نهيان بن مبارك: الإمارات نموذج عالمي لتمكين النساء والرجال
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
أبوظبي (الاتحاد)
نظم الاتحاد النسائي العام بالتعاون مع سفارة جمهورية ألمانيا الاتحادية لدى الدولة، الجلسة الحوارية «النساء يقدن الطريق نحو الاستدامة الطريق إلى مستقبل أكثر خضرة»، لتعزيز فهم أعمق لدور المرأة في تحقيق الاستدامة وأهمية دعم المساواة بين الجنسين في الجهود البيئية.
وأتاحت الجلسة للمشاركين التعرف على تجارب وحلول مبتكرة قدمتها النساء لدعم بعضهن، مما يسهم في توعية صانعي القرار والمختصين بضرورة تبني سياسات شاملة لتحقيق أهداف الاستدامة.
وافتتح الجلسة معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، والشيخة حصة بنت سلطان بن خليفة آل نهيان، وألكسندر شونفيلدر، سفير جمهورية ألمانيا الاتحادية لدى الدولة، وعدد من سفراء وممثلي البعثات الدبلوماسية بدولة الإمارات، ونخبة من القادة المعنيين بمجال الاستدامة والتغير المناخي والوزارات والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص وممثلي المنظمات الدولية.
وأكد معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، خلال الكلمة الافتتاحية، أن تنظيم الجلسة الحوارية «النساء يقدن الطريق نحو الاستدامة الطريق إلى مستقبل أكثر خضرة»، يعكس الإيمان العميق بأن المرأة هي قائدة في بناء مستقبل مستدام لعالمنا. وتابع معاليه: «من خلال مناقشاتكم، ستتعزز لديكم قيمة احترام الأفكار المتبادلة، وستشكل الروابط التي تبنونها مع زملائكم المشاركين رسالة ثقة كبيرة بقدرتكم الجماعية على إحداث تغيير إيجابي في هذا العالم».
وأضاف معاليه: «إن الحوار الدولي والوعي العالمي والإنجاز البشري تشكل جوهر تقدمنا الوطني في دولة الإمارات العربية المتحدة. ومع التعرف على دولة الإمارات العربية المتحدة، سترون دولة ملتزمة بدورها في تعزيز السلام والتعاون الإقليمي والعالمي. وسترون مجتمعاً يتمتع بأسس متينة، ملتزماً بالسعي السلمي لإيجاد حلول للمشاكل والتحديات التي تواجه البشرية. وسوف ترون أيضاً دولة تؤمن إيماناً قوياً بأن تمكين المرأة أمر حيوي لمستقبل كوكبنا، دولة تدرك الحاجة الماسة لضمان حقوق المرأة وفرصها وتعليمها بما يتوافق مع أعلى المعايير والتوقعات».
وبين معاليه: «إن أم الإمارات، سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، تستحق كل التقدير لجهودها في تمكين المرأة الإماراتية، وتعزيز التميز في جميع مساعيها. إن سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك تشكل قوة رئيسية للتنمية والتقدم في بلادنا. إن طاقتها ورؤيتها وحكمتها والتزامها بالتنمية الشاملة والمستدامة مكنتنا جميعاً من تقدير دور المرأة كقائدة في مجتمعنا. ويشرفني ويسعدني أن أعبر عن فخرنا بقيادتها النشطة والحكيمة، وكذلك فخرنا بدعمها لتمكين النساء في البلاد والمنطقة والعالم».
وأردف معاليه: «لقد نجح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، ببراعة، في إرساء وتنمية بيئة وطنية يمكن لشعب الإمارات، نساءً ورجالاً على حد سواء، أن ينجحوا فيها. وبفضل توجيهات سموه وقيادته، تحتاج بلادنا إلى المشاركة الفعالة من الجميع - كل امرأة وكل رجل. يجب أن تكون نساؤنا قادرات على تطوير وممارسة إمكاناتهن الكاملة».
وأوضح معاليه: «نحن في دولة الإمارات العربية المتحدة ندرك تمام الإدراك أن دعم المرأة في هذا المسعى المهم هو مسؤولية مشتركة تقع على عاتق كافة مؤسسات المجتمع، سواء في مجتمع الإمارات أو في المجتمعات الأخرى. وحلقة النقاش هذه تستجيب لهذه المسؤولية، ومشاركتكم فيها تؤكد دافعكم لاغتنام الفرصة وعزمكم على الريادة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع والعالم. وليس أي نوع من التنمية، بل التنمية المستدامة».
وأشار معاليه: «أتفق تماماً مع الوعود والآمال التي ينطوي عليها هذا النقاش الدولي - بأن طاقة النساء ومثاليتهن تشكلان قوتين مهمتين لتحويل عالمنا - وأن قدرات النساء وإصرارهن على المشاركة في تنمية المجتمع مصدر إلهام حقيقي - وأن الحوار والتعاون والنوايا الحسنة على المستوى الدولي يمثلون نهجاً فعالاً لمواجهة التحديات التي نواجهها في مجال التنمية المستدامة. كما أنني أتفق معكم أيضاً في أن تغير المناخ قد يكون أخطر مشكلة واجهتها البشرية حتى الآن. وأؤيد رأيكم بأن النساء سيساهمن في تعزيز الشعور بضرورة الإسراع في التعامل مع هذه المشكلة. لقد كانت النساء قوة إيجابية في بناء توافق مجتمعي حول أسباب تغير المناخ ومداه وسرعته، وما يتبعه من ظاهرة الاحتباس الحراري. وتؤدي النساء دوراً فعالاً في الدعوة إلى تحقيق توازن خلاق بين الحاجة إلى النمو الاقتصادي وتطلعات المجتمع من جهة، واحتياجات العالم الطبيعي من جهة أخرى. تنجح النساء في تطوير التعاون عبر الحدود وإقامة شراكات دولية توفر الأفكار والخبرات. وبطبيعة الحال، كانت النساء دائماً عوامل لتحقيق السلام والاستقرار في العالم. وهذا أمر بالغ الأهمية بشكل خاص، حيث تتسبب الحروب والصراعات في كوارث بيئية ذات أبعاد لا يمكن تصورها، وتعيق قدرتنا على مواجهة تغير المناخ».
واختتم معاليه: «أتقدم بالشكر إلى الاتحاد النسائي العام والسفارة الألمانية في أبوظبي على تنظيم حلقة النقاش هذه. وأتمنى لكم جميعاً كل التوفيق في دراسة وتعزيز الأدوار والمسؤوليات المهمة التي تقع على عاتق النساء في مجتمعاتنا. كما أشارككم قناعتكم بأن النساء هنّ الرائدات في مجال الاستدامة وبناء مستقبل أخضر. وسوف يتطلب تحقيق هذا المستقبل الشجاعة والمثابرة والذكاء والعمل الجاد. شكراً لكم على جهودكم في دفع النساء والرجال والمجتمع نحو تحقيق هذا الهدف المهم».
ومن جانبها، قالت نورة السويدي، الأمينة العامة للاتحاد النسائي العام، إن انعقاد هذه الجلسة الحوارية بالتعاون مع سفارة جمهورية ألمانيا الاتحادية ما هو إلا تأكيد على حرص الاتحاد النسائي العام على تبادل الخبرات والاستفادة من أفضل الممارسات بين البلدين لمواجهة أزمة عالمية تؤرق الجميع، ولنتشارك معاً من أجل غد مستدام عبر إطلاق العنان لإمكانات المرأة في الاستدامة في كلا البلدين. وتوجهت بخالص الشكر لكل من ساهم في تنظيم هذه الجلسة الحوارية من كلا البلدين، والشكر موصول إلى أصحاب الخبرة والاختصاص الذين سيثرون الجلسة بمداخلاتهم. كما أتقدم لكم جميعاً بالشكر والتقدير على حضوركم ومشاركتكم التي تعكس التزامنا المشترك نحو تحقيق التنمية المستدامة.
