موقع 24:
2024-12-12@00:56:02 GMT

سقوط الأسد وليلة المصائر الدمشقية

تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT

سقوط الأسد وليلة المصائر الدمشقية

لا مبالغة في استخدام كلمةِ الزلزال لوصفِ تلك الليلة الدمشقية الطويلة. انهيارٌ أسرع ممَّا تمنَّاه الخصوم. تجمَّعتِ الأمطار فاندلعَ الطوفان. لا الجيش مستعدٌّ لمواجهة السيل. ولا إيران قادرة. ولا روسيا راغبة. و«حزب الله» منهكٌ. أدركَ سيدُ القصر أنَّ استعادةَ زمن تفاهم سليماني - بوتين مستحيلة. شعر بأنَّ ما كُتب قد كُتب.

هذا يحدث أحياناً. تتراكم أخطاءُ الحاكم فلا يبقَى إلا طريقُ المنفى ولا بدَّ من سلوكه. صعد إلى الطائرةِ وابتعد.
استيقظت سوريا ووجدت صعوبةً في التصديق. لم تجدِ الرَّجلَ الذي كانَ يُمسك منذ أربعة وعشرين عاماً بخيوطِ مصير البلادِ والعباد. الرَّجل الذي كانَ يعتقد أن وضعَه مختلفٌ عن الآخرين ومصيرَه مختلفٌ عن مصائرهم. لم يتوقع أن تتقدَّمَ دبابةٌ أميركية لاقتلاع تمثالِه على غرارِ ما فعلت في ساحة الفردوس البغدادية بتمثال صدام حسين. لم يساورْه القلقُ حين شاهدَ على الشَّاشة الليبيين يطاردون معمرَ القذافي ويطوون عمرَه وعهدَه. ولم يخطر ببالِه أنَّه قد يواجه المصيرَ الذي واجهه علي عبد الله صالح على أيدِي الحوثيين. ولم يتوقفْ طويلاً عند مشهد حسني مبارك يمثل أمامَ المحكمة. ولم يراودْه أبداً أنَّه سيواجه مصيراً مشابهاً لمصير زين العابدين بن علي حين سارعَ إلى طائرةٍ تعمل على خط المنفى هرباً من «ربيع الياسمين».
كانَ الأسد واثقاً في قرارةِ نفسه أنَّه قويٌّ ومختلفٌ وقادر على كبح العواصف خصوصاً بعدمَا نجحت طائراتُ بوتين وميليشياتُ سليماني في كبحِ إعصار «الربيع». كانَ الأسدُ يعتقد أنَّ والدَه أورثه نظاماً قادراً على مكافحةِ الحرائق واحتواءِ الزلازل.
كانتِ الزلازلُ كثيرةً في عهده الطويل. تعايش مع زلزالِ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 وأمرَ أجهزةَ الأمنِ بتعاونٍ محدودٍ مع الأميركيين. ولم يكن آنذاكَ إيرانيَّ الميول لكن الغزو الأميركي للعراق دفعَه إلى سلوكِ طريقِ طهران. خافَ أن يكونَ «البعثُ» السوري الهدفَ المقبلَ للحملة الأميركية بعد «البعث» العراقي. التقت مصلحةُ النظامين السوري والإيراني على العملِ لزعزعةِ استقرار «التركيبة الأميركية» في العراق. فتحت سوريا وبتشجيعٍ من قاسم سليماني حدودَها أمام «المجاهدين» الراغبين في مقاومة الاحتلال الأميركي هناك.
سيجيء الزلزالُ الثاني من بيروت. في 14 فبراير (شباط) 2005 تطايرَ جسدُ رفيق الحريري في العاصمة اللبنانية. أرغمَ الغضبُ اللبنانيُّ العارمُ الأسدَ على سحب قواتِه من لبنان. سادَ في أوساط سورية أنَّ البلادَ التي وسّعها حافظ الأسد انحسرت في عهدِ نجله.
وفي 2006 خافَ «حزب الله» أن تؤديَ «حركة 14 آذار» اللبنانية إلى تغييرٍ في موقع لبنانَ الإقليمي فذهبَ إلى حربٍ مع إسرائيل وساهمَ في كسر عزلةِ دمشق.
