تعرف على الرابحين والخاسرين من سقوط الأسد
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
فتح سقوط بشار الأسد في سوريا باب الاحتمالات والتخيلات لرسم صورة مستقبل البلد، بمكوناته المتعددة، وبتاريخه الطويل المتداخل مع المنطقة، كذلك كشف عن الخاسرين والرابحين، بعد نهاية حقبة تمتد إلى أكثر من 50 عاماً.
الرابحونبينما يعيش السوريون فرحتهم بسقوط حكم الأسد، ينتظرهم مستقبل غامض ومجهول، ويعتمد تصنيفهم ضمن الرابحين أو الخاسرين بدرجة كبيرة على القادم، وما إذا كان سيجنبهم مزيداً من العنف، ويمكنهم من بناء وطنهم على أسس سلمية، مع وجود مخاوف حقيقية من حدوث فراغ في السلطة، وتصادم بين الفصائل المسلحة المختلفة، وفق تقرير لمجلة "بوليتيكو" الأمريكية.
ورغم الأمل والإيجابية المنتشرة في كل أرجاء سوريا، وخارجها، بين من لجأوا إلى بلدان العالم المختلفة، بعد اندلاع حرب 2011، هناك أسباب عدة تدعو للقلق، فهيئة "تحرير الشام"، الفصيل المسلح الرئيسي، مصنف كجماعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، وزعيمها أبو محمد الجولاني لديه تاريخ طويل من التشدد، وهو حليف سابق لزعيم تنظيم داعش الإرهابي أبو بكر البغدادي، قبل أن يختلفا، وتفترق طرقهما.
ويحاول الجولاني الآن الظهور بصورة مختلفة عن مراحل سابقة في تاريخ الصراع الدموي، متبنياً نبرة تصالحية تجاه الأقليات الدينية في سوريا، ففي جيب إدلب الذي تديره الهيئة منذ عام 2016، عوملت الأقليات المسيحية والدرزية بطريقة طبيعية بعيداً عن التشدد والعصبية، وعند الاستيلاء على حلب، وعد الجولاني المسيحيين بالأمان، وتمكنت كنائس المدينة من العمل دون مضايقات.
والجاري في سوريا، يؤثر بلا شك في الدول المجاورة لها، وفي مقدمتها تركيا، وفي السابق كان الأسد قبل سقوطه ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، صديقين، لكن الحال تغير بعد 2011.
ومن المرجح أن يساعد سقوط الأسد الآن أردوغان في تعزيز أجندته الجيوسياسية، مما يمنحه الفرصة لتحقيق العديد من الأهداف الاستراتيجية، بما في ذلك كبح جماح الانفصاليين الأكراد في شمال شرق سوريا، الذين تربطهم علاقات وثيقة بالانفصاليين الأكراد في تركيا. كما ستثبت إعادة الإعمار المطلوبة أنها بمثابة كنز للشركات التركية.
وقال تيموثي آش، الخبير الاقتصادي، في منشور على إكس: "فوز كبير لتركيا - خطوة عبقرية من أردوغان".
يقول الخبراء، إن سقوط الأسد يفيد إسرائيل من نواح عدة، فهو يمثل إضعافاً إضافياً للقوة الإقليمية الإيرانية، وتقضي على عضو مهم، فيما يسمى "محور المقاومة".
وبدون الأسد ونظام صديق في سوريا، لن يكون لدى إيران طرقاً برية لإعادة إمداد شريكها "حزب الله" لمساعدته في حربها مع إسرائيل، مما يجعل الحزب اللبناني المسلح خاسراً واضحاً آخر من سقوط الأسد، وقد يجعل هذا أيضاً لبنان فائزاً، إذا تمكنت البلاد من الإفلات من قبضة حزب الله، لتصبح دولة بعيدة عن هيمنة التنظيمات المسلحة.
في قائمة الخاسرين، جاء الأكراد أولاً. فقبل سقوط الأسد، منح الأكراد نوعاً من الحرية للتصرف وفقاً لرغباتهم في شمال شرق سوريا، حيث كانوا يتمتعون بحكم شبه ذاتي.
وفي المستقبل قد لا يحظى الأكراد بنفس الحرية، خاصة وأن حاكم دمشق التالي ما زال غامضاً، لكن إذا سيطر الإسلاميون على الحكم، فهناك شكوك كبيرة حول ما إذا كانوا سيمحنونهم نفس الحقوق، وهم على علاقة وثيقة بأردوغان، خصم الأكراد.
