من سيملأ الفراغ السياسي في سوريا؟
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
الدولة في سوريا ستستمر فقوة المجتمع والحضارة والمدنية العميقة ووجود كادر بيروقراطي متعلم، كل ذلك سيمنح الدولة قابلية للاستمرار في ظل النظام الجديد، لكن من سيملأ الفراغ السياسي ويحدد وجهة النظام؟
سوريا ستتحول بكليتها نحو اعتماد صيغ غربية في الحل، وسيطل القرار ٢٢٥٤ من الأمم المتحدة بصيغة جديدة محسنة النظام البعثي خارجها تماما، دعوات التسامح اليوم لن تصمد طويلا مع الزمن لأنها تطرح كيوتوبيا معلقة بالسماء.
لا يمكن نفي وكالة الذين أسقطوا نظام بشار عن أنفسهم وعن قضيتهم، ولكن في أي سياق عام تبرز القضية وتحت أي مظلة تتحرك؟ الغرب موجود والكيان المحتل موجود وتركيا كذلك، ولا يمكن نفي حقيقة أن النظام القديم دافع عن بقائه من خلال الدعم الخارجي أيضا، ومع تغير ظروف إيران وروسيا وفي توقيت مضطرب يسقط النظام.
الغرب ووكلاؤه هم من سيملؤون الفراغ، سيشكلون نظام جديد لسوريا منقسمة على نفسها بقيادة نخبة سورية جديدة عاشت زمنا طويلا في الخارج، سيعملون من أجل تحويل سوريا لنموذج جديد، يشجع بعض السوريين على العودة فتحل مشاكل كثيرة لدى تركيا والغرب، لكن هل هي حقيقية واستراتيجية ومستمرة؟ من سيكسب؟ ومن سيخسر؟
الرابح الفعلي هو الغرب والكيان المحتل، لن يتجرأ أحد ويقول أن الشعب السوري هو الخاسر اليوم فستقدم صفقة من قبيل: استقرار هش برعاية القوى المهيمنة مع العمل المستمر لتغيير سياسات النظام الاقتصادية والاجتماعية مقابل الخضوع للقوى المهيمنة. هذه الصفقة لا يوجد في المدى القريب ما يمنع استمرارها ولكن طبيعة القوى المهيمنة غير منسجمة، ووكالة بعض الثوار عن أنفسهم وعن قضيتهم قد تطل مستقبلا وتدفعهم للمقاومة، وسيقمع من يرغب في مشروع خارج ما تسمح به الدول المهيمنة. أما حين تتعارض المصالح الخارجية هنا وهناك ستكون حلبة الصراع المباشر هي الداخل السوري نفسه، وبالوكالة وقتها وبالتالي لا استقرار.
ما أخشاه ويخشاه كثير من المتحفظين هو فرص وجود المشروع الوطني السوري المستقل ولو خارج خيال البعثيين ونظامهم القديم، التحفظ بروح متشائمة لا يعني غياب الأمل فالتاريخ يتحرك وتموت الأنظمة ووتخثر لكن القضايا الحقيقية لن تموت، وسيعرف التاريخ كيف يعيد بعثها من جديد، كما يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي فتلك سنن الله في الكون.
نحن السودانيون لن نستطيع منح السوريين الحكمة، وبشكل أكثر تواضعا وصدقا يجب أن نتعلم من تجربتهم، وخلاصتها هو أن الحفاظ على الدولة القائمة أمر مهم، وأن تقليل التدخل الخارجي على بلادنا أمر استراتيجي ومن كافة الأطراف، أن نجعل مدافعتنا دوما أخلاقية وذكية، وأن نحارب النخبة المستقوية بالخارج من عملاء الغرب ونواجه الظروف التي تصنعهم. وأن ننتبه لألاعيب الخارج ووسائل إعلامه، تأمل كيف نظر للثوار هناك في وقت من الأوقات كإرهابيين متشددين، ثم نظر لهم في سياق آخر كمعارضة وطنية. كذلك اليوم عندنا في السودان يتحدثون عن إسلاميين بتضخيم يطرحهم كمشكلة، والهدف عداء الدولة وجيشها الوطني وإعادة صياغتها بطريقتهم. الدرس هو أن نحافظ على ما نملك وأن نمد الجسور ونقلل حدة الصراع ولا نستثني أحدا إلا الخونة.
هشام الشواني
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
أمين عام الأعلى للشؤون الإسلامية: لا بد من التمييز بين ما نأخذه من حضارة الغرب
ألقى الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، كلمة وزارة الأوقاف، نيابة عن معالي الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف، وذلك خلال مشاركته في فعاليات مؤتمر: “التغريب في العلوم العربية والإسلامية – المظاهر – الأسباب – سبل المواجهة”، والذي تعقده كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر، برعاية من فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف.
ونقل الأمين العام تحيات وزير الأوقاف، وتقديره للقائمين على تنظيم المؤتمر، واستهل كلمته بقوله: إن بساط العلوم والمعارف تدور في فلكه البشرية بين سيرة ومسيرة، في أصلٍ يدندن بأوتاره حول التعارف واللقاء، بلا بينونة أو فراق، وسُنّة الله جرت بين خلقه دائرة بين هداية وتوفيق.
