سقوط نظام الأسد يعيد خلط الأوراق في لبنان
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
كان يُقال إن موقع لبنان الجغرافي الملاصقة حدوده من الجنوب مع إسرائيل ومن الشمال والشرق مع سوريا هو ما استجلب عليه كل المصائب منذ اللحظة الأولى لإعلان استقلاله، مع أن ثمة كثيرين من اللبنانيين يعترضون على المساواة بين دولة عدوة وأخرى شقيقة، فيما يرى آخرون أن ما تعرّضت له بعض المناطق اللبنانية من قصف سوري يجعل سوريا، في نظرهم، متساوية من حيث النتائج السلبية على الاستقرار الداخلي اللبناني.
وتضاف إلى هذين العاملين عوامل أخرى كثيرة جعلت من لبنان بلدًا معرّضًا وفي شكل موسمي لخضّات أمنية وسياسية واقتصادية تجعل عملية إنهاضه من كبواته مهمة شبه مستحيلة. فالتدخلات الخارجية على تعدّدها ساهمت في إبقاء هذا البلد الصغير جغرافيًا غير مستقر وفي حال دائمة من اللاتوازن، فضلًا عن ميل اللبنانيين إلى الاستعانة بالخارج للاستقواء به على الآخرين. وهذه التجربة سقط فيها كثيرون منذ الاستقلال حتى يومنا هذا، من دون أن يتعلم جميع اللبنانيين وبمستويات مختلفة من هذه التجارب الكثير من الدروس. والدليل على ذلك أنه منذ اتفاق القاهرة حتى اليوم لم ينعم لبنان واللبنانيون باستقرار مستدام، بل كانوا عرضة لخضّات موسمية على رغم محاولات كثيرة لانتشاله من مستنقعه الجغرافي ومن موقعه الطائفي القائم على تركيبة من توازنات هشّة. إلا أن هذه المحاولات باءت كلها بالفشل الذريع، وذلك نتيجة انحياز قسم من اللبنانيين، ومداورة، إلى الخارج الساعي وراء مصلحته.
فنصف الشعب اللبناني إن لم يكن أكثر وعى على هذه الدنيا وهو في حال من الخوف الدائم من خطر مستشرٍ يطاردهم حتى في أحلامهم. وهذا ما جعل معظم اللبنانيين يعيشون تجربة التهجير أو النزوح القسري من مناطقهم إلى مناطق أخرى في الداخل، فضلًا عن أن كثيرين منهم فضّلوا الهجرة الدائمة إلى بلاد الله الواسعة.
ويعجز المرء أن يحصي الفترات التي كان فيها اللبنانيون عرضة للأطماع الخارجية، والتي تُرجمت على أرض الواقع حروبًا متنقلة بدءًا بأحداث سنة 1958، ومرورًا بأحداث 1973، وصولًا إلى حرب 1975، وما تخللها من اجتياحات إسرائيلية لأراضيه أكثر من مرّة، وما عانه من الوصاية السورية وغيرها من الوصايات المقنعة. ولأن لبنان بموقعه الجغرافي، الذي اعتُبر في حقبة من حقبات الزمن الرديء "غلطة تاريخية"، يقف على فوهة بركان أو فوق فالق من الزلازل السياسية والأمنية والاقتصادية، فإن الفترات التي نعم بها باستقرار نسبي قليلة جدًّا.
وما يمكن استخلاصه من كل هذه التجارب المؤلمة التي مرّ بها لبنان منذ اليوم الأول لإعلان استقلاله، وفق رأي بعض المراقبين الذين يصنفون في خانة "حراس الهيكل"، هو أن خروج اللبنانيين من دوامة "اللعنة الجغرافية" يكون بإعادة تموضعهم حول فكرة الدولة من خلال تطبيق اتفاق الطائف تطبيقًا صحيحًا وغير مجتزأ، وبالتالي تحييد أنفسهم عن صراعات المنطقة وعدم ربط مصيرهم بمصير الآخرين، سواء في قطاع غزة أو في سوريا، أو في أي مكان آخر، خصوصًا أن مساندة "حزب الله" لأهالي القطاع بالبارود والنار لم تؤدِ الغاية المرجوة من هذا الاسناد، الذي استجلب على لبنان الدمار والخراب والتهجير.
