سقوط الأسد يستعجل انتخاب الرئيس وحزب اللهأمام تخليه عن خياراته
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
الانتقال السلمي للسلطة في سوريا بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد يضع لبنان أمام مرحلة سياسية جديدة، مع وقوفه على بُعد شهر من موعد انعقاد الجلسة النيابية، في التاسع من كانون الثاني المقبل، لانتخاب رئيس للجمهورية يعيد الانتظام للمؤسسات الدستورية وللعلاقات اللبنانية السورية، هذا في حال توافق النواب على رئيس لا يشكل تحدياً لأحد ويتمتع بالمواصفات التي حددتها اللجنة «الخماسية» التي مِن دونها لا يمكن إدراج اسم لبنان على لائحة الاهتمام الدولي، خصوصاً أن المجيء برئيس «كيفما كان» سيؤدي إلى إعادة إنتاج الأزمات التي يتخبط فيها.
وكتب محمد شقير في" الشرق الاوسط": فالانتقال السلمي للسلطة في سوريا يعني، من وجهة نظر مصادر سياسية بارزة، أن المنطقة تقف أمام مرحلة من التحوّل لن يكون لبنان بمنأى عنها، وسترتد تداعياتها عليه، بما يتطلب من القوى السياسية في البرلمان أن تُباشر، منذ الآن، الإعداد للانخراط فيها بانتخاب رئيس للجمهورية على قياس التحديات التي تستدعي منها مراجعة حساباتها بما يسمح للبنان بالانضمام للنظام العالمي الجديد.
وتدعو المصادر السياسية الكتل النيابية لأخذ العِبر من التحول الذي تقف على مشارفه المنطقة ويضعها أمام مسؤولياتها في إنتاج الخطاب السياسي لمواكبة مفاعيل الزلزال الذي حلَّ بالمنطقة بسقوط النظام السوري، وخروج محور الممانعة بقيادة إيران من المعادلة السياسية. وتقول المصادر، لـ«الشرق الأوسط»، إن المطلوب منها، وعلى رأسها «حزب الله»، بأن تتكيف على وجه السرعة مع الوضع المستجدّ في الإقليم، وهي تدرك، منذ الآن، أن المجتمع الدولي، وإن كان يُفضّل عدم التدخل في أسماء المرشحين للرئاسة، فإنه، في المقابل، لن يلتزم مسبقاً بدعم أي مرشح، مفضلاً أن يترك الحكم النهائي لاختبار مدى قدرته بالتعاون مع حكومة فاعلة لإخراج لبنان من التأزم، آخذاً بعين الاعتبار التزامه بتطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته؛ كونه يضع البلد تحت مجهر مراقبة دولية لا يمكنه التفلُّت من التزامه؛ لأنه الممر الإلزامي للبنان لتصويب علاقاته العربية والخارجية، بعد التصدع الذي أصابها وأدى إلى محاصرته.
وتلفت المصادر إلى أن تبادل «الفيتوات» المسبقة بين الكتل النيابية حول المرشحين للرئاسة يعني أن التوافق على رئيس لن يكون في متناول اليد، ما يطرح سؤالاً حول مصير جلسة الانتخاب، واحتمال تأجيلها بطلب من معظم الكتل النيابية؛ لأن رئيس المجلس النيابي يصر على انعقادها، ويمكن أن يتجاوب مع رغبتها إفساحاً للمجال أمام التوافق على رئيس «كامل الأوصاف» ولا يلقى اعتراضاً دولياً.
وتسأل المصادر نفسها: كيف سيتصرف «حزب الله»، وهل يصر على خياراته السياسية بعد سقوط نظام الأسد، وأين يقف الرئيس بري، وهل هناك ما يمنع الحزب من مراجعة حساباته والتدقيق فيها، خصوصاً أن سقوط نظام الأسد يعني أنه لم يعد هناك مكان لمحور الممانعة في المعادلة السياسية بالإقليم، وهذا يستدعي منه الانكفاء بملء إرادته للداخل ومدّ اليد لخصومه، بشرط أن يعاملوه بالمثل؛ لأن هناك ضرورة لاستيعابه واحتضانه، بدلاً من استضعافه و«محاكمته» على مواقفه، وهو يحضّر للَبْننة خياراته في ضوء إقراره بعدم صوابيتها؛ من إسناده لغزة، إلى قتاله دفاعاً عن الأسد.
وتؤكد أن «الحزب» دفع أثماناً غالية على المستويات كافة كان في غنى عنها لو أنه أحسن خياراته السياسية ولم ينخرط في الصراعات الدائرة بالإقليم، بدلاً من انخراطه في تحييد لبنان عن الحروب المشتعلة بالمنطقة ومبادرته إلى إسناد غزة بقرار غير مدروس أساء فيه التقدير لردّ فعل إسرائيل، واضطراره لوقوفه وراء الرئيس بري، وتسليمه بضرورة تطبيق القرار 1701 تحت إشراف هيئة رقابة دولية برئاسة الولايات المتحدة الأميركية.
لذا ترى المصادر أن انتقال لبنان إلى مرحلة جديدة يجب أن ينسحب على انتخاب الرئيس الذي يُفترض أن يتمتع بمواصفات «الخماسية» ويحظى بتأييد مسيحي وازن يُرضي الثنائي الشيعي ولا يتحدّاه، وهذا ما يفتح الباب أمام السؤال عن مدى صحة ما يتردد في الكواليس من أنه يضع «فيتو» على قائد الجيش العماد جوزيف عون، الذي يجمع الجميع، سواء أكانوا في المعارضة أم في الموالاة، على دور المؤسسة العسكرية في الحفاظ على السِّلم الأهلي، رغم أن الرئيس بري كان قد أعلن سابقاً أن انتخابه يتطلب تعديلاً للدستور، في حين أكد الحزب، على لسان نائب رئيس مجلسه السياسي محمود قماطي، عدم وضع «فيتو» على اسمه، فهل يتوصلان إلى قناعة بانتخابه بخلاف كل ما يُشاع
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
ما الذي سيفعله الرئيس الشرع لمواجهة إسرائيل؟
خطا الرئيس السوري أحمد الشرع ثلاث خطوات مُهمة نحو إعادة توحيد سوريا، ومواجهة مشاريع تقسيمها. الأولى، إفشال التمرد المُسلّح الذي قادته خلايا النظام المخلوع في مناطق الساحل بهدف إسقاط الدولة الجديدة وإشعال حرب أهلية. والثانية، إبرام اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لدمجها في الدولة الجديدة، والثالثة، الاتفاق مع أهالي ووجهاء محافظة السويداء الجنوبية على دمجها الكامل في مؤسسات الدولة.
مع ذلك، تبقى مُعضلة الجنوب السوري إشكالية ضاغطة على سوريا؛ بسبب التحركات التي بدأتها إسرائيل منذ الإطاحة بنظام الأسد واحتلالها أجزاء جديدة من الأراضي السورية ومحاولتها تأليب دروز الجنوب على إدارة الرئيس الشرع.
على الرغم من أن إسرائيل سعت في البداية إلى تسويق تحرّكاتها العدوانية في سوريا في إطار مواجهة مخاطر أمنية مزعومة تُهددها، فإن النهج الإسرائيلي أصبح بعد ذلك أكثر وضوحًا، خصوصًا بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 23 فبراير/ شباط الماضي عن نوايا إسرائيل الإستراتيجية في سوريا. وتتضمن هذه النوايا تحقيق أربعة أهداف متوسطة وبعيدة المدى.
أولًا، تكريس احتلال المنطقة العازلة في الجولان وقمة جبل الشيخ الإستراتيجية كأمر واقع من خلال ربط التواجد الإسرائيلي فيهما بالتهديدات المزعومة بعيدة المدى التي تواجه إسرائيل من سوريا، وليس القريبة المدى. وبالنظر إلى أن المناطق المُحتلة الجديدة ليست كبيرة من حيث الحجم، فإن إسرائيل قادرة على الاحتفاظ بها، إما بهدف ضمها لها بشكل نهائي، أو بهدف تعزيز موقفها في أي مفاوضات مستقبلية مُحتملة مع النظام الجديد في سوريا.
ثانيًا، محاولة إحداث شرخ كبير بين الدروز في جنوب سوريا والإدارة الجديدة كبوابة لتأسيس كيان درزي كمنطقة عازلة بينها وبين سوريا. ولا تقتصر وسائل إسرائيل بهذا الخصوص على تشجيع النزعة الانفصالية بين الدروز، وتقديم نفسها كحامٍ لهم، بل تشمل كذلك طرح مطلب تحويل جنوب سوريا إلى منطقة منزوعة السلاح وعدم انتشار الجيش السوري الجديد فيها، فضلًا عن اعتزام السماح للدروز بالعمل داخل إسرائيل.
ثالثًا، تدمير ما تبقى من الأصول العسكرية التي أصبحت ملكًا للدولة السورية بعد الإطاحة بنظام الأسد من أجل إضعاف القدرات العسكرية لهذه الدولة، وتقويض قدرتها على امتلاك عناصر القوة لبسط سيطرتها على كافة أراضيها وللتعامل مع التحديات الأمنية الداخلية التي تواجهها، خصوصًا مع الأطراف: (قسد، خلايا النظام في الساحل، والتشكيلات المسلحة في الجنوب). وتندرج هذه الإستراتيجية ضمن أهداف إسرائيل في تشجيع النزعات الانفصالية على الأطراف لإضعاف السلطة المركزية في دمشق.
