الثورة السورية ومتطلبات العرب
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
الانكسار المفاجئ لرئيس سوريا بشار الأسد مساء 6 ديسمبر 2024م بعد أن جثم هو وأسرته على كرسي الحكم على مدى 54 عاما، ثلاثون منها هي فترة حكم والده الفريق أول حافظ الأسد، الذي قام بإنقلاب عام 1970م ثم استلم منه الحكم إبنه بشار عام 2000م.
للأسف انحدار سوريا السياسي والإداري على مستوى الدولة، بعد ليبيا واليمن، واستشراء مظاهر الفوضى المسلحة في غالب أرجائها منذ عام 2010م بما أفضى لتغيير نظام الحكم عبر المعارضة المسلحة، كضرورة قصوى، يؤكد صحة وموثوقية المثل العامي السوداني:
” الفشا غبينتو خرب مدينتو”.
حالة السودان في أبريل 2019م لم تكن مفاجئة ولا بدعا، فهي سنة السودانيين في فقه السياسة من لدن ثورتي أكتوبر 1964م وأبريل 1985م، اللتين أفضتا لحكومتين منتخبتين بسلاسة فائقة. بيد أن بدعة تقاسم العسكريين مع المدنيين غير المسبوقة في تاريخ السودان السياسي، والتدخل الأجنبي المباشر من سفارات الدول الأجنبية، هو ما أفضى بأهل السودان لما هم فيه من هم وامتعاض وغثيان.
ذلك لأن من ترك المجرب “حاقت به الندامة” كما يقول مثل أهل السودان الآخر.
أما على المستوى الدولي فإن ما حدث في سوريا هو اقتباس منهجي، وتطبيق حرفي، لما أحاط بالجنرال اليوغندي عيدي أمين دادا في عام 1979م، عندما انطلقت المعارضة المسلحة من تنزانيا المجاورة، بمشاركة وتواطؤ رئيسها جوليوس نايريري، الذي سلح وحمل المعارضة المسلحة على مركبات جيشه، يتقدمهما يواري موسوفيني وبول كاقامي فحكما يوغندا ورواندا على التوالي، وحتى يومنا هذا.
بيد أنه يتعين على المعارضة السورية، التي أصبحت اليوم صاحبة الأمر، ولاقت الترحيب من عموم الشعب السوري، باختلاف مكوناته الاجتماعية والثقافية، وبعد قرارات قيادات الجيش العربي السوري الوطنية والجريئة التي حقنت دماء شعبهم، عليهم أن يستفيدوا من دروس من سبقهم في هذا المضمار، من البعداء وأهل الجوار، والإعتبار بعواقبهم.
فعليهم أولا إعلان موعد لإجراء الانتخابات العامة وفي فترة لا تتجاوز العام الواحد، مهما كانت الأعذار، فإن التطاول مضر بإدارة الحكم، وتجربة السودان منذ أبريل 2019م هي خير برهان.
ثم يجدر بقادة الثورة عقد مؤتمرات شاملة للمصالحة الوطنية، والسعي بقدر ما يتيسر للعفو العام، وفتح صفحات نظيفة دون ضغائن ولا ثارات مع شعبهم، وإكرام من استذل بنزع الملك وبدلت أحوالهم، لأن تلكم هي سنة نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وهي عقيدة معظم السوريين.
فهو الذي عفا عن مقاتليه من طغاة مكة وجلاوذتها المشركين الذين ساموا المسلمين سوء العذاب؛ فقال لهم وهم يرسفون بين يديه في الأغلال خاشعين وأذلاء منكسرين:
“إذهبوا فأنتم الطلقاء”؛ فعرفوا بذلك اللقب الإنساني الحليم إلى يوم الناس هذا وفي تواريخ البلدان وسير الأعلام.
كذلك يجدر بقادة السلطة السورية الجديدة أن يشكلوا حكومة قومية تحفظ التمثيل النسبي لكل الفصائل المشاركة من مواطنيهم، وألا يستأثروا بالحكم كغنيمة باردة، ولا يتعاملوا بالانتقام، ولا الانتصار لحظوظ النفس الأمارة، بل عليهم أن يستنوا بسنة النبي يوسف بن يعقوب عليه السلام، الذي يرقد بجوارهم، فيقولوا لمن أساء اليهم: “لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم”. وإنما قص الله أمره للمسلمين في القرآن لأخذ العبرة فيما سن قبلنا من المقربين وأولياء الله الصالحين.
يجدر كذلك أن تحفظ حكومة الثورة السورية العهود والمواثيق الدولية المبرمة مع الجميع، وخاصة مع دول وازنة دوليا وإقليميا، كروسيا وإيران وتركيا، ووفق قاعدة المعاهدات الدولية ومبدأ: “فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم”..
كذلك يجدر التنسيق وتعزيز العلاقات مع دول الجوار الشقيقة وخاصة لبنان والأردن والعراق.
للأسف ظل دور الجامعة العربية خافتا وغائبا وأقل من المطلوب طيلة فترة النزاع، ومنذ صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254عام 2015م والذي دعا للمصالحة الوطنية وإجراء الانتخابات العامة واستيعاب المعارضين في الحكم، فرفضته حكومة الرئيس بشار، فوصفتهم بالإرهابيين والمفسدين المارقين، وركنت لقوة حليفتيها روسيا وإيران لقمع مواطنيها.
فضلا عما ذكر، يتعين على الجامعة العربية الإرتقاء لمستوى الحدث والراهن الماثل على الأرض، وعليها أن تتحرك بنبض الشعوب، فلا تكون مجرد مكتب للسكرتارية أو وكالة للعلاقات العامة والمراسمية، والاكتفاء بإصدار المذكرات، وكما يراها كثير من المراقبين الدبلوماسيين.
الشعوب العربية تحتاج للأفضل لتمضي بعزة وثقة في مسيرة العصر والتقدم، ولن يتأتى هذا إلا بتغيير شامل ومدرك للواقع، يستلهم روح العصر ويحس نبض الجماهير العربية، ويتفهم اشواقها وتمنياتها، وعبر تفعيل آليات قاصدة للإرتقاء بالحكم الراشد وفي كل الدول الأعضاء، وتوسيع الشراكة السياسة القاعدية، والشورى البرلمانية، وتعزيز آليات المساءلة القانونية وبسط العدل والنزاهة.
دكتور حسن عيسى الطالب
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
الإمارات تؤكد ضرورة استعجال وقف الحرب في السودان
أبوظبي، لاهاي (الاتحاد)
أخبار ذات صلةأكد معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، تميُّز أداء الدبلوماسية والفريق القانوني الإماراتي في محكمة العدل الدولية، بمواجهة اتهامات ملفقة وضعيفة، هدفها الاستعراض الإعلامي، في الدعوى المرفوعة من القوات المسلحة السودانية ضد دولة الإمارات.
وقال معالي الدكتور أنور قرقاش عبر منصة «إكس»: «أداء متميز للدبلوماسية والفريق القانوني الإماراتي في محكمة العدل الدولية في مواجهة اتهامات ملفقة وضعيفة هدفها الاستعراض الإعلامي».
وأضاف معاليه أن «الأهم أن تدرك حكومة الجيش السوداني أن الاستحقاق الحقيقي هو استقرار السودان، عبر استعجال وقف هذه الحرب ومسار سياسي يحفظ وحدة البلاد وأرواح مواطنيها».
وكانت محكمة العدل الدولية، بدأت أول أمس في لاهاي، أولى جلسات نظر الدعوى المرفوعة من القوات المسلحة السودانية ضد دولة الإمارات والتي تتهمها فيها دون أي أساس قانوني أو مستند واقعي بانتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية في ما يتعلق بالهجمات التي شنتها قوات الدعم السريع السودانية والفصائل المتحالفة معها ضد جماعة المساليت العرقية في غرب دارفور.