وأضافت: «تناولت جلستنا موضوع بالغ الأهمية ألا وهو دور المرأة في مواجهة تحديات التغير المناخي وتعزيز الاستدامة البيئية. إن الطرح المستمر لمسألة دور المرأة وإدماج المساواة بين الجنسين في الاستدامة يأتي تأكيداً على مكانتها كشريك استراتيجي في صياغة مستقبل مستدام، فتمكين المرأة سينعكس إيجاباً على مجتمعاتها وعلى العالم من خلال بناء مجتمعات أكثر قدرة على التكيف والابتكار».
وتابعت نورة السويدي: «على مدار 53 عاماً من تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، أثبتت المرأة الإماراتية قدرتها الفائقة على قيادة التغيير الإيجابي في مختلف المجالات. هذا النجاح لم يكن ليتحقق لولا الرؤية الحكيمة والتوجيهات السديدة للقيادة الرشيدة والجهود الدؤوبة لسمو الشيخة فاطمة بنت مبارك (أم الإمارات)، حفظها الله ورعاها، حيث عملت سموها على تعزيز تمكين المرأة وترسيخ مكانتها كشريك فعال في التنمية المستدامة، تلك الجهود التي أتت ثمارها في المناصب القيادية التي تتولاها المرأة الإماراتية اليوم ضمن الملفات ذات العلاقة بجهود دولة الإمارات العربية المتحدة للاستدامة البيئية ومواجهة تحديات التغير المناخي محلياً ودولياً».
وبينت السويدي: «بدورنا في الاتحاد النسائي العام، نستمد إلهامنا من الرؤية الثاقبة والتوجيهات الحكيمة لسمو الشيخة فاطمة بنت مبارك (أم الإمارات) حفظها الله ورعاها. فقد كان تمكين المرأة في المجال البيئي محوراً رئيسياً منذ تدشين النسخة الأولى للاستراتيجية الوطنية لتقدم المرأة عام 2002، وإلى وقتنا الحاضر ما زال الاتحاد النسائي العام يواصل إطلاق مبادرات مبتكرة لتعزيز جهود الدولة في إشراك المرأة للمساهمة بفاعلية في دعم الجهود الوطنية لترسيخ حماية البيئة والوصول لحلول مستدامة لصالح الأجيال القادمة، والذي ظهر جلياً مع إطلاق مبادرة التغيير المناخي والمساواة بين الجنسين، التي جاءت تحت رعاية كريمة من سموها. كما امتد نطاق جهودنا خارج حدود الوطن، عبر إطلاق مبادرة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك لتمكين المرأة الريفية في أفريقيا في مجال الزراعة، والتي تأتي في إطار شراكة استراتيجية دولية بين الاتحاد النسائي العام ووزارة الخارجية وأكاديمية محمد بن زايد للزراعة والبيئة وهيئة الأمم للمرأة وبدعم من هيئة الهلال الأحمر الإماراتي وتنفيذ شركة ايليت اجرو القابضة؛ بهدف الحد من الآثار المترتبة عن التغيير المناخي، وتمكين النساء والفتيات في مجال الزراعة وآلياتها الملائمة لمواجهة تحديات تغير المناخ، وتوفير عائد اقتصادي لهن وتعزيز الأمن الغذائي».
إشراك المرأة في جميع القطاعات
أشارت سيبيله بفاف، القنصل العام بالقنصلية العامة لجمهورية ألمانيا الاتحادية بدبي، أن النساء، وخاصةً في المجتمعات الضعيفة، يتأثرن بشكل غير متناسب بتغير المناخ. ومع ذلك، أكدت أيضاً أن النساء يتمتعن بإمكانات هائلة كقائدات في مجال الاستدامة، من خلال اتخاذ قرارات رئيسية في الأسر والمجتمعات التي تؤثر على الممارسات المستدامة.
