يستعرض الدكتور مولود عويمر في كتابه الصادر بعنوان «المؤرّخون العرب والقضية الفلسطينيّة»، عن دار ومضة للنشر والتوزيع والترجمة بالجزائر، جهود عدد من المؤرّخين العرب التي قدّموها للتعريف بالقضيّة الفلسطينيّة، وتسليط الضوء على تاريخ فلسطين المعاصر.
ويقول مؤلّف الكتاب في مقدمة هذا العمل البحثيّ «عادت القضيّة الفلسطينيّة إلى الواجهة بعد سنوات من النسيان والتيه، لقد صارت بعد أحداث 7 أكتوبر 2023، الموضوع الأوّل والأخير لوسائل الإعلام المحلية والدولية، وأصبح حديث الناس في العالم عن سياسة التطهير العرقي والإبادة الجماعيّة التي يمارسُها الكيان الصهيوني، يوميًّا، على الفلسطينيّين في غزة في رابعة النهار، وفي ظلمات اللّيل».
ويضيفُ المؤلّف «يُسلّط هذا الكتابُ الضوء على تاريخ فلسطين المعاصر كما كتبه المؤرّخون الفلسطينيُّون والمؤرّخون العرب، ولا شكّ أنّه سيساعد كلّ من يهتمُّ بالقضيّة الفلسطينيّة على فهم منطلقاتها المتعدّدة، وأبعادها المختلفة، سواء على المستوى الفلسطيني، أو على مستوى امتداداتها الإقليميّة والدولية».
ويشتمل الكتاب على فصلين؛ أوّلهُما بعنوان «المؤرّخون الفلسطينيُّون والمسألة الفلسطينيّة»؛ وفيه تناول المؤلّفُ مسارات وأعمال عشرة مؤرّخين فلسطينيّين، رتّبهم بحسب تسلسل تاريخ ميلادهم، وهم محمد عزّة دروزة (1887/ 1984)، ود. عبداللّطيف الطيباوي (1910/ 1981)، ود. وليد الخالدي (1925)، ود. هشام شرابي (1927/ 2005)، ود. أنيس صايغ (1931/ 2009)، ود. خيرية قاسمية (1936/ 2014)، ود. أحمد صدقي الدجاني (1936/ 2003)، ود. سميح شبيب (1948/ 2019)، ود. ماهر الشريف (1950)، ود. بشير نافع (1952).
أمّا الفصل الثاني فجاء بعنوان «القضية الفلسطينيّة في كتابات المؤرّخين العرب»، وتناول المؤلّف فيه جهود مجموعة من المؤرّخين العرب الذين اشتغلوا على القضية الفلسطينيّة، كما شغلت بها كلُّ النخب العربيّة التي تضامنت معها بمختلف أشكال الإبداع، فناصرتها بالقلم والمال واللّسان.
ويؤكّد المؤلّف على أنّه اقتصر في الفصل الثاني على دراسة مؤرّخين من 8 دول عربية، على أن يعود في كتاب لاحق إلى جهود مؤرّخين آخرين، وهي الجزائر (ناصرالدين سعيدوني ويوسف مناصرية)، وتونس (عبد الهادي التيمومي)، وليبيا (علي عبدالله بعيو)، ومصر (عادل غنيم وصلاح العقاد)، وسوريا (أحمد طربين)، ولبنان (قسطنطين زريق وحسان حلاق)، والأردن (علي محافظة)، والعراق (وسام حسين عبدالرزاق).
كما اعتمد المؤلف على خطط منهجية للكتاب من أهمها تقديمُ نبذة مختصرة عن حياة كلّ مؤرّخ من هؤلاء المؤرّخين العرب عند بداية الحديث، بالإضافة إلى جملة تُعد خلاصة الجهد الذي قدّمه ذلك المؤرّخ في سبيل التعريف بالقضيّة الفلسطينيّة؛ إذ قدّم للمؤرّخ محمد عزة دروزة، على سبيل المثال، بفكرة (مؤرّخ في قلب معركة تحرير فلسطين)، والدكتور عبد اللطيف الطيباوي (حارس ذاكرة القدس)، والدكتور وليد الخالدي (حفرياتٌ في ذاكرة فلسطين وتاريخها)، وهكذا اجتهد الباحث في تقديم هؤلاء المؤرّخين ليُسهّل على القارئ العربي الوصول إلى لبّ الجهد الذي بذله كلّ مؤرّخ للتعريف بالقضية الفلسطينيّة.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
التهجير في زمن التهريج
إيهاب زكي
قد تبدو تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تهجير الغزيين إلى مصر والأردن فعلاً تهريجياً، ولكن المعضلة الكبرى هي أنّ هذا المهرج هو رئيس أكبر إمبراطورية في التاريخ، كما ترافق وجوده على رأس هذه الإدارة مع زمن التهريج، حيث كانت شعوب عربية تُذبح على البث المباشر، فيما يتلّهى الحاكمون العرب بسخافاتهم، وتتلّهى الشعوب باستهلاك تلك السخافات والتفاهات.
