عربي21:
2025-01-13@07:52:53 GMT

سقوط الأسد وليلة المصائر الدمشقية

تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT

لا مبالغة في استخدام كلمةِ الزلزال لوصفِ تلك الليلة الدمشقية الطويلة. انهيارٌ أسرع ممَّا تمنَّاه الخصوم. تجمَّعتِ الأمطار فاندلعَ الطوفان. لا الجيش مستعدٌّ لمواجهة السيل. ولا إيران قادرة. ولا روسيا راغبة. و«حزب الله» منهكٌ. أدركَ سيدُ القصر أنَّ استعادةَ زمن تفاهم سليماني - بوتين مستحيلة. شعر بأنَّ ما كُتب قد كُتب.

هذا يحدث أحياناً. تتراكم أخطاءُ الحاكم فلا يبقَى إلا طريقُ المنفى ولا بدَّ من سلوكه. صعد إلى الطائرةِ وابتعد.

استيقظت سوريا ووجدت صعوبةً في التصديق. لم تجدِ الرَّجلَ الذي كانَ يُمسك منذ أربعة وعشرين عاماً بخيوطِ مصير البلادِ والعباد. الرَّجل الذي كانَ يعتقد أن وضعَه مختلفٌ عن الآخرين ومصيرَه مختلفٌ عن مصائرهم. لم يتوقع أن تتقدَّمَ دبابةٌ أميركية لاقتلاع تمثالِه على غرارِ ما فعلت في ساحة الفردوس البغدادية بتمثال صدام حسين.

لم يساورْه القلقُ حين شاهدَ على الشَّاشة الليبيين يطاردون معمرَ القذافي ويطوون عمرَه وعهدَه. ولم يخطر ببالِه أنَّه قد يواجه المصيرَ الذي واجهه علي عبد الله صالح على أيدِي الحوثيين. ولم يتوقفْ طويلاً عند مشهد حسني مبارك يمثل أمامَ المحكمة. ولم يراودْه أبداً أنَّه سيواجه مصيراً مشابهاً لمصير زين العابدين بن علي حين سارعَ إلى طائرةٍ تعمل على خط المنفى هرباً من «ربيع الياسمين».

كانَ الأسد واثقاً في قرارةِ نفسه أنَّه قويٌّ ومختلفٌ وقادر على كبح العواصف خصوصاً بعدمَا نجحت طائراتُ بوتين وميليشياتُ سليماني في كبحِ إعصار «الربيع». كانَ الأسدُ يعتقد أنَّ والدَه أورثه نظاماً قادراً على مكافحةِ الحرائق واحتواءِ الزلازل.

كانتِ الزلازلُ كثيرةً في عهده الطويل. تعايش مع زلزالِ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 وأمرَ أجهزةَ الأمنِ بتعاونٍ محدودٍ مع الأميركيين. ولم يكن آنذاكَ إيرانيَّ الميول لكن الغزو الأميركي للعراق دفعَه إلى سلوكِ طريقِ طهران. خافَ أن يكونَ «البعثُ» السوري الهدفَ المقبلَ للحملة الأميركية بعد «البعث» العراقي.

التقت مصلحةُ النظامين السوري والإيراني على العملِ لزعزعةِ استقرار «التركيبة الأميركية» في العراق. فتحت سوريا وبتشجيعٍ من قاسم سليماني حدودَها أمام «المجاهدين» الراغبين في مقاومة الاحتلال الأميركي هناك.

سيجيء الزلزالُ الثاني من بيروت. في 14 فبراير (شباط) 2005 تطايرَ جسدُ رفيق الحريري في العاصمة اللبنانية. أرغمَ الغضبُ اللبنانيُّ العارمُ الأسدَ على سحب قواتِه من لبنان. سادَ في أوساط سورية أنَّ البلادَ التي وسّعها حافظ الأسد انحسرت في عهدِ نجله.

وفي 2006 خافَ «حزب الله» أن تؤديَ «حركة 14 آذار» اللبنانية إلى تغييرٍ في موقع لبنانَ الإقليمي فذهبَ إلى حربٍ مع إسرائيل وساهمَ في كسر عزلةِ دمشق.

في بداياتِ العقد الماضي هبَّت رياحُ «الربيع». اعتقد الأسدُ، كما اعتقدَ كثيرون انطلاقاً من تجربة ميخائيل غورباتشوف، أنَّ فتحَ النافذةِ لن يؤديَ إلَّا إلى دخول العاصفة. قمع الاحتجاجات وذهبَ بعيداً وأسرف. مئاتُ آلاف القتلى وملايينُ المهجرين وبراميلُ وأسلحة كيماوية. اقتربتِ المعارضةُ من قصرِه لكنَّ تفاهمَ بوتين - سليماني ساعده في ردع الزلزال.