في بداياتِ العقد الماضي هبَّت رياحُ «الربيع». اعتقد الأسدُ، كما اعتقدَ كثيرون انطلاقاً من تجربة ميخائيل غورباتشوف، أنَّ فتحَ النافذةِ لن يؤديَ إلَّا إلى دخول العاصفة. قمع الاحتجاجات وذهبَ بعيداً وأسرف. مئاتُ آلاف القتلى وملايينُ المهجرين وبراميلُ وأسلحة كيماوية. اقتربتِ المعارضةُ من قصرِه لكنَّ تفاهمَ بوتين - سليماني ساعده في ردع الزلزال.
أطلَّ الأسدُ على المسرح السوري في عام 2000 بعد ستةِ أشهر من إطلالةِ رجل اسمه فلاديمير بوتين على المسرح الروسي والدولي، وقبل عامين من إطلالةِ رجب طيب إردوغان. وإذا أضفنا إلى بوتين وإردوغان اسم المرشد علي خامنئي، نعرف الرجالَ الذين تركوا بصماتهم على مصير الأسد.
لم يتردد بوتين ذاتَ يومٍ في انتقادِ أخطاء الأسد أمام وفدٍ عراقي زائرٍ شارك في الشَّكوى من الرئيس السوري. لكنَّ حساباتِه ستختلف حين قرَّرَ تتويج استعادة القرم بالمرابطة على ضفاف المتوسط، فكانَ التَّدخلُ العسكري الجوي الذي واكبته ميليشيات سليماني المتعددةُ الجنسيات.
علاقةُ الأسدِ مع إردوغان كانت غريبة، فقد طالَ الغرام ثم طال الانتقام. اتَّكأ الأسدُ على الوسادة الإيرانية المضمونةِ بتشجيعٍ دائم من حسن نصر الله. صار «حزب الله» أقوى من الجيشِ السوري في سوريا فتعمَّقت حساسياتُ التركيبةِ السورية. لم تبخل إيرانُ على نظامِ الأسد بالدعم فسوريا ممرٌّ إلزامي في الطريق الذي يربط طهران ببيروت وهي طريق «الممانعة» والصواريخ.
حين أطلقَ يحيى السنوار «طوفان الأقصى» وتلاه نصرُ الله في إعلان «جبهة الإسناد»، حاول الأسدُ إبعادَ كأس وحدة الساحات عن شفتيه. دخلَ اللعبةَ الكبرى محاربٌ عدوانيٌّ شرسٌ اسمُه بنيامين نتنياهو سيترك بصماتِه أيضاً على مصيرِ الأسد. دمَّر نتنياهو غزةَ فوق رؤوس أهاليها ثم انتقل، على توقيت الانتخابات الأميركية، لشطبِ قيادة «حزب الله» وتماسك عموده الفقري.
اختلَّتِ التوازنات. في إدلب كان معارضو الأسدِ يتحيَّنون الفرصة. لم يصدقوا يوماً قصةَ «خفض التصعيد». على «توقيت ترمب»، اختار إردوغان معاقبةَ الأسدِ الذي رفض مراراً عرضَ اللقاء. معاقبة الأسد وأكراد سوريا معه. أطلقَ أحمد الشَّرع المكنى «أبو محمد الجولاني» الشَّرارة. تجمَّعت الأمطارُ الكامنة وتقدَّم الطوفانُ إلى حلب ومنها إلى حماة وبعدها إلى دمشقَ وحمص. سليماني غائبٌ ومثلُه حسن نصر الله. المرشدُ لا يملك حلاً. وبوتين غارقٌ في بحيراتِ الدَّمِ الأوكرانية.
كانت ليلةُ المصائرِ الدمشقية سريعةً ومباغتة. غيّرت مصيرَ سوريا بتوازناتِها وملامحِها وموقعِها الإقليمي. غيّرتِ المشهدَ في المنطقة. قطعت طريقَ تصدير الثورةِ والصواريخ بين طهرانَ وبيروت. أعادتْ «حزبَ الله» من دوره الإقليمي إلى الإقامةِ تحت خيمة القرار 1701. ليلةٌ سوريةٌ واحدة هزَّت التوازناتِ في لبنان.
كانَ المشهدُ أمس مختلفاً. سوريا بلا الأسد. وبلا المستشارين الإيرانيين. وبلا «حزب الله». صعدَ بشارُ الأسد إلى الطائرة وابتعد. حقبةٌ كاملةٌ طُويت. تركَ السَّيدُ الرئيس سوريا والمنطقةَ أمام استحقاقاتِ «اليوم التالي» وتحدياتِه.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية سقوط الأسد عودة ترامب حزب الله