وتسبب هجوم الفصائل المسلحة بخسارة الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة بعض المناطق، التي كانوا يسيطرون عليها في ريف حلب الشرقي.
ولا يشعر الأكراد بالطمأنينة، خاصة وأن الرئيس الأمريكي المنتخب قال معلقاً على ما يجري في سوريا: "لا ينبغي للولايات المتحدة أن يكون لها أي علاقة بهذا الأمر. هذه ليست معركتنا. دعوها تستمر، ولا تتورطوا".
يشكل العلويون نحو 12% من سكان سوريا، ولطالما خشوا أن يعانوا إذا سقط بشار الأسد، فهم كانوا العمود الفقري لنظامه السابق، واحتلوا مناصب عليا في الحكومة والجيش وأجهزة الاستخبارات، وخلال السنوات الأولى من الحرب الأهلية، شكلوا ما يعرف بفرق "الشبيحة"، والتي كانت مسؤولة عن جزء كبير من العنف.
روسيا وإيران وحزب اللهأدى سقوط بشار الأسد إلى إضعاف موقف روسيا في الشرق الأوسط بشكل كبير، وكذلك موقف إيران، فقد أنقذت موسكو وطهران معاً حليفهما السابق، ومنعتا انهيار حكمه في 2015.
وفي الأحداث الأخيرة حاولت موسكو دفع الأسد إلى المصالحة مع أردوغان، واستكشاف الحلول السياسية معاً لإنهاء الحرب، ولو حدث ذلك لكان من المؤكد أنه سيفتح سوريا للتجارة المربحة للشركات الروسية، كما كان سيضمن أمن قواعدها الجوية والبحرية الاستراتيجية.
وخلال مؤتمر دولي عقد في الدوحة، خلال عطلة نهاية الأسبوع، غضب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مما يجري في سوريا، وقال، "من غير المقبول السماح للجماعة الإرهابية بالسيطرة على سوريا". ومع ذلك، لم تفعل موسكو الكثير لمنع انهيار الأسد، وبدا أنها تغسل يديها من حكمه.
ويقول الخبير السياسي في معهد "تشاتام هاوس" كريستوفر فيليبس، "لقد هُزم حزب الله بسبب الحرب مع إسرائيل، وأصبحت إيران أضعف بكثير أيضاً نتيجة لذلك، بينما نقلت روسيا العديد من قواتها إلى أوكرانيا، ولم يتمكن أي من الحليفين من إرسال أي مستوى قريب من الدعم الذي تلقاه الأسد في الماضي، مما أدى إلى إضعاف قواته"،
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الأسد تركيا إسرائيل حزب الله سوريا إيران سقوط الأسد إيران سوريا حزب الله إسرائيل تركيا بشار الأسد سقوط الأسد فی سوریا
إقرأ أيضاً:
حكايات المندسين والفلول في سوريا
آخر تحديث: 13 مارس 2025 - 11:02 صبقلم : فاروق يوسف كنت في مطار دمشق حين سمعت إحدى موظفات السوق الحرة وهي تخبر زميلها أنها رأت عددا من المندسين أمس قرب بيتها. حدث ذلك في مارس 2011، بعد أسبوعين على قيام الحراك الاحتجاجي الشعبي وكان الخطاب الرسمي يركز على وجود مندسين خبثاء بين المحتجين الأبرياء في محاولة لتفسير لجوء السلطات إلى قمع التظاهرات بعنف مبالغ فيه. حتى بالنسبة للحكومة السورية فإن وجود أولئك المندسين كان شبحيا بحيث لم تتمكن وسائل الإعلام من عرض صورة لأحدهم. غير أن ذلك لم يمنع موظفة المطار من القول إنها رأت عددا منهم. وفي ذلك ما يؤكد استعداد الكثيرين لكي يكونوا مادة طيعة لنشر الأكاذيب. ذهب نظام بشار الأسد واختفى المندسون قبله بعد أن تبين أن الجزء الأكبر من الشعب كان مندسا. وكما يبدو فإن مرحلة ما بعد الأسد لم يتم الإعداد لها جيدا لينأى النظام الجديد بنفسه بعيدا عن الحاجة إلى الكذب. فحين وقعت مجازر في مدن الساحل التي