أطلَّ الأسدُ على المسرح السوري في عام 2000 بعد ستةِ أشهر من إطلالةِ رجل اسمه فلاديمير بوتين على المسرح الروسي والدولي، وقبل عامين من إطلالةِ رجب طيب إردوغان. وإذا أضفنا إلى بوتين وإردوغان اسم المرشد علي خامنئي، نعرف الرجالَ الذين تركوا بصماتهم على مصير الأسد.

لم يتردد بوتين ذاتَ يومٍ في انتقادِ أخطاء الأسد أمام وفدٍ عراقي زائرٍ شارك في الشَّكوى من الرئيس السوري. لكنَّ حساباتِه ستختلف حين قرَّرَ تتويج استعادة القرم بالمرابطة على ضفاف المتوسط، فكانَ التَّدخلُ العسكري الجوي الذي واكبته ميليشيات سليماني المتعددةُ الجنسيات.

علاقةُ الأسدِ مع إردوغان كانت غريبة، فقد طالَ الغرام ثم طال الانتقام. اتَّكأ الأسدُ على الوسادة الإيرانية المضمونةِ بتشجيعٍ دائم من حسن نصر الله. صار «حزب الله» أقوى من الجيشِ السوري في سوريا فتعمَّقت حساسياتُ التركيبةِ السورية. لم تبخل إيرانُ على نظامِ الأسد بالدعم فسوريا ممرٌّ إلزامي في الطريق الذي يربط طهران ببيروت وهي طريق «الممانعة» والصواريخ.

حين أطلقَ يحيى السنوار «طوفان الأقصى» وتلاه نصرُ الله في إعلان «جبهة الإسناد»، حاول الأسدُ إبعادَ كأس وحدة الساحات عن شفتيه. دخلَ اللعبةَ الكبرى محاربٌ عدوانيٌّ شرسٌ اسمُه بنيامين نتنياهو سيترك بصماتِه أيضاً على مصيرِ الأسد. دمَّر نتنياهو غزةَ فوق رؤوس أهاليها ثم انتقل، على توقيت الانتخابات الأميركية، لشطبِ قيادة «حزب الله» وتماسك عموده الفقري.

اختلَّتِ التوازنات. في إدلب كان معارضو الأسدِ يتحيَّنون الفرصة. لم يصدقوا يوماً قصةَ «خفض التصعيد». على «توقيت ترمب»، اختار إردوغان معاقبةَ الأسدِ الذي رفض مراراً عرضَ اللقاء. معاقبة الأسد وأكراد سوريا معه. أطلقَ أحمد الشَّرع المكنى «أبو محمد الجولاني» الشَّرارة. تجمَّعت الأمطارُ الكامنة وتقدَّم الطوفانُ إلى حلب ومنها إلى حماة وبعدها إلى دمشقَ وحمص. سليماني غائبٌ ومثلُه حسن نصر الله. المرشدُ لا يملك حلاً. وبوتين غارقٌ في بحيراتِ الدَّمِ الأوكرانية.

كانت ليلةُ المصائرِ الدمشقية سريعةً ومباغتة. غيّرت مصيرَ سوريا بتوازناتِها وملامحِها وموقعِها الإقليمي. غيّرتِ المشهدَ في المنطقة. قطعت طريقَ تصدير الثورةِ والصواريخ بين طهرانَ وبيروت. أعادتْ «حزبَ الله» من دوره الإقليمي إلى الإقامةِ تحت خيمة القرار 1701. ليلةٌ سوريةٌ واحدة هزَّت التوازناتِ في لبنان.

كانَ المشهدُ أمس مختلفاً. سوريا بلا الأسد. وبلا المستشارين الإيرانيين. وبلا «حزب الله». صعدَ بشارُ الأسد إلى الطائرة وابتعد. حقبةٌ كاملةٌ طُويت. تركَ السَّيدُ الرئيس سوريا والمنطقةَ أمام استحقاقاتِ «اليوم التالي» وتحدياتِه.

الشرق الأوسط

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا الجولاني سوريا المعارضة الجولاني سقوط الاسد مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حزب الله

إقرأ أيضاً:

السنوار الذي أسقط الأسد.. كيف نفهم ما حدث؟

دعونا نتوقف لحظة.. لنترك الأفكار القديمة، والتصورات المسبقة، والتحيزات جانبًا، فلقد دخلنا مرحلة تتغير فيها الجيوسياسة في الشرق الأوسط والعالم.

وإذا لم نفهم هذا التغيير، فسنكون على الجانب الخطأ من التاريخ، وسنفوت فرصة التكيف مع هذه التغيرات.