من جهتها، أكدت أميرة الحفيتي، سفيرة الإمارات لدى مملكة هولندا، أن دولة الإمارات ترفض تماماً تسييس العدالة وتسييس محكمة العدل الدولية، واستخدام القوات المسلحة السودانية المنصات القضائية والدولية في تحقيق مصالح ضيقة، موضحة أن الإمارات دولة ملتزمة كل الالتزام بالقانون الدولي وبمبادئه.
وأضافت الحفيتي في تصريحات خاصة لمركز «الاتحاد» للأخبار، في تعليق أولى جلسات محكمة العدل الدولية، التي بدأت أول أمس في لاهاي، لنظر الدعوى المرفوعة من القوات المسلحة السودانية ضد دولة الإمارات، أنه في ضوء التزام الإمارات بالقانون الدولي، فإنها تؤكد ضرورة المساءلة على الفظائع التي ارتكبها ويرتكبها الطرفان المتحاربان في السودان.
وأوضحت أن تغيير القوات المسلحة السودانية طلباتها أمام محكمة العدل الدولية في فترة وجيزة، يدل على ضعف موقفها تجاه القضية، ويثير تساؤلات بشأن الهدف منها.
وأشارت إلى أن الطلب بصيغته المعدلة يفتقر أيضاً إلى أي أساس قانوني أو واقعي، سواء في مضمونه أو ما يرافقه من مطالبة المحكمة باتخاذ تدابير مؤقتة.
وقالت إنه على الرغم من يقين الإمارات بأن ادعاءات القوات المسلحة السودانية مفبركة، وتفتقر إلى أي سند قانوني أو واقعي، إلا أن حضور وفد الإمارات للمرافعة أمام محكمة العدل الدولية، جاء فقط احتراماً لدور المحكمة، لأن هذه هي قيم الإمارات، دائماً ما تتعامل بمهنية ودبلوماسية في مثل هذه المسائل.
وأشارت إلى أنه من المتوقع خلال الفترة المقبلة أن تبت المحكمة في القضية، مع العلم بأن اختصاص المحكمة هو موضوع جوهري، وهو ما ركز عليه الفريق الإماراتي خلال الجلسة، إذ أوضح بشكل قاطع أن هناك تحفظاً من قبل دولة الإمارات عند انضمامها إلى اتفاقية الإبادة الجماعية عام 2005.
وذكرت أن الإمارات تقدمت خلال الجلسة بطلب رفض الدعوى المتعلقة باتخاذ تدابير مؤقتة، وكذلك بشطبها تماماً من سجلات المحكمة.
ونوهت سفيرة الدولة لدى هولندا بأن الإمارات تتضامن مع الشعب السوداني الشقيق، والذي يتجلى في جهودها الإنسانية، حيث قدمت للسودان أكثر من 3.5 مليار دولار خلال السنوات العشر الماضية، وما يربو على 600 مليون دولار منذ اندلاع الأزمة قبل نحو عامين.
وشددت على أن الإمارات ستواصل مساعيها وجهودها الإنسانية، مؤكدة أن الحل الوحيد لهذه الأزمة هو وقف إطلاق النار، وتسخير الوقت للحوار وإيجاد حل سلمي ينهي هذه الحرب العبثية، ويحقق للشعب السوداني الشقيق الاستقرار الذي يستحقه.
وأكد محللون أن الدعوى مفتقرة للدلائل والبراهين، وليست سوى محاولة واهية من قبل القوات المسلحة السودانية، أحد طرفي الصراع، لتشتيت الانتباه عن النزاع الكارثي الذي يدور في السودان ومسؤوليتها تجاهه، وما نتج عنه من مقتل عشرات آلاف الأشخاص، وتشريد الملايين من أبناء الشعب السوداني، وتسببه بمجاعة في أجزاء واسعة من البلاد.