إقرأ أيضاً:

الكرملين: بوتين هو من اتخذ قرار منح اللجوء للأسد وعائلته.. وما حدث في سوريا فاجأ العالم

علقت الرئاسة الروسية «الكرملين» على الأوضاع الأخيرة التي شهدتها الأراضي السورية، وتوغل الميليشيات الإرهابية داخل البلاد، قائلة: «ما حدث في سوريا فاجأ العالم كله ونحن لسنا استثناء».

وقال دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئاسة الروسية «الكرملين»: «المرحلة المقبلة ستكون صعبة في سوريا، بسبب عدم الاستقرار، لذلك من الضروري الحفاظ على الحوار مع القوى الإقليمية كافة بشأن الأوضاع الأخيرة في دمشق».

وأضاف: «الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو من اتخذ قرار منح اللجوء لبشار الأسد وعائلته»، مؤكدًا أن روسيا تواصل تحليل ومراقبة الوضع عن كثب في سوريا، وتتخذ جميع الإجراءات والاحتياطيات الأمنية اللازمة.

وتابع: «من السابق لأوانه الحديث عن الحفاظ على قواعد روسية في حميميم وطرطوس»، معقبًا: «أما بالنسبة لما يتم تداوله على المواقع الإعلامية والإلكترونية بشأن لقاء بوتين مع الأسد بشكل رسمي ضمن جدول الأعمال فهذا غير صحيح».

واختتم المتحدث باسم الكرملين: أن «الغرض من صيغة اتفاقية أستانا (ضاع)، لكنها ستستمر في العمل كآلية لتبادل الآراء حول الأزمة السورية في الوقت الراهن».

الكرملين: روسيا مستعدة للترحيب بجميع جهود الوساطة في المفاوضات بشأن أوكرانيا

عاجل.. الكرملين يعلن منح اللجوء لـ بشار الأسد وعائلته لدواع إنسانية

«الكرملين»: وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان «إيجابي» ويجب أن يكون متوافقا مع هذه الاتفاقات

مقالات مشابهة

  • ما الذي يجري في سوريا؟!
  • بلومبرغ: بوتين يطلب تحقيقاً في فشل المخابرات بشأن تهديد حكم الأسد
  • ما الذي يجب على الحكومة التركية فعله بشأن اللاجئين السوريين بعد سقوط الأسد؟
  • حزب الله العراقي يتحدث عن التفاهم مع سوريا بعد سقوط الأسد.. ماذا قال عن الجيش؟
  • تقرير غربي: هل تصبح جماعة الحوثي الوكيل التالي لإيراني الذي سيسقط بعد نظام الأسد؟ (ترجمة خاصة)
  • الكرملين: بوتين هو من اتخذ قرار منح اللجوء للأسد وعائلته.. وما حدث في سوريا فاجأ العالم
  • الكرملين متفاجئ من أحداث سوريا ويؤكد: بوتين اتخذ قرارا شخصياً بشأن الأسد
  • ليلة سقوط الأسد.. الساعات الأخيرة من حكم طبيب العيون الذي أرّق الشام
  • مصداقية بوتين على المحك بعد سقوط الأسد