دعوني أشرح لكم هذه الجيوسياسة المتغيرة.

الزخْم الذهبي

حدثت ثورة في سوريا، وفي 11 يومًا فقط سقط نظام البعث الذي دام 61 عامًا، وفي تلك الفترة، بدأ ما كان يُعتبر سابقًا “منظمة إرهابية” يظهر قدرة غير متوقعة على إدارة الأمور في دمشق، مما فاجأ الجميع.

كيف يمكن أن يحدث هذا؟

بعد زياراتي المتكررة إلى سوريا، كان هذا من أكثر الأسئلة التي طُرحت عليَّ بدهشة.

سبب هذه الدهشة يكمن في عدم الفهم الكامل للتغيرات الجيوسياسية التي حدثت، فلقد تغيرت الجيوسياسة.

لكن كيف حدث هذا التغيير بسرعة كبيرة؟

أسمي هذا التغيير “الزخْم الذهبي”، وهو يعني تقاطع عدة عوامل في وقت واحد محدثة دُوامة سريعة تغير كل شيء حولها.

بعبارة أكثر وضوحًا: تزامن تراجع قوة كل من روسيا، وإيران، وحزب الله، ونظام الأسد في الميدان، مع التغيرات السياسية في الولايات المتحدة، وزيادة العدوانية الإسرائيلية، مما أدى إلى حدوث تحول جيوسياسي مفاجئ.

واستفادت المعارضة السورية من هذا الفراغ الذي نتج عن الزخم الذهبي، وملأت الفراغ بسرعة، مما غيّر مجرى التاريخ في 11 يومًا فقط.

غزة كمحفز للتغيير

لو قيل ليحيى السنوار أن عمليته ستؤدي إلى إسقاط نظام الأسد بدلًا من إسقاط حكومة نتنياهو، لما صدق ذلك على الأرجح. وليس السنوار فقط، بل لا أعتقد أنّ أحدًا كان سيصدق ذلك.

غير أن العملية الشهيرة التي وقعت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول قد أظهرت طاقة كامنة في المنطقة بطريقة قوية للغاية، وكان تأثير الزلزال الذي أعقبها سببًا في سقوط النظام في سوريا، وتغير التحالفات في المنطقة فجأة، مما أدى إلى ظهور مشهد جديد كليًا.

وكأنما حدث انفجار في لحظة ما، تراجعت الدول التي دعمت إيران، وروسيا، وحزب الله، ونظام الأسد بشكل سريع وغير متوقع، ليحدث تغير جذري في الوضع.

تركيا، التي كانت تواجه تحديات مع حكومة دمشق لمدة 50 عامًا، أبرمت تحالفًا قويًا مع الإدارة الجديدة. كما اقتربت السعودية، والإمارات، من تركيا، وبدأتا في بناء علاقات قوية مع حكومة دمشق.

اقرأ أيضا

تحذيرات من زلزال مدمر يضرب تركيا في أي لحظة: “لن يترك…

السبت 11 يناير 2025

وفجأة، جاء وفد من الحكومة اللبنانية إلى أنقرة، وأعلن عن بداية مرحلة جديدة، كما بدأ الاتحاد الأوروبي بإرسال وفود إلى دمشق بشكل متتابع، وبدأت الاتصالات مع الحكومة السورية الجديدة. وحتى دونالد ترامب قال إن تركيا هي الدولة الرئيسية في المرحلة الجديدة في سوريا.

مقالات مشابهة

  • وصول أول ناقلة غاز إلى سوريا بعد سقوط نظام الأسد (صور)
  • معاريف: سقوط الأسد وخسائر حزب الله يثيران غضب الإيرانيين من الأموال الضائعة
  • معاريف: سقوط الأسد وخسائر حزب الله يثير غضب الإيرانيين من الأموال الضائعة
  • بمشاركة العراق.. الرياض تحتضن أوسع اجتماع بشأن سوريا بعد سقوط الأسد‎
  • السعودية تستضيف اجتماعا وزاريا دوليا لمناقشة مستقبل سوريا بعد سقوط الأسد
  • أمل الحناوي: المواقف الغربية تجاه سوريا تشهد تغيرات لافتة بعد سقوط الأسد
  • ميقاتي يجري أول زيارة إلى سوريا منذ سقوط الأسد..وهذا ما بحثه مع الشرع
  • وثائق مسربة عن ثأر سليماني: إيران استخدمت موادا مشعة في ضربتها على قاعدة عين الأسد
  • السنوار الذي أسقط الأسد.. كيف نفهم ما حدث؟
  • رسالة مؤثرة من شابين سوريين عاشا في المملكة ويزوران سوريا لأول مرة .. فيديو