لبنان وسوريا: ما مصير العلاقات الاقتصادية؟
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
كتبت" الاخبار": في الساعات الماضية، برزت عشرات الأسئلة المتّصلة بطبيعة العلاقات الاقتصادية بين لبنان وسوريا. تاريخياً، كل التحوّلات التي أصابت سوريا، كان لها وقع كبير على لبنان، إذ إن مفاعيلها الاجتماعية والاقتصادية كانت واسعة وعميقة نظراً إلى الترابط العميق في الجغرافيا السياسية بين البلدين. أُطلق على هذه العلاقة «الطبيعية» الكثير من الأوصاف من بينها «دولة واحدة في شعبين»، «الامتداد الجغرافي الطبيعي»، «رئة لبنان»، «خط الإمداد».
المصالح التي ستُبنى على أساسها العلاقة المشتركة، وهو ما يثير هواجس أكثر عمقاً: هل ستبقى سوريا جغرافيا الضرورة؟ هل سيهيمن النظام الجديد بشكل مماثل للنظام المجرم؟
ينظر الاقتصاديون إلى سوريا باعتبارها المعبر البرّي الوحيد للبنان نحو العراق والأردن ودول الخليج. سوريا ليست سوقاً واسعة بالنسبة إلى لبنان، وذلك يعود إلى فوارق سعر العملتين، والهوية الاقتصادية لكل منهما. إثر الانفصال، اختارت سوريا أن تتحوّل إلى الاكتفاء الذاتي الذي يعتمد على الصناعة والزراعة لتغطية الحاجات المحلية، في مقابل تبنّي لبنان سياسات اقتصادية تعتمد على التجارة الخارجية والخدمات.
ورغم الكثير من الاتفاقات التي وقّعها البلدان، إلا أن التطبيق كان دائماً يسقط في أفخاخ الهيمنة السورية السياسية بالتقاطع مع التناقضات المحلية في لبنان. لكن لم يسبق أن توقّفت سوريا عن كونها معبراً برياً للبنان إلا بعدما بدأت قلاقلها الداخلية تزداد وتكبر وصولاً إلى إغلاق معبر نصيب قبل بضع سنوات.
وبنتيجة العقوبات واحتدام الحرب وقطع الطرق البرية، تضرّرت القطاعات الزراعية والصناعية والمنتجات اللبنانية بشدّة، وأدّى ذلك إلى تراجع في الإنتاج وخسارة في التجارة الدولية.
حتى الآن ليس واضحاً، ما هو مصير العلاقة بين لبنان وسوريا؟ هل سيواصل نظام الحكم الجديد العلاقة الاقتصادية نفسها، أم أن لديه أولويات مختلفة متصلة بسياسة المحاور؟ هل سينطلق من العلاقات التي سبق أن وقّعها البلدان في مجموعة واسعة من الاتفاقيات، أم أنه سينسفها ويبدأ في التفاوض على أسس مختلفة؟ هل سيتنكّر للجغرافيا السياسية التي تحكمها معاً أم تتغلّب مصالحه وأولوياته السياسية؟ هل سيبدأ لبنان بالنظر إلى سوريا باعتبارها شريكاً اقتصادياً مهماً، أم مجرّد معبر برّي ولوجستي؟ ثمة الكثير من الأسئلة في بلدين يشترك شعباهما بالهجرة الطوعية هرباً من الأزمات والحروب، وباندماج قاسٍ في مترتبات ما بعد الحروب الأهلية ونزعة السلطة... الكثير من الأسئلة هي رهن التطورات المقبلة.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الکثیر من
إقرأ أيضاً:
بعد سقوط نظام الأسد.. كيف تنعكس تطورات سوريا على الداخل اللبناني؟!
منذ اللحظة الأولى لإعلان سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، وفراره خارج البلاد، كان واضحًا التفاعل اللبناني الواسع مع الحدث الاستثنائيّ والتاريخيّ، الذي كاد "يتفوّق" في بعض جوانبه على التفاعل السوري مع الحدث، حتى إنّ بعض الأوساط "زايدت" على السوريين أنفسهم، وهو ما عكس في مكانٍ ما الانقسام الداخلي الذي استمرّ طويلاً حول مقاربة الشأن السوري، منذ اندلاع الاحتجاجات ضدّ النظام في العام 2011.
وكما تجلّى الانقسام على مدى السنوات الماضية، منذ العام 2011، حتى الأيام الأخيرة، بين فريقٍ اعتبر الدفاع عن النظام دفاعًا عن لبنان في وجه مؤامرة كانت تُحاك ضدّ البلدين والشعبين، وآخر تبنّى المعركة ضدّه حتى الرمق الأخير، ورفض أيّ شكل من أشكال المساومة، فقد ظهر مجدّدًا بعد سقوط النظام، بين فريقٍ اعتبر الأمر بمثابة "انتصار" للبنان كما هو لسوريا، وآخر اختار النظر إلى التطورات بريبة، والتحذير من خطورة "اليوم التالي".