وقد تكون للعاصفة التي هبت على سوريا حاليًا وأدّت إلى نهاية حكم حزب البعث التأثير المباشر على لبنان ومستقبله، خصوصًا أذا لم يستفد البعض من تجاربه السابقة الاسنادية، مع الاخذ في الاعتبار أن الوحدة الداخلية البعيدة عن التأثيرات الخارجية هي الملاذ الأخير للبنانيين لكي يحصنوا بلدهم من أي تدّخل خارجي. وقد يكون انتخاب رئيس للجمهورية وفاقي وتوافقي بداية الارتداد إلى الداخل.
فسقوط نظام الأسد من شأنه أن يعيد خلط الأوراق في لبنان من جديد. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة تكشف حصيلة السوريين العائدين إلى ديارهم منذ سقوط الأسد
كشفت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عن حصيلة السوريين العائدين منذ سقوط نظام بشار الأسد أواخر العام الماضي، مشيرة إلى أن أكثر من مليون و400 ألف سوري عادوا إلى ديارهم.
وقالت المفوضية في بيان نشرته عبر موقعها الإلكتروني الرسمي، الجمعة، "عاد حوالي 400 ألف سوري من دول الجوار منذ سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول /ديسمبر 2024.
Since December 2024, over 1.4 million Syrians have returned home, including about a million who were displaced inside Syria.
But without urgent funding, many won’t get the support they need to rebuild — and fewer returns will be possible.
Learn more: https://t.co/XLIESB2soF pic.twitter.com/tuWNd3DEVZ — UNHCR, the UN Refugee Agency (@Refugees) April 11, 2025
وأضافت أنه "خلال الفترة نفسها عاد أكثر من مليون نازح داخلي داخل سوريا، ليصل إجمالي عدد السوريين الذين عادوا إلى ديارهم إلى أكثر من 1.4 مليون شخص".
وأشارت المفوضية إلى أنه مع اقتراب العام الدراسي على نهايته، سيكون فصل الصيف من الفترات المهمة جدا للعودة الطوعية وفرصة لا يمكن تفويتها، مشددة على حاجة السوريين إلى الدعم في مجالات المأوى وسبل العيش والحماية والمساعدة القانونية لجعل عودتهم إلى ديارهم ناجحة ومستدامة.
كما شددت على ضرورة التمويل الكافي لتحقيق عودة متوقعة لنحو 1.5 مليون سوري إلى وطنهم هذا العام، موضحة أن "دعم المفوضية والجهات الفاعلة الإنسانية يعتبر من الأمور بالغة الأهمية لتحقيق الاستقرار".
وقالت المفوضية، إن "النقص الحاد في التمويل الذي نواجهه يعرض حياة الملايين للخطر، إذ يحتاج ما يقرب من 16.7 مليون شخص داخل سوريا، أي حوالي 90 بالمئة من السكان، إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، بينما لا يزال أكثر من 7.4 ملايين سوري في عداد النازحين داخليا".
وحثت المفوضية الجهات المانحة التقليدية على "بذل جهد إضافي"، داعية "الدول الغنية التي لم تسهم بعد لدعمها في ضمان العودة الآمنة والكريمة للاجئين السوريين الراغبين في العودة إلى ديارهم".
وأوضحت أنه "منذ سقوط نظام الأسد، أصبحت العودة إلى الوطن وبدء حياة جديدة ممكنة للسوريين"، مشددة على أنه من الممكن "خلق الفرص والحفاظ على أمل السوريين من خلال الاستثمار في المساعدات والإنعاش المبكر".
وفجر الأحد 8 كانون الأول/ ديسمبر، دخلت فصائل المعارضة السورية إلى العاصمة دمشق، وسيطرت عليها مع انسحاب قوات النظام من المؤسسات العامة والشوارع، لينتهي بذلك عهد دام 61 عاما من حكم نظام حزب البعث، و53 عاما من حكم عائلة الأسد.
وفي 29 كانون الثاني/ يناير، أعلنت الإدارة السورية الجديدة عن تعيين قائد قوات التحرير أحمد الشرع رئيسا للبلاد في المرحلة الانتقالية، بجانب العديد من القرارات الثورية التي قضت بحل حزب البعث العربي الاشتراكي ودستور عام 2012 والبرلمان التابع للنظام المخلوع.