مؤكدًا أن الهيمنة البشرية قسمة أزلية لأنفسٍ غلبت عليها شقوتها، فاستحبّت العمى على الهدى، وقد خَلَت في تاريخ البشرية المثُلات، (وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا العَالِمُونَ).
وشدّد الدكتور بيومي على أن التلاقح المعرفي أمرٌ حتمه الاجتماع البشري، في عموميات جمعه، وطلبه الإنسان حسب مقتضياته وعقله، دون تذويب لهوية أو ذوبان لماهية، بل إن حقيقة الأمر وواقعه امتزاج معرفي يحفظ للإنسان كينونته، وللمجتمع خصوصيته، على بساط من التعارف يلتقيان، وبرزخٍ محددٍ لا يبغيان.
وبيَّن أن من وعى التاريخ في قلبه، فقد أضاف عمرًا إلى عمره، وأن من لم يعتبر بالناس اعتبر الناسُ به، ومن لم يتدبّر في العواقب أصبح من النادمين.
كما شدّد على أن التغريب -في إطار التنظير وواقعه المعرفي- تتخطف الأفئدة من حوله ما بين رفضٍ وقبولٍ، مؤكدًا أنه لا بد من تجاوز “الماهيات” في أبجديات صياغته، وقد كانت لنا من قبل تذكرة {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}.
وأضاف أن الغرب، في حضارته، لا يمكن أن يدور بين اكتمال وتمام وخلود، ومن ثم فلا بد من موضوعية في الأخذ والعطاء، وإيجابية في التميز والاختيار.
وأوضح أن أي أمة ألقت بماضيها وتخلّت لهي فاقدة لهويتها في حاضرها، متحوّلة إلى تشيئات مفعولة، لا فاعلة؛ وفرقٌ بين فاعلٍ يفاخر بإرثه وذاته في فتوة تطهّر البشرية من آثامها، قارِعًا سمعَ الزمانَ قائلًا: {هَاؤمُ اقْرُؤُوا كِتَابِيَهْ}.
وتبقى الحقيقة الدامغة في مسيرة التاريخ وأبجديات الحضارة: لا وجود لذوات مشوهة تاهت عن كينونتها في مسالك الزمان ودروبه، بتقليدٍ أعمى أسلمت فيه نفسها إلى غيرها، وتغريبٍ ارتضت بذاتها فيه الثرى وقد طاولت في مسيرة أيامها الثريا، وكأني بصوت الذات في تيهها وتحينها تقول:
لَمْ يَبْرَأِ الجَرْحُ، لَمْ تَهْدَأْ عَوَارِضُهُ
وَإِنْ غَدَتْ فِي خَرِيفِ العُمْرِ أَحْزَانَا
قَدَّمْتَ عُمْرَكَ لِلأَحْلَامِ قُرْبَانًا
فَهَلْ خَانَكَ الحُلْمُ؟ أَمْ أَنْتَ الَّذِي خَانَا؟
ثم أكد أن أمة فتية استعصت على الذوبان في ماضيها، قادرة على صناعة المعجزات في حاضرها، مستحقة للخلود في مستقبلها، في اقترانٍ وجودي بخلود كتابها، وهدي نبيها صلى الله عليه وسلم. وكأن انعكاسات الحفظ الإلهي قد ألقت بظلالها عليها، من أنوار قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، فلا خوف عليها، وقلبها النابض أرض الكنانة والمكانة.
فَلَا تَوَسُّطَ عِنْدَنَا، لَنَا الصَّدْرُ دُونَ العَالَمِينَ أَوِ القَبْرُ
تَهُونُ عَلَيْنَا فِي المَعَانِي نفوسُنا، ومن يخطب الحسناء لم يغلِه المهر
مختتمًا كلمته بهذه الكلمات المدوية: "هنا، ومن قلبِ الأصالة والحضارة، من الأزهر المعمور، جاءت نعلنها واضحة: لا تهجير ولا هجران؛ حقيقةٌ ارتضاها قائدنا، وآمنت بها قلوبنا، والأزهر بأبنائه من وراء وطنهم ناصر وظهير، يهتف في سمع الزمان:
دع المداد وسطر بالدم القاني وأسكت الفم واخطب بالفم الثاني
فم الحق في صدر العداة له من الفصاحة ما يزري بسحبان
يا أزهر الخير قدها اليوم عاصفة فإنما أنت من نور وقرآن
مؤكدًا على أن مواجهة التغريب تتطلب تضافر الجهود بين المؤسسات الدينية والعلمية والثقافية، وضرورة العمل على تعزيز الانتماء للغة العربية وتراثها، مع الانفتاح الواعي على العالم دون ذوبان أو تبعية.
وأهدى الدكتور سلامة داود رئيس جامعة الأزهر والدكتور رمضان حسان عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين درع كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين للأستاذ الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف تقديرًا لجهوده الدعوية، وتسلمه نيابة عنه الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية.