عربي21:
2025-01-11@07:02:08 GMT

العالم من دون بشار الأسد

تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT

"مستحيل يا رجل نحن في منام".. بهذه الكلمات ردّ رجلٌ سوريٌّ سَبْعينيّ على إنبائي له بسقوط النظام السوري رسميا وذهابه إلى غيرِ رجعة، وبدموعه التي غلبت على صوته أثناء اتصالي به فجرا من غير ميعاد بات يُشكّك بالخبر، ويقول إن النظام عائدٌ غدا، فهذا النظام لا يزول يا أخي ولا أصدّق، ويستحيل أن تشرق علينا الشمس دونه.

. تركتُه برهة يلتقط أنفاسه ثم عاودت الاتصال به بعد ساعة، مازحته قائلا: هل سقط أم لم يسقط بعد؟! فقال لي أبدا أبدا لا أقتنع ولو رأيته على حبل المشنقة..

يا للهول!! ما الذي يدفع بهذا الرجل السبعيني إلى إنكار سقوط النظام إلى هذا الحد؟ وما الذي يوصله إلى هذا النوع من عدم القدرة على الإفلات؟ وكأن قيود الكون كلها تتزنر حول عنقه؟.. بالتأكيد أن السبب ليس القمع الذي عاينه أو الديكتاتورية.. أبدا.. فإني أكاد أجزم بأنّ كل الأنظمة في العالم تتمتع بعقلية استبدادية مماثلة لعقيلة النظام، ولكنْ كُلٌّ على هواه وطريقته الخاصة، وبالتالي يمكن القول إن قمع النظام السوري ليس بالأمر الجديد على الإطلاق، ولا أستبعد في هذا السياق أن يمارس الحُكّام الجدد لسورية قمعا من نوع آخر بعد أنْ يُمكّن لهم الحكم، لكنّ السبب الحقيقي لفرحة ذلك العجوز السوري يعود إلى أمرين اثنين: الأول منهما هو تجذّر النظام السوري وامتداده العميق في حياة الناس وبيوتهم وتفاصيلهم اليومية وتفكيرهم وجوارحهم الخمسة، وهذا ما ليس متوفرا في أنظمة القمع الأخرى.

وإنني لا أبالغ لو قلت إنّ الواحد منا لو عاد على سبيل المثال، إلى شريط الفيديو الخاص بزفافه قبل سنوات أو ربما قبل عقود من الزمن، فسوف يجد صورة الأسدين في حفل زفافه دون أدنى شك، وسوف يسمع مطرب السمر وهو يغني بملء صوته: "بالروح بالدم نفديك يا بشاااار.. بالعز بالمجد رح ترجعي يا دااار"، وسوف يجد أيضا عناصر الأمن العسكري يدبكون أو يجلسون على الكراسي. أمّا لو عاد إلى شريط ذكريات الدراسة مثلا، فسوف يجد كذلك تماثيل النظام ترافقه ذهابا وإيابا.. يدخل على نشيد "أبو حااافيظ قائدنا، يابو الجبين العالي، تسلم وتصون بلدنا، من غدرة الليالي"، ويغادر على أنغام: "للبعث يا طلائع.. للنصر يا طلائع"، وإذا ما أهداه شاعرٌ ديوانا خاصا فيجد البيت الشعري الأول:

زَيّنْتُ باسْمِكَ بحرَ الشعرِ والكُتُبا
يا حافظَ الشامِ يا جَدّا لنا وأبا

هذا التجذر في حياة المواطن هو الذي زرع في نفس ذلك العجوز ثقافة الفوبيا، لدرجة أنه لم يعد يصدق برحيل الأسد، لأن الأسد ونظامه كانا ملاصقين له في كل تفاصيل الحياة، وبالتالي فإن العيش من دونهما بالنسبة للعجوز يحتاج إلى اعتياد تدريجي، تماما كمن يريد أن يُقلع عن المخدرات، فإن أنجع علاج ينقذه هو الإقلاع التدريجي، إذ لا ينصح الأطباء بالإقلاع دفعة واحدة خوفا على حياة المدمن، وهذا ما أحاط بذلك الرجل الذي لم يصدق حتى الآن أن الأسد قد رحل.