تسكنها غالبية علوية صارت وسائل الإعلام الموالية للتغيير في سوريا تتحدث عن معارك تجري ما بين قوات النظام وبين فلول النظام السابق. على الطرفين هناك شيء غامض. فقوات النظام لا يُقصد بها جيش الدولة بالتأكيد، بل هي الفصائل والجماعات المسلحة التي غزت دمشق بعد أن تم ترحيل بشار الأسد من قصر الحكم. أما فلول النظام السابق فقد كشفت الصور عن آلاف العوائل وهي في حالة هلع وذعر وانهيار بعد أن رأت الموت وهو ينقض على حياة المئات من النساء والأطفال والشيوخ. ومثلما حدث مع حكاية المندسين شكك السوريون بحكاية الفلول. لقد انتشرت عشرات الأفلام المصورة بالهواتف لمقاتلي النظام الجديد وهم يرددون شعارات طائفية ويسخرون من ذعر الأطفال وهلع النساء وخوف الشيوخ. غير أن تأكيد أحمد الشرع على أن ما يجري في مدن الساحل كان متوقعا إنما يؤكد على أن كل شيء كان قد جرى التخطيط له وأن ما يجري لم يكن مجرد رد فعل وأن المسلحين الذين قيل إنهم قاوموا في مدن الساحل لم يقوموا إذا كان ذلك صحيحا إلا بالدفاع عن أنفسهم وعوائلهم ومدنهم. وليس صحيحا ما تم تداوله في وسائل الإعلام من أن هناك تمردا يتم إخماده. باعتباري عراقيا يمكنني أن أقول إنه الفيلم نفسه. لقد جرى تصوير النسخة الأولى منه في العراق وها هي النسخة الثانية يتم تصويرها في سوريا. كانت الميليشيات الشيعية الموالية لإيران تقوم بالتطهير الطائفي في المدن ذات الغالبية السنية تحت شعار القضاء على فلول النظام السابق. وكانت الفلوجة ضحية مزدوجة لقوات الاحتلال والميليشيات الإيرانية. كل قتيل إما أن يكون بعثيا أو قاعديا بغض النظر عما إذا كان طفلا أو شيخا أو امرأة. لقد جرى القتل في العراق علنا في ظل صمت عالمي. وهو الصمت نفسه الذي يواجه به العالم عمليات القتل في سوريا. كلمة السر في ذلك هي أميركا. فما دام مشروع التغيير في سوريا قد تم تبنيه أميركيا فإن كل شيء يحدث هناك لن يجرؤ أحد على الاعتراض عليه أو حتى الإشارة إليه من طرف خفي. كان نظام الأسد يكذب في حديثه عن المندسين بطريقة ساذجة. أما الحديث عن الفلول فهو كذبة فيها الكثير من الابتذال القاسي. ذلك لأنها شعار ينطوي على محاولة تمرير ما تم ارتكابه من مجازر سُميت في سياق الكذبة نفسها معارك. أما الطرف الأضعف الذي حاول أن يدافع عن نفسه فسيوضع في قائمة أعداء التغيير المطالبين بعودة الأسد. غطاء أبله لجريمة كانت متوقعة حسب الرئيس الشرع. أما كان في إمكان الدولة السورية الجديدة أن تمنع وقوع تلك الجريمة؟ ولكن العلويين هم الفئة السورية الثانية التي يتم استهدافها بعد الدروز. فهل بدأت الحرب المتوقعة على الأقليات من غير الالتفات إلى أن سوريا هي بلد أقليات أصلا؟ تبسيط المسألة السورية ليس في صالح السوريين. سوريا بلد معقد. روحه متشظية بين جهات متباعدة ومختلفة. تاريخها يقوم على التعدد الديني والعرقي والطائفي. وليس من المستبعد أن تقود النظرة الأحادية المتشددة إلى تمزيق سوريا بدءا من تدمير روحها القائمة على التعدد. فإذا كان العلويون غير مسؤولين عما فعله نظام الأسدين فإن الانتقام منهم سيكون بمثابة إشارة إلى الطوائف والأعراق الأخرى لكي تنتظر مناسبة القصاص منها. في حالة من ذلك النوع ستكون سوريا دولة التطهير العنصري رقم واحد في عصرنا.