وأشادت القنصل العام بجهود ألمانيا في العمل المناخي، وخاصة مبادراتها في مجال الطاقة المتجددة، وسلطت الضوء على الشراكة القوية بين جهورية ألمانيا الاتحادية ودولة الإمارات العربية المتحدة كنموذج للتعاون الدولي. وأكدت أهمية إشراك المرأة في جميع القطاعات لضمان حلول مناخية شاملة وعادلة، وذكرت نهج المساواة بين الجنسين في ألمانيا في سياسة المناخ كخطوة نحو تمكين المرأة من أجل مستقبل أكثر استدامة.
واختتمت بدعوة إلى العمل من أجل أن تقود المرأة بالقدوة في حياتها الشخصية والمهنية والمجتمعية، وإلهام الآخرين لتبني ممارسات مستدامة. وقد اعتُبر الحدث فرصة لتعزيز التعاون بين جمهورية ألمانيا الاتحادية ودولة الإمارات العربية المتحدة في مجال تغير المناخ.
تجربة أفضل الممارسات البيئية في جمهورية ألمانيا الاتحادية
تخللت الجلسة الافتتاحية التي أدارتها سعاد السركال، مدير إدارة الاتصالات المؤسسية دائرة التنمية الاقتصادية، استعراض تجربة أفضل الممارسات البيئية في جمهورية ألمانيا الاتحادية، قدمتها إستر داهمن، مؤسس «B Corp، التي أوضحت أن النساء في جمهورية ألمانيا الاتحادية تعتبر مهندسات لمستقبل أكثر استدامة، مما يثبت أنه عندما يتعلق الأمر بحماية كوكبنا، فإن النساء في المقدمة، واستعرضت خلال العرض نماذج نسائية رائدة في جمهورية ألمانيا الاتحادية كانت سباقة في إطلاق وقيادة مبادرات بيئية مستدامة وملهمة. ومن جانب آخر سلطت المهندسة فاطمة السويدي، مدير تطوير الأعمال والاستثمار بشركة مصدر الضوء على السياسات والاستراتيجيات للدولة، التي تؤكد ريادتها والتزامها بالاستدامة ومكانتها كقائدة في المنطقة، من بينها مبادرة الإمارات العربية المتحدة للصفر الصافي 2050، استراتيجية الطاقة 2050، المدن المستدامة، مثل: مدينة مصدر والمدينة المستدامة في دبي، والتي تدمج الطاقة المتجددة وإعادة تدوير المياه والحد من النفايات، كما استعرضت مشاريع الطاقة المتجددة وجهود الدولة في إدارة النفايات وإعادة التدوير والحد من استهلاك البلاستيك والحفاظ على المياه، وغيرها من المبادرات المؤسسية والمجتمعية.