وبين الفريقين، ثمّة علامات استفهام بالجملة تُطرَح حول تبعات سقوط النظام، وما يمكن أن يترتّب عليه من أحداث لا تزال مبهَمة وغامضة، على الساحة الداخلية اللبنانية، انطلاقًا من المقولة الشهيرة بأنّ لبنان ليس جزيرة معزولة، وبالتالي فهو لا بدّ أن يتأثّر بما يجري في المحيط، فكيف بالحريّ إذا كان في الجوار الأقرب، فكيف يمكن أن تنعكس التطورات السورية على الساحة الداخلية، وهل تكون التداعيات المحتملة إيجابية أم سلبية؟!
ملفان "عالقان وشائكان"
لا شكّ أنّ خبر سقوط نظام بشار الأسد في سوريا شكّل "صدمة" لكثيرين في الداخل اللبناني، وإن تفاوت تقييمها بين "إيجابية" أو "سلبية"، ليس فقط باعتبار أنّ الحدث جاء مفاجئًا بسرعة تطوراته الدراماتيكية، التي خرجت عن دائرة التوقعات، ولكن أيضًا لكونه في مكانٍ ما، شكّل "تصفية حسابات" مع تاريخ متأرجح شهدته العلاقة اللبنانية السورية على مرّ السنوات، سواء قبل أو بعد خروج الجيش السوري من لبنان في أعقاب "ثورة الأرز" في العام 2005.
لكن، أبعد من الانفعالات التي كان من البديهي أن يحدثها خبر سقوط النظام، والتي تختلط بين ما هو وجداني وما هو عاطفي، فإنّ الحديث عن الانعكاسات على الداخل اللبناني، لا بدّ أن تمرّ أولاً من خلال ملفين شائكين وعالقين، أولهما "تاريخيّ" تمتدّ جذوره إلى عقود طويلة، وهو المتمثّل بملف المفقودين والمغيّبين قسرًا، الذين لطالما نفى النظام وجودهم في سجونه، وهو الملف الذي يأمل اللبنانيون أن يُحسَم نهائيًا الآن، تمهيدًا لإقفاله جذريًا.
وإذا كان حسم هذا الملف ينتظر انتهاء عملية الكشف على السجون ودهاليزها، ولا سيما "السرية" منها، فإنّ ملفًا آخر ينتظر اللبنانيون "تحريكه" بعد التطورات الأخيرة، وهو المرتبط بأزمة النزوح التي نشأت بعد اندلاع "الثورة" عام 2011، التي سرعان ما تحوّلت إلى "حرب دموية"، وهي أزمة تفاقمت على مرّ السنوات السابقة، لكن يفترض أن تسلك طريق المعالجات، ولو أنّ هناك من يتريّث في ذلك بانتظار اتضاح صورة المرحلة الانتقالية.
انعكاسات على السياسة الداخلية؟
إلى هذين الملفين العالقين، واللذين لا بدّ أن يستحوذا على أولوية المتابعات في الأيام المقبلة، وهو ما بدأ يتبلور بصورة أو بأخرى على أكثر من مستوى، ثمّة علامات استفهام تُطرَح حول الانعكاسات المحتملة لما جرى على السياسة الداخلية، خصوصًا أنّ هناك من وظّفه في خانة "الخصومة" مع "حزب الله"، الذي لم يصدر أيّ تعليق رسمي على الأمر، فيما اكتفى أحد نواب بالحديث عن "تحوّل خطير"، وإن أكّد أنّه "لن يضعف" المقاومة.
في هذا السياق، ثمّة من يخشى أن تكون تبعات ما جرى سلبية على الداخل اللبناني، بغضّ النظر عن السيناريو الذي ستشهده الأحداث، وذلك من زاوية توظيف ما جرى على مستوى "تعميق الشرخ" بين المعسكرين الأساسيّين، وهو ما كان قد بدأ بشكل أو بآخر بعيد الحرب الإسرائيلية على لبنان، التي خرج منها "حزب الله" بإعلان "انتصار"، وهو ما رفضه الفريق الآخر، الذي بدأ يتعامل مع الحزب، باعتباره في "أضعف" أوقاته على الإطلاق.
وإلى الخشية من التبعات السياسية، جاء الدخول الإسرائيلي "المريب" على خطّ الأحداث في سوريا، ليعزّز الهواجس والمخاوف من تبعات، خصوصًا بعدما أضافت إسرائيل سوريا إلى "جبهاتها" المفتوحة، بذريعة "حماية حدودها"، في وقت يخشى كثيرون أن تكون بوارد استغلال الفوضى التي يمكن أن ترافق مثل هذه المرحلة، من أجل فرض أمر واقع جديد، خصوصًا مع الاستيلاء على المنطقة العازلة، واحتلال المزيد من الأراضي.
لا تزال "الضبابية" تحيط بشكل وآليات المرحلة الانتقالية التي ستشهدها سوريا في القادم من الأيام، وسط سيناريوهات متباينة، وربما متناقضة، تقلّل من غموضها الإدارة المعتمدة حتى الآن، والتي تغلّب منطق "المواطنة" على كلّ مخاوف التقسيم والطائفية وغير ذلك. وإذا كان من الطبيعي أن يتأثّر لبنان بكلّ هذه السيناريوهات، فإنّ الأهمّ بحسب ما يقول العارفون، يبقى في "تحصين" الساحة، عبر تكريس "الندية" في العلاقات، وعدم تكرار تجارب الماضي! المصدر: خاص "لبنان 24"