رابعًا، تقويض قدرة تركيا على الاستفادة من التحول السوري لتعزيز دورها في سوريا، وفي المنافسة الجيوسياسية مع إسرائيل في الشرق الأوسط. ولهذه الغاية، تعمل إسرائيل على مسارات مُتعددة، ليس فقط محاولة إيجاد موطئ قدم لها بين الدروز في الجنوب، بل أيضًا شيطنة الإدارة السورية الجديدة للتأثير على القبول الدولي بها، والضغط على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لعدم الاعتراف بالرئيس الشرع، وإبقاء العقوبات على سوريا كسيف مُصلت عليها لتحقيق مصالح إسرائيل، والضغط كذلك على واشنطن لإقناعها بالحاجة إلى بقاء الوجود العسكري الروسي في سوريا كضرورة لمواجهة نفوذ تركيا.
حتى في الوقت الذي يبدو فيه تقسيم سوريا أو فَدْرلتها أو تحويل الجنوب إلى منطقة منزوعة السلاح (عدم وجود الجيش السوري فيها)، غير مُمكن وغير واقعي، فإنه من المرجح أن تحتفظ إسرائيل باحتلال المنطقة العازلة وقمة جبل الشيخ الإستراتيجية لفترة طويلة.
كما ستسعى لاستثمار الفترة الطويلة التي ستستغرقها عملية بناء الدولة الجديدة ومؤسساتها العسكرية والأمنية من أجل مواصلة شن ضربات على امتداد الأراضي السورية؛ بذريعة مواجهة تهديدات مُحتملة، أو خطر وقوع مثل هذه الأسلحة في أيدي جماعات تُشكل تهديدًا لإسرائيل.
إن هذا النهج الإسرائيلي المُحتمل ينطوي على مخاطر كبيرة على سوريا وإدارتها الجديدة، لأنه سيُقوض من قدرتها على تحقيق استقرار داخلي كامل وبناء مؤسسة عسكرية قوية. ولا تبدو احتمالية الدخول في حرب مع إسرائيل واردة على الإطلاق على جدول أعمال الرئيس الشرع، خصوصًا في هذه المرحلة التي تفرض عليه تركيز أولوياته على إنجاح المرحلة الانتقالية، وإعادة بناء الدولة، وبناء علاقات جيدة مع الغرب من أجل رفع العقوبات المفروضة على سوريا وإطلاق عملية إعادة الإعمار.
لقد شدد الشرع في القمة العربية الطارئة، التي عُقدت في القاهرة، على ضرورة العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل لعام 1974، بما في ذلك انسحاب إسرائيل من الأراضي الجديدة التي احتلتها بعد سقوط نظام الأسد. ويعمل الشرع على ثلاثة سياقات لمواجهة التحدي الإسرائيلي.
التأكيد على التزامه باتفاقية فض الاشتباك لإظهار رغبته في تجنب أي صدام عسكري مع إسرائيل.
تقويض قدرة إسرائيل على استثمار الانقسامات الطائفية والمجتمعية والعرقية في سوريا من خلال السعي لدمج الحالات على الأطراف: (الشمال الشرقي، الساحل، الجنوب) في الدولة الجديدة.
تعزيز القبول الدولي به لإقناع القوى الفاعلة في المجتمعين: الإقليمي والدولي بالضغط على إسرائيل للحد من اندفاعتها في سوريا، والعودة إلى الوضع الذي كان قائمًا في الجنوب قبل سقوط نظام بشار الأسد.
علاوة على ذلك، يُحاول الشرع توسيع هامش المناورة لديه في مواجهة التحدي الإسرائيلي من خلال تعميق الشراكة الجديدة لسوريا مع تركيا.
على الرغم من وجود مشروع لاتفاقية دفاع مشترك بين تركيا وسوريا، فإن الشرع لا يزال متريثًا في الإقدام على هذه الخطوة لاعتبارات مُتعددة. لكنه في حال تصاعد خطر التحدي الإسرائيلي على استقرار سوريا ووحدتها، فإنه قد يلجأ إلى هذه الاتفاقية للحصول على دعم تركي في تسليح الجيش السوري الجديد، وتعزيز قدرته على مواجهة هذا التحدي.
والخلاصة أن التحدي الإسرائيلي يُوجد عقبات كبيرة أمام نجاح التحول في سوريا، لكنه يُوجد في المقابل فرصًا للشرع لبلورة إستراتيجية متكاملة للتعامل مع هذا التحدي، وتعزيز القبول الدولي به كضمان لمنع اندلاع حرب بين سوريا وإسرائيل في المستقبل.