دور المرأة في تشكيل مستقبل الاستدامة
تبع الجلسة الافتتاحية جلسة حوارية نقاشية أدارتها السيدة لطيفة المنصوري، اختصاصي التقييم البيئي ورئيس مجلس شباب هيئة البيئة أبوظبي، حاورت خلالها نخبة من السيدات من البلدين جمعت كلاً من سيبيله بفاف، القنصل العام جمهورية ألمانيا الاتحادية، والدكتورة نوال الحوسني، المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»، والدكتورة العنود الحاج، وكيل الوزارة المساعد لشؤون التنمية الخضراء والتغير المناخي في وزارة التغيُّر المناخي والبيئة، وإستر داهمن، مؤسس«B Corp »، وفاطمة السويدي، مدير تطوير الأعمال والاستثمار بشركة مصدر، حيث تم خلال الجلسة استعراض التجارب الشخصية، إضافة إلى دور المرأة في تشكيل مستقبل الاستدامة، وتقديم نصائح للنساء الأخريات اللواتي يتطلعن إلى المشاركة في الاستدامة.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الإمارات نهيان بن مبارك الاتحاد النسائي العام ألمانيا الاستدامة القطاع الخاص دولة الإمارات العربیة المتحدة فی جمهوریة ألمانیا الاتحادیة الشیخة فاطمة بنت مبارک الاتحاد النسائی العام التنمیة المستدامة الجلسة الحواریة نهیان بن مبارک دور المرأة فی فی الاستدامة تمکین المرأة مستقبل أکثر تغیر المناخ بین الجنسین النساء فی أن النساء آل نهیان فی مجال
إقرأ أيضاً:
القمة العالمية للحكومات ترسم المستقبل
لم يكن حديثي العابر مع سائق تاكسي في لندن مجرد محادثة تقليدية، بل كان شهادة مباشرة على المكانة الاستثنائية التي باتت تحتلها دولة الإمارات العربية المتحدة في المخيلة العالمية. فبمجرد أن ذكرت له أنني من الإمارات، تهللت أساريره وأبدى إعجابه الشديد بالتجربة الإماراتية، مشيرًا إلى أن رئيس بلاده يُعد من أبرز المعجبين بنهج الإمارات في التنمية والإدارة.
هذا الموقف، رغم بساطته، يعكس حقيقة أعمق: الإمارات لم تعد مجرد دولة ناجحة اقتصاديًا وتنمويًا، بل أصبحت نموذجًا عالميًا يُحتذى به، ومصدر إلهام للدول التي تسعى لتحقيق قفزات نوعية في مسيرتها التنموية. ففي عالم تزداد فيه التحديات، وتُختبر فيه النماذج الاقتصادية والإدارية على أرض الواقع، تبرز الإمارات كحالة فريدة تجمع بين الرؤية الاستشرافية، والقدرة التنفيذية، والمرونة الاستراتيجية.
لم تكن الإمارات الدولة الأولى التي حققت تقدمًا اقتصاديًا، لكنها من الدول القليلة التي استطاعت تحويل نجاحها إلى نموذج يُحتذى. فالتجربة الإماراتية لم تبقَ حبيسة حدودها الجغرافية، بل امتدت لتصبح مرجعًا يُستشهد به في مختلف المجالات، من الإدارة الحكومية إلى التخطيط العمراني، ومن القوة الناعمة إلى الابتكار التكنولوجي.
السر في ذلك يكمن في أن الإمارات لا تتعامل مع التنمية كمجرد عملية تراكمية للإنجازات، بل كنهج استراتيجي مستمر. فليست هناك نقطة نهاية في المسيرة الإماراتية، إذ أن كل إنجاز يتحول إلى نقطة انطلاق نحو طموح جديد. هذا النهج الديناميكي هو ما يجعل الإمارات ليست فقط في موقع المنافسة، بل في موقع الريادة، حيث ترسم المعايير التي يسير عليها الآخرون.
وتُعدّ القمة العالمية للحكومات 2025، المنعقدة حاليًا في دبي، مثالًا حيًا على قدرة دولة الإمارات على تنظيم مؤتمرات عالمية رفيعة المستوى. تستضيف القمة هذا العام أكثر من 30 رئيس دولة وحكومة، و140 وفدًا حكوميًا، بالإضافة إلى مشاركة أكثر من 80 منظمة دولية وإقليمية. تتضمن فعاليات القمة 21 منتدى عالميًا، وأكثر من 200 جلسة حوارية وتفاعلية، يشارك فيها ما يزيد عن 300 شخصية عالمية من قادة الفكر والخبراء وصناع القرار. هذا التجمع الدولي يعكس الثقة العالمية في قدرة الإمارات على توفير منصة تجمع القادة والخبراء لمناقشة التحديات المستقبلية وتطوير استراتيجيات تعزز التنمية المستدامة والابتكار الحكومي.
عندما يحضر المرء مؤتمرًا أو فعالية دولية في الإمارات، فإنه يلحظ مستوى من التنظيم يكاد يكون أشبه بالعمل الهندسي الدقيق: لا مجال للارتجال، ولا أثر للعشوائية. التجربة تبدو سلسة إلى حد يثير الإعجاب، وكأن الأمور تسير بطبيعتها دون جهد، لكن الحقيقة أن وراء هذا الإتقان رؤية واضحة، وخبرة تراكمية، واستثمار مستمر في الموارد البشرية والبنية التحتية.
ولذلك، بات من المعتاد أن نرى دولًا أخرى تحاول استنساخ النموذج الإماراتي في تنظيم الفعاليات الكبرى، ليس فقط من حيث الجوانب اللوجستية، بل حتى في تفاصيل مثل تجربة الزوار، وإدارة الحشود، وآليات الابتكار في الفعاليات. غير أن الفارق الجوهري يكمن في أن الإمارات لا ترى في هذا التقليد تهديدًا، بل تعتبره شهادة نجاح، وإقرارًا عالميًا بأن نموذجها هو المعيار الجديد في هذا المجال.
لم يعد نجاح الإمارات مقتصرًا على الاقتصاد أو البنية التحتية، بل امتد ليشمل القوة الناعمة التي باتت أحد أعمدة سياستها الخارجية. فمن خلال الدبلوماسية الثقافية، والمساعدات التنموية، والمشاركة الفاعلة في القضايا الدولية، تمكنت الإمارات من بناء صورة عالمية لدولة مؤثرة، لا تكتفي بمراكمة الإنجازات، بل تشارك خبراتها، وتدعم الدول الساعية إلى تحقيق التنمية المستدامة.
هذا الحضور الإماراتي اللافت على الساحة الدولية لم يكن وليد الصدفة، بل هو نتاج رؤية سياسية وثقافية تدرك أن التأثير الحقيقي لا يُبنى على القوة الصلبة فحسب، بل على القدرة على تقديم نموذج يُحتذى به، والاستثمار في العلاقات طويلة الأمد التي تعزز من مكانة الدولة في المشهد العالمي.
أحد أبرز العوامل التي حافظت على تفوق الإمارات هو رفضها لمفهوم "الإنجاز النهائي". فبينما تتعامل بعض الدول مع التنمية كهدف يُسعى لتحقيقه ثم يُحتفى به، تتعامل الإمارات معها كعملية مستمرة لا تتوقف. فلا يكاد يمر عام دون أن نرى مبادرات جديدة، ومشاريع طموحة، واستراتيجيات تُعيد تعريف ما يمكن تحقيقه في مجالات التنمية والابتكار.
هذه الرؤية الديناميكية هي التي مكّنت الإمارات من الحفاظ على موقعها في طليعة الدول المؤثرة عالميًا. فهي لا تكتفي بتطبيق أفضل الممارسات، بل تسعى لابتكارها، ولا تتبع النماذج التقليدية، بل تصنع نموذجها الخاص الذي يسعى الآخرون لمحاكاته.
في عصر يُقاس فيه النجاح بمدى القدرة على التأثير والاستدامة، تبرز الإمارات كدولة لا تكتفي بترك بصمة في الحاضر، بل تعمل على رسم ملامح المستقبل. فهي لا تسعى فقط إلى تحقيق التميز في المجالات التقليدية، بل تخطو بثبات نحو قطاعات المستقبل، مثل الذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الرقمي، واستكشاف الفضاء، مما يعزز مكانتها كدولة لا تُلهم فقط، بل تصنع المستقبل.
ولعل هذا ما يجعل الإمارات ليست مجرد قصة نجاح، بل تجربة عالمية متكاملة، تقدم للعالم نموذجًا في كيفية تحويل الطموح إلى واقع، وتحويل الرؤية إلى إنجاز، وتحويل الدولة إلى فكرة تُلهم الآخرين، ليس فقط لمحاكاتها، بل للسير على نهجها في إعادة تعريف مفهوم التقدم والريادة.