ينطلق ترامب بتهريجاته تلك من كونه رجل عقار أولًا، وشخصية استعراضية ثانيًا، وعلاقته الوطيدة بمجرم الحرب بنيامين نتنياهو ثالثًا، فهو يتعامل مع الأمر باعتباره نزاعاً عقارياً، وبالتالي فهو قابل للحلّ بأسهل الطرق، حيث المال مقابل الأرض، أو الفرصة مقابل الأرض، وهو يعتقد كذلك بأنّ الزعماء العرب ليسوا أكثر من موظفين لديه، خصوصًا أنّه خبِرهم في فترته الرئاسية الأولى.
كذلك فهو يرى أنّ سهولة توقيع اتفاقات “أبراهام”، تنسحب على مشروع التهجير سهولةً ويسرًا، كما يرتكز إلى تجربته بقرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، حين تم تحذيره من أنّ الأمر قد يفجر المنطقة برمّتها، ولكن بعد صمت دكّة غسل الموتى الذي مارسه العرب حكامًا ومحكومين، قال أرأيتم! لم يحدث شيء، فلماذا سيحدث الآن؟
وترامب لا يكتفي بالتهريج في منطقة الشرق الأوسط، بل يمارس التهريج أينما حلّ وارتحل. تصريحاته عن ضم كندا باعتبارها الولاية 51، والاستيلاء على قناة بنما وغرينلاند، هذا يعطينا قرينة على أنّ الرجل لا منطلقات أيديولوجية لديه، بل هي أفكارٌ مستوحاة من حياته الاستعراضية أولًا، ومن طبيعته التجارية ثانيًا.
ولكن، بما أننا نعيش زمن التهريج، فإنّ أفكاره تلك لن تكون حفلة مدفوعة الأجر تنتهي بانتهاء العرض، بل سيكون لها تداعيات خطرة على مستقبل المنطقة، لأنّ المستهدفين باستقبال الفلسطينيين، يعتبرهم ترامب أوهن من رفض أوامره أو حتى أمنياته بل وخيالاته، وكما ألمح للمعونات والحماية التي تقدمها لهم أمريكا حين قال “سيفعلون ذلك، فنحن نفعل الكثير من أجلهم”، وطبعًا، هذا الكثير قد يتوقف في حال رفضهم.
المهرجون العرب تسقط من لغتهم حروف الرفض، إن كان ترامب هو الآمر الناهي، وتتلعثم ألسنتهم بحرفي اللام والألف “لا”، حين يكون لسان ترامب من يخاطبهم، لذلك فإنّ الاعتماد على مواقف أولئك المهرجين في إفشال تصورات ترامب، هو رهانٌ خاسر وبلا معنى، إنّما الاعتماد فقط على المقاومة والتمسك بها كسبيلٍ وحيد لمجابهة المهرجين وزمنهم.
فالوزير مجرم الحرب سموتريتش، يقول “إنّ المعتدلين في الإقليم، يطلبون منّا في الاجتماعات المغلقة سحق حماس”، وهو يدفع باتجاه العودة لحرب الإبادة، لأنّ هذه هي الطريقة الوحيدة لسحق حماس، وبالتالي فهي الطريقة الوحيدة ليلبّي المهرجون العرب كل مطالب ترامب وأمنيات سموتريتش بإفراغ غزة من أهلها.
في ظلّ حرب الإبادة على مدار ستة عشر شهرًا، حاول الكيان العدو بكل ما أوتي من إجرامٍ وهمجية، تطبيق خطة التهجير، لكنه اصطدم بعدة وقائع قاسية وبعض الحقائق الصلبة، تتلخص جميعها في بندين، الأول هو صمود الشعب الفلسطيني وإصراره على البقاء في أرضه، أمّا الثاني فهو عدم قدرة العدو على سحق المقاومة، بل على العكس، فإنّ ما سُحق هو أهداف العدوان، وقدرة جيش العدو على تحقيقها.
وبالتالي طالما هناك من يمتشق بندقيته، ويتنقل من شارعٍ إلى زقاق، لا يستطيع المهرجون العرب إعلان انصياعهم لأوامر ترامب بالتهجير، لأنّه حينها سيكون تهجيرًا لمقاومين لا للاجئين، وبالتالي سيكونون بمثابة قنابل موقوتة، ستنفجر في وجوه الجميع، خصوصًا وجوه المستقبلين، وهذا سبب طلبهم من الكيان سحق حماس وفصائل المقاومة، حتى يستقبلوا لاجئين معذبين، في صورة عملٍ أخويّ إنقاذيّ إنساني، يستحقون عليه شكر الاستضافة والحماية والإجارة.
لا يجب أن نطمئنّ لمجرد أنّ هذا كلامٌ تهريجيّ، بل يجب إعادة تقييم قدرة المقاومة على الديمومة والبقاء، بل وتطوير القدرات التسليحية، كذلك إعادة الروح لمحور المقاومة الذي شكّل ولا يزال النواة الصلبة لمواجهة كل مشاريع التصفية، لأنّ المستهدف هو الجميع دون استثناء، بمن فيهم المهرجون.