موقع النيلين:
2024-12-12@00:26:52 GMT

الثورة السورية ومتطلبات العرب

تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT

الانكسار المفاجئ لرئيس سوريا بشار الأسد مساء 6 ديسمبر 2024م بعد أن جثم هو وأسرته على كرسي الحكم على مدى 54 عاما، ثلاثون منها هي فترة حكم والده الفريق أول حافظ الأسد، الذي قام بإنقلاب عام 1970م ثم استلم منه الحكم إبنه بشار عام 2000م.

للأسف انحدار سوريا السياسي والإداري على مستوى الدولة، بعد ليبيا واليمن، واستشراء مظاهر الفوضى المسلحة في غالب أرجائها منذ عام 2010م بما أفضى لتغيير نظام الحكم عبر المعارضة المسلحة، كضرورة قصوى، يؤكد صحة وموثوقية المثل العامي السوداني:
” الفشا غبينتو خرب مدينتو”.

. فها هي مدن الطغاة المنتقمين من معارضيهم السياسيين بلا رحمة، وحرصهم الأناني، واستفرادهم الفرعوني بالسلطة، من لدن القذافي وعلي صالح وحتى زين العابدين بن علي، الذي فر بجلده تاركا وراءه بلدا مهلهلا سياسيا ومتشاكسا مع مكوناته اجتماعيا يفتقر للمؤسسات البانية وحكم القانون.

حالة السودان في أبريل 2019م لم تكن مفاجئة ولا بدعا، فهي سنة السودانيين في فقه السياسة من لدن ثورتي أكتوبر 1964م وأبريل 1985م، اللتين أفضتا لحكومتين منتخبتين بسلاسة فائقة. بيد أن بدعة تقاسم العسكريين مع المدنيين غير المسبوقة في تاريخ السودان السياسي، والتدخل الأجنبي المباشر من سفارات الدول الأجنبية، هو ما أفضى بأهل السودان لما هم فيه من هم وامتعاض وغثيان.

ذلك لأن من ترك المجرب “حاقت به الندامة” كما يقول مثل أهل السودان الآخر.
أما على المستوى الدولي فإن ما حدث في سوريا هو اقتباس منهجي، وتطبيق حرفي، لما أحاط بالجنرال اليوغندي عيدي أمين دادا في عام 1979م، عندما انطلقت المعارضة المسلحة من تنزانيا المجاورة، بمشاركة وتواطؤ رئيسها جوليوس نايريري، الذي سلح وحمل المعارضة المسلحة على مركبات جيشه، يتقدمهما يواري موسوفيني وبول كاقامي فحكما يوغندا ورواندا على التوالي، وحتى يومنا هذا.

بيد أنه يتعين على المعارضة السورية، التي أصبحت اليوم صاحبة الأمر، ولاقت الترحيب من عموم الشعب السوري، باختلاف مكوناته الاجتماعية والثقافية، وبعد قرارات قيادات الجيش العربي السوري الوطنية والجريئة التي حقنت دماء شعبهم، عليهم أن يستفيدوا من دروس من سبقهم في هذا المضمار، من البعداء وأهل الجوار، والإعتبار بعواقبهم.

فعليهم أولا إعلان موعد لإجراء الانتخابات العامة وفي فترة لا تتجاوز العام الواحد، مهما كانت الأعذار، فإن التطاول مضر بإدارة الحكم، وتجربة السودان منذ أبريل 2019م هي خير برهان.

ثم يجدر بقادة الثورة عقد مؤتمرات شاملة للمصالحة الوطنية، والسعي بقدر ما يتيسر للعفو العام، وفتح صفحات نظيفة دون ضغائن ولا ثارات مع شعبهم، وإكرام من استذل بنزع الملك وبدلت أحوالهم، لأن تلكم هي سنة نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وهي عقيدة معظم السوريين.

فهو الذي عفا عن مقاتليه من طغاة مكة وجلاوذتها المشركين الذين ساموا المسلمين سوء العذاب؛ فقال لهم وهم يرسفون بين يديه في الأغلال خاشعين وأذلاء منكسرين:
“إذهبوا فأنتم الطلقاء”؛ فعرفوا بذلك اللقب الإنساني الحليم إلى يوم الناس هذا وفي تواريخ البلدان وسير الأعلام.

كذلك يجدر بقادة السلطة السورية الجديدة أن يشكلوا حكومة قومية تحفظ التمثيل النسبي لكل الفصائل المشاركة من مواطنيهم، وألا يستأثروا بالحكم كغنيمة باردة، ولا يتعاملوا بالانتقام، ولا الانتصار لحظوظ النفس الأمارة، بل عليهم أن يستنوا بسنة النبي يوسف بن يعقوب عليه السلام، الذي يرقد بجوارهم، فيقولوا لمن أساء اليهم: “لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم”. وإنما قص الله أمره للمسلمين في القرآن لأخذ العبرة فيما سن قبلنا من المقربين وأولياء الله الصالحين.

يجدر كذلك أن تحفظ حكومة الثورة السورية العهود والمواثيق الدولية المبرمة مع الجميع، وخاصة مع دول وازنة دوليا وإقليميا، كروسيا وإيران وتركيا، ووفق قاعدة المعاهدات الدولية ومبدأ: “فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم”..
كذلك يجدر التنسيق وتعزيز العلاقات مع دول الجوار الشقيقة وخاصة لبنان والأردن والعراق.

للأسف ظل دور الجامعة العربية خافتا وغائبا وأقل من المطلوب طيلة فترة النزاع، ومنذ صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254عام 2015م والذي دعا للمصالحة الوطنية وإجراء الانتخابات العامة واستيعاب المعارضين في الحكم، فرفضته حكومة الرئيس بشار، فوصفتهم بالإرهابيين والمفسدين المارقين، وركنت لقوة حليفتيها روسيا وإيران لقمع مواطنيها.

فضلا عما ذكر، يتعين على الجامعة العربية الإرتقاء لمستوى الحدث والراهن الماثل على الأرض، وعليها أن تتحرك بنبض الشعوب، فلا تكون مجرد مكتب للسكرتارية أو وكالة للعلاقات العامة والمراسمية، والاكتفاء بإصدار المذكرات، وكما يراها كثير من المراقبين الدبلوماسيين.

الشعوب العربية تحتاج للأفضل لتمضي بعزة وثقة في مسيرة العصر والتقدم، ولن يتأتى هذا إلا بتغيير شامل ومدرك للواقع، يستلهم روح العصر ويحس نبض الجماهير العربية، ويتفهم اشواقها وتمنياتها، وعبر تفعيل آليات قاصدة للإرتقاء بالحكم الراشد وفي كل الدول الأعضاء، وتوسيع الشراكة السياسة القاعدية، والشورى البرلمانية، وتعزيز آليات المساءلة القانونية وبسط العدل والنزاهة.

دكتور حسن عيسى الطالب

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

هكذا جعلت الثورة السورية الأبد أسبوعين

"أوَ فتح هو"؟

سأل عمر رسول الله عليه الصلاة والسلام في صلح الحديبية.

لا أعرف خصائص النصر الفاتنة، ولم أطلع على أوصافه وعلاماته في العلوم العسكرية، هو يعرف بالفطرة، لكننا نعرف الهزيمة جيدا، وقد ذقنا الذل والهوان مدة نصف قرن.. كان الإذلال زعتر خبزنا وزيت شرابنا وعسل دوائنا، كنا نتقوت به في المسلسلات والإعلانات التجارية والأناشيد، ومناهج المدرسة، ولم نكن نصدق أن يسقط الأسد، لأننا نشأنا على الشعارات التي تقول: الأسد إلى الأبد. ونذكر أنه حينما مات (الأب)، تأخرت وسائل الإعلام الرسمية في إعلان موته، إما لارتباكها في الخبر، وإما نقعا له في الماء حتى يلين، ويسهل بلعه.

لذلك فإن فتح الشام الثاني بعد فتح خالد بن الوليد بالسيف، وفتح أبي عبيدة بالكلمة، يشبههما من الوجهين؛ وجه السيف ووجه الكلمة، ويشبه فتح القسطنطينية أيضا، ووجه الشبه هو في بحار الدم التي أحاط بها بشار الأسد سوريا. وكان محمد الفاتح قد دفع سفنه إلى البر ودرجها على الجذوع المدهونة بالزيت من بشكتاش إلى القرن الذهبي مسافة ثلاثة أميال تجاوزا للسلاسل في البحر! وهي معجزة عسكرية.

 أمست دمشق منذ أربع وخمسين سنة عاصمة الروم، أو عاصمة الفرس إن شئت، أو عاصمتيهما كليهما، بل إن عبارات مثل: من دخل داره فاتركوه، ومن فرَّ فلا تدركوه، أقوال من آثار فتح مكة. يمكن القول إنَّ سوريا ضُربت بقنبلتين نوويتين هما الأسد الكبير، والأسد الصغير أو الحقير، الأسدان؛ الأسد الوحش، والأسد الأجيد (طويل الرقبة).

والآية في ذلك إن قصف سوريا بالأسدين يشبه القصف الذريّ الأمريكي على هيروشيما في نهاية الحرب العالمية الثانية في آب/ أغسطس 1945، وكان بسبب رفض تنفيذ إعلان مؤتمر بوتسدام باستسلام اليابان استسلاما كاملا بدون أي شروط، إلَّا أنَّ رئيس الوزراء الياباني سوزوكي أبى وتجاهل المهلة التي حدَّدها الإعلان. فأصدر الرئيس هاري ترومان أمره بإطلاق السلاح الذري، المسمى الولد الصغير، على مدينة هيروشيما (يوم الاثنين 27 شعبان عام 1364 هـ / الموافق 6 آب/ أغسطس 1945م)، ثمَّ تلاها بإطلاق قنبلة الرجل البدين على مدينة ناغازاكي في التاسع من شهر آب/ أغسطس.

قتلت القنابل ما ناف على 140 ألف شخص في هيروشيما، و80 ألفا في وناغازاكي بحلول نهاية سنة 1945. وإن أعداد المقتولين بالأسدين "الذريين" تقارب أعداد اليابانيين، فقد نافت على الخمسين ألفا في وقائع الثمانينات، وعجزت مراكز الإحصاء عن حصر أعداد المقتولين بقنبلة الأسد الصغير، فوقفوا عند المليون، لأن المليون نهاية الأعداد، ولم تكن العرب تعرف المليون، فكانت تقول ألف ألف.

أوَ فتح هو؟

لم نكن نأمل بنزع الأسد إلا أمل اليائس، فالرجل كان مشدود الملك، ومحروسا بعين أمريكا وفيتو روسيا والصين وأموال وكتائب إيران، ومساندة الأخوة الأعداء ملوك العرب، وقد سعوا إلى تعويمه، أي إعادة تأهيله، لكن الرجل كان قد وصل إلى حال "النيرفانا" السياسية ومقام الغوثية الصوفية. وكان قد حِفِظ النصيحة الذهبية القائلة؛ إن أي تغيير سيكون فيه سقوط ملكه، وكنا نحن السوريين نظن أنه خالد، وإنه بلا نقطة ضعف، وإن روحه قد وزعت في كل حجر في سوريا، وفي تماثيله، والحجر لا يقتل، لذلك كان الثوار حريصين على تحطيم تماثيله المنصوبة في كل الساحات، وتمزيق صوره التي قضى الثوار في إتلافها أكثر مما قضوا في فتح حصونه!

وقد قيل في أسباب انتصار الثورة الثانية عليه بعد أربع عشرة سنة من التهجير والألم، والألم خير معلم، إنها وهن قواته وجوع جنده، وفسادهم، ووهن روسيا وانشغالها بأوكرانيا، وتراجع إيران وحرصها على قنبلتها النووية (والتي لم ترد على آخر قصف إسرائيلي)، وأضيف إليها: دور الصدفة والغباء في تغيير مجرى التاريخ، وهو اسم كتاب من تأليف إريك دورتشميد. والمصادفة والغباء آيتان من آيات الله، ولله جنود السماوات والأرض.

لذلك كان فتح القسطنطينية الشامية سهلا، يشبه الانزلاق في مزلقان سباحة، كأن الأرض مدهونة بالزيت، ويشبه قتل ذبابة للنمرود، وإن النظام ذعر من جرائمه وانفضاض انصاره وحلفائه، بعد إدراكهم عدم قابليته للإصلاح، ومن أسبابها "طوفان الأقصى" التي أضعف حزب الله، أشد حلفاء النظام ولاء، وأوفاهم إخلاصا.

إنها معجزة، أن يسقط صاحب شعار الأسد أو لا أحد. لقد أسقطنا عظيما، خارقا له قوة ثلاثة وعشرين مليون سوري، وله خصائص موقعها وبركتها وثرواتها وسمائها وبحرها وبرها.

لقد عبرت سفينة الثورة الوهاد والأوعار ونزلت البحر، بعد أن دُهنت بالدم، وفرّ الأسد الخارق، تاركا صورا له عارية وعارا "إلى الأبد"، وآثارا أشد وأضرى من آثار القنبلتين على هيروشيما وناغازاكي.

لقد جعل الثوار السوريون الأبد أسبوعين، ويوم الأحد جمعة، وأنقذونا من القنبلة الثالثة: حافظ بشار الأسد، بطل الرياضيات والأوهام، في سباق الأربع وخمسين سنة حواجز.

x.com/OmarImaromar

مقالات مشابهة

  • خمسُ رسائل من ابن تيمية إثر انتصار الثورة السورية إلى كل أهل الحق
  • الخارجية الأمريكية: لم نقدم دعما لـ "هيئة تحرير الشام" للسيطرة على الحكم
  • أبرز اللاعبين بالساحة السورية منذ اندلاع الثورة عام 2011
  • ما الذي يكشفه انهيار النظام السوري عن المنطقة العربية؟
  • هكذا جعلت الثورة السورية الأبد أسبوعين
  • رفع علم الثورة السورية على مبنى السفارة السورية في موسكو
  • بلحاج لـ المعارضة السورية المسلحة: “لا تهادنوا في حق ولا تصافحوا خائناً.. وحدتكم سلاحكم
  • من الذي درّب المعارضة السورية عسكرياً؟
  • رفع علم الثورة السورية على مبنى السفارة السورية في موسكو / فيديو