أما النقطة الثانية فهي أن هذا العجوز، بعكسنا جميعا أو بعكس أغلبنا لو أردنا الإنصاف، لأنه عايشَ عهد الأسَدين وليس أسدا واحدا، ومن عايشَ عصر الأب سوف يترحم على عصر الابن، فوالدي رحمه الله كان يمشي في الشارع عام 2000 مع أحد أصدقائه، فباغتّهُ أنا بنبأ من العيار الثقيل، وكنت آنذاك في الصف العاشر، وقلت له: "يابا يابا.. حافظ الأسد مات"، فهرع والدي ورفيقه إلى منزلنا فورا وأغلقا الباب على العائلة وأصدرا أمرا بمنع الخروج، لدرجة أنني ظننت أن حافظ الأسد قُبض في منزلنا، أو نحن متورطون في مصرعه، وذلك حينما اصفرّت واحمرّت وجنتا والدي ورفيقه وأهل البيت، ثم علا صوت تلاوة القرآن من المسجد، ليهرع الناس إلى الطرقات يستطلعون النبأ العظيم وهو وفاة حافظ الأسد.

إنّ هاتين الخُصلتين هما من تُميّزان قمع النظام السوري عن قمع بقية الأنظمة، ولعل كل واحدٍ منا له قصةٌ أو اثنتان أو ثلاث، ولهذا تجد السوريين اليوم يقيمون الأفراح والليالي الملاح بسبب خلاصهم من هذا الكابوس، غير آبهين بمخاطر المرحلة المقبلة وتَبعاتها.

ورغم أن تساؤلات عديدة لم تجد إجابة مقنعة حتى اليوم بشأن انهيار الجيش بشكل سريع ومفاجئ، وسلسلة العمليات والاقتحامات السريعة للمعارضة السورية، تلك الفصائل التي عادت من جديد بصورة أخرى مختلفة شكلا ومضمونا عن الصورة المعهودة.. عادت بأفكار جديدة وعقلية واسعة غير ضيقة.. عادت بعد أن نسيها العالم وبعد أن تفككت وأصبحت تعمل تحت عدة رايات، ما أدى إلى انعدام ثقة الناس بها، وعدم التعويل عليها، وشطبها من دائرة الحسابات، إلّا أنها فاجأت نفسها قبل أي شيء آخر بهذا التقدم السريع وسرعة السيطرة على مناطق ومدن مهمة في البلاد، الأمر الذي طرح عدة تساؤلات، كما أن دخول الاحتلال الإسرائيلي على الخط عقّد المشهد أيضا وذلك من خلال تقدمه في القنيطرة لبضعة كيلومترات وعزمه الاستيلاء على جبل الشيخ، والمنطقة العازلة والتراجع عن اتفاق فصل القوات الموقع بينه وبين دمشق في أيار/ مايو 1974 والذي أنهى حرب تشرين.

مخاطر عديدة تحدق بالمشهد السوري، لكنّ أصحاب القضية لا يملكون الوقت الكافي للتحليل، أو ربما لم تسعفهم نشوة الانتصار في الالتفات إلى مثل هذه المحاذير في بلدٍ يقع ضمن منطقة مليئة بالتناقضات الإقليمية وتحالفات المصالح.

لا يمكن إنكار أخطاء المعارضة، وتحالفاتها السابقة، وتشرذمها إلى مجموعات متناحرة، ومراهنتها على الآخرين، وقتالها خارج الجغرافية السورية، إذ لم يبقَ لها مؤمن واحد، وبات مسؤولوها يُطردون عن الطرقات إذا ما تواجدوا بين تجمّعٍ مدنيّ للسوريين، لكنّ حجم الإنجاز ربما غفر لها ما قد سلف.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سقوط الأسدين سوريا الأسد سقوط الثورة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النظام السوری

إقرأ أيضاً:

إهداء من ميسي إلى حافظ الأسد يثير الغضب في سوريا .. فما القصة؟

سرايا - تداول نشطاء سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي صورا، تظهر قميصا موقعا من نجم منتخب الأرجنتين ليونيل ميسي، إلى حافظ الأسد نجل الرئيس السوري بشار الأسد.

وأرفق ميسي مع توقيعه على القميص عبارة "إلى حافظ الأسد مع كل المودة"، ما أثار موجة غضب في سوريا، وقد قال النشطاء إن القميص الذي يحمل توقيع نجم كرة القدم العالمي قد عثر عليه في أحد قصور الرئيس بشار الأسد في دمشق.

وفي أعقاب سقوط نظام الأسد ولجوئه إلى روسيا، دخل عدد من العناصر المسلحة وغيرهم من المدنيين السوريين إلى قصور الأسد الرئاسية في العاصمة دمشق، وقد عثروا خلال جولاتهم داخل قصور الرئيس السابق والذي حكم سوريا لأكثر من عقدين على عدد من المقتنيات الثمينة والهدايا الدبلوماسية، من بينها صورة موقعة من الملكة إيزابيث الثانية، ملكة بريطانيا الراحلة، وصناديق مرصعة بالذهب وجائزة من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، وصور شخصية ومقتنيات ثمينة وغيرها.





تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 354  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 10-01-2025 11:10 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
مسؤولة روسية بارزة تطعم الفيلة الفواكه! جريمة بشعة .. عذّب ابنته أكثر من 4 ساعات حتّى الموت! حاول إحراق مطعم .. فأشعل سرواله بالخطأ! موقف مُحرج لمذيعة أخبار .. إليكم ما قالته بعد انتخاب جوزاف عون أميركية تنفي انتقالها للعيش بكهف بالأردن بعد قصة حب ترجيح تطبيق الرسوم في ممر عمّان التنموي مطلع 2026 (أفقر رئيس في العالم) يرفض معالجته من مرض السرطان... 3 أحداث عربية "مزلزلة" هي الأبرز عالميًا... بالفيديو .. الفنان السوري مازن الناطور يشكر الأردن... عون يؤكد إصرار لبنان على انسحاب الاحتلال بالكامل من...انقطاع تدريجي للاتصالات في غزة بسبب نفاد الوقودإعلام عبري يكشف عن التوصل لاتفاق مبدئي بشأن صفقة تبادلمسجد باريس الكبير يعتمد دعاء لفرنسا بعد خطبة الجمعةأمريكا تحذر الإدارة الجديدة في سوريا3 نقاط تريدها إسرائيل داخل لبنان .. ما هي؟أردوغان: مزقنا الحزام الإرهابي المراد تشكيله شمال...سلطة وحكومة الجولاني في سوريا تفرض حذراً إقليمياُ...هزة أرضية تضرب السليمانية شمالي العراق بالفيديو .. الفنان السوري مازن الناطور يشكر الأردن... هؤلاء المشاهير تعرضت منازلهم للتدمير بسبب حرائق لوس... زينب فياض ابنة هيفاء وهبي تكشف جنسية خطيبها الخليجي إياد نصار يكشف مفاجآت عن علاقته بوالده وعكة صحية غيبته فكرمه الوزير بالمنزل .. محمد منير:... تعيين وسيم البزور مديرا فنيا لفريق شباب الأردن إعلان قائمة النشامى لمعسكر عمان والدوحة جدل وغشٌّ وفضيحة .. أزمة برشلونة تحرّك السياسة الإسبانية هل سيجمع إنتر ميامي ميسي بنيمار؟ قبل مواجهة إبيدجان .. كولر يعلن أول الراحلين عن صفوف الأهلي تحطم طائرة أثناء هبوطها واشتعال النيران بها قتلى وجرحى في انهيار مبنى في مصر مسؤولة روسيّة بارزة تُطعم الفيلة الفواكه! ضباب دخاني كثيف يسبب شللًا بحركة الطيران في دلهي حاول إحراق مطعم .. فأشعل سرواله بالخطأ! جريمة تهزّ دولة عربية .. هذا ما فعلته بزوجها لزواجه من أخرى مرسوم غريب في بلدة إيطالية: "المرض ممنوع" بيان رسمي يكشف حقيقة بيع المتحف المصري الكبير شقيقة مبتكر تشات جي بي تي تفجر فضيحة: اغتصبني لسنوات لسرقة طفلة .. ألماني وزوجته يعترفان بجريمتهما "البشعة"

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • إهداء من ميسي إلى حافظ الأسد يثير الغضب في سوريا .. فما القصة؟
  • هدية ميسي لحافظ الأسد تثير غضب السوريين  
  • إحداها لا تخطر على بال.. جرائم بشار الأسد قبل أن يصبح رئيساً
  • نجل رئيس وزراء سوري سابق يكشف جرائم بشار الأسد قبل توليه السلطة
  • وثائق تنشر للمرة الأولى تكشف مراقبة حافظ الأسد لنجله بشار خلال دراسته في بريطانيا
  • وثائق مخابراتية سرية تكشف موقف حافظ الأسد من زواج بشار وأسماء الأخرس
  • وزير الدفاع السوري: النظام البائد استعمل الجيش لأطماعه وقتل الشعب
  • "سهرة لندن".. وثائق تزعم دورا سريا لأسماء الأسد قبل الزواج
  • تفاصيل كاملة.. كيف نقل نظام بشار الأسد الأموال من دمشق لموسكو؟
  • مصير مسؤولي النظام السوري الهاربين إلى روسيا إقامة جبرية في مجمع خارج موسكو