبراء مهمة تلك الفصائل وساعد في تحقيقها مكاسب سريعة على حساب القوات التابعة لحكومة الأسد.
كل المعطيات السابقة أسهمت على ما يبدو في الانهيار السريع للجيش السوري، وما أعقبه من سقوط لحكم بشار الأسد، بطريقة يرى الدكتور فواز جرجس أنها “تشبه إلى حد كبير انهيار نظام الشاه في إيران عام 1979”.
يضيف جرجس: “استطاعت المعارضة السورية بشقيها الإسلاموي والوطني القومي أن تدمر النظام السوري في أقل من أسبوعين…نظام الأسد كان يعيش في الوقت الضائع، وعندما جاء هجوم المعارضة مباغتا، انهار الجيش وانهار النظام وكأنه منزل من زجاج”.